Tuesday, 27 October 2015

صحافة- صحفيون.. ورأسمال- رأسماليون



السؤال هو: كيف يمكن وضع العلاقة بين الصحفيين والصحف المستقلة أو الخاصة أو التى يملكها رأسماليون ورجال أعمال- سمها كما شئت ودقق بين معانى الكلمات ودلالاتها كما تريد- فى سياق صحيح يُعلى من السعى لهدف مشترك هو تكوين رأى عام مستنير وفاعل فى كل جوانب حياة الوطن المصرى؟

أدرك أن السؤال فرع من أصل هو العلاقة بين الصحفيين عموما والصحف كافة، حكومية وقومية وحزبية وخاصة.. ثم جادة وهادفة أو سطحية وهازلة، لأنها قضية تُمسك بخناق الجميع حتى وإن لم يلتفتوا، لأن الخناق يضيق على أعناقهم لدرجة باتوا فيها لا يستطيعون التنفس، ويبحثون عن ثغرة هواء نقى فلا يجدون، وما سبق ليس إفراطا وتهويلا فى أهمية الصحافة والصحفيين، وليس مقدمة لتفريط أو تهوين من دور رأس المال والرأسماليين، ولكنه محاولة لتلمس جوانب الحالة القائمة وباتت حادة مزمنة، ومن ثم البحث عن آفاق حلحلتها ووضع آليات تساهم فى أن تبقى إدارة الموضوع، سواء سماه البعض صراعا أو أزمة أو مشكلة، إدارة سليمة!

لقد سبق أن كتبت فى هذه المساحة من «المصرى اليوم» ما اعتقدت أنه «كلام يُغضب الجماعة الصحفية»، وقدمت ما أعتقد أنه توصيف أراه صحيحا لأحوال تلك الجماعة، وكيف أنها أحوال متردية فى معظم جوانبها بما لا يسر عدوا ولا حبيبا.. واليوم أحاول الإشارة إلى ما أظنه «مربط الفرس» فى العلاقة بين الصحفيين، ممثلين فى نقابتهم، وبين أصحاب العمل الذين يتوزعون بين رأسماليين ورجال أعمال، حيث الرأسمالى فيما أرى- شخصاً كان أو فئة- يدرك تاريخ نشأة ومسارات تكوين الرأسمالية فى مسيرة المجتمع البشرى، وما كانت وستبقى تمثله فى حياة المجتمعات والأوطان، وفيما أرى أيضا فإن الرأسمالى- فرداً أو فئة- يعرف قدسية القانون ويحترم الواجبات مع عدم التنازل عن الحقوق، ويعلى من شأن الإرادة المجتمعية، ويحترم حقوق الآخرين، ولا يتردد فى الوفاء لمجتمعه بمتطلبات ضرورية للتكافل ورعاية الفئات المحتاجة للرعاية إلى آخر ما عايشته مجتمعات عريقة فى رأسماليتها.. بينما جاء مصطلح رجل الأعمال- شخصا كان أو فئة- فى موجة طرأت على حياة بعض المجتمعات، ومنها المجتمع المصرى، ولم يكن شرطاً للمرء أن يكون رأسماليا بحق ليكون من حاملى لافتة رجال أعمال، بل كان الغالب هو أن اللافتة كانت غطاء واقياً للنصابين والأرزقية والفاسدين بالوراثة، بل وللمجرمين الذين صدرت ضدهم أحكام جنائية تمس شرفهم الشخصى وذممهم المالية... إلى آخره!، وهذا أمر قد تكرر من قبل فى مجتمعنا المصرى أيام أن كان فيه «أعيان» للريف المصرى وللمدن أيضا، وكان معظمهم من كبار ملاك الأراضى الزراعية والثروة العقارية ومتوسطيها أيضا، بل كان بعضهم يعد «عين أعيان» المديرية الفلانية، وهو مستور وليس ميسورا، ولكن لمجرد أنه من سلالة اجتماعية تميزت بالنخوة والكرم والشجاعة وكفالة الغارمين.. وبعدها جاء اللقب المماثل لرجل الأعمال، وهو لقب «من ذوى الأطيان»، وبعضهم كان يكتبها وينطقها «منزوى»!!، وحيث الأطيان جمع طين!.

هنا، فى مقامنا هذا.. مقام صناعة الصحافة ومهمة تكوين رأى عام مستنير أتحدث عن رأسماليين وليس رجال أعمال، مثلما تحدثت من قبل وميزت بين الصحفى المسلح بأصول المهنة وبالمعرفة والعلم والثقافة والأخلاق وبين الذى وجد نفسه فجأة يسوّد صفحات بلا أدنى تأهيل!

وإذا حدث واتفقنا على أن الهدف المشترك والمبتغى من الرأسمالية المصرية ومن الصحفيين فرادى أو ضمن نقابتهم العتيدة هو تكوين رأى عام مستنير يكفل للمجتمع أن يتنفس هواء نقيا صحيا على كل الأصعدة، خاصة الفكرية والثقافية والسياسية، بما يحول دون مصادرة الصراع الاجتماعى لصالح طرف بعينه، فإن بقية الأمور تبقى قابلة للنقاش والحلحلة!

عندئذ نعود للسؤال الأصلى لنطرحه بصيغة أخرى: هل من المقبول أو من المتصور أن يستطيع جاهل وأمى ثقافيا وأخلاقيا أن يحمل رسالة تنوير أمته حتى وإن كانت صفته صحفيا؟!، ثم هل من المقبول أيضا أو من المتصور أن يستطيع جاهل أمى ثقافيا ومنعدم الأخلاق أن يحمل رسالة التنوير تلك حتى وإن كانت صفته رجل أعمال؟! أظن أن الإجابة هى لا.. بالثلث.

طيب كيف نمكن الرأسمالية أن تحتكم لقوانين حركتها التاريخية، حيث حتمية الموازنة بين النفقات والعائد وبما يحقق ربحا ليس شرطا أن يكون فادحا، وفى الوقت نفسه نكفل للصحفى أن يعمل وفق القواعد التى تصون حقوقه وتضمن حريته وتبتعد به عن أى قيد على فكره وممارسته لمهنته؟!

