أبدأ ببلاغ لوزير الداخلية فى نفسى وفى مصلحة الأحوال المدنية
التابعة لوزارته.. وأظن أنه بلاغ لكل من يهمه أمر الدولة المصرية ونظام الرئيس
السيسى الذى أزعم أننى مثل كثيرين مهموم بمسيرته وبالأحمال الثقيلة التى يحاول
حلحلتها، ناهيك عن إدراك بأهمية وجوده هو كشخص على رأس الدولة فى هذه المرحلة، لأن
غيابه لا قدر الله مفزع بكل المعايير التى لا مجال الآن للتفصيل فيها.
إننى أستطيع أن أجزم وأؤكد وأحلف بالعتاق والطلاق وأيمانات
المسلمين وغير المسلمين أن مصلحة الأحوال المدنية تحديدا، استطاعت أن تقوم بما
عجزت وتعجز عنه جحافل الإرهابيين من إخوان وسلفيين وجهاديين وغيرهم، لأن مئات
الألوف الذين شاء حظهم العاثر وقدرهم المخيف أن يحاولوا استخراج رقم قومى أو شهادة
ميلاد أو كشف عائلة أو بقية ما تقدمه تلك المصلحة، دخلوها وهم محبون للرئيس مقدرون
دوره وجهده وفرحون بإنجاز القناة وآملون فى بقية الإنجازات التى أعلنها الرجل،
خرجوا وهم يلعنون اللحظة التى كانوا فيها مصريين، وامتدت اللعنات إلى كل
المستويات، سمعت ذلك بأذنى ولم أقدر أن أرد بل حمدت الله أن لم أقل آمين.
عن نفسى حاولت مع ابنتى أن نكون مواطنين صالحين فذهبت هى وحدها
فى الصباح المبكر إلى سجل مدنى مدينة نصر أول، لتجدد رقمها القومى وتغير حالتها
الاجتماعية ولم تتمكن من الاقتراب.. ويوما بعد يوم تعود ودمعتها على خدها لأن
ميعاد سفرها مع بناتها اقترب، إلى أن عادت بعد كذا محاولة وملابسها ممزقة! وكل ذلك
والعبد لله يدعوها للصبر والمثابرة! ولم يكن هناك بد فاستعنت ببعض الأصدقاء وحصلت
على رقم هاتف أحد المسؤولين فى المصلحة وعبثا حاولت أن أجعل هاتفه يرد.. فتوجهت
ومعى ابنتى للمصلحة بالعباسية.. ولا فائدة إذ يستحيل على عجوز مثلى وامرأة مثلها
الاقتراب من ممرات المصلحة!.. وعندها بحثت عن الطريق الآخر.. طريق أى أمين شرطة
يعكم المطلوب ويخلص.. وقد حدث وخلصت!!
طبعا الباشا اللواء مدير المصلحة مساعد الوزير واللواءات الذين
معه وبقية القابعين فى مكاتبهم المدججة بالضباط والأمناء والصف والجنود
والتليفونات والمكيفات لا يمكن أن تسمع منهم إلا عبارة واحدة: «هنعمل إيه يعنى؟!..
الناس همج وغير منظمين والكل اندفع يستخرج الوثائق لأنه موسم الكليات العسكرية
والسفر للخارج وتوزيع الشقق والمدافن وغيره»، ثم قد يتطوع أحدهم ويسألك بسخرية عن
رأى سيادتك فى الحل.. وأقول إن الحل هو تسريح كل مصلحة الأحوال المدنية ليستبدل
بها ــ الباء تدخل على المتروك ــ شركات مدنية.. مثلما هو الحال فى الحصول على
الفيزا من السفارات يعنى شركات يديرها لواءات برضه لكن متقاعدون عندهم خبرة فى
الموضوع، تستقبل الأوراق برسوم محددة يعود جزء لا بأس به منها إلى الداخلية، ويصل
المواطن فيأخذ رقما ويتفضل يجلس فى مكان آدمى حتى ينادى على رقمه وتراجع أوراقه ثم
ينصرف وهو يعرف ميعاد تسلم معاملته.. وهكذا الحال فى المرور عند تجديد الرخص
للقيادة والمركبة وهلم جرا.. سرحوهم أو انقلوهم إلى أماكن أخرى وقبل ذلك احشروهم
فى سجل مدنى مدينة نصر، حيث ثلاثة أمتار فى ثلاثة أمتار والبشر بالمئات!
وإلى أن يتم استبدال الشركات بالمصلحة لماذا لا يتم اقتطاع
مساحة 200 أو 300 متر فى مثلها من أى حديقة عامة أو من أى ساحة خالية تتبع
المحافظة ويقام فيها مقر للأحوال المدنية يجمع أحياء شرق القاهرة كلها.. ويكون
النظام فيه كنظام منطقة تجنيد القاهرة التابعة للقوات المسلحة التى تستقبل الألوف
بنظام وكرامة وإنسانية وأماكن مريحة نظيفة وسرعة إنجاز.. يعنى يا سيادة الوزير يا
من نعلم حجم العبء الملقى على عاتقه، هناك حلول ونماذج ناجحة فى الدولة ولا يبقى
إلا القرار، بس سايق عليك النبى والصحابة والقديسين تأمر بحشر مساعدك للأحوال
إياها هو وأى حد من أقاربه مع مئات الألوف التى كان هو سبب عذابها.
الأمر الثانى الذى أود التحدث عنه فى هذا المقال يبدأ بسؤال
هو: هل من الوارد للكاتب فى هذه الأيام أن يمارس التقية ويتفنن فى الإسقاط ويبالغ
فى إسقاطه حتى السقوط فى مهاوى المغالطة الفجة؟!.. فعلا أريد أن أعرف وأن أعلم هل
مازال فى مصر من يتردد فى أن يكتب ما يريد كيفما يريد وبوضوح لا لبس فيه، وإذا كان
الخوف والارتعاد قد سكنا عقل وجسد صاحب قلم ما وصار مصابا بالفوبيا فهل من حقه وحق
من ينشرون له أن يبتلوا الناس بمرضه لمجرد أنه لا يريد دفع أى ثمن، ولمجرد أنه
يريد التذاكى على خلق الله؟!
لقد صاغ أحدهم إسقاطا مزريا استهدف به مبارك والسيسى وغمز
الأخير بكلام عن «تطهير ترعة لا لزوم له»!!
وعن استرضاء للخارج بشراء الذمم عبر شراء المنتجات.. وفيما
الإسقاط الأول على المسؤول وابنه إذ لم يكن فاعلا ولا عادلا، فإن الإسقاط على
المسؤول الثانى يشير إلى أنه قاتل والدماء فى رقبته كثيرة.. عدا عن أوصاف أخرى
أكثر زراية!
إننى لم أكن أنوى الكتابة عن تلك الإسقاطات إلا أن مكالمة
هاتفية ساخنة من أستاذى وصديقى الدكتور محمود عودة، رائد علم الاجتماع المصرى
المعاصر، دفعتنى للكتابة لأن الأستاذ إذا أمر فما على التلميذ إلا أن يستجيب..
وخاصة أن مكالمته بدأت بسؤال تقريرى: هل من المقبول لرئيس تحرير سابق عينه الإخوان
وتوسط له السلفيون أن يبث سموم إسقاطاته الرديئة على الوطن فيما الناس تحاول أن
تجد أملا بعد شق قناة السويس الجديدة؟!
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 25
أغسطس 2015
No comments:
Post a Comment