Wednesday, 21 December 2016

"لقيط مخطوف في ملاجئ الصحة"




أعود إلى مسألة الدواء في مصر، وللعلم فقط فإن مصطلح المسألة يتجاوز مصطلحات عديدة صكت للتعبير عن وجود مشكلة أو أزمة، فالمسألة اصطلاحًا وتطورًا تشير إلى معضلة ذات أوجه كثيرة، ولذلك وصف الوضع قبيل انهيار الإمبراطورية العثمانية بـ"المسألة الشرقية"، ووصف الوضع في مصر عند ذروة من ذرى الصراع الاستعماري- التحرري بالمسألة المصرية، وهناك "المسألة البلقانية" وهلم جرا، ويبدو أن موضوع "التسعير"، أي الأسعار، فيه صراع بين من يريدون تسعيرها أي تأجيجها- "وإذا الجحيم سعرت"- وبين من يحرصون على تحريكها بشكل متوازن لا يجحف بحق المنتج أو المستورد ولا بحقوق المستهلكين، وهم في هذه الحالة مستهلكون من نوع خاص.. أي مرضى بمختلف الأمراض، وفيهم المستطيع، والغالبية منهم غير مستطيعين، ولذلك فقد يكون مشروعًا وضع الاعتبار الأخلاقي المستمد من القيم الدينية، أو القيم الإنسانية أو كليهما معا، في المعادلة، رغم أن القاعدة هي أن مدمن الربح لدرجة العبادة لا يتنازل بسهولة عن فحش ربحه، ويعتبر أن ما هو فيه مكافأة إلهية له على رشده وعبقريته واجتهاده وربما فهلوته، ومن هنا فإن ما يسلكه له هو الآخر غطاء أخلاقي اجتهد عديدون من فقهاء التجارة بالدين في أن يجدوا أساسًا له في الكتب السماوية المنزلة وفي سيرة الرسل والأنبياء والصالحين، وأكاد أبتسم بيني وبين نفسي- فيما أكتب هذه السطور- لأنني أعرف أن لدي المقدرة على رص مسوغات من النصوص الدينية تبيح الربح والشطط فيه.. وعلى أي حال جاء في تعقيب أراه مهمًا، فهو من متخصص وممارس ومسؤول.. ثم إنه من خارج دائرة الضوء القاهرية.. إنه الدكتور رجائي قوسه، رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بمحافظتي قنا والأقصر، وعضو الشعبة العامة لأصحاب الصيدليات، ونقيب صيادلة الأقصر السابق:

"... تحية طيبة

شدتني مقالات سيادتكم عن أزمة الدواء في مصر، وما زاد من انبهاري بهذه المقالات سببان، أن سيادتكم الوحيد الذي تطرق لهذا الموضوع وبهذا العمق، فالإعلام للأسف الشديد متجاهل تمامًا مشاكل الدواء، وكل نظرتهم لمنظومة الصحة في مصر تقتصر على الطبيب والمعدات الطبية والمستشفيات وإمكانياتها، متناسين تمامًا أن كل ذلك سيصب في ورقة صغيرة تسمى التذكرة الطبية (الروشتة)، التي ستحتوي على أدوية وبدونها لا يمكن أن يحدث علاج لأي مرض، ودواء يعني في أي دولة في العالم يعني صيدلي، صيدلي يصنع الدواء، صيدلي يوزع الدواء، صيدلي في صيدليته يوفر هذا الدواء ويصف استعماله الصحيح للمريض، والتجاهل والتهميش لأهمية دور الصيدلي أمر متعمد من وزارة الصحة التي دائما على رأس قيادتها أطباء يتصورون- بسبب ضيق أفقهم ومصالحهم الشخصية- أن أي تعظيم لدور الصيدلي هو نقصان لدورهم وسلب لحقوقهم ومكاسبهم، لذا كانوا دائما ضد إنشاء مجلس أعلى للدواء يرأسه صيدلي، حتى لا تخرج عن سيطرتهم هذه المنظومة التي ينظرون لها للأسف الشديد كسبوبة لا كعلم وأبحاث وتسويق ومهارة تصنيع وطرق تداول وتعاطي، وهكذا كل تفصيلة في منظومة الصيدلة هي علم ودراسة واقتصاد وتجارة، وتدخل أيضا فيها السياسة، لذا أنا من منطلق رحلة في العمل النقابي لمدة تزيد على عشرين عامًا أؤيد دعوتك بمنتهى الحماس والإخلاص، ولكن أؤكد لك أن المجلس الأعلى للدواء لن يتم إنشاؤه لأن الدواء طفل لقيط مخطوف في ملاجئ وزارة الصحة، ومطلوب فدية لإطلاق سراحه، كل يوم يغالى فيها فلا بد أن يحرر بعملية عسكرية لا نداءات صحفية، ولكي أؤكد لك فكرتي سأطرح على سيادتكم قضية أخرى أرجو أن تلقي عليها الضوء في مقالاتكم القيمة طالما أردت أن تضع يدك في عش الدبابير وجباب الأسود، فكم طالبنا حتى جف اللسان وأنهك الحلق بضرورة كتابة الدواء في الروشتة بالاسم العلمي للدواء وليس بالاسم التجاري، حيث يوجد لنفس الدواء أكثر من خمسة عشر مثيلا بأسعار مختلفة متناقصة، من الدواء المستورد ثم الدواء الذي تصنعه شركة عالمية في مصر ثم المثيل المنتج من شركة محلية، ولكن الأطباء حريصون على كتابة الأدوية المستوردة أو المصنعة من قبل الشركات العالمية لكي يستفيدوا من الهدايا والمؤتمرات والرحلات، هل تعلم سيادتكم أن بعض الهدايا تصل إلى سيارات أحدث موديل ورحلات إلى الخارج مشتملة تذاكر سفر وإقامة في فنادق 7 نجوم لكبار الأطباء، حتى إن بعض الشركات المحلية لكي تواجه هذا أصبحت هي الأخرى تقدم مبالغ مالية لصغار الأطباء، وهكذا أصبح المريض محاصرًا من الأساتذة الكبار حتى أطباء الاستقبال في المستشفيات الحكومية والوحدات، كل ذلك بالطبع تضيفه الشركات على سعر الدواء ويدفعه المريض من قوته تكلفة إضافية مبالغًا فيها تؤثر بل تدمر اقتصاد الدولة، ووزير الصحة يعلم ذلك، بل كل وزراء الصحة يعلمون هذه الحقيقة ويعرفون أن سعر الدواء سينخفض إلى أقل من الثلث فقط بقرار وزاري واحد يُلزم الأطباء بكتابة الدواء بالاسم العلمي ويعطي المريض حرية اختيار الدواء حسب قدرته المادية وإمكانياته، ولكن هيهات وهيهات فأباطرة الفساد أقوى من أي مصلحة.