أظننا بحاجة إلى ورشة عمل جادة لها جدول أعمال محدد قد يتضمن بعض ما طرحته هذه السطور إذا كان يصلح، وأرشح «المصرى اليوم» أن تفسح مجالا لهذه الورشة ليشارك فيها رأس المال كتفاً بكتف مع الصحفيين، ولنا إطلالة أخرى على ضوء مدى الاستجابة لهذه الدعوة.

إننى مع من يذهبون إلى أن وطننا فى حاجة ماسة إلى صحافة حرة مسؤولة ملتزمة- وليس ملزمة- بالسعى لتحقيق ما يكفل للأمة تقدمها، وأن ذلك لن يتم إلا بوجود إمكانيات مالية وتقنية وتسويقية عالية الكفاءة، وبغير ذلك فسيبقى الأمر مجالا وساحة لمن يعبثون بكل شىء، ولا يدركون أن الكلمة كانت وستبقى هى البدء.



نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 27 أكتوبر 2015

Thursday, 22 October 2015

أسئلة استنكارية لمن بيده الأمر





إذا صح ـــــ وأظنه صحيحا ــــ أن كل ظاهرة تحمل عوامل فنائها داخلها، فإن الفرق بين الظواهر رغم أن كلها فانٍ هو المدى الذى تبقى صامدة فيه ومقاومة لتلك العوامل، بل إن من الظواهر ما هو قادر على تحويل عوامل فنائه إلى عوامل قوة، إلى أن يستعصى الأمر ويتحتم الفناء، باستحالة البقاء.

ليس فى الأمر تفلسف يعيد إنتاج ما توصل إليه العقل الإنسانى من قبل، ولكنه تذكير بما هو حتمي، ودعوة للتساؤل حول لماذا يبدو أن الظاهرة السياسية المستجدة بعد يناير ويونيو قد شاخت قبل أوانها، وبدت عوامل فنائها قوية متسارعة، وهل يمكن السعى للإفلات من المصير المحتوم ــــ ولو بتأجيله ـــــ حتى يأتى وقد حصد الناس لأجيال متلاحقة ثمار ما دفعوا ثمنه عرقا ودما ومالا ومقدرات؟!

التساؤلات محتدمة فى صدور وعقول كثيرين أنا واحد منهم.. أى من أولئك الذين راهنوا على 30 يونيو، وعلى قيادة ونظام الرئيس السيسى، ويحق لنا أن نتساءل، وأن نسأل سؤال الاستفهام الاستنكاري: لماذا لم تستنهض همة الأمة بخطة منهجية طويلة المدى وليس بالقطعة؟ ولماذا لم تستدع القوى الحية فى الأمة لتؤدى دورها متفانية مخلصة لا ترجو جزاءً ولا شكوراً لأنها تبغى وجه الله والوطن وفقط؟ ولماذا يبدو أن هناك تعمداً لإبراز الوجوه الكالحة محترفة الكذب والزور والطبل والزمر، تلك التى أودت بنظام السادات ومبارك و»لبستهما» فى الحائط؟ ولماذا حفلة الزار الهستيرية التى شاركت وتشارك فيها صحف قومية وقنوات رسمية مع أخرى تابعة للصوص الذين لهم اسم دلع هو رجال أعمال لإحياء سياسات وقيم ونماذج نظام السادات ــــ مبارك، واستدعاء المرأة التى اخترعت كارثة «السيدة الأولى» وأرست تقاليد سحب الوزراء من ورائها ورسّخت تدخل حرم الرئيس فى القرارات السياسية والتوجهات التنفيذية، ولدرجة أن تلك المرأة التى تجاوزت الثمانين ولا تزال «تتنطط» من حفلة لحفلة ومن قناة لقناة، هى التى شاركت فى وضع الأحكام التى صدرت فى قضية 15 مايو 1971! وهى التى كرّست أنه لا امرأة فى مصر إلا تلك «الأولى»، ولدرجة أنها خبطت سيدة سيدات مصر والعرب أم كلثوم كتفاً غير مشروع، ساهم فى انزواء الست وموتها كمداً، بعد أن حل «الوفاء والأمل» محل مشروع أم كلثوم للخير، ومن هذا كثير مخزٍ يبدو أن البعض يتناساه كما يتناسون ضرب مؤسسات الدولة المصرية المدنية الحديثة بالعودة إلى تكريس تقاليد القرية وعلاقات العائلة ومكانة كبير العيلة، وبالسعى للادعاء بالتدين «دولة العلم والإيمان» و»أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة» إلى آخر المنظومة إياها التى لا يحتمل المجال الاستطراد فى الحديث فيها! ناهيك عن الفصول المأساوية للعلاقات مع العدو الصهيوني، ومنها الفصل الذى أدمى عيون المشير الجمسي!

نعم وبالفم الملآن هناك إحباط وأسئلة حائرة لا تجد إجابة حول استنهاض همة الأمة، واستدعاء جهد الأكفاء من المخلصين غير الطامعين ولو فى سماع «سلام عليكم»، ولا يتكالبون على لقاء ولا على وظيفة ولا على مكسب من أى نوع! وهذا كله يمثل بعضاً من أسباب ضعف التصويت فى الانتخابات البرلمانية، ويمثل بيئة صالحة مهيأة لتفريخ السوس الذى سينخر ـــــ وربما بدأ ـــــ فى الظاهرة التى نحن بصددها.

