Wednesday, 18 October 2017

أي تدين هذا.. وأي دين؟!




أمام حادث استشهاد الأب القمص سمعان شحاتة، وإصابة أب آخر على يد مجرم تأنف الوحوش عن أن يتشبه بها، كان لا بد أن أؤجل استكمال الكتابة التي كنت قد أعددتها حول مذكرات السيد عمرو موسى، فالحادث أخطر بكثير من أن يكون سلوكًا إجراميًا مبعثه فهم خاطئ للدين، وممارسة شيطانية للتدين، أو أن يكون تجسيدًا لمرض الكراهية الدموية الذي تعمى به الأبصار وتنطمس البصائر، وهو - أي الحادث - في نظري صدمة كاشفة لعورات مفضوحة ظللنا نحاول سترها بوسائل عديدة، غير أنها بقيت عورات.. ومفضوحة! وخذ عندك أو هات عندي.. سيان الأمر!

نحن مجتمع متدين بطبعه، والدين متغلغل في نسيجه لحمته وسداه، والحقيقة غير ذلك، لأننا لو رصدنا بشكل عام، أو تفصيلي، مساحة وحجم ما ليس تدينًا وليس من الدين في شيء في مسلك المجتمع، لما كان لأحد أن يتشدق برسوخ تدين أو تمسك بدين، بما في ذلك مجالات كنا نظن أنها شبه محصنة تحصينًا كافيًا من أي خلل، والفضل في الكشف عن هذا الخلل في تلك المجالات يعود لرجال الرقابة الإدارية، الذين ما أن أطلق العنان من رئيس الجمهورية مباشرة لهيئتهم، إلا وبدأت بؤر الصديد تنز في أماكن تنتسب لمستوى الوزراء ورؤساء الهيئات ومستوى القضاء، ناهيك عن جامعات ومؤسسات بحثية وأوقاف، بعد أن تحدث بلا حرج عن المحليات والمستشفيات!

إنه أمر مفزع أن تجد باحثًا أو مدرسًا أو أستاذًا في جامعة يتمكن من ترويض نفسه عقلًا وقلبًا ووجدانًا وحياءً، وينقل نقل مسطرة من باحث آخر، أو من كتاب بلغة أجنبية، أو من دورية قديمة أو من شبكة المعلومات "النت"، وهو يظن أن أحدًا سيكشفه! والأمر المفزع نفسه قد تجده مع طبيب أستاذ في جامعة مصرية مرموقة - وللأسف كان كاتب هذه السطور هو الضحية - تلجأ إليه لدمار أصاب فقراتك وركبتيك فإذا به يقترح علاجًا يقوم به هو نفسه بيديه ثم يشتط في تقدير أتعابه كلما رآك متساهلًا وموافقًا جراء شدة ما بك، فيما القرآن الكريم تصدح به أصوات كبار المقرئين في مكتبه! والنتيجة صفر طبعًا، ولو كان أي من هؤلاء الذين صاروا بكثرة السوس في لقان حبوب ضربها السوس، لديه مثقال حبة خردل من تدين، أو لديه مثقال آخر من قناعات دينية لردعه ذلك عما ظن هو أن القانون الوضعي لن يطاله!

