Thursday, 22 May 2014

التكتلات السياسية والأسئلة الإجبارية

 
لوحة في المدرسة للودفيج دويتش

عاش المفكر المصرى والمناضل اليسارى، الدكتور أنور عبدالملك، وهو ينادى بقيام جبهة وطنية متحدة..

وأذكر أن جلسات عديدة جمعته بعديدين، كنت واحدا منهم، لم تكن تخلو واحدة منها من إشارة إلى تلك القضية.. ولدى كاتب هذه السطور بعض رسائل خطية من المفكر المصرى والمناضل اليسارى، أيضا، الدكتور فؤاد مرسي، تتضمن تعبيره عن أمل لديه فى أن تتفتح كل الزهور فى حديقة السياسة المصرية، وأن يكون لليسار المصرى بطيفه متعدد الدرجات تكوين ديمقراطى يعبّر عنه فى تلك الحديقة.

أذكر أيضا أنه عندما قرر أنور السادات عام 1976 الانتقال من صيغة التنظيم السياسى الواحد إلى ما أسماه التعددية السياسية، وحصرها فى ثلاثة اتجاهات هى: «اليسار والوسط واليمين»، واختار لكل اتجاه قائدا له، فكان هو نفسه ـ أى السادات ـ قائدا للوسط، وعلى يساره خالد محيى الدين، وعلى يمينه مصطفى كامل مراد، أذكر أن مجموعة من الناصريين التقوا لإقامة منبر سياسى يعبر عنهم، وكنا فى مرحلة المنابر، وكان على رأس المجموعة السيد كمال الدين رفعت ـ رحمه الله ـ وكنت والراحل الدكتور عبد الحميد عطية، والسيد كمال أحمد، والأستاذ محمد سلماوي، نشارك فى التجهيز، وكلفت بصياغة البيان السياسى للمنبر ليلقيه كمال رفعت أمام لجنة مستقبل العمل السياسى، التى كان يرأسها سيد مرعى، ولكن الجلسة التى تحدث فيها كمال رفعت كان يرأسها مصطفى خليل. وحدث أن تم رفض إقامة منبر للناصريين، وحدث أيضا أن هاجمنا أنور السادات فى خطبة علنية له، ووصفنا بأننا بلا حياء!

لذلك قررنا أن نتفاوض مع الماركسيين والشيوعيين، الذين سمح لهم بإقامة منبر حمل اسم «التقدم»، كى ننضم له ونبنى وحدة لليسار المصري، خاصة القومى والماركسى.

وأذكر أن تلك المفاوضات دارت على عدة جلسات تمت فى مكتب السيد خالد محيى الدين بالدور العاشر فى المبنى، الذى احترق فى يناير 2011. وحضر من الجانب الماركسى مجموعة أذكر منهم على طلخان ومحمد شطا وفؤاد مرسى وإسماعيل صبرى عبدالله وأبوسيف يوسف، ولطفى الخولي، وكان يتولى السكرتارية رفعت السعيد، ومن الجانب الناصرى كمال رفعت، وعبد الحميد عطية، وكمال أحمد، وكاتب هذه السطور. وتقدم الحوار مرحلة بعد مرحلة، واقترحت أسماء عديدة للتكوين الجديد، إلى أن استقر الاختيار على «التجمع الوطنى التقدمى الوحدوي»، وكانت «القفشة» التى حبكت آنذاك هو أن اسمه المختصر على غرار ما كان يحدث فى الحركات والتنظيمات الشيوعية هو «توتو»!.. «تجمع وطنى تقدمى وحدوي». وبدأنا نبنى إلى أن جاءت أحداث يناير 1977، وسبقتها بقليل وأعقبتها اختلافات بين الناصريين أنفسهم على مبدأ قبول التعددية السياسية، وإلغاء الاتحاد الاشتراكى من الأساس، ثم على مدى جواز الدخول كتيار ناصرى غير منظم فى إطار تنظيمى مع الشيوعيين وهم لهم تنظيمهم، ومن ثم فإن الذى سيكون قادرا على الهيمنة على التكوين الجديد، وقادرا على الاستقطاب هو «الشيوعيون»، ومن ثم فإن من الخطر القبول بهذا الاندماج.. وهلم جرا من التنظيرات السياسية الحادة.

وكانت النتيجة أن بقى جزء من الناصريين فى التجمع، بينما بقيت الغالبية خارجه تسعى وتناضل من أجل قيام حزب ناصرى مستقل، يحمل أفكارا ويسعى لتحقيق أهداف التيار الناصرى!