وربما تجد تساؤلاتنا وأسئلتنا الاستنكارية تساؤلات وأسئلة مضادة تبدأ بمن ذا الذى منع أو يمنع المخلصين الأكفاء المتجردين من أداء دورهم، ومن هذا الذى يمكن له وحده ــــ مهما كانت قدراته وعلت مكانته ــــ أن ينفرد باستنهاض همة الأمة، وهل المطلوب هو ترسيخ ميراث العداوة والبغضاء والانقطاع بين مراحل تاريخ مصر، وهل يمكن لأى من كان أن يمحو بأستيكة دور السادات ومبارك، وكلاهما حظى بتزكية الرئيس عبد الناصر ورعايته الأول ــــ أى السادات ــــ عضوا فى تنظيم الضباط الأحرار ومسئولاً ثم نائباً للرئيس، والثانى ترقيتين استثنائيتين فى سلاح الطيران، وتكليف مباشر برئاسة أركان السلاح؟! وأليست جيهان مواطنة مصرية لها جميع حقوق المواطنة ومن حقها أن تنشط كما تشاء؟!

وأقول إن أى جهد جماعى مصرى يراد له الفاعلية والاستمرار والانتشار يلزمه دوما خيط أو شعرة تصله بالدولة المصرية، أو بمعنى أدق برأس المؤسسات فى الدولة، لأننا علمنا ونعلم أن جمعيات العمل الأهلى التى اصطلح مؤخراً على تسميتها «المنظمات غير الحكومية» لا تؤتى إلا ثماراً محدودة، سواء فى انتشارها أو فى آثارها، بل هى دوماً محل اتهام أو محل انقسام أو محل حصار! ولكم تخيل المرء أن تصدر عن مؤسسة الرئاسة نداءات محددة جدا، ابتداءً من الفئة أو الجهة أو الجماعة الموجة إليها كل نداء، وانتهاءً بأبعاد المهمة الوطنية المطلوب إنجازها.. وعلى سبيل المثال لنا أن نتخيل نداءً من المؤسسة التى يمثل قمتها رجل يحظى بحب وشعبية جارفين، إلى شباب الأطباء لتشكيل فرق مماثلة «للأطباء الحفاة» أو «أطباء عابرين للحدود» ليشكلوا فرقاً طبية وقائية وعلاجية تنزل متطوعة إلى قلب الوطن وأطرافه وتبدأ عملها بإمكانات بسيطة ولكنها فاعلة، ويؤدون مهمتهم فى الوقاية والعلاج والمتابعة بلا مقابل! وكذلك.. نداء لكل من يقدر على أداء مهنة التدريس ومحو الأمية لتحقيق هدف مصر خالية من الأمية الهجائية بحلول شهر كذا من سنة كذا، وكذلك الأمر للزراعيين والبيطريين وغيرهم لإعداد قوافل الانتشار فى الريف والبوادى وتقديم الإرشادات والخدمات والتجهيزات اللازمة لتطوير البنية الزراعية والحيوانية وخلافه!

وتتحول المحروسة لخلية نحل.. ويكون «تمام» الجميع عند الرجل الكبير الذى كثيرا ما يؤكد أنه لا رئيس ولا زعيم ولا يحزنون وإنما واحد من الناس وضع نفسه فى خدمة الوطن ولا يرجو جزاء من أحد وليس لأحد عنده فاتورة مستحقة الدفع!... هذا عن استنهاض همة الأمة وتوظيف الكفاءات المخلصة فى آن واحد!

أما حكاية التاريخ وحقوق المواطنة، فهناك فرق بين اتصال حلقات تاريخ مصر والحيلولة دون تمزيقها أو تفكيكها، وبين حتمية الاستفادة من دروس التاريخ والحيلولة دون تكرار الأخطاء بنفس درجة الحيلولة دون طمس الأخطاء والتدليس لحساب المخطئين، وكم هى مأساة مضحكة رغم سوادها أن يشاهد الناس الذين لم تضعف ذاكرتهم بعض رموز عصر الخراب الانفتاحى وضياع هيبة الدولة والعبث بدور مؤسساتها الدستورية، والذين تحوم من حولهم شبهات التربح واستغلال النفوذ فى جنى المكاسب، وهم يعودون لصدارة المشهد، حتى إن كانت عودتهم راجعة إلى لزوجتهم وفرضهم أنفسهم، فلا يجد من بيده الأمر مخرجاً إلا القبول بظهورهم، ولو من باب الإنسانية والذوق الاجتماعي.

إن الأسئلة الاستنكارية ستبقى مطروحة، ولن يتوقف المخلصون الأكفاء عن رفع أصواتهم، وفق كل قواعد الاحترام.


نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 22 أكتوبر 2015
لينك المقال:

Tuesday, 20 October 2015

«التنفيضة».. المقدسة


توقفت عن كتابة المقالات لأكثر من شهر، حيث استجبت لدعوة لأداء فريضة الحج، ودهمنى إحساس تحول إلى هاجس ومنه إلى شبه يقين أننى لن أعود أو سأصادف صعوبات لا أقوى على تحملها، وكتبت ذلك يوم 17 سبتمبر فى مقال عنونته «مقال لم يكتمل للمصرى اليوم»، وتركته على مكتبى ولم يرسله زملائى الذين يساعدوننى فى العمل وحسنا فعلوا!، وسافرت يوم 19 سبتمبر 2015 ومنذ عدة أيام كتبت عن «التنفيضة» التى أصبحت فيها كسجادة قديمة غطاها الغبار والتراب وانتشرت فيها البقع والعثة، فوضعت حيث يتمكن أصحابها من تنفيضها بالمضرب الخيزرانى إياه و«هاتك» يا «رزع» فى كل سنتيمتر فى السجادة ومن وجه لآخر فيها.. مرة ومرتين وثلاثا وأربعا بغير توقف، وكأن مفتشا حريص على جودة وإتقان العملية يراقب «التنفيض» وضمنت ما كتبت كل دقيقة من أدق مشاعرى وأنينى وصراخى وبوحى ودعائى وعتابى واستنجادى، فلما اكتملت السطور أزحتها جانبا، وقلت كفى ما كتبته ونشرته على الفيس بوك وبدا للبعض وكأنه فتوحات مكية جديدة!

