Thursday, 28 February 2019

الفريسيون .. والدستور


لأن التكرار يعلّم – لا مؤاخذة – الشطار، فإنني أكرر أن مناقشة مبدأ التعديل في أي نص وضعي، أمر يختلف عن التطرق لمضمون التعديل ومداه.. وما زلت أؤكد أن الدستور كنص وضعي من صنع الإنسان ليس كتابًا منزلًا لا يأتيه الباطل من أي اتجاه.. وما زلت ألاحظ أن معظم إن لم يكن كل الذين قامت قيامتهم لمجرد طرح مسألة تعديل الدستور المصري، هم من الذين طالما خاضوا الجدل، متمسكين بأن أي نص هو نص تاريخي، بما في ذلك الكتب المقدسة، وأنه لا يجوز لعاقل – من وجهة نظرهم – أن يفكر في أن يبقى المجتمع أسيرًا لنص نزل أو صيغ في ظروف معينة.. ومع هؤلاء المتعبدين في محاريب نص وضعي وضعته لجنة من البشر، الذين يختلف على معظمهم، وجدنا للتعامل مع النص المنزل اتجاهات لا تنتقص من قدسيته، ولكنها حاولت التعامل معه بمرونة، فمنها من قال بجواز صرف النص إلى غير ظاهر معناه.. ومنها من ذهب إلى جواز تعطيله في ظروف معينة، مثلما فعل الخليفة عمر مع نص حد السرقة في عام المجاعة "الرمادة"، ومثلما فعل الرسول صلى الله عليه وآله، مع نص نصيب المؤلفة قلوبهم من الغنائم.. بل وذهب آخرون إلى أن هناك نصوصًا تُعطل سريان أحكامها بحكم الزمن، مثل ما يتصل بالرقيق!، ثم عرفنا القاعدة الأصولية القائلة: إنه حيثما تكون مصلحة الأمة فثم شرع الله، ثم إن هناك من يتعامل مع الشأن الدستوري بالطريقة التي تحكيها حكاية الرجل الذي ذهب للمستشفى بزوجته التي فاجأتها آلام المخاض وتعسرت الولادة، وبقي واقفًا ينتظر وقد أضناه القلق، ثم وجد الطاقم الطبي يخرج من العمليات، وفوجئ برئيسه يقول له برصانة شديدة: مبروك.. نجحت العملية ومن أجل نجاحها ضحينا بالأم والجنين!

ولأن السياق يستدعي من ذهن المرء ما يبيح القول بأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن الذين ينزلون نصًا وضعيًا منزلة مقدسة تحرم التعامل معه وفق ما يحتاجه المجتمع ويكفرون من يرى أنه حيثما تكون مصلحة الأمة فثمة النص الدستوري، ذكروني بالحوار الذي دار بين الفريسيين اليهود وبين السيد المسيح له المجد، وورد في إنجيل متى الإصحاح الثاني عشر، وفيه نقرأ: "في ذلك الوقت ذهب يسوع في السبت بين الزروع فجاع تلاميذه وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون. فالفريسيون لما نظروا قالوا له: هو ذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبت، فقال لهم: أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه.. كيف دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله له ولا الذين معه، بل للكهنة فقط، أو ما قرأتم في التوراة أن الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء، ولكن أقول لكم: إن ههنا أعظم من الهيكل، فلو علمتم ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة، لما حكمتم على الأبرياء فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا.. ثم انصرف من هناك وجاء إلى مجمعهم وإذا إنسان يده يابسة، فسألوه قائلين: هل يحل الإبراء في السبوت؟ لكي يشتكوا عليه، فقال لهم: أي إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا في السبت في حفرة أفما يمسكه ويقيمه، فالإنسان كم هو أفضل من الخروف.. إذن يحل فعل الخير في السبوت.. ثم قال للإنسان: مد يدك. فمدها فعادت صحيحة كالأخرى". انتهى الاقتباس من إنجيل متى، لأجد لسان حالي يقول: "إن ابن الإنسان هو رب الدستور أيضًا، وأؤكد أنه حيثما تكون مصلحة الأمة فثمة النص الدستوري".

إننا في قلب ملحمة عمل وطني مضنٍ على جميع المستويات في الداخل وفي الخارج، والإنجازات التي لا يختلف عليها، وآخرها مؤتمر القمة العربية – الأوروبية كثيرة، والأخرى التي يختلف على أولويتها موجودة، والثالثة التي يختلف على جدواها موجودة أيضًا، ولا أحد يُنكر أن ثمة عوارًا يحيط بأساليب بعض الإعلاميين وبعض النواب إذ تبدو الفجاجة والسطحية في أدائهم، ولكن ونحن في قلب تلك الملحمة، هناك من يريد لمن يعمل وينجز ويتصدى أن يستمر في تحمل العبء وأداء الواجب لمدى محدد، يسمح للمهمة أن تتم على الوجه الأكمل.. وإذا بالفريسيين مقدسي السبت الدستوري يتصايحون، لن يجوز استمرار العمل ودوام الإنجاز وتعميق النجاح، لأن النص لا يسمح.

إن تساؤلًا يطرح نفسه على المعنيين بالشأن العام، وهو لماذا لا نترك من يعمل وينجز ليستكمل عمله، ويتجه كل منا للعمل والإنجاز في المجال الذي يعمل فيه ويتقنه، وإذا كان البعض قد ترك أي عمل ونذر نفسه للتفرغ لمهمة التفتيش العمومي على سائر البلاد والعباد لمراقبة مدى الالتزام بالنص، ثم إعلان الحرب والاستنجاد بوراء البحار، فإن هذا البعض مطالب أيضًا بأن يضع لنفسه سقفًا لا يتجاوزه، وأن يخترع للبلاد صيغة تمكنها من محاسبة هذا البعض، وتحول بينه وبين الاعتماد والاستقواء بالماورائيات؟!

إن من يكلف نفسه قراءة الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية، منذ أن انتخب، سيعلم الجدول الموضوعي للمهام التي أعلن الرجل أنه ملتزم بإنجازها، وفي مقدمتها إعادة بناء الدولة واستعادة هيبتها داخليًا وخارجيًا، وتحقيق الانطلاق الاقتصادي والاجتماعي من أرضية صلبة قوية على مستوى البنية الأساسية، وعلى مستوى المشاريع الاستراتيجية.. وأعتقد أن هناك في أرجاء مصر من الإنجازات ما يؤكد أن الأمر لم يكن "طق حنك"، ولا بأسلوب "وستعمل حكومتي"، ثم لا تعمل شيئًا، بل هو عمل مضنٍ وشاق على جميع الجبهات.. وهناك الكثير الكثير مما يستوجب مزيدًا من العمل، وعندئذ سيعرف من لم يعرف الإجابة عن لماذا من الوارد تعديل النص الدستوري.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 28 فبراير 2019.