ولكن ونحن في هذه اللحظة الفارقة التي من الممكن أن يصل فيها سعر الدواء إلى أضعاف أضعاف ثمنه، ومن الممكن جدا أن يصبح سعر الدواء فوق إمكانيات 70% من الشعب المصري لنصل إلى ما يعرف بالمجاعة الدوائية، فالمشكلة ليست في ارتفاع تكلفة إنتاجه فقط ولكن المشكلة في تضاعف سعر الرحلات الخارجية والهدايا والجنيهات الذهبية والأقلام المستوردة ذات الماركات العالمية، فلو كانت المشكلة في سعر تكلفة الإنتاج لهان الأمر، لذا السؤال الآن: هل سنجد الدولة تقف في جانب المريض المصري أم كالعادة ستخذله لتقف في صف الطبيب ومصالحه ومزاجه ومكاسبه؟! وأنا أؤكد لسيادتك أن الوزير سيختار بالطبع الانحياز لأبناء مهنته وليذهب المريض المصري إلى الجحيم.

ولكن لأن مصر ما زالت تنبض بالرجال ستظل صرختنا دائما في وجه الفساد رغم أننا نعلم أننا نصرخ أمام وزارة يسكنها من هم أعتى وأشد إجرامًا من كل مافيا العالم مجتمعة، ولكن الأمل في الأقلام الشريفة التي بين أيديكم لكي تدق أجراس الإنذار وتفضح هذه الشبكة العنكبوتية الخفاشية من المصالح القذرة.

ولكم مني جزيل الشكر والتقدير على دوركم التنويري والتثقيفي لخدمة الوطن".

وربما يكون للحديث صلة.
                             

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 21 ديسمبر 2016.

Thursday, 15 December 2016

They ask…




I write these lines on Monday evening after I heard about St. Peter church explosion. I sit sad, grieved and helpless… while listening to those asking about who lie behind this brutal cold-blooded bunch of terrorists?

Lies behind them the human specimen that became addicted to the evil deeds that made them in the first place… that specimen that looted the country as they ate all that was over the table in the era of Sadat and the thief that succeeded him… it is the same bunch that welcomed muslim brotherhood in power and again it is the same group that is occupying most of the public scene now… I would not have hesitated to mention their names in clear words except that Al Ahram newspaper would not allow this.

Lies behind them duplicity in educational system; the one entitled to establish the community conscience and form the socio-cultural discourse… a duplicity depicted in rote learning studying Mutoon[1], Hawashi[2], and Hawashi written over Hawashi[3]; a deliberate intent to complicate what God had already facilitated, until a group of so-called-priests, assigning themselves guardians over the relation between Muslims and God, came to exist. This group keeps maneuvering to evade actual modernization of religious discourse by responding in the false appearance to the call for modernization, but actually inhibiting all invitations for reform and applying criticism and scientific disciplines over our life. This group opposes the absolute decisive separation between religious institutions and ruling affairs.

Lies behind them sticking to false appearances in most, if not all, life aspects as if everyone agree on the “music costumes” principle. Regarding this “music costumes” thing, some families in the past that were once well-off but unfortunately became poor used to resort to this way of showing off. They used to hire some unemployed men dressed in rented fancy formal clothes to head the funeral procession of the family deceased, accompanied by some musicians playing sad funeral melodies. Their only condition was that those rented unemployed should have had well physical built. Unfortunately, our worship places have not escaped this disease of false appearances as we can witness this in marble floors, carpets, moquette, decorations, towering minarets and loud speakers echoing ugly voices supposed to call for prayers, not to mention the air-conditioners, occasions’ halls and those experts in draining all the money you have in your pockets. And so, “Islam became strange as it started strange”, except with one difference; Islam started strange when the early believers had to deny their faith in public and keep it in their heart. Nowadays, Islam’s current state of being strange can be seen in pretending to be Muslim in appearance while no believing or faith lies in your heart.

The same applies to education that is supposed – as we said before – to promote mind, science and research. However, it turned to be promoting quantity over quality, as we can witness an empty scientific life that enjoys the most fascinating outer appearance without including the slightest meaning or context within it.

Lies behind that evil specimen of humans the official acceptance of their actual interaction in parliament, parties, journalism, media and mosques. The acceptance of having those who feel no shame to say what they say; as they say Christians are atheists and they shall go to hell, and if it happened and a Muslim got married to a Christian woman, he shall make her feel all the time that he hates her and not even say hi to her. He should only enjoy her sexually like a man does with a prostitute. This is not a bla bla talking; I heard and saw the one, called Yaser Burhami, who said it myself. At that day, I wrote in this very space in Al Ahram wondering about the secret why the authorities stand still before those savage salafists.

Lies behind them a non-efficient slow tangled complicated legal system, along with other pre-judiciary investigative and intelligence agencies. Those agencies may have limited authority, ruled by certain balance of powers or even infiltrated. As so, when the disputed legal cases reach the judiciary; public prosecution and courts, they are incomplete in a way that does not help the judge to have solid strong support to issue his verdicts.

Lies behind them a journalism in charge of it some people whom we knew and made sure are incompetent on all levels; professionally, culturally, politically, religiously and ethically as well… also, a media, whether official state TV or privately-owned satellite channels, inflicted with the same disease. They are even worse as they are more thick-skinned, ignorant and ill-behaved in a way allowing them to do whatever they want.

Lies behind them an ordeal of a nation that, according to geography, history, civilization and culture, is well known. However, some of its sons, especially of its recent rulers, failed to have due responsibility toward it and so, they went stealing, looting and selling their country in the regional and international markets. They spread corruption in its corners allowing all enemies in the region and the whole world to mess with its security, safety and dignity.

Finally, but not last, an incapable political, social and financial elite bunch lies behind them; this bunch that was short of thinking for a single moment of a clear way for this nation to come out of its current problems.

Translated into English by: Dalia Elnaggar


This article was published in Al Ahram newspaper on December 15, 2016.

To see the original article, go to:

#alahram #ahmed_elgammal #Egypt #st.peter_church_explosion #terrorism




[1] Mutoon: (Arabic: متون) the Arabic plural word for muton (متن) which is the text containing the main idea.
[2] Hawashi: (Arabic: حواشي) meaning annotations, the Arabic plural word for Hashia (حاشية) which is a brief marginal notation of the meaning of a word or wording in a text. It may be in the language of the text or in the reader's language if that is different.
[3] Meaning adding annotations to annotations.

