هذه السطور أهديها أو أقدمها أو أعرضها أو أتمنى أن تصل إلى
المقصودين بها، وهم ودونما مواربة أو حياء، كل من أفسد وفسد أو استبد أو مرمط
مؤسسات الوطن أو مرمغ المعانى النبيلة التى تقترن بالديمقراطية والتعددية والعقيدة
الدينية!
ذلك لأن بعضهم لا يعرف شيئا اسمه حمرة الخجل، ولا يسمع عن
فضيلة اسمها الاستتار عند الابتلاء، ولا يرى نقيصة فى أن ينظر إليه الناس بازدراء،
وفى أقل الأحوال بإهمال وتعجب، فتراهم يحاولون العودة إلى ساحة العمل العام مباشرة
أو من خلف برفانات بشرية، ولا بأس أن يسمعوا ويشاهدوا كل علامات الازدراء والإهمال
والعجب فلا يتأثرون وكأن جلودهم امتداد للتماسيح وأفراس النهر. ذلك أننى عرفت
بالمصادفة فى أثناء قراءتى بعض كتب تاريخنا المصرى القديم، أصل حكاية تكسير القلل
حتى يرحل المذكور رحيلا لا عودة منه، وقد كان الناس فى أحيائنا الشعبية وفى القرى
يكسرون القلل وربما الزير أيضا حتى لا يعود من كرهوه لشروره وحسده وقلة أصله
ولصوصيته.
اكتشفت أن حكاية التكسير هذه تعود إلى ما قبل ثلاثة آلاف
وخمسمائة سنة، أى إلى النصف الثانى من عصر الأسرة الثالثة عشرة المصرية القديمة،
وهو العصر الموسوم بالانحطاط والاضمحلال نتيجة لتفتت البلاد وانتشار الفساد
والصراع على الحكم، وانتهى بدخول الأعداء من الشمال الشرقي.
ولقد لجأ الناس - آنذاك - عبر كهنة المعابد المصرية القديمة
إلى استخدام التعاويذ كى يحل عنهم الذين استبدوا بهم، ومعهم الذين عاثوا فسادا فى
الديوان الحاكم، وكان الكهنة يحضرون عجينة الصلصال ويصنعون منها تماثيل فخارية على
هيئة الذين يريدون رحيلهم، ثم يكتبون التعاويذ بالحبر الأحمر ويبدأون فى تكسيرها
اعتقادا منهم بأن هذا التكسير سيكسر عزائم المذكورين ويقصف أعمارهم. وكانت تلك
النصوص تسمى نصوص اللعنة، ويصور المؤرخون حال مصر فى تلك الفترة، فيؤكدون أن قلة
الاستقرار وفساد الإدارة وتفرق الكلمة واضطراب حبل الولاء فى الداخل والخارج كان
هو الوضع السائد، كما ظل اضطراب الأمور فيما وراء الحدود الشرقية والشمالية
الشرقية هو الخطر الأكبر.
ويقول المؤرخان المصرى مانيتون واليهودى يوسيفوس إنه بعد اضطراب
الأمور فيما وراء تلك الحدود - أى فلسطين وسوريا الآن عصف بنا غضب الرب ووفد غزاة
من الشرق مجهولو الأصل إلى أرضنا دون توقع وكلهم أمل فى النصر، فهاجموها عنوة
واستولوا عليها بسهولة وتغلبوا على حكامها وحرقوا مدننا بوحشية وسووا معابد
الأرباب بالأرض وعاملوا المواطنين بخشونة وفظاظة وذبحوا بعضهم واسترقوا نساء
وأطفالا!
ويا لها من مفارقة تاريخية مذهلة أن كان يحدث عندنا الاستبداد
والإفساد والفساد ومن بعده الاتجار بالدين وخيانة أمانة قيادة البلاد وتسريب أخطر
وثائق أمنها إلى الأجانب، ويحدث فى الوقت نفسه الاضطراب فيما وراء الحدود الشرقية
والشمالية الشرقية! ثم إننى أدعو أولئك الذين يحاولون إعادة إنتاج أنفسهم ومسلكهم
الفاسد والمستبد والجهول إلى تعلم عادة القراءة، فربما كان فى بعض السطور ما
يفيدهم، حيث إن تذكيرهم بما فعلوه هو أكبر فائدة لهم، لأنه يساعدهم على تفضيل
التوارى والخجل إلى الأبد.
وهنا أسمح لنفسى أن أدعوهم لقراءة الأدب، شعرا ورواية وقصة،
لأنه المجال الذى صاغ فيه المبدعون آلام الشعب ومعاناته، وفى هذا السياق يأتى
المبدع الذى ظلم حيا وميتا، الفنان الشاعر والمسرحى نجيب سرور، الذى مات وهو يقيم
الحجة على المجتمع وعلى المثقفين وعلى الحكام آنذاك، بتجواله فى صورة متشرد على
شوارع ومقاهى وسط العاصمة.
وبالقطع فلن أستطيع كتابة أهم المقاطع فى قصيدة نجيب سرور
الشهيرة التى يعرفها معظم - إن لم يكن كل - المثقفين ويرددون بعض أجزائها أو
يسمعونها بصوته كاملة، وما قد أقدر عليه هو بعض الأبيات التى تصور الحال الذى كان
عليه الوطن، وفى الأبيات تحذير مؤكد كى لا يتكرر الذى كان.
اقرأوا معى ما كتبه نجيب منذ عقود:
أخش بيت الأدب ألقى الأدب ممنوع
تدخل ورايا المباحث شىء ومش معقول
يمين شمال بتراقبنى والكسوف مرفوع
لولا الملامة لياخدوا عينة م البول
يحللوها يلاقوها م الفصيلة جيم
وف أى خانة يحطونى ولو شيعى
ومش مهم.. المهم أدخل فى سين وجيم
وشيعى وقت اللزوم أهى تنقرا
شيوعي!
ما فيش لا شيعى ولا شيوعى ولا دياولو
فيه لسه فهرس طويل فيه الخانات ألوان
ومحقق أعمى وديب قاعد وبيناولوا
عميانى وأدبح ويا خسارة ع الخرفان
ثم يقول نجيب سرور منذ أكثر من ثلاثين عاما:
شوفوا اليهود فين يا عالم روحوا راقبوهم
بلاش تراقبوا الغلابة حتى فى المراحيض
يا ديول ديول اليهود مهما حتحموهم
بكرة نشوفكم نسا زى النسا بتحيض
وينتقل نجيب - ألف رحمة عليه - إلى فقرة أخرى وفيها:
وياما ثرنا وبقت ثوراتنا بالدورة
وفى كل مرة نلاقى النيل بقى إحباط
وننام ونصحى نلاقيها ثورة ع الثورة
ونعيده تانى وكل الرك ع الخياط
ثم.. وأكاد أقسم أن نجيب كان كأنه يتكلم عن مبارك وعن مرسى:
لو طبوا بكرة اليهود يا مصر وخدوكى
والله ما ها يشيلوا من فوق الكراسى حد
ها يلاقوا مين يحكمك غير اللى باعوكى
مفروشة ليهم وقدم سبت تلقى الحد!!
ولكم أعزائى القراء أن تتذكروا ما قيل بلسان وزير إسرائيل
ورئيس مخابرات حربية صهيونى عن حسنى مبارك الكنز الاستراتيجى ومصر التى كانت ملعبا
مفتوحا.. وأن تتذكروا رسالة مرسى إلى صديقه الحكيم أخيه شيمون بيريز.
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 9
أكتوبر 2014
No comments:
Post a Comment