Saturday, 19 July 2014

صديق العمر.. محاولة ساذجة لوقف التسونامى

 
لقطة من مسلسل صديق العمر
لست بصدد مناقشة ما يتصل بمسلسل صديق العمر من جوانب فنية، وما أنا بصدده هو الجانب العام ومنه العلاقة بين العمل الدرامى وكتابة التاريخ، ومنه أيضا توقيت إذاعة عمل ما أو إصدار كتاب ما، ومنه ثالثا انعكاس العمل على الوعى الجمعى ونتائج ذلك.. أما الجانب الثانى فهو الخاص بمدى احترام القائمين على النص لوقائع التاريخ المعروفة ومدى حرصهم على تقصى أبعاد ما لم يكن حدثا بحد ذاته، ولكنه ظروف محيطة بالحدث.. أى الظرف الموضوعى زمانا وأطرافا.

فى البداية ليس هناك شخص مقدس بحد ذاته إلا الأنبياء، وحتى هم فإن البعض يذهب إلى أن معصوميتهم وقداستهم مقترنة بما يتصل بالوحى فقط، وعدا ذلك فهم بشر يخضعون لنواميس الكون السارية على الجميع.

وفى البداية أيضا ليس لأحد الحق فى ادعاء الإمساك بأختام الوطنية ودمغات الموضوعية، يختم بهذه ويدمغ بتلك من يشاء ويحرم من يشاء.. وإنما الأمر أمر مادة تاريخية لها مصادرها ومراجعها، وأمر قدرة على التعامل مع هذه المادة وفق القواعد المنهجية المستقرة فى علم النقد التاريخي.. الأمر أيضا أمر قواعد وأدوات علمية تعرفها أكاديميات ومعاهد الفنون وتعلمها لتلاميذها فى مرحلتى البكالوريوس وما فوقها من دراسات عليا للماجستير والدكتوراه.. وإذا كان ثمة إبداع لرائد يتمرد على تلك القواعد والأدوات ويقدم جديدا غير مسبوق، فإن ذلك يأتى بعد احترام البديهيات فى مجال علم التاريخ وعلوم السيناريو والإخراج! ولذلك وعليه فإن خرق هذه البديهيات أو تجاوزها على الناحيتين، يفصح وحده دونما جهد كبير عن أن للعمل هدفا آخر غير هدف إجلاء الحقيقة وتعظيم الموضوعية.

فى الجانب العام فإن التاريخ لا يعرف الخيال والدراما تعرفه، وبه تستكمل جوانب يراها القائم عليها تخدم الأحداث التاريخية وتضفى عليها أبعادا أخرى دون أن تمس ما هو ثابت موثق من تلك الأحداث، وإلا كان الإبداع فى تكثيف رؤية الحقيقة التاريخية مساويا للفجر فى تزييفها.. وأحيانا تبدو العملة المزيفة أكثر لمعانا عن الأخرى الحقيقية.

ولقد جاء المسلسل فى توقيت مفصلى للانتقال فى مصر والمنطقة من حالة إلى حالة جديدة، تهدف العيش والحرية والعدالة الاجتماعية واستقلال الإرادة الوطنية.. مثلما جاء فيلم الكرنك فى مفصل زمنى كانت مصر فيه تتهيأ لأن يمسك بتلابيب مصيرها الأفاكون من «بتوع» الانفتاح السداح مداح والذين نهبوها وهبروها، وكانوا هم الأصل فيما وصلت إليه مصر قبل تولى حسنى مبارك بزمان!.. وكانت اللعبة فى جوهرها تقوم على التضخيم والتجسيد والمبالغة فى قضية كبت الحريات والتعذيب وخلافه فى الحقبة ما قبل السادات، أما الآن ـ أيام السادات ـ فهى المؤسسات والحريات والأمن والأمان وبالمرة الإيمان.. «دولة العلم والإيمان» حتى يمكن تمرير النهب والسلب والاحتكار والسرقة والتواطؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية وإنهاء دور مصر العربى والإقليمى إلى آخره!

وفى ظنى فإن المستهدف من المسلسل هو محاولة كسر الموجة العاتية «تسونامي» الحنين غير المرضى لعبدالناصر الفكرة والمبدأ والأهداف، وأيضا مضمون المواقف وليس المواقف مكررة، وذلك بالتركيز ـ زورا ـ على سلبيات الرجل وخاصة تصويره بأنه لا يحسن تقدير الظروف، ومن ثم ينفرد بالقرار ويخطئ فيه خطأ مدمرا!

ثم إن المسلسل لم يلتفت أبدا إلى خلفيات وظروف كثير من القرارات والمواقف، وهنا أسوق مثالا «التأميمات» إذ عمدت الرأسمالية السورية إلى تخريب الاقتصاد بتهريب أموالها والاقتراض الجائر من البنوك السورية دون سداد ليحدث الانهيار، وكان التأميم هو السبيل الوحيد لوقف هذه المؤامرة.

إن هناك وثيقة شديدة الأهمية توضح كافة الظروف التى أحاطت بتجربة الوحدة المصرية السورية، هى وثيقة مباحثات الوحدة الثلاثية بين مصر وبين سوريا والعراق، وفيها نقاشات واسعة وصريحة بين الرئيس عبدالناصر وبين ممثلى البعث السورى ومعهم البعث العراقي.. وأعتقد أن من المهم إعادة نشر هذه الوثيقة وقراءتها قراءة تاريخية نقدية، وفق الأسس العلمية المستقرة وليس وفق هوى من يريد قطع سياق تاريخى حالي، يسعى للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، واستقلال الإرادة الوطنية ويرفع صور رمز وطنى وقومى وتحرري، تعبيرا عن حنين إنسانى سوى وليس حنينا مرضيا يضر ولا ينفع.
                                      
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 19 يوليو 2014

No comments:

Post a Comment