Wednesday, 27 February 2019

من دفتر الذاكرة.. الإعدام



الشيء بالشيء يذكر.. إذ وجدت شريط ما عاينته ذات حبسة في سجن الاستئناف يمضي أمام عيني ويمثل في ذهني وكأنني أحياه مجددا، بعدما امتد "الجدل القاهري" سليل "الجدل البيزنطي" إلى مساحة لم يتخيل أحد أن يمتد إليها، وهي الحكم القضائي النهائي البات من محكمة النقض بإعدام قتلة الشهيد المستشار هشام بركات نائب عام مصر، وتنفيذ الحكم وفق القانون.

لجاجة سافلة حول التحقيقات والمحاكمات والقوانين، وهي سافلة لأنها تريده مجتمعا يفلت فيه من العقاب من يمتلك الجرأة الوقحة على تعاليم الدين فيطوعها لهواه.. ثم ينصب من نفسه سلطة ادعاء وسلطة إصدار حكم وسلطة تنفيذ ويقدم على قتل النفس الإنسانية بوسائل يصل ضررها إلى آخرين، غير من تم استهدافه، إذ يؤدي انفجار سيارة أو تفجير انتحاري أو دراجة نارية إلى تحطيم وتدمير وقتل كل ما ومن وجد في دائرة التفجير. وإذا كان ثمة عقاب فإن السفلة يستكملون لجاجتهم برفض عقوبة الإعدام، لأنها في نظرهم غير إنسانية أما ما فعله المجرمون فهو إنساني!

ولا أريد أن أستطرد في هذا السياق، لأنه يحتاج كتابة من نوع خاص وأترك تفسير خصوصيته لبديهة من يعرفون الكاتب.. أي العبد لله.

وأنتقل إلى ذلك الشيء الذي عاينته في سجن الاستئناف الواقع في وسط القاهرة في باب الخلق خلف مديرية أمن القاهرة والمحكمة، ويطل من جهته الخلفية على شارع درب سعادة المشهور بمحلات النجارة ومخازن "مغالق" الخشب، وقد بني عام 1901 وفيه تقع غرفة تنفيذ أحكام الإعدام على يسار مدخل العنبر الداخلي، حيث يتوزع المدخل إلى ممرين أحدهما يمين الداخل وفيه دورات مياه وغرف مخصصة لحالات بعينها كالمساجين الذين تصيبهم حالات هياج عنيف، أما الثاني فعلى يسار الداخل وفي نهايته يوجد مدخل الإعدام.. البئر التي تسقط فيها الجثة بعد فتح الطبلية وفوق الطبلية العارضة الخشبية التي يتدلى منها الحبل الغليظ الذي يصنع خصيصا للمهمة وله عمر افتراضي وفي الركن كرسي يستريح عليه "عشماوي" أو "باشجاويش – رقيب أول" الإعدام، وربما "صول – مساعد" وقد عاصرت الباشجاويش عبد اللطيف زنفل "عشماوي" تلك الفترة!

في الطابق الثاني تتوزع الزنازين في صفين متواجهين تفصلهما مسافة من عدة أمتار فيها السلم الحديدي الموصل بين الطوابق، ويطل عليها الممر الواقع أمام صفي الزنازين، وإلى جوار السلم الصاعد لهذا الطابق توجد على الشمال غرفة صغيرة هي مكتب الضابط المناوب الذي عادة ما يكون شابا ذا رتبة لا تتجاوز الملازم أول أو النقيب.. يرتدي أوفرول كاكي وعادة ما يمشي ومن ورائه صف ضابط أو اثنان أحدهما يحمل العصا الخيزران الغليظة، ويقوم إذا اقتضى الأمر بتثبيت المسجون الذي تقرر أن ينال عقابا بالمد على قدميه!

في الزنازين المطلة على مديرية الأمن توجد عدة غرف للمخصوص، أي للمحكومين بالإعداد، وعليها حراسة مستمرة 24 ساعة ولهم طعام مخصوص وفسحة مخصوصة وزيارات مخصوصة، وكل ذلك بعيدا عن بقية المساجين وكأن المخصوص في تلك الفترة يبدأ من زنزانة 28 وما بعدها إلى زنزانة 32 تقريبا، وكان الذين ينتظرون التنفيذ على ما أتذكر أحمد سفاح الجيزة وعماد أبو رقيق الشاب الذي وضع قنبلة في مجمع التحرير وصلاح العمري القناص الفلسطيني التابع للجبهة الشعبية وسمير التميمي الفلسطيني الجاسوس وسمير وليم الجاسوس المصري الأشهر.. وقد شاء حظي العاثر أن أعاين إعدام ثلاثة هم أحمد السفاح وصلاح العمري وعماد أبو رقيق.. وكان سمير وليم الجاسوس المصري الذي كان مقيما في ألمانيا يؤكد دوما أنه لن يعدم!

ويفترض أن لا يعرف من عليه الدور في الإعداد أن الوقت حان، ولكن الأمر يذاع ويشيع عبر بقية المساجين، الذين يتهامسون "بكره فيه سلخانة.. فلان اللي في زنزانة كذا".. وعند منتصف الليل يبدأ نزح المياه من بئر المشنقة، وهي مياه جوفية حيث جدران السجن مشبعة بالرطوبة الكثيفة حتى الدور الثالث!

وعند الصباح لا تفتح أبواب الزنازين على المسجونين كالعادة لينزلوا لدروات المياه، وليعلو صوت المفتاح من زنزانة واحدة هي التي فيها من سيتم التنفيذ فيه، والذي يكون قد وصل إليه الخبر من همسات الآخرين، إضافة إلى أن البعض يتطوع بإرسال طعام وشراب وسجائر له دون مناسبة، فيدرك مباشرة أن العاطفة الإنسانية هي من وراء هذا الكرم وبمنطق "ثواب.. يمكن نفسه في اللقمة أو الفاكهة دي"!

وعند الثامنة صباحا ينزل صاحبنا مكبلا بردائه الأحمر، ويمضي إلى أن يقف أمام اللجنة، حيث وكيل النيابة الذي صدر الحكم في دائرته.. وحيث الواعظ الديني الشيخ أو القسيس، وحيث رجال الشرطة.. وبعد اللازم إجرائيا يتقدم عشماوي بالطاقية السوداء وتسحب اليد الحديدية الرأسية بجوار الطبلية التي تنفتح دفتاها ليهوى إلى البئر، وينزل الطبيب الشرعي ليجس النبض ويتأكد من الموت!