كان جزء من مقدمة ما كتبته يتصل بزملاء وزميلات رحلة الحج، ومنهم من كنت لا أتصور لحظة واحدة أن ألتقيه مباشرة وأصافح وجهه صباحات ومساءات وطوال اليوم، وتنهمر دموعنا مكشوفة أمام بعضنا البعض وأمام آخرين.. وأكاد أكون قد كتبت «بورتريها» خاصا عن بعضهم، وهى فى ظنى مادة صحفية خصبة يرتاح لقراءتها الكثيرون.. ومع ذلك عزفت عن أن أنشر ما كتبت لسبب قد يبدو غريبا عند البعض.

إننى كثيرا ما أردد أبياتا من قصيدة البردة للإمام البوصيرى التى أنشأها لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها أبيات يقول فيها محذرا من خضوع الإنسان لهوى نفسه:

والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى حُبِّ الرّضَاع وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِــمِ
فاصْرِف هواهــا وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ إنَّ الهوى مـا تَـوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ
وراعِهَـا وهْىَ فى الأعمال سـائِمَةٌ وإنْ هِىَ استَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِـمِ
كَـم حسَّــنَتْ لَـذَّةً للمرءِ قاتِلَةً مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ فى الدَّسَـمِ
واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَـــرٌّ مِنَ التُّـخَمِ
واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَـدِ امْتَلأتْ مِن المَحَـارِمِ والْزَمْ حِميَـةَ َالنَّـدَمِ
وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِـمَا وإنْ همـا مَحَّضَـاكَ النُّصحَ فاتَّهِـمِ
فلا تُطِعْ منهما خصمَا ولا حكَمَــا فأنت تعرفُ كيـدَ الخَصمِ والحَكَـمِ

وكثيرا أيضا ما أتذكر قصة قريبتى العزيزة على قلوبنا التى أنهكها الحمل والولادة حتى حملت وولدت رضيعا ذكرا أصرت على أن يكون آخر العنقود فظلت ترضعه – إذ كان الاستمرار فى الإرضاع مؤخرا للحمل عند بعض النساء – حتى تجاوز العامين وظهرت قواطع أسنانه، ثم انتقل من الحبو إلى الوقوف ثم المشى واكتمال الأسنان وتعلم الكلام حتى صار «بربندا» وصار صبيا يافعا يهجم على أمه وينشب أظافره فى لحمها وأصابعه فى شعرها صائحا بكل جسارة «هات البز يا بنت الكلب»! وكانت قريبتى تعانى الأمرين من مشهد ذلك الشحط الجاثى على ركبتيه وفمه قابض على صدرها، وتعانى كل المرارات من لوم الناس وزفارة لسان الصبى، وهى لا تريد أن تفصح بأنها لو أوقفت الرضاعة حملت من فورها.. لأننا كنا فى زمن غابر لم تظهر فيه الوسائل إياها!

وتسألنى حضرتك ما شأن أبيات البوصيرى وقصة قريبتك بما كتبته عن رحلة أو «تنفيضة» الحج، وأجيبك من فورى لأننى كثيرا ما عشت مع نفسى مراحل تعاركت فيها معها لأفطمها من إدمانات بعينها..

ضبطت نفسى متلبسة لفترة طويلة بإدمان شهوة التواصل مع شخصيات مهمة ثقافيا وفكريا أو بالمناصب الرفيعة.. وجاءت لحظات كنت لا أقاوم فيها القلق الشديد من أننى اتصلت بأحدهم ولم يرد أو رد باقتضاب أو لم يتصل هو منذ فترة أو لم يدعنى كالعادة لجلستنا الخاصة، أو ضمن مدعوين آخرين، ثم ضبطتها وهى تحاول الإيحاء للحضور أثناء المكالمة الهاتفية – وكانت التليفونات أيامها كلها أرضية – بأن يخرجوا أو يصمتوا لأن المتصل مهم!!، وبعدها أتلمس أية فرصة لإقحام اسم المتصل المهم وجزء من فحوى الحديث أثناء كلامى مع الآخرين فى أى موضوع!.. وعندما استفحل الأمر قلت «يا خبر أسود طيب وبعدين؟!»، وسعيت لأفطمها بقسوة وقد حدث... لدرجة أن بعض هؤلاء المهمين أصابه الاستياء أو التعجب من فجوة طرأت واستطالت بغير سبب! ومنذ فطمتها عن ذلك لم يعد يأسرنى ولا يغوينى اتصال أو انقطاع بالمهمين!

وضبطت نفسى متلبسة بإدمان الصوت والضوء.. ليس ذلك العرض المشهور عند الهرم وأبى الهول.. ولكن الصوت والضوء فى الندوات والمؤتمرات الجماهيرية الواسعة داخل مصر وخارجها، بعد أن شاءت ظروفى أن أحوز بعض المهارات فى الحوارات الفكرية والسياسية، وبعض الميزات فى الخطابة العامة حيث لمعان الفلاشات وهدير الميكروفونات.. ثم حزم الضوء فى استديوهات التليفزيون والفضائيات!

ضبطتها وقد احترفت الاستمتاع لدرجة الانتشاء بالحديث فى ندوة، أو بالخطابة فى مؤتمر، والانتقال من نبرة صوت إلى أخرى صعودا وهبوطا، ومعرفة المفاصل التى يتعين الوقوف عندها لتهب عواصف التصفيق والهتاف، أو تتوالى الاتصالات الهاتفية بعد البرنامج!

وعندما قررت فطامها عن إدمان الصوت والضوء هاجت وماجت وكأنها ابن قريبتى يصرخ «هات البز».

وهذا ما حدث عند رحلة التنفيضة إياها إذ وجدتها وكأنها فيروس يتحور لمقاومة المضاد الحيوى، تحفزنى لنشر تجربتى شديدة الخصوصية فى أقدس وأطهر أماكن الجغرافيا الإسلامية، ومع صاحب الرسالة، ومع من أرسل الرسل جل وعلا وله المثل الأعلى!

كيف أنشر تفاصيل ما أجملته على الفيس بوك عندما كتبت «أحرمت.. فتعريت، وتعريت.. فأفصحت، وأفصحت فانفضحت» إلى آخر ما كتبته وكان منه أيضا: «حبسنى فى الآه.. فصحت يا الله» لأننى سمعتهم يقولون إن الاسم هو: آه.. وأن الألف واللام للتعريف.