"يسألون"




أكتب هذه السطور مساء الاثنين حزينًا مكلومًا قليل الحيلة.. وقد سمعت من يسأل عمّن وراءهم؟

..وراءهم العينة البشرية التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة أو قل أدمنت الكبائر التي أنتجتهم في البدء والأساس.. العينة التي خربت البلد إذ التهمت المائدة على عهد السادات وخلفه المسخ، وفتحت أشداقها ترحيبًا بالإخوان ثم هي هي نفسها التي تتصدر معظم المشهد الآن، ولولا أن "الأهرام" لن تقبل كصحيفة أن أبرهن بالأسماء الواضحة الصريحة لما ترددت أن أفعل!

وراءهم ازدواج في المنظومة التعليمية التي تؤسس للوجدان الجمعي وتشكل المسار الثقافي- الاجتماعي.. ازدواج بين تلقين وحفظ واستظهار واستغراق في المتون والحواشي وميل متعمد لتعقيد ما يسّره رب العباد حتى نشأت واستمرت فئة كهنوتية تحتكر لنفسها كل ما يمت للعلاقة بين المسلم وربه واستمرأت المراوغة بالاستجابات الشكلية التي تجهض كل دعوة للإصلاح وبين إعمال للعقل والنقد ومناهج العلم النسبية واطلاع على إنجاز العقل الإنساني. وفصل حاسم صارم بين مؤسسات التدين وبين أن تتدخل في شأن الحكم واحتفاظ واثق بالدين كمصدر وحارس لمنظومة القيم العليا التي لا يختلف عليها إلا معتوه!

وراءهم تمسك بالشكل في معظم إن لم يكن كل جانب من جوانب الحياة، وكأن الجميع اتفقوا على "لبس المزيكة"، حيث كانت تلجأ بعض الأسر التي جار عليها الزمان لاستئجار بعض العاطلين لكي يلبسوا ملابس رسمية أنيقة مستأجرة ويتقدموا صفوف جنازة المرحوم خلف فرقة الموسيقى التي تصدح بألحان جنائزية حزينة.. وكان الشرط الوحيد هو أن يبدو العاطل ذا قامة "شاسيها" مهيبة! ولم يفلت مرض "الشكلية" جهة حتى دور العبادة.. رخام.. وسجاد وموكيت ونقوش ومآذن فارعة وميكروفونات كثيفة وأصوات لا تستحي أن تكون منكرة وهي تردد أجمل وأعمق معنى.. ناهيك عن المكيفات وقاعات المناسبات وفرق المحترفين في استنزاف ما في جيوب خلق الله ليحرم على الدار ما يزعمون أنه إنفاق في سبيل الجامع! ولذلك عاد الإسلام غريبًا كما بدأ غريبًا، مع فرق نوعي، هو أن غربته الأولى كانت بالتخلي عن الإعلان وعن الشكل والاحتفاظ بالإيمان داخل الصدر!

وغربته الثانية الحالية هي بالتمسك بالإعلان الشكلي وخلو الصدور من ذرة إيمان واحدة!

وقس على ذلك التعليم الذي يفترض أنه- كما سبق وأسلفت- يعلي العقل والعلم والبحث، فإذا به كمّ بغير كيف، وبحث علمي موؤود ومد الخيط على أي امتداد في أي اتجاه لتصطدم عينك بأبهى شكل دون أدنى مضمون!

وراءهم قبول رسمي بالوجود الفاعل ضمن البرلمان والأحزاب والصحافة والإعلام والمساجد بمن لا يتردد ولا يتوارى ولا حتى يخافت بما يقول.. حيث القول هو إن المسيحيين كفار وسيدخلون النار، ولو حدث وتزوج مسلم امرأة مسيحية فعليه أن يشعرها صراحة وفي كل وقت بالبغض، وإذا دخل فلا يلقي عليها السلام، وكل ما يربطه بها هو أن يستمتع جنسيًا معها مثلما يفعل الذكر مع البغي! هذا كلام ليس مرسلًا ولا افتراء وإنما سمعته وشاهدت قائله وهو يقوله واسمه ياسر برهامي.. ويومها.. يوم شاهدته وسمعته.. كتبت في هذه المساحة من "الأهرام" متسائلا مستنكرا عن السر في أن عين السلطات تبدو مكسورة أمام هؤلاء المتسلفين الأوباش!

وراءهم منظومة قانونية معقدة ومتشابكة ومتلكئة وغير ناجزة وغير رادعة، ومعها أجهزة للتحري والتحقيق ما قبل القضائي، مغلولة وربما مرتعشة وربما أيضا تحكمها توازنات وربما أخيرًا مخترقة، فإذا انتقل الأمر للقضاء نيابة ومحاكم جاء ناقصًا مبتورًا لا يساعد القاضي على أن يستند وجدانه على دعائم قوية ثابتة فلا يكون نقض يبطل ما قضى به بعد ذلك.

وراءهم صحافة يقوم على أمرها من عرفنا وتيقنا أن معظمهم مصاب بالأمية الهجائية والإملائية والنحوية والمهنية والثقافية والسياسية والدينية وأيضا الأخلاقية.. وتليفزيون أرضي وفضائي يقوم على أمره من لم يفلتهم المرض نفسه، بل ويزيدون مرضًا يتفشى في أوساطهم هو سماكة الجلد وعصامية الجهل وقلة الحياء التي تجعل الواحد أو الواحدة منهم يفعل ما يشاء!

وراءهم محنة وطن ومأساة بلد هو بالجغرافيا والتاريخ والحضارة والثقافة ملء السمع والبصر، ولكن أبناءه- خاصة من شاء الحظ التعس أن يكونوا ولاة أمره في حقب قليلة مضت- لم يحملوا مسؤوليتهم تجاهه فسرقوه ونهبوه ورهنوه في أسواق النخاسة الإقليمية والدولية، وأتخمت بطونهم وخزائنهم بالحرام الذي نهبوه منه، فكان أن تداعت عليه نفايات الجغرافيا في الإقليم وحثالات العمالة في المعمورة ليعبثوا بأمنه وأمانه وينتهكوا عزته وكرامته.

ووراءهم أخيرًا وليس آخرا نخبة سياسية واجتماعية مالية عجزت عن أن تفكر لحظة في طريق سليمة واضحة تمحو عنها عار أن تكون في مقدمة صفوف وطن يحدث فيه كل ما سبق.
                          