مرة واحدة في الفترة التي عاصرتها فتحت أبواب الزنازين، ليتدفق المساجين لرؤية جثمان عماد أبو رقيق وهو متدل في البئر.. وكنت من الحماقة لدرجة أنني غلبني الفضول وظللت شهورا لا أذوق طعم النوم إلا بصعوبة بالغة!.. ربما يكون للسرد بقية.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 27 فبراير 2019.

Friday, 22 February 2019

المراجعة الشاملة.. الكرباج والإعدام!





أواصل النبش في الجذور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أدت إلى أن يتخذ الوجدان شبه الجمعي المصري من جمال عبد الناصر- الشخص والفكرة والحلم- مرجعًا يقيس عليه ما يتخذ من سياسات عامة، ويرفع صورته عند كل منعطف كبير، وأعلم علم اليقين أن الميليشيات أو التشكيلات العصابية "من العصاب النفسي والعصابة الإجرامية معا"– التي تتكون بين مرحلة وأخرى وكلما انحسرت إحداها حلت محلها أخرى مثلها- لن يتوقفوا عن استخدام كل الأسلحة المتاحة لهم لاغتيال شخصية الرجل وتحطيم صورته وتشويه الحلم الذي عبّر عنه. وأعلم يقينا أيضًا أن المعادلة داخل "المصري اليوم" المؤسسة تقوم على توظيف أقصى قدر من طاقات الكتابة في مساحة الرأي ومساحات أخرى لأداء المهمة الأساسية، وهي مرة أخرى اغتيال شخصية ناصر وتحطيم صورته وتشويه الحلم الذي عبر عنه، وأن الإبقاء على صوت أو صوتين مخالفين هو من باب إبراء الذمة الليبرالية، إذا جاز التعبير، وكي يبقى الرد العملي جاهزًا: "أبدًا.. ها هو فلان وفلان يكتبان ولا يصادرهما أحد"!

ورغم تيقني من ذلك، ومعه العتاب واللوم من كثيرين على الاستمرار في مناخ كهذا، وأنه سيحسب على أمثالي أنهم ساهموا في تجميل وجه ذلك الوضع وإظهاره أنه حقًا ليبرالي يؤمن بتعدد الآراء، إلا أنني حريص على الاستمرار، ليس لإبراء الذمة الوطنية والقومية فقط وإنما لإيماني بأنه ربما تقع عين قارئ على ما يقترفه البعض من كتابات، ثم تنتقل العين نفسها إلى ما أكتبه، فيكون للحوار الداخلي في عقل القارئ مجال!

وقبل أن أستأنف عملية النبش في تلك الجذور أود أن أشير إلى سياق تاريخي، ربما يشبه بدرجة أو أخرى السياق المعاصر.. إنه السياق الذي كانت أطرافه الأمويين ومن يناصرهم ممن أضيرت أوضاعهم بسبب الرسالة المحمدية، وعلى الجانب الآخر آل البيت أبناء الإمام علي من فاطمة الزهراء وعلى رأسهم الإمام الحسين.. إذ لم ينس نسل أبي سفيان أنهم سلالة الطلقاء، وأنهم سلالة كبار القوم وأثراهم، وأن تلك الرسالة ساوت بل وضعت من كانوا عبيدًا أرقاء كبلال وسلمان وصهيب ومن كانوا فقراء كأبي ذر في ذروة أعلى وأعظم من أبي سفيان ونسله، وعندما حانت الفرصة وتمكن أبناء الطلقاء من السلطة وصل الأمر إلى إنكار الرسالة ذاتها على لسان شاعرهم عبد الله بن الزبعرى، وقيل إن قائلها هو يزيد بن معاوية نفسه، ومطلعها:

ليت أشياخي ببدر شهدوا..
جزع الخزرج من وقع الأسل.
إلى أن يقول:
لعبت هاشم بالملك فلا..
خبر جاء ولا وحي نزل.

وقد رددها يزيد عندما وضعت رأس الحسين أمامه بعد كربلاء.. وبعدها كان القرار الأموي الرسمي الإجباري لكل من يعتلي المنبر لخطبة الجمعة أو العيدين هو أن يتم سب علي وأبنائه وذريته.. ولم يفطنوا إلى مفارقة عجيبة، هي أن الصلاة نفسها لا تصح إلا بالصلاة على محمد وآله، كما هو في التحيات!

وظل الأمويون يلعنون عليًا وآله طوال حكمهم الذي دام أقل من تسعين عامًا.. وحتى عندما جاء العباسيون وفعلوا ما فعلوه بقبور الحكام الأمويين لم يتوقف التهجم على ذرية عليّ، خاصة ذرية الحسين.. ومع ذلك ورغمه لم يؤد سب الحسين وذريته واغتيال شخصيته ومذهبه وثورته إلى نفيهم من الوجدان الجمعي الإسلامي، وفي مقدمته الوجدان المصري، إلى يومنا هذا.. يعني وبالبلدي ومن الآخر لن تتمكن الميليشيا إياها من منع تأثير ناصر والحلم الذي نشده على وجدان المصريين.. والبديل الوحيد هو منع إعادة إنتاج الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى ترسخ ذلك التأثير.

وأعود إلى استكمال النبش التاريخي، حيث ذكرت طرفًا من مأساة السخرة التي فرضت على الفلاحين المصريين.. وأذكر اليوم أنه لا سخرة بغير كرباج.. ففي سنة 1245 هجرية الموافقة حوالي 1830 ميلادية صدر قانون الفلاحة، وفيه العقوبات التالية: خمسين كرباجًا لمن يهرب من الفلاحين أو المشايخ- "منصب إداري وليس عالم دين"– من بلده إلى أخرى، وإذا هرب القائمقام أو الشيخ منفردًا أو مع غيره من الفلاحين عند طلب المال ففي المرة الأولى يضرب القائمقام ثلاثمائة كرباج، وفي الثانية خمسمائة كرباج، أما الشيخ فيضرب مائتي كرباج في الأولى وفي الثانية ثلاثمائة كرباج.

وقد تفشت ظاهرة الهرب من الشفالك- وهي الأرض التي منحها محمد علي لأفراد أسرته وكبار حاشيته- فالفلاحون الذين كانوا يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة من كل جانب كانوا يهربون من الأرض ثم يعادون إليها بالقوة، ويقول بارنت قنصل بريطانيا في مصر 1841– 1846: "إن عدد الأسر التي هربت من محافظة البحيرة بلغت اثني عشر ألف أسرة، وأن عددا من الفلاحين قد أعدموا لأنهم حاولوا الهرب".

وبعد ذلك مازالوا يتساءلون لماذا بقي عبد الناصر في وجدان الفلاحين؟! وللحديث صلة.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 22 فبراير 2019.