وفى غيابى المكانى عن المحروسة، وغيابى الكتابى عن الصحف، جرت فى الترعة المياه التى بعضها نقى عذب وبعضها ملوث حامض وربما قلوى.. ولن تجوز الكتابة بأثر رجعى وقد تحين فرصة للإشارة من هنا أو من هناك لما أظن أننى لابد ألا أفلته! كانت تنفيضة شديدة بكل المعايير، وأتمنى أن يأتى الإذن بنشر خصوصياتها.


نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 20 أكتوبر 2015

Thursday, 17 September 2015

Having Libya back




I used to give speeches in the political conferences and lectures in the intellectual seminars invited to by the Arab students studying in Cairo including an Arab-national group of them who established the “league of Nasserite unionist Arab students” and which had affiliates spread all over the European countries where students adopting the same ideology study.

I used to glorify the role of the Arab nationalism and degrade believing in the Egyptian nationalism as the Arab nationalism wave was really high, like the Nasserite ideology, and at its peak… that led to conflicts even within the Arab national ideology among Nasserists, Ba’thists and Arab nationalists’ movement that later adopted a Leninist Marxist orientation.

Adding to this conflict – inside the same Arab nationalism structure – the rise of the movement of the Libyan revolutionary committees that called for the third world theory, Green Book and leadership of Muammar Gaddafi… such era deserves testimonies written over it to become a historical scientific material on which researchers, who will write about it and read it well equipped with tools of scientific discipline, can depend on.

Anyway, I wrote in my last article that the Libyan matter is not yet over… many expected that I would write about what is happening right now but they were disappointed as they found the article tackling relations, conversations and names… actually, what I wrote was an introduction for what will come later.

As now, I have – and actually since relatively long time – refrained in a way or another from exaggerating in glorifying the Arab nationalism ideology on the expense of our belonging to our country; Egypt… I reread the July, 1952 revolution and Gamal Abdel-Nasser and found that Egypt was the main focus and at the centre.

And that all what happened of glorifying the idea and Arab nationalism movement and national liberation movement in Africa, Asia and Latin America and having a strong relation between Cairo and those capitals reaching to the level of moving in one entity as if we are standing before a forest of banyan fig trees with their branches intertwined and reaching down to the ground with its airy roots that you cannot tell which tree is the mother one that started all this forest.

I mean that Nasser and his working team intentionally aligned the national and liberation circles in a network forming the strong and living defense for the role of Egypt that if, for a reason or another, was in the background of the scene, it is because the whole forest is representing it or taking Egypt as a model.

Therefore, what affects my stance towards what is happening in Libya now and also what is happening in Iraq, Syria, Yemen, Sudan, Saudi Arabia and other countries in the Arab world is how much this can affect Egypt as a country that Nadim al-Bitar regarded as the base country in the Arab world.

We witnessed the time when the British and American military bases were open and operating in the countries neighboring Egypt… we experienced what was said and later proved true when Egypt waited in 1967 for the invasion airplanes to come from the east but actually they came from the west; from Libya, Wheelus and al-Adhm air bases and others… I do not want to talk again about the old disputes with Saudi Arabia as I do believe that the two countries are in deep need of each other in this era and that their losses in the times of dispute and conflict was devastating to both sides… it is a long talk that we do not have time for.

For all this, the geo-political map always tells that the biggest target and most precious one to hit is Egypt… and that destroying, dismantling and fragmenting the countries around the Egyptian central composition is enough at a certain moment to dismantle Egypt and destroy it… but the opposite was proved true… that is the absence and marginalization of the Egyptian role led to the easy implementation of the plan aiming at targeting the neighboring countries and destroying the Egyptian state as an independent state that paid heavy prices for its independence and freedom throughout history.

Al-Fateh revolution in Libya… May revolution in Sudan… the regime collapse of so-called Marxist dictators in Syria… the transformations that took place in the Iraqi Ba’th party… and the setoff of the Palestinian Guerilla movement… all these were like bandages put on the Egyptian wound after the 1967 defeat… they represented the hope in a new different era of the Arab nationalism movement…

However, things worked in the opposite direction quickly – since 4 or 5 decades is almost nothing compared to the life and historical course of nations and countries – and those bandages were attacked from within themselves due to tyranny, groups of common interests, corruption, injustice, absence of proper planning, wasting resources, authoritative policies on the domestic level and controversial foreign policy adopted by some of the rulers… etc.

By targeting and undermining the inter-connections among the centres of those movements and transformations, engagement and dispute raged to the level of conflict between Baghdad and Damascus despite they are being ruled by one party… and media and intelligence wars erupted between Baghdad and Tripoli… also a limited war began between Egypt and Tripoli… etc until the scene was prepared for what took place a while after this and which was called the Arab Spring.

What happened to Iraq and what is still happening in it, in Libya, Syria, Yemen and all of them is like the iron shield that supported Egypt and cured part of its wound after its defeat in 1967… it was like a hope for the nation in a new national liberal movement this time supported by massive revenues of oil… all this confirms what I want to say… that all what is happening now aims at hitting the Egyptian composition which is historically, civilization-wise, culturally and ethnically resistant to dismantle and fragmentation.

For all this and above the necessity to save the Libyan people from this vicious tragedy that destroyed their unity and state and killed their hope of a development matching with their resources and capabilities… for all this, the necessity for a decisive Egyptian role in such rescue is a rescue for Egypt itself as it is about defending the roots of our composition and reinforcing our cohesion bulwarks lest our country is plagued with destruction like what we see around us… I believe the meaning is clear.

Translated into English by: Dalia Elnaggar




This article was published in Al Ahram newspaper on September 17, 2015.

To see the original article, go to:


#alahram #ahmed_elgammal #Egypt #Libya

استعادة ليبيا من أجل مصر





كنت أقف متحدثًا فى المهرجانات السياسية، وأحاضر فى الندوات الفكرية التى يدعو لها الطلاب العرب الدارسون فى القاهرة، وكان منهم فريق قومى أسس «رابطة الطلبة العرب الوحدويين الناصريين»، وأنشأ لها فروعًا انتشرت فى البلاد الأوروبية التى يدرس فيها طلاب من الاتجاه نفسه.