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 15 ديسمبر 2016.

Wednesday, 14 December 2016

God’s chosen people in Ethiopia


 I continue my writing about Ethiopia based on the “Kebra Nagast” book; that book translated from the old Abyssinia Ge'ez language by professor Dr. Magdi Abdel-Razeq Soliman. I admit that I hesitated a lot in continuing my journalistic writing after the devastating act of terrorism of St. Peter church explosion. I then remembered the saying stating that “sword is more credible than books”, because sometimes words seem to be incapable of achieving the required change, especially if compared to those who took other words as a sheath hiding their swords in, or even as a bombing vest surrounding their bodies. However, that hesitation came to an end when I realized that such action of seizing to write will work for the benefit of those criminals.

Regarding our topic, I found that there is a strong connection between the Old Testament stories about God’s chosen people; such stories that the Zionist movement depended upon to encourage the world Jews to build a sectarian religious state, and the cancerous growth of movements and orientations that took some Islamic texts and interpretations as support for their violence, crimes and project to establish the so-called state of Caliphate. There are many details in such regard that I, and others, have written about before. Therefore, I was very attracted to what was written in “Kebra Nagast” book about the Ethiopian belief that the people of Abyssinia are God’s chosen people.

I have received a lot of comments about last week’s article introducing the book of “the greatness of Kings… old Abyssinia texts”, as some gentlemen who honored me with their comments saw that we are in bad need to know more about Ethiopia; history, culture and ethnicity. We also need to know more about many of our neighboring countries in Africa and the Arab nation because there is a reality that we cannot keep to ignore anymore. This reality says that some nations in Africa and the Arab region feel that some – and maybe all – Egyptians are practicing some kind of civilization, cultural and ethnic superiority over them, and that the more troubled Egypt is, the higher this practice. Such thing pushes the other party to adopt a counter-superiority reaction, and so mutual tension will undermine the interests of both sides. I do not want to elaborate on clarifying such thing lest we go astray from our topic.

The Abyssinia people are God’s chosen people according to their beliefs, which I will not describe as “myths” like some specialists do, since I believe that describing others’ religious beliefs as myths will give them the right to do the same thing regarding the other party’s beliefs, whether Islam, Christianity, Buddhism or any other creed.

The kings whom the book tells of are Abyssinia kings descending from Menelik I; son of Solomon; son of David; king of Israel from the kingdom of Abyssinia, as Ethiopians believe that prophet Solomon, the king, was not married to the Queen of Sheba – as common in other sacred stories – however, he was married to their own queen. To the extent that the third article of the Ethiopian constitution issued in the time of emperor Haile Selassie I in 1931 states the following: “the law states that the imperial honor will always stay connected to the dynasty of Haile Selassie I; descendant of King Sahle Selassie who descends uninterruptedly from the dynasty of Menelik I; son of King Solomon of Jerusalem, and Queen of Ethiopia known as the Queen of Sheba”.

The off-spring of such marriage was Menelik I who totally looked like his father. And so, it is not strange that he is the representative of David’s earthly kingdom over the throne of Abyssinia, in adjacent to David’s heavenly kingdom with Jesus ruling it.

The Abyssinia people or Ethiopians go on in their beliefs that they are God’s chosen people when they think that the Ark of the Covenant that was given to Moses – peace be upon him – was stolen and flew towards Ethiopia where it resided. Since the Ark in the Old Testament was described as home of God, also, the place where God used to talk to the Israelites through Cherubim, having the Ark flown to Abyssinia means that God had left Jerusalem because it did not keep his commandments and promise, and went to Abyssinia and chose it among all nations because it succumbed to deity. Therefore, and according to this symbolism, the people of Abyssinia are God’s chosen people. Believers of such notion cite some signs from the Old Testament supporting this.

The Abyssinia or Ethiopian belief goes on – as per the book of “Kebra Nagast” or “the greatness of Kings… old Abyssinia texts” – to confirm that Jesus was the one who came to Abyssinia carried over the Ark to his chosen people. The sanctity of the Ark even increased because it was made of wood; the same type of wood the cross where Jesus was crucified upon was made. Moreover, this sanctity extends to consider the Ark a salvation for all humans starting from Moses to all who came after him, and everything that is made of wood – like the cross – is sacred, for example, Noah’s ark and Aaron’s rod that budded because it was made of wood. The stolen Ark from Jerusalem is even called, by the author of “Kebra Nagast”, Zion, to say that the earthly Zion is God’s home on earth which is ruled by the King of Abyssinia, while the heavenly Zion in the Kingdom of God is ruled by the glorified Jesus…”.

I excerpted most of these concepts from Dr. Magdi Abdel-Razeq Soliman’s translation. Now, I want to say that decision makers and others contributing to form and enlighten the public opinion in Egypt should pay attention to this. We all should take into consideration how the other Ethiopian or non-Ethiopian party sees himself through its historic roots, since mishandling the conscience composition of nations stimulates the fiercest instinct of their civilization, cultural and creed self-defense, like the case when you attack a person or even an animal, it reacts back to repel the assault and defend its existence.

I wish I could continue demonstrating the texts mentioned in the most important Ethiopian book. I also wish I could continue writing about the civilized and cultural composition, and the ethnic roots as well, that have to do with the Ethiopian society, so that we can correct our vision that I think is many times wrong due to choosing the wrong perspective to look through. However, the current events we live leave no chance for such thing. In addition, some may misunderstand this as an escape from the ugly reality.

Translated into English by: Dalia Elnaggar


This article was published in Almasry alyoum newspaper on December 14, 2016.

To see the original article, go to:


#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #Egypt #Ethiopia #Abyssinia

شعب الله المختار في إثيوبيا




أستكمل ما بدأته عن إثيوبيا معتمدًا على كتاب "كبرانجشت"، الذي ترجمه من اللغة الحبشية القديمة "الجعزية" الأستاذ الدكتور مجدي عبدالرازق سليمان، وأبدأ بحقيقة أنني ترددت كثيرًا في أن أستمر في الكتابة الصحفية بعد زلزال الكنيسة البطرسية، إذ عشت طويلاً مع المعنى القائل "السيف أصدق إنباءً من الكتب" لأنه في أوقات معينة تبدو الكلمة عقيمة لا تثمر تغييرا منشودا، خاصة مع من اتخذوا من كلمة أخرى جرابًا يستلون منه سيوفهم، وحزامًا ناسفًا يلفون به أجسادهم، وقد خف التردد شيئًا ما بعد أن أدركت أن التوقف يصب لمصلحة أولئك المجرمين.