Thursday, 21 February 2019

The Arab-European relations… changing courses




Summit conference means that opponents of the highest level representing the participating countries are meeting, regardless of the population, wealth or income of such countries. We witnessed before Arab summits for the Arab countries, African summits for the African nations and Islamic summits for the Islamic countries. Now, and for the first time, we have an Arab-European summit on the land of Egypt. Such thing has cultural and historical significances, not to mention the political, economic and strategic ones.

It is already known that we cannot perceive the big events in the human course unless we go through interpreting the maps. In this context, I do not mean the intersection of latitude and longitude lines, nor the distribution of land and water or even the rest of geography branches. Rather, I mean the key maps to understand the international relations throughout history and anthropology. Through such kind of maps, we can realize that the region of civilizations which witnessed the very beginnings of the civilization cycles since ancient times is mostly a Mediterranean region if we broadened the Mediterranean circle containing countries looking over the Mediterranean sea to go deeper to the south to include Sudan and African Horn, and towards the east to include Iraq and the Arabian peninsula. If we did this, we will find significant representation for ancient civilizations; those of Ancient Egypt, Phoenicia, Babylon, Assyria, Nabat, Sheba and Africa along with the Hellenic, Hellenistic, Roman and Christian civilizations.

Through such summit, it became clear for the first time –and on a collective level- what was before fragmented when we had two-country summit; one of them is Arab and the other is European, discussing political, economic, military and strategic issues or interests. Now, we can have coordination between the comprehensive European security and the Arab one on a broad level exceeding the military, intelligence and police side to the rest of life perspectives including culture and religious beliefs.

History witnessed times when the European side was the one dominating, as a conqueror and occupier, since the time of Crusades in the middle ages. After this came the beginning of the modern colonization movement starting with the Portuguese and Spanish colonization in the sixteen century. Afterwards, the British and French role increased in the nineteenth century and what followed after this regarding conquering and occupying most of the Arab Countries. This thing led to deep gaps between the two parties until the American role came to exist as a new colonization. The world went into two world wars followed by cold war. In parallel to this western course, there was another course adopted by the Arab side; that was the resistance to get independence and liberation.

No sooner had the Second World War come to an end, than the Arab national liberation movement became stronger, and Egypt was the leading nation in that. Also, the Palestinian cause was in the centre of that conflict as Britain, and later followed by the United States, was the biggest supporter for the Zionist immigration to Palestine, later came the establishment of and support for the Zionist state, and so the conflict between the Arab side and western side escalated, and the region witnessed three wars; 1956, 1967 and 1973.

A lot of water flew under the bridge which we cannot detail right now, including that western Euro-American approach to depend on creating and enflaming conflicts among the region countries themselves with the aim of dismantling them more and more. Also, the religious side was the weapon used most extensively to achieve such thing. Such thing goes back to the British approach called “Divide and Rule” that aimed at enflaming the sectarian strives, and not to our present time. The Egyptian state went through such thing under the British occupation since the 1910 conference supported by Lord Cromer. Also, establishing Israel as a state for a Torah-based religious minority was not away from such context we are talking about.

Later came the approach to establish pacts on a religious basis like the Islamic Pact and Baghdad Pact, then the approach was to enflame the Sunni-Shiaa and Islamic-Christian conflicts. Throughout all this, the European-American-Israeli interferences were apparent until it happened that Europe and the United States caught the same fire themselves. At that time, everyone came to realize that there is no other way but to change the whole approach, and that there is no other alternative to setting the base for a different new era.

As Europe was attacked by two threatening problems; terrorism and immigration, it discovered –before anyone else- that its societies are not safe away from the actual threats and real dangers which the Arab countries have been through. And so the new way of thinking was to adopt an approach aiming at working on localizing the religious fundamentalist ideologies in the Arab region, the place where they first came to exist, so that if it happened that there were countries in this region ruled by those groups of fundamentalist ideologies, they; the fundamentalist groups, would have been satisfied with that, meaning that they will consume their hostility in their internal conflicts, either within these groups or between them and the rest of the society powers. In doing so, the region can fall in the religious swamp and will not come out of it for the coming centuries. And so, we had what was called “The Arab Spring” and all that we have witnessed and still are witnessing. The big surprise was that Egypt escaped that destiny. Not only escaped and survived, but also proved its ability to overcome its hardship and set on its course for comprehensive renaissance.

It is certain that history will record in proud recognition the role the Egyptian leadership played and is still playing represented in President Sisi on two levels; the first is ensuring stability, security and accelerated progress in Egypt including its balanced creative foreign policy. And the second is the political discourse adopted by the president addressing the whole world, especially Europe, regarding the unity of the common destiny between us and them. The thing which necessitates full cooperation in achieving comprehensive security which, as I said before, exceeds the military, police and intelligence side to the economic, social, cultural and political side. Europe became sure they will not be able to fight waves of fundamentalist terrorism unless they support the balanced Da’waa discourse which Egypt called for and works on through its Da’waa institutions.

Therefore, this Arab-European summit on the land of Egypt comes as a result for the approach proven to be right and is still proving its viability day after day; that is the approach of cooperation and working on the comprehensive political, economic, cultural and social aspects. Such approach will come to full success with more hard working and achievements in the region countries to put an end this vicious triangle of “poverty-ignorance-terrorism”.

This article was translated by Dalia Elnaggar



This article was published in Al-Ahram Al-Arabi magazine on February 21, 2019.

To see the original article, go to:

#ahmed_ahmad_elgammal #terrorism #Egypt #Sisi #Arab_European_summit_in_Sharm_Elsheikh

العلاقات العربية- الأوروبية .. تغيير المناهج




لقاء القمة يعني اجتماع الأنداد من أعلى مستوى في الدول المشاركة، بصرف النظر عن عدد السكان، أو حجم الثروة ومقدار الدخل، وقد عرفنا قممًا عربية للدول العربية.. وإفريقية للدول الإفريقية.. وإسلامية للدول الإسلامية.. ثم ولأول مرة قمة عربية- أوروبية على أرض مصر، الأمر الذي له دلالات حضارية وثقافية وتاريخية، عدا عن الدلالات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.