وكنت أبالغ فى تعظيم الانتماء القومي، وتحقير الانتماء الإقليمي، وكانت الموجة القومية العربية عالية عاتية، مثل الاتجاه الناصري، فى ذروتها، وأدى ذلك إلى صراعات حتى داخل الاتجاه القومى بين الناصريين وبين البعثيين وحركة القوميين العرب، التى أخذت منحى ماركسيًا لينينيًا، ثم أضيف للصراع ــــ داخل المنظومة القومية ذاتها ــــ تصاعد حركة اللجان الثورية الليبية التى جاءت تنادى بالنظرية العالمية الثالثة والكتاب الأخضر وزعامة معمر القذافي.. وهى مرحلة تستحق أن تكتب شهادات عنها لتصبح مادة علمية تاريخية يعتمد عليها الباحثون الذين سيؤرخون لتلك الحقبة ويقرأونها قراءة مسلحة بأدوات المنهج العلمي.. وعلى أى حال كنت قد كتبت فى مقالى السابق عن أن الصفحة الليبية لم تنطوِ بعد، وتوقع كثيرون أن السطور ستتجه إلى ما يجرى الآن، ولكن خاب أملهم إذ وجدوها متجهة إلى حديث عن علاقات وحوارات وأسماء! وفى الحقيقة فإن ما كتبته كان مقدمة لما سيأتى بعده.

ذلك أننى الآن، بل منذ فترة طويلة نسبيًا، تراجعت بدرجة أو أخرى عن الغلو والمبالغة فى تعظيم البعد القومى على حساب الانتماء للإقليم أو القطر أى مصر! وأزعم أننى أعدت قراءة ثورة يوليو وجمال عبد الناصر فوجدت أن مركز الاهتمام وبؤرة التركيز كانت هى مصر، وأن ما تم من تعظيم الفكرة والحركة القومية وتعظيم حركة التحرر الوطنى فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ووصول العلاقة بين القاهرة وتلك العواصم إلى درجة الالتحام العضوي، وكأننا أمام غابة من أشجار التين البنغالى متشابكة متواصلة متدلية الجذور الهوائية، ولا تدرى أى الأشجار هى الشجرة الأم التى بدأت منها الغابة.. أقصد أن جمال عبد الناصر وفريق العمل معه تعمدوا أن تنتظم الدوائر القومية والتحررية فى شبكة تجعل منها السياج القوى والحى لدور القاهرة الذى إن توارى لسبب أو آخر فإن «الغابة» كلها تمثله أو تتمثل به. من هنا فإن ما يحكم موقفى تجاه ما يحدث فى ليبيا الآن، وكذلك ما يحدث فى العراق وسوريا واليمن والسودان والسعودية وغيرها فى الوطن العربى هو مدى تأثيره على مصر كإقليم اعتبره نديم البيطار هو الإقليم القاعدة فى الوطن العربي. لقد عشنا الفترة التى كانت فيها القواعد الأمريكية والبريطانية مفتوحة وفاعلة فى دول الجوار المصري، وعشنا ما قيل واكتشف أنه حقيقى عن أن مصر انتظرت طائرات العدوان فى 1967 تأتى من الشرق فإذا بها تأتى من الغرب يعنى من ليبيا وقواعد هويلس والعظم وغيرها.. ولا أريد أن أنكأ جراحا مع المملكة السعودية، لأننى أعتقد اعتقادا شديدا أن البلدين فى أمس الاحتياج لبعضهما البعض فى هذه المرحلة.. وأن خسارتهما فى مراحل الشقاق والتصادم كانت فادحة عليهما معًا.. وهذا حديث يطول ليس هذا وقته! وعلى ذلك فإن الخريطة دائمًا ما تفصح عن أن الهدف الأكبر والصيد الأثمن هو مصر، وأن إسقاط وتفكيك وتفتيت الأطراف من حول التكوين المركزى المصرى كفيل فى لحظة ما بتفكيكه هو والإجهاز عليه.. وقد ثبت أن العكس صحيح إذ أدى غياب وتهميش الدور المصرى إلى سهولة تنفيذ خطة ضرب الأطراف والقضاء على وجودها كدولة مستقلة دفعت ثمن استقلالها وحريتها فادحًا عبر العقود.

وكانت ثورة الفاتح فى ليبيا .. وثورة مايو فى السودان وانزياح حكم الدكاترة المتمركسين فى سوريا والتحولات التى جرت فى البعث العراقى وانطلاق العمل الفدائى الفلسطينى بمثابة «جبائر» تجبر كسور مصر بعد هزيمة 1967، وتصاعد الأمل فى حلقة جديدة نوعية من العمل القومي.. غير أن الرياح كثيرًا ما لا تأتى بما يشتهى السِفِن بكسر السين والفاء ـــــ أى ربان السفينة وليست السفينة نفسها إذ سرعان حيث لا تمثل عقود أربعة أو خمسة شيئًا فى حياة ومسيرة الأمم والأوطان ما تم الانقضاض على هذه الجبائر من داخل تكويناتها «الاستبداد الشللية الفساد الظلم غياب التخطيط السليم إهدار الموارد النزوع السلطوى الداخلى والإمبراطورى الخارجى لدى البعض.. إلخ»، وأيضًا بضرب وتقويض العلاقات البينية بين مراكز هذه التحولات إذ اشتدت الوقيعة والخلاف ولدرجة التصادم بين بغداد وبين دمشق، رغم أنهما يحكمهما حزب واحد، واشتعلت الحروب الإعلامية والمخابراتية بين بغداد وطرابلس، كما اشتعلت حرب محدودة بين القاهرة وطرابلس.. وهلم جرا بحيث كان المسرح مهيئًا لما جرى بعد ذلك بفترة وهو ما أطلق عليه الربيع العربي!