ثم إن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين الكلمة التوراتية عن شعب الله المختار التي اعتمدت عليها الحركة الصهيونية لحفز وتنظيم يهود العالم لبناء دولة دينية طائفية، وبين النمو السرطاني للحركات والاتجاهات التي اتخذت من نصوص واجتهادات إسلامية سندًا لعنفها وإجرامها ومشروعها لإقامة ما يسمى بدولة الخلافة، وفي هذا تفاصيل كثيرة سبق وكتبت وكتب غيري عنها، ولذلك فقد شدني بقوة ما جاء في كتاب "كبرانجشت" حول الاعتقاد الحبشي بأن شعب الحبشة هو شعب الله المختار.

ولقد تلقيت كثيرًا من التعليقات حول ما ورد في مقال الأسبوع الفائت عن التعريف بكتاب "جلال الملوك.. نصوص حبشية قديمة" ورأى بعض السادة الذين شرفوني بتعليقهم أن هناك احتياجًا شديدًا لمزيد من المعرفة عن إثيوبيا تاريخيًا وثقافيًا وإثنيًا، وكذلك عن عديد من دول الجوار في إفريقيا وفي الوطن العربي، لأن هناك واقعًا لا يجوز الاستمرار في تجاهله أو طمسه، وهو إحساس البعض في إفريقيا، وفي المنطقة العربية، بأن بعض المصريين- وربما كلهم- يمارسون نوعًا من التعالي والاستعلاء الحضاري والثقافي والإثني على الآخرين، وكلما كانت مصر مأزومة علا هذا المسلك، الأمر الذي يدفع الآخر لاستعلاء مضاد يأخذ المسار نفسه، ليصب الاحتقان المتبادل في الإضرار بمصالح كل الأطراف.. ولا أريد أن أستطرد في توضيح هذا الأمر حتى لا أنجرف بعيدًا عن الموضوع الذي أكتب عنه.

الأحباش هم شعب الله المختار- حسب معتقداتهم التي لن أستخدم وصفًا لها بـ"الأسطورة"، كما يصفها بعض المتخصصين- لأنني أعتقد أن وضع المعتقدات الدينية التي يؤمن بها أصحابها في إطار الأساطير ممن هم ليسوا من أتباعها يعطي كل الأطراف الحق في إطلاق الوصف نفسه على كافة المعتقدات المغايرة، بما في ذلك الإسلام والمسيحية والبوذية وغيرها!

والملوك الذين يتحدث عنهم الكتاب هم ملوك الحبشة المنتسبون إلى منيليك الأول بن سليمان بن داود، ملك إسرائيل من ملكة الحبشة، حيث إن الأحباش يعتقدون أن سليمان النبي الملك لم يتزوج ملكة سبأ- كما هو شائع في قصص مقدس آخر- وإنما تزوج ملكتهم، لدرجة أن المادة الثالثة من الدستور الإثيوبي الصادر في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي عام 1931 تنص على ما يلي: "يقرر القانون أن الشرف الإمبراطوري سيظل بصفة دائمة متصلا بأسرة هيلا سيلاسي الأول، سليل الملك سهلا سيلاسي الذي يتسلسل نسبه دون انقطاع من أسرة منيليك الأول بن سليمان ملك بيت المقدس وملكة إثيوبيا المعروفة باسم ملكة سبأ".

ومن زواج سليمان من الملكة الحبشية ولد منيليك ليشبه أباه تماما، لذا فليس غريبًا أن يكون هو ممثل مملكة داود الأرضية على عرش الحبشة في مقابل مملكة داود السماوية وعلى رأسها المسيح.

ويمضي الأحباش في معتقداتهم بأنهم شعب الله المختار عندما يعتقدون أن تابوت العهد الذي أعطي لموسى- عليه السلام- سرق وكان يطير طيرانا باتجاه إثيوبيا واستقر بها، وحيث إن التابوت في العهد القديم يصور على أنه مسكن الرب، وهو المكان الذي كان يكلم من خلاله بني إسرائيل من خلال "الكروبيم"، فإن ذهاب التابوت إلى الحبشة يعني أن الرب قد غادر أورشليم لأنها لم تحفظ وصاياه وعهده، وذهب إلى الحبشة واختارها من دون الأمم لأنها أقبلت عليه، ولذا ووفقًا لهذا الرمز يصبح شعب الحبشة هم شعب الله المختار، ويستند أصحاب هذا التصور إلى ما استقوه من العهد القديم من إشارات تؤكد ذلك.

ويمضي المعتقد الحبشي- وفق كتاب "كبرانجشت" أو "جلال الملوك"- ليؤكد أن المسيح هو الذي جاء إلى الحبشة محمولًا فوق التابوت إلى شعبه المختار، وازدادت قداسة التابوت لأنه من خشب.. من نوع الصليب نفسه الذي صُلب عليه المسيح، بل إن هذه القداسة تمتد ليكون التابوت خلاصًا لكل بني آدم من موسى إلى ما بعده، ويصبح كل ما هو من خشب كالصليب مقدسًا.. كمركب نوح وعصا هارون التي أفرخت زهرًا لأنها من خشب، حتى إن التابوت المسروق من أورشليم يدعوه مؤلف "كبرانجشت" صهيون، على أساس أن صهيون الأرضية مسكن الرب في الأرض التي يعلوها ملك الحبشة في مقابل صهيون السماوية في الملكوت الأعلى التي يعلوها المسيح له المجد...".

تلك مضامين اقتبست غالبها من سطور الدكتور مجدي عبدالرازق سليمان، واستهدف بها الوصول إلى أن ننتبه في مصر.. ينتبه أصحاب القرار من صناعه ومتخذيه، وينتبه من يساهمون في تكوين وتنوير الرأي العام وينتبه الجميع إلى أن يتعاملوا مع الآخر الإثيوبي أو غير الإثيوبي من خلال رؤيته لنفسه ومن خلال جذور ومسارات تكوينه، لأن الغلط في التعامل مع المكنونات الوجدانية للشعوب يستفز فيها أشرس غرائز الدفاع عن الذات الحضارية والثقافية والعقيدية، مثلما هو الهجوم على شخص أو حتى حيوان فإنه يستنفر أقصى طاقاته لصد الهجوم والحفاظ على وجوده.

