Thursday, 21 November 2013

اليد المرفوضة

 
لوحة معبد الكرنك لأرنست كارل إيوجين كورنر
لا أتصور أن يبلغ ضعف الذاكرة بالبعض حدا يمكن اعتباره نسيانا عمديا يدخل في باب الاستهبال بالمعني العامي الدارج‏..‏ أي معرفة الحقيقة وادعاء عدم الإلمام بتفاصيلها،‏ أي ـ وبالمعني العامي الدارج أيضا ـ الغطرشة عليها‏!
يتعمد البعض نسيان حقيقة أن الإخوان المسلمين وهم في قمة الحكم رئاسة ووزارة، هم الذين بادروا برفض الآخر بمن في ذلك إخوانهم في تيار التأسلم السياسي، وأعني بهم السلفيين في المقام الأول. ومن ينصت إلي تصريحات قيادات من وزن ياسر البرهامي يعرف أن جسور الثقة كانت مدمرة بل وغير موجودة من الأساس مع الإخوان! والمذهل المفجع أن أولئك البعض يتعامون عن مظهر شديد الدلالة علي رفض الآخر، أي رفض التعدد علي إطلاقه بمن فيهم الأصدقاء والحلفاء وأقصد به ما حدث داخل القصر الرئاسي نفسه بعدما عين محمد مرسي مساعدين له وعين هيئة استشارية حافلة بأسماء رنانة بعضها محترم بحق! ثم إذا بالمستشارين يجدون أنفسهم بلا وظيفة وبلا مهام وحتي الذين أصروا منهم علي استمرار القبض علي جمر البقاء، حرصا علي الوطن وعلي سمعة الديمقراطية وسمعة الإخوان لم يجدوا مفرا من الاستقالة، وفي مقدمتهم الدكتور سيف عبدالفتاح الذي كان بينه وبين كاتب هذه السطور مساحة ود سمحت بتبادل الآراء، سواء عندما كنا في مهمة مشتركة تولي هو قيادتها وهي المجلس الوطني للعدالة في مرحلة وزارة عصام شرف وبعدها بقليل أو عندما كنا نتقابل، وقد سمعت منه عن الإخوان وقياداتهم ومنهجهم ما أود الاحتفاظ به الآن لحين الكتابة عن ظاهرة المثقفين والأساتذة الذين يمارسون الخطاب المزدوج وإعانة الظالم علي ظلمه وليس نصحه بالكف عنه!

وكذلك كان حال المساعدين عدا واحدة بقيت ولم تفلح في عملها أو علي الأقل لم تفلح في المهمة التي تصدت لها، وهي إعادة تشكيل وتفعيل المجلس الوطني للعدالة، وكنت حاضرا في اجتماع برئاستها وعلي يمينها أستاذها سيف عبد الفتاح وربما كان النجاح الوحيد هو إحضار قائمة لذيذة من ساندوتشات الرئاسة الشهيرة فيما كنا نطمع في مد أسمطة المضبي والمندي والكبسة وبقية الأطايب التي اشتهر بها القصر تحت قيادة مرسي، وكان الجلوس أرضا كما تواترت الروايات عن رواة موثوقين!

رفض الإخوان التعدد مع غيرهم عندما بدأوا وبسرعة مذهلة في إزاحة من ليس منهم في المواقع المهمة ببعض الوزارات والهيئات، ووضع رجالهم ونسائهم في هذه المواقع وبالمئات بصرف النظر عن الكفاءة والخبرة والمؤهل! بل وصل الأمر إلي أن تتقمص قياداتهم ونموذجها الأبرز، عصام العريان، دور رجال الحكم فيتوقفوا عن مجرد الاستمرار في العلاقات الودودة الطيبة مع غيرهم من المنتمين لتيارات سياسية أخري، وقد كان الإخوان ـ والعريان وعلي عبدالفتاح نموذجا ـ يبادرون بالتواصل لحد الإزعاج، وخاصة عندما كانت الدعوة توجه للقاءات بحضور المرشد محمد بديع!!

