Thursday, 15 January 2015

ابن تيمية يكفرنا جميعا




كتبت فى هذه الصفحة يوم 19 مايو 2011، ويوم 2 يونيو 2011، مقالين كان أولهما بعنوان «التصدى للأصول أولى وأجدى»، وعنوان ثانيهما: «من ابن تيمية إلى حسن البنا.. التدقيق لازم»، وقد حاولت فيهما أن أتقصى جذور ما يسمى بالخطاب الدينى، الذى هو عندى خطاب دعوى دنيوى يحاول أصحابه السيطرة على مستمعيهم، بالاستناد إلى ما يزعمون أنه صحيح الدين.

ووجدت أن التطرف يعود فى بعض جذوره إلى ما أفتى به ابن تيمية، وبثه حسن البنا فى رسائله، وفى مقال مايو 2011 عدت إلى فتاوى ابن تيمية ونقلت بالنص ما أفتى به عن الكنائس وسقت شذرة بسيطة من فتواه عن أعياد المسيحيين، وأشرت إلى فتواه عندما سئل عن التعامل مع «المردان» جمع أمرد، وهو الصبى الذكر صغير العمر جميل الوجه، وفيما أفتى به العجب العجاب، وكأنما جبل الإنسان الرجل على المثلية الجنسية.

ولما ذهبت إلى حسن البنا فى يونيو 2011 وقرأت رسالة الجهاد، وقد كتب حسن البنا فيها مستعينا ببعض الأحاديث النبوية الشريفة عن الجهاد، وتوقفت أمام رقم 15 لأننى قرأت ما يلى بالنص: «وعن عبدالخير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال لها أم جلاد وهى منتقبة تسأل عن ابن لها قُتل فى سبيل الله تعالى فقال لها بعض أصحابه: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟ فقالت: أن أرزأ ابنى فلن أرزأ حيائي، فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم: «ابنك له أجر شهيدين» قالت: ولم؟ قال: «لأنه قتله أهل الكتاب».. أخرجه أبو داود.

انتهى الحديث ولكن حسن البنا يضيف من عنده ما نصه بالحرف: «وفى هذا الحديث إشارة إلى وجوب قتال أهل الكتاب، وأن الله يضاعف أجر من قتلهم، فليس القتال للمشركين فقط ولكنه لكل من لم يسلم».. كتبت ذلك ولم يرد الإخوان آنذاك وكانوا فى سطوتهم!

اليوم أعود ثانية إلى ابن تيمية وفتاواه الكبرى الصادرة فى بيروت عن دار المعرفة، وقدم لها وعرف بها الشيخ حسنين محمد مخلوف، مفتى الديار المصرية رحمة الله عليه، لكى أقدم نموذجا يستوجب، ليس فقط التوقف عنده وتفنيده، ولكن الدخول فى حوار مع معتنقيه والمفتين به من سلفيين وإخوان وغيرهم، وإقامة ورش عمل فكرية وفقهية تتبع كل تلك المصادر وتفتش فيها«تفليها.. من التفلية» صفحة صفحة لتحصر ما يتعين مراجعته والرد عليه. وقبل أن أنقل بالنص عن ابن تيمية أشير إلى أنه اعتمد على أقوال مرسلة لبعض الصحابة وبعض التابعين دونما تمحيص ولا إعمال للعقل ولا نظر لما جاء فى القرآن الكريم مما يلغى أو «يجُبُّ» تلك الأقوال المرسلة.

ومن سيقرأ ما أفتى به وكتبه ابن تيمية فربما يتفق معى أن أول خطوة اتخذت عمليا فى مسار الثورة الدينية التى دعا إليها رئيس الجمهورية كانت زيارته لمقر الكاتدرائية المرقسية الكبرى يوم الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، والآن تعالوا لنقرأ الأصل فى كل ما نعيشه من تطرف.

فى المجلد الثانى من الفتاوى الكبرى لابن تيمية طبعة دار المعرفة بيروت - لبنان - بدون تاريخ فى صفحة 96 نقرأ: «وقد روى البيهقى بإسناد صحيح فى باب كراهية الدخول على المشركين يوم عيدهم فى كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم: عن سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه «لا تتعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين فى كنائسهم يوم عيدهم فإن السخط ينزل عليهم..» فهذا عمر قد نهى عن تعلم لسانهم - !!! - وعلامات التعجب من عندى.. وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم فكيف من يفعل بعض أفعالهم أو قصد ما هو من مقتضيات دينهم.. أليست موافقتهم فى العمل أعظم من موافقتهم فى اللغة، أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم فى عيدهم، وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم فى العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك.

وينتقل ابن تيمية إلى ما يجعل القارئ «يطلع من هدومه»: «وقد سئل أبوالقاسم عن الركوب فى السفن التى تركب فيها النصارى إلى أعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم بشركهم الذى اجتمعوا عليه، وقد قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم» فيوافقهم ويعينهم (فإنه منهم).

ثم ينتقل ابن تيمية إلى ما هو أشد فيقول: «والمسلم يجتهد فى إحياء السنن وإماتة البدع، ففى الصحيحين عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم»، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «اليهود مغضوب عليهم» والنصارى «ضالون» وقد أمرنا الله تعالى أن نقول فى صلواتنا «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليه ولا الضالين» والله تعالى أعلم».

انتهى الاقتباس بالنص من كلام ابن تيمية.. وهأنذا قد كشفت بوضوح عن الأصل الذى يستند إليه أمثال ياسر برهامى وبقية من يسمون أنفسهم بالسلفيين ومعهم الإخوان وكل من سعى سعيهم فى تكفيرنا واتهامنا بالشرك لأننا نوالى المسيحيين ونشاركهم الأعياد والمناسبات. ولعل القارئ يلاحظ معى أن ابن تيمية استند إلى أسماء «أبوالقاسم، وأبوموسى، ومجاهد، والربيع بن أنس، وأبو يعلى، وابن عمر، والبيهقى.. وغيرهم»، وذهب إلى أن تعلم لغة أهل الكتاب - يعنى القبطية واليونانية واللاتينية ثم اللغات الحديثة فى أوروبا وآسيا - حرام نهى عنه عمر بن الخطاب، وكأن السخط لن يميز بين الركاب!

إن كتب ابن تيمية ومن أخذوا عنه واستندوا إليه وكذلك القنوات الفضائية التى ينتشرون فيها موجودة ولا بد من وقفة شاملة ليس فقط من علماء الأزهر والسالكين فى الطريق لله سبحانه وتعالى ولكن من كل التركيبة الثقافية فى مصر وغير مصر، وإلا فلن تجف منابع الإرهاب ولن تمضى ثورة التجديد فى الخطاب الدعوى المسمى بالخطاب الدينى فى طريقها.

وعلى الله قصد السبيل.
                                           
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 15 يناير 2015

No comments:

Post a Comment