ولقد وددت أن أستكمل استعراض النصوص التي وردت في أهم كتاب إثيوبي، وأن أستمر في الكتابة عن التكوين الحضاري والثقافي وكذلك الأصول الإثنية وما يرتبط بها من جوانب مختلفة تخص مكونات المجتمع الإثيوبي، حتى نصحح نظرتنا التي أظنها كثيرًا ما تصاب بالحول نتيجة خطأ الزاوية التي ننظر منها، غير أن مجريات الأحداث لا تترك فرصة لإبحار من هذا النوع، خاصة أن البعض قد يظنه هروبًا من الأحداث الجارية.
                              

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 14 ديسمبر 2016.

Thursday, 8 December 2016

مصر والسعودية مجددًا




لن يستطيع أي موهوب في أساليب وفنون النقد والانتقاد والهجوم والتهجم السياسي وحواشيه الثقافية والاجتماعية؛ أن يصل للمستوى الاحترافي الذي كان خلال تصاعد الصدام- وليس فقط الاختلاف- المصري السعودي في الستينيات، سواء هنا في مصر أو هناك في المملكة وخارجها، أي المنابر الصحفية والتليفزيونية المحسوبة عليها، لأن تلك الفترة عرفت استقطابات أكثر حدة مما عليه الأوضاع الآن، وكان فيها نجوم الكلمة الذين ما زالت بصماتهم محفورة في سجلات الإعلام والسياسة حتى الآن، فإذا أضفنا أن الصدام- آنذاك- تجاوز الإعلام والفكر والثقافة إلى ميادين القتال بالدبابات والمدافع والطائرات، ولمستوى استخدام كل وسائل الضغط بما فيها "التآمر" الاستخباراتي وسطوة الأموال، لعرفنا أكثر وأكثر مدى خطورة الذي كان!

ثم اكتشف الطرفان- وعلى رأسيهما الزعيم جمال عبد الناصر والملك فيصل الذي هو عند كثيرين وبمعايير قوية أقوى ملك للمملكة بعد والده وأكثرهم حنكة ودراية- أن المحصلة هي الخسارة الفادحة للشعبين وللعرب وللمنطقة، وما حدث بعد تصفية الخلاف معروف ومتاح لمن يريد أن يعرف.

لذلك كله مضافًا إليه حجم المتغيرات الهائلة التي شهدها العالم ونحن على الجانبين منه، ووصلنا إلى محطة الأخطار الرهيبة التي تحاصرنا، فعندئذ ندرك عدم جدوى- ولا أقول عبثية وتهافت- التمادي في التهجم المتبادل، وشن الحملات التي يظن أصحابها أنهم عندما يوظفون المشاعر الوطنية لدرجة الشوفينية الضيقة فإنهم ينتصرون للوطن في مصر أو في المملكة ضد العدو!

لن أعمد إلى تاريخ العلاقات بين مصر وبين الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر، الذي هو شاطئ عربي بامتياز غير منقوص، من قمته الشمالية عند رأس خليج العقبة إلى سفحه الجنوبي عند باب المندب، وهي علاقات فيها الأبعاد كلها التي لا يمكن تجاهل أي منها حضاريا وثقافيا وعقيديا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا.. ولن أعمد إلى تشخيص ووصف وتحليل أبعاد الخطر الداهم علينا جميعا، والذي تجاوز كل المراحل حتى وصل لمرحلة تهديد الوجود العضوي للبشر أنفسهم، فهذا كله معلوم.. سواء الأبعاد التاريخية أو الوضع الحالي، لذا أتجه إلى ما أود قوله مباشرة، ألا وهو تساؤل تقريري مؤداه أليس الأنفع والأجدى أن نصرف- كنخبة إعلامية وأكاديمية وسياسية مصرية- جهودنا لدراسة آفاق وتفاصيل العلاقة بين مصر وبين المملكة خاصة وبقية المحيط العربي عامة، وهو الواجب نفسه الذي يتعين ويتحتم على نخبة الجانب الآخر السعي لإنجازه؟

أليس واردًا أن توضع نقاط الخلاف- ومعها بالتالي الاختلاف في المواقف والمعالجات- على مائدة البحث والنقاش، ليعرف كل طرف الحدود والضوابط المقبولة على الجانبين، وعلى سبيل المثال القضية السورية، وفيها- حسبما أفهم- عناصر للاختلاف تكاد تتوازى إن لم تتفوق على عناصر الاتفاق، لأن سوريا بالنسبة لمصر هي البوابة المباشرة للأمن المصري، وأي تطور يؤدي إلى قيام نظام حكم مصنوع ومن ثم ممالئ لمن هم في وضع عدائي لمصر هو تطور مرفوض ويجب على مصر مقاومته، وأعني بمن هم في وضع عدائي لمصر دويلة قطر تحديدا، التي بادرت مصر بالعداء ووصلت إلى حد السعي للتخريب البشع داخل مصر، ولم تتردد في حصارها والسعي الإجرامي للتدخل في مصير شعبها! ولذلك فإن الالتقاء القطري- السعودي حول الوضع في سوريا يحمل تناقضا لا بد من حله!

وأيضا، وعلى سبيل المثال كذلك، فإن أحدًا لم يناقش الرؤية السعودية والرؤية المصرية للمنطقة على ضوء الاستراتيجية السعودية التي احتوتها خطة 2030.

وأين وكيف يمكن أن يتقاطع الدوران بحيث لا يأتي الرد على هذا السؤال بالطريقة التي رد بها عبد المنعم سعيد على كاتب هذه السطور، في جلسة ثقافية يستضيفها السفير السعودي بالقاهرة ويحضرها كثير من مثقفي مصر وإعلامييها وصحفييها إلى جانب سفراء عرب، إذ رد الخبير الاستراتيجي الذي كان هو المحاضر، والمحاضرة عن خطة 2030 السعودية، إذ قال لا فض فوه ومات حاسدوه: "كفاية حديث عن الدور القائد والكلام من هذا النوع، لأن الأدوار لا تصنعها أغاني عبد الحليم حافظ"، وواضح أنه كان يلقمني حجرا، لأنني محسوب على حقبة الدور القائد وأغاني عبد الحليم، فيما لم يكن سؤالي عن دور قائد، وإنما كان- والشهود موجودون- عن أهمية دراسة وتحديد احتمالات تقاطع الأدوار أو تصادمها بين مصر وبين المملكة من الآن حتى بداية العقد الرابع من هذا القرن.. وها هو التقاطع قد حدث فيما الاستراتيجيون يسخرون من الفن كعنصر من أقوى عناصر القوة الناعمة للأوطان! ولم يكلفوا أنفسهم عناء الدراسة المستقبلية، خاصة أنني في الجلسة نفسها ذكرت شيئا عما نشرته صحيفة أو مجلة ألمانية مشهورة منسوبا إلى ولي ولي العهد السعودي، وفيه تنسب إليه أنه تحدث عن الشركاء الصغار للمملكة، وهما باكستان ومصر!