وبديهي أنه لا يمكن فهم الأحداث الكبرى في المسار البشري، إلا من خلال قراءة الخرائط التي ليست تقاطعات لخطوط الطول والعرض، وبيانًا لتوزعات اليابسة والماء ولا بقية فروع الجغرافيا؛ وإنما هي مع ذلك مفتاح لفهم العلاقات الدولية عبر مراحل التاريخ، ومن قبله الإنثروبولوجيا، فمن الخريطة ندرك أن الحوض الحضاري الذي يشمل مهاد الدورات الحضارية منذ القدم، يعتبر في غالبه حوضًا متوسطيًا إذا وسعنا الدائرة المتوسطية لتضم مع الدول المطلة على البحر المتوسط عمقًا أبعد، يمتد جنوبًا إلى السودان والقرن الإفريقي، وشرقًا إلى العراق والجزيرة العربية.. لنجد تمثيلًا قويًا لحضارات قديمة مصرية وفينيقية وبابلية وآشورية ونبطية وسبأية وإفريقية مع الهللينية والهللينستية والرومانية والمسيحية، ومع تلك القمة يتبلور للمرة الأولى- وعلى مستوى جماعي- ما كان متناثرًا بشكل ثنائي عند انعقاد قمم بين دولتين، إحداهما عربية والأخرى أوروبية تناقش أمورًا أو شؤونًا سياسية واقتصادية وعسكرية واستراتيجية، وليتحقق التفاهم بين المضمون الشامل للأمن الأوروبي ومثيله العربي بالمفهوم الواسع الذي يتجاوز الجانب العسكري والاستخباراتي والشرطي إلى بقية جوانب الحياة، بما في ذلك الثقافة والعقائد الدينية.

لقد عرف التاريخ مراحل كان فيها الجانب الأوروبي هو الغالب- كغازٍ ومحتل- منذ الحروب الصليبية في العصور الوسطى، وبعدها بدايات حركة الاستعمار الحديث بالطلعات البرتغالية والإسبانية في القرن السادس عشر، ثم تعاظم الدور البريطاني والفرنسي في القرن التاسع عشر، وما ارتبط به من غزو واحتلال لمعظم البلاد العربية، الأمر الذي أدى إلى فجوات سحيقة بين الطرفين حتى ظهر دور القطب الأمريكي كاستعمار جديد، ودخل العالم في حربين عالميتين أعقبتهما حرب باردة، وبالتوازي مع هذا المسار الغربي كان ثمة مسار آخر مضى فيه الجانب العربي، وهو المقاومة من أجل الاستقلال والتحرر.

وما إن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى اشتد عود حركة التحرر الوطني العربية، وكانت مصر هي القائد في ذلك المضمار، وشكلت قضية فلسطين محورًا مركزيًا في ذلك الصراع، حيث كانت بريطانيا ومن بعدها ومعها الولايات المتحدة أكبر داعم للهجرات الصهيونية إلى فلسطين ثم تأسيس الدولة الصهيونية ودعمها، ليتصاعد الصدام بين الجانبين العربي والغربي، وشهدت المنطقة احتدام الأمر ليصل إلى القتال في 1956 و1967 و1973.

وجرت في الأنهار مياه كثيرة لا مجال للتفصيل فيها، بما في ذلك الاتجاه الغربي الأورو أمريكي إلى الاعتماد على خلق وإشعال الصراعات بين دول المنطقة ذاتها لمزيد من تفتيتها، وكان الجانب الديني هو السلاح المستخدم بكثافة، وهو أمر لا تعود بدايته ولا التفكير فيه إلى الفترة الحالية وإنما تعود إلى المنهج البريطاني "فرق تسد"، الذي سعى لإشعال الفتن الطائفية، وعرفت دولة كمصر هذه الظاهرة، وهي تحت الاحتلال البريطاني منذ مؤتمر 1910 الذي رعاه اللورد كرومر، ولم يكن تأسيس دولة إسرائيل كدولة لأقلية دينية توراتية بمعزل عن هذا السياق الذي نتحدث فيه، ثم كان الاتجاه لتأسيس أحلاف على أساس ديني كالحلف الإسلامي وحلف بغداد، وبعده الاتجاه لإشعال الصراع السني- الشيعي، والصراع الإسلامي- المسيحي، وكلها أمور ظهرت فيها الأصابع الأوروبية- الأمريكية- الإسرائيلية حتى حدث وانتقلت النيران إلى أوروبا والولايات المتحدة ذاتيهما، وعندئذ أدرك الجميع أنه لا بديل عن تغيير المسار جملة وتفصيلًا، ولا بديل عن التعاون كأساس لمرحلة جديدة مغايرة.

لقد بوغتت أوروبا بأمرين خطيرين هما الإرهاب والهجرة، واكتشفت- قبل غيرها- أن مجتمعاتها ليست بمنجاة من التهديدات الفعلية والمخاطر الحقيقية، التي تعرضت لها الدول العربية واتجه التفكير إلى منهج مؤداه السعي لتوطين الاتجاهات الأصولية الدينية في المنطقة العربية، التي هي مهد ولادتها، بحيث إنه إذا تحقق قيام دول محكومة بتنظيمات تلك الأصوليات فإن هذه التنظيمات ستكتفي بذلك، وسوف تستنفد طاقاتها العدوانية في صراعاتها الذاتية، أي بين التنظيمات ذاتها وبين التنظيمات وبين بقية قوى المجتمع، وتهبط المنطقة في المستنقع الديني، ولا تخرج منه خلال مئات السنين المقبلة، وكان ما يسمى "الربيع العربي"، وكان ما عشناه وما زلنا نعايشه، وكانت المفاجأة الكبرى هي إفلات مصر من ذلك المصير، وليس إفلاتها ونجاتها فقط، ولكنها أثبتت وجود القدرة على التجاوز والانطلاق في البناء الشامل.

ومن المؤكد أن التاريخ سجل بأحرف من نور الدور الذي قامت وتقوم به القيادة المصرية، ممثلة في الرئيس السيسي على محورين، الأول: هو الاستقرار والأمن والبناء المتسارع في مصر، بما في ذلك سياستها الخارجية المتوازنة المبدعة، والثاني: هو الخطاب السياسي الذي وجهه الرئيس ويوجهه للعالم كله، خاصة أوروبا حول وحدة المصير المشترك بيننا وبينهم، الأمر الذي يستدعي التعاون المطلق في معادلة تحقيق الأمن الشامل، الذي- وكما أسلفت- يتجاوز الجانب العسكري والشرطي والاستخباراتي إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتأكدت أوروبا من أنها لن تستطيع مواجهة موجات الإرهاب الأصولي إلا بتعظيم الخطاب الدعوي الوسطي المتزن، الذي دعت إليه مصر وتنهض به مؤسساتها الدعوية.

من هنا كانت القمة العربية- الأوروبية وعلى أرض مصر تتويجًا للمنهج الذي ثبتت صحته، ويثبت نجاحه يومًا بعد يوم.. منهج التعاون والمواجهة الشاملة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، الذي لن يكتمل نجاحه إلا بمزيد من البناء والإنجاز في دول المنطقة، لكي تنتهي ثلاثية "الفقر- الجهل- الإرهاب".
نشرت في مجلة الأهرام العربي بتاريخ 21 فبراير 2019.