إن ما حدث للعراق وما يحدث فيه وفى ليبيا وفى سوريا وفى اليمن وكلها كانت بمثابة القميص الحديدى الذى شد أزر مصر وجبر بعض كسور هزيمتها فى 1967، ومثل أملا للأمة فى دورة تحرر وطنى جديدة مدعمة هذه المرة بالنفط وفوائضه الهائلة، لهو تأكيد على ما أذهب إليه وهو كشف وتعرية التكوين المصرى المستعصى تاريخيا وحضاريا وثقافيا وإثنيا على التفتيت والتفكيك! ولذلك وفوق حتمية إنقاذ الشعب الليبى من تلك المأساة الجهنمية التى حطمت وحدته وأنهت دولته وأبادت أمله فى تقدم يتناسب مع موارده وقدرات أبنائه، تجيء حتمية دور مصرى حاسم فى هذا الإنقاذ إنقاذا لمصر ذاتها حتى لا تنكشف جذور تكوينها وتتحطم حوائط تماسكها.. ويتفشى الخراب فيها على النحو الموجود حولها، والذى لا يراه محترفو أن «يقطموا دون أن يلطموا»، لأن المثل الفلاحى يقول: «اللى يقطم قطمة.. يلطم لطمة»، والمعنى ليس فى بطن الكاتب بل هو معلن فى كل مكان.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 17 سبتمبر 2015
لينك المقال:

Tuesday, 15 September 2015

Salute to Cairo governor… but




At a distance… and sometimes closely, I follow the efforts exerted by Dr. Galal Saied; Cairo governor… you can imagine how it is like to be the governor of Cairo… Cairo; that phoenix which people combined with the ghoul and loyal friend as the three impossible things to happen… and again they added a forth impossible to them… I believe it is also Cairo with its twenty millions population eating, drinking, excreting, learning, moving, throwing away garbage, blocking sewers with sanitary pads, kitchen towels and solid waste leading to sewage discharge at the entrances of buildings and that sweeps over in the streets turning some of its neighborhoods into another “Venice” but without Saint Mark’s Basilica, Murano island or even the Gondola rides!... not to mention its expansions in every direction.

However, the governor is doing all his best to stop all this… starting from street vendors occupying pavements and even the middle of the streets… and not ending by those who piled fortunes by the vicious mix between capital corruption and that of the authority… in such regard, there are unlimited stories and tragedies to tell… I may tell you about one of them in the coming lines.

I respected the governor; Galal Saied when he used to go into the streets accompanying campaigns inspecting over public utilities, traffic, demolishing infringements and removing that terrible cancer of street vendors that spread in downtown Cairo streets and which prevents anyone from having the chance to wander in the presence of that marvelous architecture we have in downtown Cairo.

In many times I used to ask and discuss with my friend, world-known professor of surgery and man of principles and unlimited humane stances Dr. Gamal Saied; brother of the governor, about how his brother deals with the mountain of problems that faced many before him and who could not do anything about it… actually, they surrendered and adopted the motto saying that “nothing better can be done” along with the one saying “stay in the safe side and do not get yourself involved in troubles” as their golden rules in practicing their responsibilities.

Throughout my friendship with the brilliant world-renowned surgeon, I have not heard him for a single time saying that his family makes any kind of interests out of their kinship to the governor… meaning that it did not happened for once and in many occasions in the presence of so many people differing each time that I heard Dr. Gamal Saied saying “my brother did so or my brother will do so and so…”… or “leave it to me, I shall talk to the governor”… or “take this card and go to the governor’s office… they know us there”!!

Actually, I myself was once involved in a family request from my folks to get a grave in Cairo or its expanded neighborhoods thinking of what may happen to them when they have to move the body from Cairo to our hometown or even get buried in old graveyards situated at the old belt of graveyards surrounding Salah Salem road and which became full and dilapidated… I expected some kind of a promise to answer my request but Dr. Saied laughing and jokingly replied that “the body will, God willing, find a place to rest”!!

Recently, the governor responded to what I and others wrote about before regarding slaughtering animals in the streets in Eid al-Adha… I have already more than once recounted my story with the sheep and butcher I deal with at the centre of al-Game’a square in Heliopolis… as I once went early to the butcher shop, sat on a chair next to it and went busy reading the papers until I heard someone saying “bring me Ahmed Bey al-Gammal”… I looked around alarmed and then saw the butcher’s apprentice pulling a sheep from its two horns… then the instructions followed: “restrain the movement of Ahmed Bey… slaughter… skin… hang… cut Ahmed Bey”.

Then I realized that every sheep has a paper hanged around its neck holding the name of its owner… from that moment, the sheep holds the name of its owner and is called by it… I wrote how the slaughtering process is done in the street and with other animals watching… at that time, I saw a calf tied to an electricity pole with every cell of its skin and muscles apparently shaking while it was watching its fellow animals being mercilessly slaughtered. After this, the meat is distributed in bags put in the cars that go through floods of water, blood and animals’ dung.

Another story to tell, there is a butcher in Dr. Muhammed Hussien Haikal St. near the crossing with Abo-Dawood al-Zaheri St. in Nasr city neighborhood… that butcher used to completely block the street days prior to the feast or Eid as he turns the area extending from the pavement, asphalt and reaching to the small stretch of greenery in the middle of the street into a cattle yard where he fodders the cattle that later fill the streets with dung… after this comes the massacre of all those cattle leaving behind a mix of fodder, blood, dung that floods into the neighboring streets, atop of those streets are Abbas al-Akkad and Dr. Haikal streets.

I have already gave an example of the Gulf countries where the citizen goes to the official slaughter house, picks the animal he wants and watches it, behind a glass barrier, being slaughtered, cut and distributed in bags for him to take away.

For all this, I believe Cairo governor’s decision to inflict severer punishment over slaughtering animals in the streets is a thing we always wished for… but imposing fine alone is not enough as where all those people and butchers with their animals ready to be slaughtered should go… also, are there slaughter houses, even if pre-made, easy-to-construct and to dismantle too, in pre-determined places where the citizen can go to and get his thing done?