ثم نأتي للنقطة التي التهبت فصارت دملًا وقد يتحول مع هواة النفخ في الكير إلى خراج صديدي يسمم الجسم كله، فيما لو ترك المجال لنافخي الكير ومعهم مشعلو النيران، وهي نقطة الجزيرتين لتفتح جميع الاحتمالات المخيفة، ابتداء من أن يستغل نافخو الكير مشعلو النيران هناك في المملكة الأمر ويتحول إلى قضية أرض سعودية محتلة من الغاصب المصري، رجاء مزيد من التماسك حول النظام، لأن هناك قاعدة قديمة تقول "إذا أردت مزيدا من تأجيل الصراع الداخلي أو صرف النظر عن أزمات بعينها فافتح جبهة خارجية واشتغل على وتر الوطنية وحرية التراب الوطني"، وابتداء أيضا مما حدث بالفعل في مصر، حيث اشتعلت الحرائق وتعالت الأدخنة حول التنازل المرفوض عن التراب الوطني والخزي والعار اللذين سيلحقان بالمفرطين!

ليس لدي وصفة سحرية تخرجنا من هذه الأزمة، ولا يمكن ترك الأمر للجهد الرسمي فقط، وإنما مطلوب دور من النخبة بكافة أطرافها على الجانبين لنخرج من هذا المأزق، إن النخب المحترمة والشعوب الحية هي من تتعلم من دروس تاريخها ولا تعيد إنتاج أزماتها وكفى بدرس الستينيات على الجانبين درسا.
                          

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 8 ديسمبر 2016.

Wednesday, 7 December 2016

About Ethiopia and its sacred history “1”




Everyone in Egypt, even if ignorant and does not know how to read, talked about the crisis of the Renaissance dam in Ethiopia or Abyssinia as some prefer to call… everyone turned into an expert in geography, geology, soil, earthquakes and rain flooding… It even happened that a high-level meeting was conducted at the presidency palace, atop of that meeting was then-president Muhammed Mursi… and some political figures played the character of expert generals and started talking about waging a war, launching a sudden attack, and stirring ethnic and racist unrest in Ethiopia… the meeting was supposed to be secret… however, cameras were running and microphones were recording and the meeting was live broadcasted… it was a real scandal that severely affected the two countries’ relations.

Talking seriously, if we asked a random group of those intellectuals… then another group of people about how well they do know Ethiopia; its location, geo-political, ethno, and cultural composition, historical roots, arts and sensitive issues; meaning weak points the Ethiopians prefer no one should interfere in or underestimate…etc… we would find that no one actually knows anything about all this except for a specialized or expert in the Ethiopian civilization who knows well about Ethiopia and the African Horn.

As to me, I do not claim I know well about what I mentioned… although I am interested in the African civilizations in general and those of the River Nile basin countries in specific… and so, I did not hesitate to visit Ethiopia and discuss some of the Ethiopian politicians and intellectuals… I also attended the massive celebration of Saint George and sang the Christian hymns… moreover; I gave a word about Christianity in Egypt and its extension in Abyssinia.

When I had the book of “the greatness of Kings… old Abyssinia texts” after my friend Dr. Mohsen Youssef gave me part of his library, I realized I am ignorant regarding the Ethiopian history and the role of myth in it… I also lack understanding the cultural composition and historical and legends’ effects the Ethiopians have… I also realized that I am not well acquainted of an aspect of the greatness and uniqueness in Egypt… and how the soft power of our country greatly exceeds what we think… as I knew from the book introduction that it is translated from the old Abyssinia language known as Ge'ez language.

This language, as written by Professor Dr. Muahmmed Khalifa Hassan in the introduction: “is the old Semitic language in Abyssinia and has strong connections to the Arabic language… also, it has a strong connection to Sheba Arab script language as the ancient Yemeni alphabet – south Arab script was written in – was transferred to Abyssinia and was mainly used in Abyssinia writing… Ge’ez language is now the language of the Ethiopian church… it is no longer a living language as Amharic language has replaced it since the 13 calendar century… Ge’ez language continued as the language of the Ethiopian church and of the literature and historic writings that have an Ethiopian religious theme.

I knew from Dr. Hassan’s introduction that we have a specialization in this language; Ge’ez, in the faculty of arts at Cairo University and that the university has internationally-recognized experts in this language… most important of them is Professor Dr. Khalil Yahia Nami, Professor Dr. Murad Kamel and Professor Dr. Abdel-Samie’ Muhammed Ahmed… followed them another generation, most notable of them are Professor Dr. Muahmmed Khalifa Hassan and Professor Dr. Omar Saber Abdel-Galil… as to the third generation, we have Dr. Magdi Abdel-Razaq; the book translator… what really makes you feel proud is that the department of eastern languages at Cairo University is the only one that encompasses such specialization on the Egyptian, Arab and international levels… as experts in the old Abyssinia language in the West are now very few and scattered in their universities.

Moreover; this book “Kebra Nagast” or “the greatness of Kings”, is the main source through which the Abyssinia history philosophy was based… and it has two levels of importance… the first is the explaining level for the history of Abyssinia as to framing it within a specific Christian theological format… the second is the historical documentation level… as this book documents for the history of Abyssinia within the Christian theology… this history that starts at the beginning of creation and ends at the birth of Christianity.

This book is considered a religious one in the theological history of Christianity… this religious aspect was the reason behind why the theological accounts were spread into Abyssinia history and how they combined with historical accounts… at this point, Dr. Hassan hints to the similarity between Abyssinia history and that of the Israelites… as many historical events turned into parts of religion… and where Abyssinia history excerpted many myths of the Israelites’ history and gave it an Abyssinia interpretation… and so, the Ethiopian or Abyssinia history became sacred just like the Israeli history.

We shall continue talking about other texts of the book later.

Translated into English by: Dalia Elnaggar


This article was published in Almasry alyoum newspaper on December 7, 2016.

