مثلما يقول أهلي
الفلاحون: "أقطع دراعي" إن كان الشيخ سالم عبد الجليل قد بذل جهده وأفرغ
وسعه في مطالعة ودرس واستيعاب وفهم ومناقشة اللاهوت المسيحي، و"أقطع
دراعي" الآخر إذا كان قد فعل الأمر نفسه في فهم القضايا المتصلة بالكلمة
والروح والتجسد في علمي الكلام والأصول بشقيها الديني والفقهي!
ثم وبالمرة أقطع ساقي
إذا كان فضيلته قد فكر وتريث وتخطى بصره إلى بصيرته، قبل أن يفقع عبارته إياها،
المتصلة بالعقيدة المسيحية أو عقيدة المسيحيين، وأخيرًا وبالجملة أقطع الطرف
الرابع إذا فتح المسؤولون عن دراسة العلوم الشرعية الإسلامية الباب أمام مناقشة
حرة واعية، ليس فقط للمشكل الذي ما زال قائمًا منذ العصر العباسي، وإنما أيضًا
لمدى احتياج مجتمع مثل المجتمع المصري يعاني ما يعانيه اقتصاديًا واجتماعيًا
وثقافيًا إلى هذه الأعداد الهائلة من الذين لا عمل لهم إلا الكلام في الأمور
الدينية!
ذلك أن السيد عبد
الجليل، لو كان فعل ما أشير إليه لما تحكمت فيه شهوة الكلام وإدمان الضوء
التلفزيوني، وجموح اقتحام قضايا الإيمان من أرضية الجهل والتعصب المقيت!
لا أريد هذه المرة أن
أعاود الكتابة في شأن النصوص القرآنية والنبوية والقدسية "الأحاديث
القدسية"، المتصلة باليهود والمسيحيين والصابئة، بل والمجوس الذين أشركوا، ثم
المتصلة خصيصًا بالمسيحيين، ولا أريد أيضًا أن أكتب في الفهم الذي قدمه أئمة
التصوف الإسلامي كمحيي الدين بن عربي، وجلال الدين الرومي للتثليث، ولا أريد
ثالثاً أن أكتب في المضامين اللاهوتية المتصلة بالخلاص والتجسد، لا لشيء إلا لأن
المقام الآن هو مقام منخفض السقف للغاية، أي خانق كئيب معتم إعتام الجهل والجهالة!
ما أوده هو أن نسعى،
والضمير عائد على كل ذي عقل وضمير، إلى محو الأمية العلمية والفكرية والدينية لدى
أمثال السيد عبد الجليل، ودراسة مدى إمكانية تخصيص برنامج دراسي متكامل في
الدراسات العليا بكليات الشريعة وأصول الدين والدعوة، يتضمن دراسة لليهودية
والمسيحية والصابئية، بل يمتد إلى البوذية أيضًا تلك التي اعتبر بعض العلماء ذكر
القرآن الكريم للتين مع الزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين إشارة للبوذية التي
تتخذ من شجرة التين البنغالي رمزًا لها، وهي الشجرة الضخمة التي تتدلى منها جذور
هوائية تصل للأرض إلى أن تنشأ غابة بأكملها من شجرة واحدة، ولا يدري أحد بأية شجرة
بدأت الغابة، وهو المثل الذي يضربونه عند الحديث عن الحضارة الإنسانية!
لقد تحدث القرآن عن
منظومة إيمانية فيها الذين آمنوا، يهود أو نصارى وصابئة ومسلمون، وبالقطع فإن
المسلم الحق الذي لا ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أي لا ينكر أن
"اقرأ"، فعل أمر وجوبي على المسلم لا يقل وجوبًا عن "أقم الصلاة
وصم وزكي وحج"، هو مسلم مطالب بأن يقرأ، ومن ثم ينتقل إلى تنفيذ أوامر وجوبية
قرآنية أخرى، هي أن يتدبر، وأن يعقل، وأن يتفكر، وأن يسير في الأرض، ليرى الآيات
الربانية!! وإذا قرأ وتدبر وعقل وتفكر وسار فلا يمكن عندئذ أن يترك لسانه بغير
عقال مثلما فعل سالم عبدالجليل، بما يقتضي، وجريًا على عادات من كتبوا في فترات
الانحطاط التي صادفت ثقافتنا في عصور ما بعد الراشدين أن يرد عليه بأطروحة عنوانها
"شفاء العليل من أفكار سالم عبدالجليل"!!
نشرت
في جريدة المصري اليوم بتاريخ 17 مايو 2017.
No comments:
Post a Comment