Wednesday, 20 February 2019

From Sovaldi… to constitution





On Facebook, some ladies and gentlemen who follow what is written here and which I post on my Facebook page publish replies, comments and opinions that agree, disagree, criticize and sometimes attack and mock what I write. I admit that sometimes I block those who exceed their limits, especially if they breached ethics of discussion with another person who expressed his or her opinion or added a comment. I rarely publish those comments I receive on my Facebook page here. However, I beg your pardon to publish some of what I received in general or that relates to the article that was published last week titled “The constitution”.

I saw along with others a post, that I believe is important in our present circumstances, from Dr. Hani Shoeib; professor and consultant of Psychiatry in the United Kingdom “Britain”. I will not talk more about it as it is self-explanatory and needs no commenting or introduction.

Here is the text: “My friend is a consultant physician who served in the National Health System NHS for more than 40 years. He recently retired and we met in a family evening. He told me about his story and the painful journey he has been through. He said: “In 2001, I discovered I have Hepatitis C. Physicians advised that my case does not require treatment and recommended that I just follow up. I used not to feel any symptoms and my life was normal as usual, as I used to do my job as a physician with the same efficiency…

“… In the last liver function test, it turned out that my case became close to being a critical one, yet there were no symptoms that I was suffering from liver failure. I sought the opinion of a consultant in the Institute of Hepatology, King’s College in London. He said that my case may benefit from the active treatment of Sovaldi medication; however, he did not believe that my case may be eligible to be given the medication for free as per the applied rules of the NHS protocol.”

The consultant went on explaining that the treatment course of Sovaldi medication costs the NHS 83000 sterling per patient. Therefore, the treatment is limited to only 10% of Hepatitis C patients whose cases are getting worse to the limit of starting to have a liver failure. Only those are eligible to receive free treatment…

The sick Egyptian physician replied to the British consultant: “I cannot believe what you are saying. I am a British citizen and I pay my taxes fully. I spent 40 years of my professional life working as a physician in the NHS. After all this, I do not have the right to be treated from a serious illness and I have to wait until my case deteriorates to liver failure… I will write about this scandal to the British newspapers”.

The consultant went into silence then said “Please, wait and let me deliver your message to the ones in charge”. Two weeks later, the sick doctor received a notification to start receiving treatment using Sovaldi medication. I went through laboratory examinations for a few months and treatment lasted for one year. Afterwards, examination showed that I was cured of Hepatitis C…”

That was in 2018. The eyes of the physician and all those attending the family evening watered in tears as the Egyptian doctor, and holder of the British nationality, added that he paid a visit to his folks in as-Senbelaween town and knew that some of them were treated using Sovaldi and were cured of their illness, and that medication was given to them free of charge…

The man then wondered: Have my folks in Egypt and all Egyptians realized the meaning of what happened to them? Do they know that the treatment in Britain costs 83,000 sterling per person and that Egypt provided such treatment for about two million citizens for free; meaning that Egypt paid four thousand billion Egyptian pounds as per the value of the sterling pound in Egyptian currency”.

Dr. Hani Sho’aib finished his comment saying that his friend continued: “In my journey back from Egypt to Britain, I looked through the plane window… Cairo was enveloped in water vapor mixed with dirt and sand… the Nile seemed like a silver bracelet… and the Pyramids looked high and proud. My eyes went in tears, my body trembled and my heart whispered: Long live, Egypt”. The comment ended and I have nothing to add as there is no way to go into a discussion with those denying seeing the apparent sun light.

Regarding that article titled “the Constitution” published here last week, I received 19 comments, the most important of them –from the point of view of adding something new or producing a different opinion- were three comments. Of those gentlemen were my colleague Mr. Nasr el-Qaffas, the prestigious creative director Mr. Muhammed Fadel and the philosopher and physician Dr. Charles Megalli; professor of cardiology…

My colleague Mr. Nasr al-Qaffas wrote: “Oh, sir… although I enjoy being patient, silent and feeling bored, but you are pushing me to break my silence… I want to tell you that what you talked about and what we are currently experiencing is not new… you may remember that al-Wafd party and Sa’ad Zaghloul were against the 1932 constitution and Sa’ad Pasha named the committee that worked on drafting the articles of such constitution “the committee of devils”… It even happened that he described them as donkey saddles working for the British. Then his party won the elections and he ruled as per this constitution. Later came Muhammed Mahmoud who participated in drafting the constitution and suspended it just because he became the prime minister. Afterwards, an-Nahhas and Muhammed Mahmoud collaborated against the 1930 constitution and fought to bring the 1923 constitution back. Under such constitution, an-Nahhas accepted to be the prime minister after the British occupation flouted the constitution, the dignity of our country and the king when they invaded the King’s palace with tanks on the 4th of February, 1942 and it was also during that time when this constitution was in power when they used to mess with the parliament and cabinets…”

“… The most important thing for those claiming to be guardians of the constitution was to come to power and enjoy wealth and authority, all this under the name of the constitution. If the current president followed such way, they would have gathered around him defending the importance and necessity of amending the constitution… kindly, accept my appreciation for your writings, audacity and enlightened thinking”.

That was what my dear colleague Mr. Nasr al-Qaffas wrote. Actually, I do believe, like we say in our slang language, that “he put his hand on the point missing”. I do thank him for this. As to the rest of comments, I will publish them in the coming articles, hoping that such thing may start a logical discussion around the issue of amending the constitution.

Translated into English by Dalia Elnaggar



This article was published in Al Ahram newspaper on February 20, 2019.

To see the original article, go to:

#Ahmed_ahmad_elgammal #Egypt #constitution #Sovaldi #Hepatitis_C

من السوفالدي.. للدستور!


في "الفيس" ينشر بعض السيدات والسادة الذين يتابعون ما يكتب هنا وأضعه على صحفتي الإلكترونية؛ ردودًا وتعليقات وآراء تتفق وتختلف.. تنتقد وأحيانًا تهاجم وتسخر، ولا أنكر أنني أوصد الباب في وجه من يتجاوز، خاصة إذا أخل بالمتعارف عليه من آداب الحوار مع شخص آخر أبدى رأيًا أو أضاف تعليقًا.. ونادرًا ما أنشر ذلك الذي أتلقاه إلكترونيا في هذه المساحة الورقية، غير أنني أستأذن في نشر بعض مما تلقيته سواء بوجه عام، أو ارتبط بالمقال الذي نشر الأسبوع الفائت بعنوان "دستور يا أسيادنا".