إننى لست بصدد مناقشة ما آل إليه مصير التجمع ومصير الناصرى، ولست بصدد مناقشة الأسباب التى أدت إلى ذلك المصير، بقدر ما أننى بصدد الحديث عن الدعوة التى تعلو وتائرها الآن، ويتبناها ويدعو إليها بقوة المرشح الرئاسى المشير عبدالفتاح السيسى، وقد ذكرت طرفا من أحداث التقارب أو الائتلاف اليسارى، التى تمت عند منتصف السبعينيات، لأؤكد أن الدعوة ليست جديدة، وإنما حلم قائم منذ فترة طويلة، تعود بدايتها إلى بدء مرحلة التعددية السياسية فى مصر، أى منذ أربعين عاما.

لقد استمعت مع غيرى إلى السيسى وهو يتحدث فى التليفزيون أو مباشرة عن الأهمية القصوى لبناء كتل سياسية كبيرة لها وزنها فى الحياة السياسية، ومن ثم يكون لها وزنها داخل البرلمان المقبل، لكى تتمكن البلاد من إنجاز التشريعات التى تترجم الدستور إلى قوانين تفصيلية، تتناسب مع المرحلة المقبلة من العمل الوطنى، كما أن الرجل لم يضن بتحذيره للقوى السياسية من أن تبقى موزعة مشرذمة وفى أحزاب لا فاعلية جماهيرية لها، لأنه إذا كان بعض الحكام قد يسعون لتكريس هذا الضعف وذلك التشرذم لأسباب معروفة، فإن الوطن الذى يعلو الجميع يستلزم الخروج من هذا الوضع، خاصة أن القوى الشبابية فى المرحلة العمرية من 20 سنة إلى 40 سنة حوالى 30 مليون نسمة، ولابد من استيعابها فى التكوينات السياسية المصرية، حتى لا تبقى فريسة لاتجاهات التطرف والإرهاب.

عندئذ يكون السؤال الملقى على عقل ووجدان التيارات السياسية المصرية، وفى مقدمتها تيار اليسار المصرى القومى والماركسى والمستقل، الذى هو أكثر ميلا للعدالة الاجتماعية وحقوق الطبقات الدنيا، دون أن يكون منتميا لمدرسة سياسية بعينها هو: هل آن الأوان لبناء الجبهة الوطنية المتحدة التى تضم القوميين والماركسيين والشيوعيين، ومعهم شرائح من التيار الليبرالى والإسلامى، تلك التى تدخل فى نطاق يسار الوسط بحكم اهتمامها بالمسألة الاجتماعية كما أسلفت؟ وهل آن الأوان لليمين المصرى بتنويعاته أن يبنى تحالفه هو الآخر بحيث تتضافر الجهود على الناحيتين للاتفاق على خطة برنامجية للعمل الوطنى الاقتصادى والاجتماعى فى العقد المقبل تكفل تحقيق الحلم الذى نسعى إليه جميعا، وهو انطلاق مصر ونهوضها من كبواتها فى ظرف زمنى محدد؟

إننى أدعو إلى طرح قضية بناء تحالفات وطنية عريضة يمينا ويسارا، للنقاش وأن تفتح حولها أبواب الحوار للحديث عن مدى قبول الواقع المصرى للفكرة، وعن مدى استعداد مختلف الأطراف للسعى إليها، وعن تجارب المجتمعات الأخرى فى أوروبا، وفى التجربة الهندية مثلا، بل وفى الدولة العبرية ذاتها، لإقامة التحالفات والائتلافات المرحلية، والأخرى الاستراتيجية والأطول مدى.

إنها دعوة تستهدف ضخ الدماء النقية المناسبة فى الحياة السياسية المصرية، التى يظهر أن بعض، إن لم يكن كثيرا، من أحزابها شاخت قبل الأوان، وغيرها لا يحسب حيا بحال من الأحوال، وثالثها أقرب ما يكون إلى المزحة الثقيلة، التى لا تضحك بقدر ما تثير الاشمئزاز، هل سيقدر اليسار المصرى بفرقه العريضة، وفرقه الميكروسكوبية أن يتجاوز محنته، وأن يتلقف الفرصة ليصير رقما صحيحا فاعلا فى الخريطة المصرية؟! سؤال أجد نفسى ضمن المطالبين بالإجابة عنه.
                                    
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 22 مايو 2014

No comments:

Post a Comment