رفض الإخوان التعامل الجدي مع الآخر في هذا الوطن، عندما حرصوا علي نكث تعهداتهم التي بدأت بإعلاناتهم المتكررة عن المشاركة وليس المغالبة، وأنهم لن يرشحوا أحدا للرئاسة وهلم جرا، وإذا بالأمر يتحول مباشرة إلي مغالبة فجة وإلي رئيس لا يصلح للمهمة وإلي سيطرة شبه كاملة علي المجلس النيابي بفرعيه، وعندما احتدمت المشاكل وحدث شبه إجماع وطني علي ضرورة الاستفتاء علي موقع الرئاسة، وكان ذلك نتيجة الأخطاء الجسيمة القاتلة في حق الوطن، أمنا واقتصادا وخدمات وغيره، وارتبط ذلك بشبه إجماع وطني آخر علي تغيير الوزارة وخاصة هشام قنديل، تمادي الإخوان في الرفض وهونوا من شأن هذا الإجماع واعتبروا أن30 يونيو زوبعة سرعان ما ستهدأ وأن اليوم سيمر مثل غيره من الأيام.. ومازلت أذكر هنا وجه عصام العريان الضاحك بسخرية من تمرد ومن30 يونيو! وقد استمر رفض الإخوان إلي أن بادر وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة وقدم مبادرات للخروج من الأزمة، وقدم تحذيرات من المآل الذي يمكن يئول إليه الوطن.. ولكن لا حياة لمن تنادي.

هكذا هو حال البعض في الاستهبال السياسي لدرجة التباكي علي الديمقراطية وعلي الحوار وعلي حق الإخوان في المشاركة، وهنا تعالوا نسأل بعضنا بعضا: من منا يقبل بمن يمسك سلاحا ناريا ويصوبه ملتصقا إلي رأسه ويطلب الحوار؟!! ومن ذلك الذي يقبل بمن يرفض احترام الدين الذي ينتمي إليه ويرفض احترام المذهب الذي يتبعه ويرفض احترام منهج تفكيره في العلاقة مع الله وعلاقته مع المجتمع، ثم يأتي هذا الذي يرفض كل ذلك ويطلب الحوار والتفاهم.. وهو لم يعلن عن تغيير مواقفه ولا حتي عن نيته في مناقشة هذا التغيير؟!

إن ذلك البعض من متعمدي النسيان يتعمدون أيضا الغطرشة علي أن أصل الحكاية ليس هو الشرعية والانقلاب وكل هذه الأسطوانة المشروخة الزائفة، وإنما أصلها فعلا هو الصراع التاريخي ذو الأبعاد الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مشروعين محددين، طالما حاولت الكتابة لأوضح أبعادهما: مشروع النقل المتمسك بمتون ونصوص معينة ليست هي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولكنها كتابات لبشر مثل حسن البنا والمودودي وابن تيمية والألباني وغيرهم، يؤخذ منها ويرد بل ويمكن تجاهلها كلها ولن يتأثر مسار الإسلام ولا حياة المسلمين، ومشروع العقل المتمسك بالتعامل المنهجي العلمي مع كل مناحي الحياة، لأنه حيثما تكن مصلحة الأمة فهناك شرع الله، هذه هي الحكاية ببساطة من أمس وإلي اليوم وستستمر إلي الغد القريب والبعيد إلي أن تحسم لصالح الأمة!

إن أي حر شريف لابد أن يرفض تلك اليد الممدودة حتي يسقط السلاح الناري والأبيض من اليد الأخري.. لأنه سلاح حقيقي لا مجازي يتراوح بين السكاكين وبين المسدسات والبنادق الآلية إلي الجرينوف والآر بي جي والصواريخ المضادة للطائرات! وعندها من الوارد أن يفكر أي حر شريف في أن يستقبل تلك اليد الممدودة، ولكن المعضلة الكبري ستبقي هي أنه حتي في حال التخلي عن السكاكين والقنابل فإن التخلي عن أسلحة العمل السري والتآمر وإلغاء الوطنية وتكفير الآخر المختلف والمناورات والكذب والخداع والخيانة سيكون أمرا صعبا علي من ذاق ثمار هذه الأسلحة وكيف أوصلته إلي عرش مصر المحروسة في غفلة من الزمن.
                                
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 21 نوفمبر 2013

No comments:

Post a Comment