Thursday, 1 March 2018

شؤون المعارضة وشجون الماجنا كارتا





من أشد مخاطر المعارضة بلا منهج ولا رؤية ولا خيال ولا إنجاز خطر تقوية وتثبيت أركان مجموعات الانتهازيين والمنافقين التي لا يخلو منها أي تكوين سياسي حاكم، لأن الاثنين– معارضة وانتهازية– وجهان لعملة واحدة، أو قل طرفان في تناسب طردي لا حدود له، لأنه كلما كانت صورة المعارضة تدل وتؤكد أنها معارضة للمعارضة وفقط وللتهييج السياسي أي الديماجوجية، وأنها تنتقد وتهاجم كل إنجاز حتى وإن كان واضحًا ولا سلبيات فيه، استدعى ذلك من فوره فرق التأييد الأعمى المسلح بكل ما في قاموس التحريض والتهييج المضاد من مفردات!

ثم إن الأمر يتفاقم وتتعاظم سلبياته إذا تصادف وكان ذلك المونولوج ذو الوجهين في مرحلة يتهدد فيها الوطن أخطار خارجية وداخلية تكاد تصل إلى تحطيم وجوده العضوي ككيان فيه شعب وسلطة وإقليم، لأن احتدام الصخب بين هؤلاء وأولئك يغطي على الإيجابيات الوطنية من جانب ويحجب أي معارضة جادة لها منهج ورؤية وخيال وإنجازات، ومعها يحجب أي قوى تقف موقفا مبدئيا صلبا مبنيا على أسس واضحة وصحيحة مع النظام!

ولقد سبق وكتبت عن محترفي الإجهاض.. ليس فقط إجهاض محاولات البناء والإصلاح في كل المجالات، بيد نظام انتخب رئيسه ومجلسه التشريعي انتخابًا حرًا مباشرًا من الشعب، ولكن أيضًا تدمير كل خمائر التغيير التي تختمر في الأعماق الاجتماعية والفكرية والثقافية، حيث من المعلوم أن التطور الاجتماعي والتحولات الفكرية والتكوينات الثقافية مثل الكائن الحي الذي لا يمكن أن يتمكن من حرق المراحل في نموه، كأن يقفز الطفل فجأة من رضيع إلى بالغ راشد واعٍ، أو كأن تثمر شتلات النبات وهي لتوها خرجت من غلاف بذرتها وهلم جرا.. إنما هناك مراحل وشروط وظروف لا بد من توافرها لكي ينضج التطور ويتم التحول.

ولست أبالغ إذا قلت إن وطننا يصادف الآن هذه المعادلة بين طرف يمثل معارضة مفلسة وأوصافها على النحو الذي سلف، ومعها متآمرون مخربون متواطئون مع قوى التخريب التي تضم جماعات ومنظمات وحكومات، وبين طرف يمثل تأييدًا ديماجوجيًا فجًا لما هو قائم من سياسات.. وفي الوقت نفسه هناك من لديهم ما يقولونه بجدية ورصانة وموضوعية على الناحيتين، ولكنهم ذاهلون مما يجرى!

وقد يسأل سائل: هل المطلوب هو موافقون على طول الخط، وهل المطلوب هو المبايعة والولاء بغير قيد ولا شرط؟! والإجابة بالطبع هي: لا، لأن سنة الكون التي سبقت كل النظم السياسية وكل الأفكار الوضعية هي الاختلاف منذ مشهد الخلق الأول وفي حضرة رب العزة سبحانه وتعالى، الذي له المثل الأعلى، إذ كانت الملائكة وكان إبليس وكان آدم هم الأطراف المباشرة لحظة أن أراد الخالق جل وعلا جعل خليفة في الأرض.. وأمر الملائكة وإبليس بالسجود.. وكان ما كان مما هو معلوم لكل من قرأ أو استمع للقرآن الكريم.. وهنا نقول إن الفيصل في الاستخلاف كان هو العلم وليس أمرًا آخر.. ولذلك بقي المعيار أو المسطرة التي يقاس بها محتوى أي تنازع على الاستخلاف في أي مجال هو مدى العلم المتوافر لدى أي طرف في التنازع أو الديالوج.. والعلم ممتد المجال ليشمل كل ما يتصل بما يفيد المجتمع ويحميه ويكفل استقراره وتقدمه.. وفي ظني أن الذين يحتلون بؤرة تركيز ضوء كاميرات بعض الصحف وبعض القنوات الفضائية، وتراهم متراصين في الصور بين حين وآخر وقد صاروا من طول فترات وجودهم مع بعضهم البعض أن أصبحوا قريبي ملامح الوجوه، لو كانوا يحوزون الحد الأدنى مما يمكن أن يقاس على معيار أو مسطرة العلم بالمعنى الواسع الذي أشرت إليه لاستمع إليهم صاحب القرار وأيدهم الناس.. ولكن للأسف!

بقي في ختام هذه السطور أن أشكر الصديق الأستاذ نبيل زكي على ما كتبه تعقيبًا على مقالي الذي مددت فيه الخيط بين عامر وبين عنان، وفي مقاله نفى الأستاذ نبيل صحة انتساب أحمد عباس صالح للبعث أو تواطؤه معه، واعتبر ذلك رد اعتبار للراحل الكريم. مضيفًا ومتفقًا في أن صالح هو من كتب استقالة المشير عامر، ومؤكدا صلته بالصاغ أبو نار.. ومن ناحيتي أقول إن القضية لم تكن انتساب صالح للبعث أو لغيره كما كتب لي الصديق الأستاذ شيرين حسين على الفيس بوك، وكتبته الزميلة الأستاذة مديحة عمارة التي عرفت من عباس صالح أنه كان عضوًا في تنظيم شيوعي، ولكن القضية صلب الموضوع هي كتابة صالح لاستقالة المشير عامر، تلك التي استخدمت سلاحا ضد ناصر في 62 و1967.

ولقد سمعت من أحمد عباس صالح نفسه في لندن كيف اقترب من البعث وكيف كان الاقتراب الشديد كفيلا بوظيفة مرموقة أدبيًا وماليًا في سفارة العراق بلندن.. وبعد السماع يأتي الضحك والانشراح من حكاية الماجنا كارتا، التي كتب الأستاذ نبيل زكي أن عباس صالح قد استقى أفكار وبنود استقالة عامر منها.. يعني أحمد عباس صالح المفكر التقدمي بعثيًا كان أو ماركسيًا أو شيوعيًا يعتقد أن الماجنا كارتا البريطانية لا بد أن يتم تبنيها في حكم المحروسة وأن الكفيل بالمناداة بها وتطبيقها آنذاك هم سيادة المشير عامر وسيادة العقيد شمس بدران والآخر علي شفيق والصاغ أبو نار ولا لزوم لأن أذكر أسماء الجماعة اللاتي كن مرشحات للمساهمة في تطبيق الماجنا كارتا.. ويا عم نبيل لك كل الشكر.. أضحكتني في زمن الأحزان بفقد الرفاق!
                           
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 1 مارس 2018.

No comments:

Post a Comment