أخشى أن يحمل هذا المقال أكثر مما يحتمل، إذ
يأتي نشره بعد عدة أيام من نشر إعلان مدفوع نشر بالصفحة الأولى في إحدى الصحف
الحزبية، يناشد وينادي السيد رئيس الجمهورية أن يتدخل لحل مشكلة محتدمة في محافظة
الغربية، ولذلك لزم أن أنوه أولا أنه لا علاقة بين الإعلان وبين الإعلام في هذه
الواقعة، وإذا كان ثمة علاقة فهي أن المشكلة أصبحت تحتل مساحة واسعة في عقول وواقع
شرائح عريضة من مواطني طنطا عاصمة وسط الدلتا، وعاصمة عواصم الصوفية في العالم
الإسلامي من غانا إلى فرغانة، ومن شواطئ الأطلسي إلى أطراف الهادي.. بحكم أنها
مقام قطب الغوث الأشهر سيدي أحمد البدوي وثلة من أولياء الله الصالحين القدامى
والمحدثين، ناهيك عن مضامين وجدانية أخرى لا تقل أهمية ولا يتسع المجال للتفصيل
فيها، المشكلة في طنطا هي أنها مدينة مغلقة في محافظة مغلقة، أي أنها بلا ظهير
صحراوي ولا مجال للتوسع العمراني فيها إلا بالتهام الأراضي الزراعية أو التوسع
الرأسي وحسن استغلال مساحات الأراضي المتاحة في كردون المدن والقرى، وبما لا يخالف
القانون ويدمر أخصب أراضي مصر التي راكمها النهر عبر ملايين السنين ذرات من فوق
ذرات حتى صار متوسط عمق التربة المترسبة حوالي 28 مترا!. ولذلك كان ارتفاع أسعار
أراضي المباني وارتفاع أسعار العقارات بالتالي، واحتدام مشاكل الإسكان بوجه عام،
الأمر الذي يستدعي بالحتم وجود مسؤولين على قدر المسؤولية في هذا الصدد.
ثم إنني لم أتشرف بمعرفة السيد محافظ الغربية،
وإن كنت من متابعتي للواقع في المحافظة التي أتشرف بأنني من بنيها، ولدت ونشأت
وتعلمت حتى الثانوية بها، ومتابعتي لبعض ما ينشر عرفت أنه مسؤول كفء يعرف الأصول
ويحق الحقوق ويتصدى للسوس الذي انتشر في جذوع أصول الوطن ولا بديل عن إبادة هذا
الوباء، ومع ذلك فأنا مثل غيري لا أجد تفسيرا لوقف تصاريح البناء في مدينة طنطا،
وهي نموذج أو حالة دراسة نموذجية للفقر في الأراضي المتاحة للإسكان.. وعندما يذهب
المواطنون الذين يريدون رخص البناء، تأتي ردود عجيبة أكثرها عجبا هو إقحام اسم
القوات المسلحة في الأمر.. يعني مواطن لديه مائة متر في حارة أو شارع صغير في أحد
كفور المدينة أو أحيائها ولن يزيد ارتفاعه عن المقرر قانونا للمباني وفق عرض
الشارع الذي تطل عليه، ثم يقال للمواطن لا توجد تصاريح؛ لأن القوات المسلحة تدرس
موضوع الارتفاعات.. أو تدرس التصوير!
ثم حجج أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، أدت
كلها إلى تعطل قطاع العمل في المعمار، يعني نجاري وحدادي المسلح.. وتجار الخشب
والحديد.. وفواعلية الخرسانة، وفئات خدمتهم من بائعي الأكل والشاي.. ناهيك عن
تفاقم أسعار الشقق وتآكل مدخرات مدخرين صغار، وضعوا الجنيه فوق الجنيه من قوتهم
وقوت أولادهم ومعاشاتهم، انتظارا للحظة بناء منزل أو تعلية أو شراء شقة وإذا
بالمدخرات تبدأ في التبخر بالتضخم والغلاء.. كل ذلك والسادة المسؤولون ودن من طين
وأخرى من عجين.. وسؤالي موجه مباشرة للسيد الوزير المحافظ وللسيد الوزير وزير
الحكم المحلي، الذي أعلم أنه رجل من ظهر رجل ولا يعرف الاعوجاج ولا يقبل قتل خلق
الله الغلابة بقطع أرزاقهم وتضييق الدنيا في وجوههم، وموجه أيضا للسيد رئيس مجلس
الوزراء، لماذا إيقاف رخص البناء في مدينة طنطا وربما غيرها من مدن المحافظة ولا
أدري هل هو قرار يعم كل المدن في مصر أم أنه صمم تحديدا على مقاس مدينة طنطا قليلة
البخت سيئة الحظ والنصيب؟!
هل لابد أن يلجأ الناس إلى نشر إعلانات مدفوعة
لبعض الصحف تنادي السيد رئيس الجمهورية وتناشده أن يحل المشكلة وأن يتدخل لأجل
حماية مصالح وأقوات الشعب، بحكم أنه هو وحده الذي يعلن ويصر على أنه حامي حمى
الغلابة والحارس اليقظ لمصالحهم وأقواتهم..
إذا كان ذلك كذلك فما أكتبه هنا هو أيضا نداء
ومناشدة لسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية حامي حمى الغلابة والحارس
اليقظ لمصالحهم وأقواتهم، أن يتدخل لإنقاذ مدينة طنطا عاصمة الدلتا وعاصمة عواصم
التصوف في العالم الإسلامي مما هي فيه من ظلم!
إن هذا النداء حول هذه القضية متمم لما كتبت عنه
في مقال الأسبوع الفائت، حول حتمية مقاومة السوس السرطاني بالغ الشراسة والوحشية
الذي ينخر في جذوع أصول هذا الوطن.. وإن كانت بعض مظاهر التسوس قد بدت جلية في
هيكل ومنهج وزارة الخارجية، كما حاولت أن أرصد في مقال الأسبوع الفائت، فإن ما
يجري في محافظة الغربية وفي مجال معالجة أزمة ضيق الرقعة المتاحة للبناء هو تكريس
لما يفعله السوس الشرس، مستهدفا تقويض الانتماء الوطني لدى الناس، وتقليص مساحة
الشعبية التي يتمتع بها الرئيس السيسي شخصيا ويتشعلق فيها بقية المسؤولين الذين
بدلا من أن يوسعوها ويعمقوها ويصقلوها فإنهم وكأنهم مكلفون بتقليصها وخلخلتها من
جذورها!
يا سيادة محافظ الغربية من فضلك حل مشكلة تصاريح
البناء ولا أحد يطالبك بأي استثناء ولا بخرق القانون، ولك أن تتخيل أنك قبضت
مكافأة نهاية خدمتك وجزء من مدخراتك، ثم قررت أن تبني منزلا على قطعة أرض مبان
ورثتها، فإذا بك لا تجد تصريحا.. وإذا بك لا تجد سببا ولا مسوغا واضحا لذلك!!
يا سيادة المحافظ إن رئيس الجمهورية فيما أعتقد
لديه من المشاكل والمشاغل والمهام ما تنوء به الجبال، وقد صرح منذ عدة أيام بأن
المحافظ هو رئيس جمهورية محافظته، فهل بعد ذلك يليق بك وبنا ألا نجد سبيلا لحل
المشكلة سوى مناشدة رئيس الجمهورية أن يتدخل؟!
نشرت في جريدة الأهرام
بتاريخ 4 أغسطس 2016.
No comments:
Post a Comment