To see the original article, go to:


#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #Egypt #Ethiopia #Abyssinia #history

عن إثيوبيا وتاريخها المقدس "1"




لم يتخلف إنسان واحد في مصر سواء كان ممن يفكون الخط أو ممن لا يعرفون الألف من كوز الذرة إلا وتكلم عن أزمة سد النهضة، وبالتالي إثيوبيا أو الحبشة، كما يفضل البعض تسميتها، وتحول الجميع كما هي العادة إلى خبراء في الجغرافيا والجيولوجيا والتربة والزلازل وتدفقات الأمطار، بل وصل الحال ذات لحظة وفي اجتماع على مستوى يفترض أنه رفيع إذ كان المكان هو رئاسة الجمهورية، وكان على رأس الحضور الرئيس آنذاك محمد مرسي، إلى أن يتقمص البعض من أهل السياسة شخصية ودور الجنرالات المحترفين وطاش الكلام عن حرب وعن هجوم مباغت، وعن إثارة القلاقل الطائفية والعرقية في إثيوبيا، وكان يفترض أن الاجتماع سري مغلق، ولكن لأن الاحتراف واصل عند قطاعات واسعة من نخبتنا وشعبنا إلى مستويات غير موجودة في العالم كله، كانت الكاميرات تصور والميكروفونات تعمل والبث المباشر شغال على ودنه، وكانت فضيحة بكل المعايير، وترتب عليها آثار وخيمة في علاقات البلدين!

هذا حول بعض حالنا في ادعاء المعرفة، أما إذا جئنا للجد وسألنا عينة عشوائية من قمة النخبة ووسطها وقاعدتها، ثم من الناس عن مدى معرفته بإثيوبيا من حيث موقعها وتكوينها الجغرافي السياسي والعرقي والثقافي وجذورها التاريخية وآدابها وفنونها وأوتارها الحساسة، أي المناطق التي لا يود الإثيوبيون أن يقتحمها أو يستخف بها أحد، وإلى آخره، لما وجدنا أحدًا يعرف شيئًا من هذا كله اللهم إلا إذا صادفنا أحدًا ما متخصص في الحضارة الإثيوبية أو خبيرًا مدركًا للشأن الإثيوبي ومعه القرن الإفريقي!

عن نفسي لا أزعم أن لدي إلمامًا بما ذكرت، رغم أنني مهتم بالحضارات الإفريقية بوجه عام، ولدول حوض النيل بوجه خاص، ولذلك لم أتردد عن زيارة إثيوبيا ومشاهدة معالمها ومناقشة بعض ساستها ومثقفيها.. وحضرت الاحتفال الضخم بمار جرجس شفيع إثيوبيا ورددت الترانيم، وألقيت كلمة عن المسيحية في مصر وامتدادها في الحبشة!

وعندما وقع في يدي كتاب "جلال الملوك"، "نصوص حبشية قديمة" بعد أن أهداني صديقي الدكتور محسن يوسف جزءًا من مكتبته أدركت أنني أمي فيما يتصل بالتاريخ الإثيوبي ودور الأسطورة فيه، ومقصر في فهم التركيب الثقافي والمؤثرات التاريخية والأسطورية عند الإثيوبيين!

ثم وجدت نفسي مقصرًا أيضًا في معرفة وجه من وجوه العراقة والأصالة والعلم في مصر، وكيف أن القوة الناعمة لبلدنا تفوق ما في أذهاننا بمراحل، إذ عرفت من مقدمة الكتاب أنه مترجم من اللغة الحبشية القديمة المعروفة باللغة الجعزية، وهي كما كتب الأستاذ الدكتور محمد خليفة حسن في المقدمة: اللغة السامية القديمة في الحبشة و"صلاتها باللغة العربية قوية، وعلاقتها بلغة النقوش العربية السبئية وثيقة، حيث انتقل الخط المسند الذي كتبت به النقوش العربية الجنوبية إلى الحبشة، وأصبح أساسًا للكتابة الحبشية.. والجعزية الآن هي لغة الكنيسة الحبشية، ولم تعد لغة حية حيث حلت مكانها اللغة الأمهرية منذ القرن الثالث عشر الميلادي، واستمرت الجعزية لغة دينية للكنيسة الحبشية، ولغة الكتابات الأدبية والتاريخية ذات الطابع الديني الحبشي"،

وعرفت من خلال مقدمة الدكتور خليفة حسن أن هناك تخصصًا في آداب القاهرة في اللغة الجعزية، وأن جامعة القاهرة أنجبت كبار المتخصصين عالميًا في هذه اللغة، ومن أهمهم الأستاذ الدكتور خليل يحيى نامي، والأستاذ الدكتور مراد كامل، والأستاذ الدكتور عبد السميع محمد أحمد، ومن بعدهم جيل آخر من أبرز ممثليه الأستاذ الدكتور محمد خليفة حسن، والأستاذ الدكتور عمر صابر عبد الجليل، أما الجيل الثالث فيمثله الدكتور مجدي عبد الرازق مترجم الكتاب، والمدهش الذي يثير الفخر ويشرح الصدر هو أن هذا التخصص انفرد به قسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة على المستوى المصري والعربي والدولي، فالمتخصصون في اللغة الحبشية القديمة في الغرب الآن قلة قليلة ومتفرقة في جامعاتهم.. ثم إن الكتاب.. كتاب "كبرا نجشت"، أي "عظمة وجلال الملوك"، فهو المصدر الأساسي الذي تمت من خلاله بلورة فلسفة التاريخ الحبشي، وله مستويان من الأهمية، أولهما المستوى التفسيري لتاريخ الحبشة من حيث إطاره ووضعه داخل نسق لاهوتي معين، والثاني هو المستوى التأريخي - بالهمزة - حيث يؤرخ "كبرا نجشت" لتاريخ الحبشة داخل الإطار اللاهوتي الذي تم وضعه، ويبدأ هذا التاريخ ببداية الخليقة وينتهي بظهور المسيحية.. وهو يعتبر كتابًا دينيًا في التاريخ الديني للمسيحية، وقد تسبب هذا البعد الديني في تغلغل القصص الديني إلى تاريخ الحبشة واختلط بالروايات التاريخية، وهنا يشير الدكتور محمد خليفة حسن، الذي أقتبس معظم هذه السطور من مقدمته إلى التشابه بين التاريخ الحبشي وتاريخ بني إسرائيل، حيث العديد من الأحداث التاريخية التي تحولت إلى جزئيات من الدين، وحيث اقتبس التاريخ الحبشي العديد من أساطير تاريخ بني إسرائيل وفسرها تفسيرًا حبشيًا، وليصبح التاريخ الحبشي تاريخًا مقدسًا مثله مثل التاريخ الإسرائيلي.. وللحديث بقية تتصل بمتن النصوص.. نصوص "عظمة الملوك".
                        

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 7 ديسمبر 2016.