ونحن ننفق على زيارة الأراضي المقدسة لأداء سنة العمرة وفريضة الحج مليارات، مما تحتاجه الدار، وهذا أمر لا مجال للمراجعة فيه - أي أداء السنن والفرائض - أما أن تكون العملية عند ما لا حصر لهم من الذين معهم فلوس مجرد غسيل ذمة وضمنًا غسيل أموال، فهنا مربط الفرس، إذ إنني متأكد أن كل الذين خالفوا قوانين الارتفاعات والمساحات في مصر الجديدة ومدينة نصر وما تبعهما - وأدعو الله ألا تكون المدن الجديدة في الطريق - هم من حملة لقب الحاج أو الحاجة، وهم ممن احترفوا أداء العمرة كل سنة أو عدة مرات في السنة، ولذلك اخترعوا لهم اختراعًا غير موجود في أية ملة على وجه الكرة الأرضية، وهو تصنيف أداء السنة أو الفريضة تصنيفًا طبقيًا.. فهذا قرديحي بلا أية امتيازات "غموس" للغلابة، وهذا سياحي، وهذا فاخر، وهذا لوكس، وهذا سوبر لوكس.. وهذا سوبر السوبر وسريع! وكله بثمنه، وبالتالي بات هناك من يؤدي الفريضة والأسفلت أو البلاط فراشه، والسماء لحافه، وهناك من يتفننون في إترافه لدرجة قد لا أستطيع وصفها لأنني لم أجربها! ويعودون ذكورًا وإناثًا وقد ابتهجوا، لأن "العداد" أصبح على "الزيرو"، مثلما كان عند ولادتهم، ليبدأ السجل من أول السطر، وكلما امتلأ بما لا يرضى عنه رب أو عبد هرولوا إلى غسيل الذمم والأموال!

وتعال يا سيدي بعد ذلك إلى من يقطع الطريق الأسفلت المصروف عليه دم قلب الشعب، ومخلوط دبشه بعرق الآلاف ممن عملوا على رصفه متقنًا في قيظ الصيف وزمهرير الشتاء، ليوصل المجاري لعمارة أو جامع وكليهما مخالف، وخذ معه من يجرف الأرض ويردم النيل ويحرق قش الأرز وإطارات السيارات وهلم جرا.. وبعد ذلك وأكثر منه يتنطع المتنطعون بالتشدق عن أصالة التدين ورسوخ الدين!

ثم إن هناك "ثالثة الأثافي"، وهي في اللغة العربية أحد الأحجار الثلاثة، التي يوضع عليها القدر للطبخ، ورماه بثالثة الأثافي، أي رماه بالشر كله والمفرد "أثفية".

أما هي عندي هنا فإنها طغمة من يتسمون باسم السلفيين، وفي مقدمتهم من طالما كتبت عنهم، كياسر برهامي، وأبو إسحق الحويني، ومن على شاكلتهما، الذين ملأوا الدنيا في التليفزيون وفي الصحف، وعلى "يوتيوب"، صراخًا بفتاوى تقضي بكفر من ليسوا مسلمين، ويصرحون بأنهم المسيحيون النصارى تحديدًا، لأنني لم أسمع فسلًا واحدًا منهم تحدث عن الصهاينة من اليهود.. نعم كتبنا وأعدنا نشر ما كتبناه متسائلين عن لماذا تتركهم أجهزة الدولة، وهل هناك أمر خفي لا نعلمه استطاعوا هم به كسر عين الحكومة والأجهزة، لتتركهم يفرخون الإجرام والمجرمين مما تأنف الوحوش الكاسرة عن فعله؟!

خلاصة الكلام، دعونا نعترف ولو لمرة واحدة أن ما لدينا من تدين هو شكل أجوف بغير أدنى مضمون.. وأن علاقتنا بالدين ثبت أنها مقطوعة، وإلا ما وصل بنا الحال لهذا المشهد.. إنسان يرتدي ملابس دينية ويحمل صليبًا ولا يحمل سلاحًا ولم يؤذ أحدًا ويعبد الله، ويحاول هداية الناس لعبادة الله وللأخلاق الطيبة المسالمة الحميدة، يجري ويهرول مفزوعًا ومن ورائه يطارده مجرم يحمل سكينًا، حتى يلحق به ويطعنه حتى يصرعه، والناس موجودة والشوارع زحمة، ولا أحد يتصدى!

أي تدين راسخ.. وأي دين عميق في مجتمع يحدث هذا فيه متممًا للسلسلة التي ذكرتها؟!
                                           

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 18 أكتوبر 2017.

No comments:

Post a Comment