من الأستاذ الدكتور هاني شعيب أستاذ واستشاري الطب النفسي في المملكة المتحدة "بريطانيا"، تلقيت مع آخرين نصًا أراه مهمًا في ظروفنا الراهنة، ولن أستطرد في الحديث عنه لأنه من الوضوح بدرجة تغني عن التعليق عليه أو تقديمه، وهذا هو النص: "صديقي طبيب استشاري خدم هيئة الصحة البريطانية NHS لأكثر من أربعين عامًا.. تقاعد مؤخرًا والتقينا في سهرة عائلية، فحكى وأثار الشجون، وقال: في عام 2001 اكتشفت أنني مصاب بفيروس سي.. ونصحني الأطباء بأن حالتي لا تستدعي علاجًا، وأوصوا بالمتابعة، وكنت لا أشعر بأي أعراض وتسير حياتي سيرًا معتادًا، وأمارس عملي الطبي بالقدرة والكفاء نفسيهما، وفي آخر فحص لوظائف الكبد تبين أن حالتي قد اقتربت من مرحلة الحرج، لكن لم يكن هناك بعد مؤشرات على مرحلة الفشل الكبدي، وطلبت رأيًا من استشاري في مركز الكبد بمستشفى كنجز كولدج بلندن، فقال إن حالتي قد تستفيد من العلاج النشط بعقار السوفالدي، لكنه لا يظن أن حالتي تنطبق عليها القواعد المطبقة لصرف العلاج، طبقًا لبروتوكول هيئة الصحة البريطانية.

واستطرد الخبير أن كورس العلاج بعقار السوفالدي يكلف هيئة الصحة البريطانية 83000 ثلاثة وثمانين ألف جنيه استرليني للمريض الواحد، ولهذا فإن العلاج مقتصر على 10% عشرة بالمائة من مرضى فيروس سي، الذين تسوء حالاتهم لدرجة بدايات الفشل الكبدي، وهؤلاء فقط الذين يحق لهم العلاج المجاني.." ورد الطبيب المصري المريض على الخبير البريطاني: "ما تقوله لا يصدق، فأنا مواطن بريطاني أدفع ضرائبي بالكامل، وطبيب أفنيت من عمري المهني أربعين عاما في خدمة هيئة الصحة البريطانية، وبعد ذلك ليس من حقي الآن أن أعالج من مرض خطير، وأن عليّ الانتظار حتى تتدهور حالتي إلى بدايات الفشل الكبدي.. سأكتب للصحافة البريطانية عن هذه الفضيحة"، ثم صمت الخبير وقال: "من فضلك انتظر ودعني أعرض الأمر على المسؤولين. وبعد أسبوعين، تلقى الطبيب المريض إخطارا بالحضور للعلاج بعقار السوفالدي. وخضعت للاختبارات المعملية عدة أشهر واستمر العلاج لعام كامل، بعدها أظهرت الفحوصات أنني شفيت من فيروس سي..".

كان ذلك في عام 2018، ودمعت أعين الطبيب والحاضرين لأنه الطبيب المصري حامل الجنسية البريطانية أضاف أنه زار عائلته في السنبلاوين وعرف أن عددًا منهم تلقى العلاج بالسوفالدي، وأنهم شفوا من مرضهم، وأن العلاج صرف لهم مجانًا.. وعندها تساءل الرجل: هل أدرك أهل بلدي وكل المصريين معنى وقيمة ما حدث لهم وهل يعلمون أن تكلفة العلاج في بريطانيا للفرد الواحد ثلاثة وثمانين ألف جنيه إسترليني، وأن مصر عالجت حوالي مليوني "2 مليون" مواطن مجانًا، أي 2 مليون مواطن × 2 مليون جنيه = أربعة آلاف مليار جنيه مصري، حسب قيمة الجنيه الإسترليني بالعملة المصرية".

ويختم الدكتور هاني شعيب نصه بأنه صديقه استطرد قائلا: "في رحلة العودة من مصر لبريطانيا نظرت من نافذة الطائرة، وبدت القاهرة مغلفة ببخار الماء المختلط بالأتربة والرمال، وبدا النيل كسوارٍ فضي، ولاحت الأهرامات شامخة متحدية، فدمعت عيناي وهزتني رعشة ودق قلبي: تحيا مصر". انتهى ولا تعليق من جانبي ولا مجال لمناقشة الذين ينكرون ضوء الشمس من رمد.

وعلى مقال "دستور يا أسيادنا" المنشور هنا الأسبوع الفائت، تلقيت تسعة عشر تعليقا كان من أبرزها- بحكم الإضافة أو اختلاف الرؤية- ثلاثة تعليقات، وليس ذلك مفاضلة بين السادة الذين تفضلوا بالقراءة والتعقيب، من السادة الأفاضل الأستاذ الزميل نصر القفاص، والأستاذ الكبير الفنان المبدع المخرج محمد فاضل، ومن حكيم الأدباء وأديب الحكماء الدكتور شارل مجلي أستاذ طب القلب..

كتب الأستاذ الزميل نصر القفاص: "يا مولانا.. مع إني مستمتع بتجويد الصبر والصمت والملل.. لكن سامحكم الله على تحريضي ودفعي للخروج من صومعتي.. وأريد أن أقول لك إن المرض قديم.. وفقط تتجدد آلامه، ولعلك تذكر أن الوفد والزعيم سعد زغلول رفضوا دستور 1923 وأطلق سعد باشا على اللجنة التي عكفت على بنائه وصياغته "لجنة الأشقياء"، بل ذهب إلى وصفهم بأنهم برادع الإنجليز، ثم حصد الأغلبية وحكم بموجب هذا الدستور، وجاء محمد محمود الذي شارك في وضع الدستور وعطله لمجرد أنه أصبح رئيسًا للوزراء، وبعدها تحالف النحاس ومحمد محمود ضد دستور 1930 واستمروا يناضلون لعودة دستور 1923، وفي ظله الظليل قبل النحاس الوزارة، بعد أن داس الإنجليز على الدستور وكرامة الوطن والملك بالدبابات يوم 4 فبراير 1942، وفي ظل الدستور كان العبث بالبرلمانات والحكومات، وكان المهم أن يتناوب حماة الدستور على الحكم وينعمون بالثروة والنفوذ وذلك باسم الدستور، ولو أن الرئيس الحالي اتبع هذا المنهج لالتفوا من حوله دفاعًا عن أهمية وضرورة تعديل الدستور.. وتقبل عظيم تقديري على إبداع قلمك وجرأتك المعهودة وفكرك المستنير".. هذا ما تلقيته من العزيز الزميل الأستاذ نصر القفاص، والحقيقة عندي أنه كما نقول بالعامية "جاب التايهة" فكل التحية والشكر له.. أما بقية التعليقات فسوف أفرد لها المساحة في مرات مقبلة لعل وعسى أن يكون ذلك بداية الحوار العقلاني الواعي حول مسألة تعديل الدستور.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 20 فبراير 2019.

