الآن- ولن أقول بعد ما
ضاعت السكرة وجاءت الفَكْرة– لأننا لم ولن يسكرنا الانتشاء بنتائج الانتخابات، ولا
بما تحقق ويتحقق في الحرب الدائرة على خمس جبهات شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا وفي
العمق، أي في المدن والأرياف وغيرها، ولن نسكر أيضًا بما تحقق في مجال المشروعات
الكبرى، لأن ما أنجز تم والوطن كله في ذروة الانتباه واليقظة، خاصة قيادته التي
تصل الليل بالنهار وتتحرك في كافة الاتجاهات، كذلك تم ونحن ندرك أننا نمشي على
الصراط- أي خيط رفيع- وما لم نتوازن ونعرف مواطئ أقدامنا ومسافة خطواتنا وعيوننا
مركزة على نقطة الوصول فسوف نسقط في الهاوية الملتهبة، غير أن هذه اليقظة يجب أن
تتحول إلى خطط موضوعية لها مدى زمني محدد في السنين الأربع المقبلة، لأن الشعب
ينتظر ما تم وعده به وكان جوهر هذا الوعد أن مرحلة التضحية والتحمل- خاصة لبرنامج
الإصلاح الاقتصادي- قد أنجزت وحان وقت القطاف، وكان الشعب هو البطل الحقيقي الذي
تحمل وصابر وثابر ولم يفلح الذين راهنوا على تحول التململ الجماهيري إلى فوضى أو
انتفاضة أو ثورة، وكان تحمل الشعب وصبره ومثابرته مرتبطًا بالأساس بثقته في رئيسه
الذي فوضه من قبل واختاره وانتخبه لمرتين.
وأعتقد أنه على الحكومة
والرئاسة معًا أن يحددوا للشعب ما الذي سيتم قطفه تحديدًا وما مدى قيمة ومدة هذا
القطاف وانعكاساته على حياة الناس اليومية، حتى يعرف الناس مساحة اللحاف الذي
سيتغطون به، ويدبرون أمرهم على ضوء ذلك، وحتى لا تجد خفافيش الخراب مجالًا تدور
فيه.
ثم إنني أعتقد أيضا أن
هناك دورًا تأخر كثيرًا للقوى الحية في وطننا، تلك التي وقفت وصمدت في تأييد
الرئيس السيسي، وتحملت أن تتهم في استقلالها ونظافة وسلامة مقصدها، ثم تحملت أن
توضع في خانة واحدة مع شريحة تجيد فقط المبالغة الفجة في تضخيم تأييدها، وبأسلوب
يجافي الأصول السياسية والإعلامية، ثم تحملت كذلك العزوف عن انتقاد بعض السياسات
والإجراءات حتى لا يكون انتقادها زيتا يصب على النيران التي لا تكف الخفافيش عن
إشعالها وتسعيرها، وهذا الدور هو أن تنظم صفوفها، وتمتلك برامجها الموضوعية
والزمنية، وتنطلق في مهام وطنية تساند برامج الرئيس وحكومته، وتسد الثغرات التي
يمكن أن تنجم عن قصور الإمكانيات أو ضعف أداء البيروقراطية أو سوء إدارة
الانتهازيين، الذي قيل فيهم ذات يوم في عهد مبارك أنهم على استعداد لسلخ جلود بطون
أمهاتهم لجعلها طبولا يدقون عليها!
آن الأوان- فيما أعتقد-
ليس فقط لمبادرات شفهية ومكتوبة للإصلاح في مجالات الثقافة تحديدًا، وإنما للفعل
المباشر في كل مكان متاح.. لأنني أقطع بأن كل ما يمكن إنجازه في مجالات البنية
الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية يمكن أن يتبدد ويضيع ويخرب ما لم يوجد الوعي الثقافي
لدى قطاعات الشعب العريضة بأن هذا الوطن لا يمكن أن يعود ثانية لكي يكون نهبًا
لأسرة حاكمة وللألاضيش عديمي الضمير وفاقدي الموهبة.
إن لدينا أساتذة وخبراء
لهم باع طويل في التعامل مع ثقافة الجماهير من فلاحين وعمال ومهنيين وكل أولاد
البلد.. ولدينا أساتذة وخبراء في آليات توظيف الجهود التطوعية في مجال التنمية
المستدامة على كافة المستويات. وباختصار وكما قيل ذات قصيدة شعر، وذات لحن، وذات
صوت عندليبي: دقت ساعة العمل الثوري.
وأنتقل الآن للإشارة
التي أعتذر مسبقا عن أنها تأتي متأخرة وأيضا مبتسرة، وهي عن رسالة الماجستير التي قدمتها
الباحثة المتميزة الأستاذة فاتن عوض لقسم التاريخ كلية الآداب جامعة عين شمس، وكان
موضوعها اتفاقية كامب ديفيد، وكان المشرف عليها هو الصديق القديم الأستاذ الدكتور
عبد الخالق لاشين، أستاذ تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ونالت الرسالة تقديرا مزدوجا،
من لجنة المناقشة ومن جمهور القراءة، في مصر لأنها صدرت في كتاب عنوانه
"السادات 35 عامًا على كامب ديفيد"، وطبع ثلاث طبعات نفدت كلها، لأن
الرسالة- وكما هو مدون على غلاف الكتاب- هي أول وأخطر تقييم علمي وسياسي
للاتفاقية، وفيها انفراد بنشر وتحليل الوثائق السرية للاتفاقية، وفيها مناقشة
موضوعية حول مدى إمكانية تعديل أو إلغاء الاتفاقية، ومدى الارتباط بين الاتفاقية
وبين اغتيال أنور السادات، وأيضا الخروقات الإسرائيلية للاتفاقية.
ولعل السطور التي ختمت
بها الباحثة الأستاذة فاتن عوض بحثها المتميز تدفعنا إلى دعم مطلبها بأن ينظر متخذ
القرار في مصر في هذه البحوث العلمية التي تضيء الطريق للمستقبل، إذا أردنا وطنًا
حرًا مستقلًا بمعنى الكلمة.
تقول الباحثة:
"لكل ذلك– أي 413 صفحة غير الملاحق– تطرح تلك الدراسة العلمية رؤية موضوعية
لكامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية بكل جوانبها وعلى كافة
المستويات، وأن تكون محل اعتبار الجهات المختصة وعلى رأسها وزارتا الخارجية
والدفاع، للاستفادة من البحث العلمي بشكل تطبيقي وفاعل، وتحقيق هدفه الأسمى بإيجاد
حلول لكل ما يواجهنا من مشكلات وتحديات، وليساهم الكتاب إيجابيًا في ملف
"تعديل معاهدة السلام"، وننتظر من القيادة الجديدة أن يكون لها دور فاعل
في تحقيق مطالب القوى السياسية وآمال الكثيرين من الشعب المصري في تخفيف وطأة
القيود التي فرضتها معاهدة السلام على السيادة المصرية".
نشرت
في جريدة الأهرام بتاريخ 29 مارس 2018.
No comments:
Post a Comment