Tuesday, 19 February 2019

عن آداب الاشتباك





فاصل ثم أواصل.. فالسياق الذي فرض ويفرض نفسه على معظم إن لم يكن كل من يكتبون في مجال الرأي بالصحف والدوريات، هو السياق السياسي، سواء كان التناول بشكل مباشر أو غير مباشر، فالكلام في النهاية "متعاص" سياسة كما يقول التعبير العامي، وقد يلجأ البعض لتغيير الأسلوب فيتجه إلى ما يظن أنه خفة ظل وسخرية، فإذا به مسخ "متعاص" قلة أدب!.. أما الفاصل فقد لجأت أكثر من مرة إلى فواصل من نوع خاص، أو بالأحرى يخصني، وهو العودة إلى ثنايا الذاكرة البعيدة أيام الطفولة والصبا والشباب المبكر في القرية والغيط والمولد والنواصي والتعليم من الأوَّلي – واو مفتوحة ومشددة- إلى الجامعي وما فوق الجامعي، والجيش - أي الخدمة العسكرية- ثم السجن، ومن بعده السفر طريدًا شريدًا فقيرًا يقول بلاد الله لخلق الله!

فاصل قد يساعد على الاستراحة ولو قليلًا من وجع الدماغ والمناهدة، اللذين يفرضان نفسيهما على المرء أحيانًا، بعدما يقرأ أو يسمع ما يُعتقد أنه مغالطات تجافي وقائع التاريخ ودروسه، وتجافي المنطق وأصوله، وفي هذا كثير ما يجد المرء نفسه أمام نوعين من الخلق الذين صارت الكتابة مهنة لهم، فكان منهم من أهانوها بدلًا عن أن يمتهنوها، واقترفوها بدلًا عن أن يفعلوها!

وكان منهم من استعد لها وقرأ وفهم وأتقن ثم اجتهد فتأتي سطوره غير محتملة لزيف أو لبس، وقد يصعب في غمرة سخونة القضايا المطروحة ألا يتم التمييز بين النوعين، فتكون الحقيقة هي الضحية ولو كانت نسبية يختلف عليها.

ولقد كنت أعجب من الأستاذ هيكل - رحمة الله عليه - وقد حلت ذكرى رحيله منذ أيام قليلة، كيف أنه لا يرد على من يهاجمونه شخصًا وعقلًا ودورًا وإنتاجًا، ويشتط بعضهم لدرجة التجريح والسباب، وعندما أسأله لماذا لا يرد، فيرد: "يا شيخ.. بلاش كلام فارغ"، عبارة متكررة مسحوبة بإشاحة من يده ووجهه، بما يحفز السائل على أن يغير المسار، ويتجه إلى ما ليس كلامًا فارغًا.. والمرة الوحيدة التي بدت وكأنها رد منه على حملة أثيرت ضده، كانت كتابه عن قضية مصطفى أمين، وأذكر أنني بعدما قرأته، وكان حريصًا على أن يسأل البعض من ضيوفه عن رأيهم في شأن أو آخر، بل إن كل اللقاءات كانت تبدأ دومًا بسؤال منه للضيف "هيه.. إيه الأخبار.. وماذا عندك"؟! وسألني عن الكتاب فقلت إنني لم أقرأ من قبل نصًا أقرب إلى عملية ذبح وسلخ وتشفيه، دون أن تراق نقطة دم مثلما هو هذا الكتاب.

وفي ظني أن ما جعل الأستاذ هيكل يكسر القاعدة ويشتبك وبجسارة هائلة، هو أن الحملة عليه- آنذاك- كانت وكأنها قصف من راجمات صواريخ، إحدى منصاتها كانت رئاسة الدولة، وكتبتها، ومنصات أخرى تضم أنصار وتلاميذ وأتباع آل أمين، وأيضًا من اشتركوا في "الهلليلة"، ليس حبًا في مصطفى أمين، ولكن كرهًا في هيكل، واتجهت الحملة إلى اغتيال شخصية هيكل، حيث سعت لتجريده من سمات إنسانية سامية كالوفاء والعرفان بالجميل، كما أنها سعت أيضًا لإثبات أن القضية كلها مصطنعة مفبركة، وفي هذا إدانة مباشرة لجهاز المخابرات الذي ضبطها، وللنظام السياسي الذي أقدم على محاسبة المتهم.. ويبدو أن براقش جنت على نفسها، لأن هيكل لم يكن ليجد فرصة لإبراز ما لديه من وثائق ووقائع تخص القضية، إلا بعد أن بدأت الحملة واشتدت وأوغلت في المغالطات.

وفي مناخ الاشتباكات أو الجدل الساخن حول قضية من القضايا، خاصة إذا كانت تاريخية ومرتبطة بالصراع السياسي، يصعب اختيار الخصم الذي يتعين عدم إهماله، وفي هذا أتذكر واقعة كررت ذكرها غير مرة، إذ كنا في اجتماع تأبين الراحل المتميز الدكتور محمد السيد سعيد، وأثناء الانصراف تصادف والتقينا الدكتور عبد المنعم سعيد، وأنا على درج مدخل نقابة الصحفيين، وكان آنذاك رئيسًا لمجلس إدارة الأهرام، وقيادة متنفذة في أعلى مستويات الحزب الوطني، ويُقال إنه قريب من جمال مبارك وبابتسامته الهادئة ونبرته الأكثر هدوءًا سألني: "متى ستتوقف عن مهاجمتي.. ولماذا أنا بالذات؟"، وبطريقتي التي لا هدوء فيها أجبت بغير تفكير: "لأنك أنظف واحد في الحزب الوطني، والوحيد الذي يمكن الاشتباك معه.. أم أنك تريدني أن أنزل لمستوى رجب يا دي العجب.. أو الثاني صاحب طشة الملوخية"؟!.. وعندها اقترحت عليه أن يبادر من مواقعه الكبيرة في الأهرام والحزب إلى عقد دوائر حوار بين رموز الأطراف المختلفة في الحياة العامة، يكون أول همها هو "تقسيم العمل في الجماعة الوطنية"، وكيف تتكامل المعارضة مع الحكم في بعض المسارات، خاصة مسار العلاقة مع الدولة الصهيونية ومع الولايات المتحدة.. وحتى الآن وقد مرت في نهر الزمن سنون طويلة لم يستجب الرجل، رغم أنه مكتوب له الاستمرار في رئاسة مجالس الإدارة الصحفية، والاستمرار في الاقتراب بدرجة أو أخرى من دوائر صنع القرار واتخاذه.

أردت أن أقول بعد ذلك الاستطراد، إن هناك من لا يجب على المرء أن يلتفت إلى إهانتهم لما يقترفونه من كتابة.. وأن الأمثلة على ذلك كثيرة، قد يحين وقت للإشارة إليها.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 19 فبراير 2019.