I am afraid such decision may turn into a great opportunity for corrupted people as it is impossible that the police and army will go chase those who slaughter animals in the streets… but actually employees of municipalities and some policemen will do… and we can imagine the scenario… a good “meat present” along with the “tips”; nickname of bribe, will be given to those employees and policemen and eventually nothing will change… what I want to say is that such decision is really great once there are real guarantees to apply it on the ground; meaning providing other hygienically and environmentally-disciplined alternatives for such awful action of slaughtering animals in the streets.

Mr. Governor… May God be with you… if your decision succeeded in ending this horrible scene… that of blood mixed with dung, garbage and water with all this flooding in the most prestigious streets… I believe you deserve a memorial in one of Cairo squares.

Many happy returns to everyone.

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Almasry alyoum newspaper on September 15, 2015.

To see the original article, go to:


#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #Cairo

تحية لمحافظ القاهرة.. ولكن «آه» من لكن!



من بعيد لبعيد.. وأحيانًا من قرب أتابع الجهد الذى يبذله الدكتور جلال سعيد محافظ القاهرة.. وما أدراك ما القاهرة على رأى المعزول الإرهابى محمد مرسى؟!.. القاهرة تلك العنقاء التى جعلوها مع الغول والخل الوفى مستحيلات ثلاثة، ثم قالوا إن لها رابعا غير معروف «رابع المستحيلات»، وأظنه هو أيضا القاهرة التى تقترب من العشرين مليون نسمة يأكلون ويشربون ويقضون حاجتهم ويتعلمون ويتنقلون ويعبثون ويلقون الفضلات، ويسدون البلاعات بالفوط الصحية وفوط المطبخ والمخلفات الغليظة، لتطفح فى مداخل العمارات وتفيض فى الشوارع لتبدو بعض أحيائها وكأنها فينيسيا بدون سان مارك ولا جزيرة مورانو ولا الجندول.. ناهيك عن امتدادها الطولى فى كل اتجاه، حيث تبدو الآن وكأنها أطوال فى أطوال بلا عرض! عرض بالمسافة وليس بالأخلاق! لأن الدكتور المحافظ يحاول بكل طاقته أن يحافظ على شرفها وعرضها حتى لا يستمر هتكهما على يد كل من هب ودب، ابتداءً من باعة النصبات على الأرصفة وفى عرض الشارع، وليس انتهاءً بالمأفونين الذين أثروا واستفحلت ثرواتهم فى معادلة التزاوج بين فساد رأس المال وفساد السلطة.. وفى هذا حكايات وقصص ومآسٍ وطرائف بغير حصر!.. ربما أحكى إحداها فى السطور التالية.

كنت أشفق على المحافظ جلال سعيد وهو ينزل الشوارع مع حملات المرافق والمرور وإزالة المخالفات وتطهير شوارع وسط البلد من السرطان المرعب الذى حرم الجميع من مجرد فرصة تجوال فى حضرة العمارة الرائعة، وكنت كثيرا ما أسأل وأناقش صديقى الكبير أستاذ الجراحة العالمى ورجل المبادئ والمواقف الإنسانية، التى بلا حصر، الدكتور جمال سعيد، وهو شقيق المحافظ، عن كيفية تفكير شقيقه فى جبال المشاكل التى واجهت عديدين قبله ولم يفعلوا شيئا بل استسلموا واعتبروا أن قاعدة «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، ومعها قاعدة «ابعد عن الشر وغنى له» هما المعيار الذهبى لممارسة المسؤولية.. وطوال صداقتى مع الجراح العالمى النابه لم أشعر مرة واحدة ولو تسريبا أن «للعيلة» دلالا مصلحيا على المحافظ الذى يحمل اسمها.. يعنى لم يتصادف مرة واحدة وفى أكثر من مناسبة، وفى حضور عديدين يتنوعون كل مرة، أن سمعت «أصل أخويا عمل أو هيعمل..» أو «خلاص سيب لى الموضوع ده وأنا هأكلمه» أو «خذ التوصية واقصد كريم واتجه لمكتبه فهم هناك عارفين الأسرة»!!

بل إننى شخصيا انحشرت فى مطالبة أسرية من أهلى للحصول على «تربة» أو مقبرة فى القاهرة أو امتداداتها حتى لا يتبهدلوا إذا ما حان أجل أحد فى الانتقال بالجثمان إلى مسقط الرأس، أو للدفن فى مقابر قديمة امتلأت وتهالكت موجودة فى حزام المقابر القديم المحيط بطريق صلاح سالم!.. وتوقعت أن أجد مجاملة ولو بالوعد بتلبية الطلب.. ولكن كانت ضحكة صافية وقفشة من نوع إن شاء الله تجد الجثة من يريحها!!

مؤخرا استجاب المحافظ لما سبق وكتبت عنه وكتب عنه غيرى بمناسبة الذبح فى عيد الأضحى.. وكنت قد حكيت أكثر من مرة قصتى مع الخراف والجزار الذى أتعامل معه فى قلب منطقة ميدان الجامع بمصر الجديدة.. وكنت قد ذهبت مبكرا وجلست على كرسى مجاور لمحل الجزارة، وانشغلت بقراءة الصحف إلى أن انتبهت على من يصيح «هات أحمد بيه الجمال».. والتفت بقوة فإذا بصبى الجزار يشد خروفا ذى قرنين وتوالت التعليمات: «كتف أحمد بيه اذبح.. واسلخ.. وعلق.. وقطع أحمد بيه»، واكتشفت أن كل خروف تم حجزه من قبل يكتب على ورقة تعلق فى عنقه اسم صاحبه، ومن لحظتها يصبح هو الحامل لاسم صاحبه وينادى به!.. وكتبت كيف أن الذبح يتم فى الشارع وعلى مشهد من الحيوانات التى تنتظر السكين، وكيف أن عجلا من البقر كان مربوطا فى عامود النور وكل خلية فى جلده وعضلاته ترتعش ارتعاشا واضحا وهو يشاهد بنى جنسه وأولاد عمومته من الخراف يذبحون بلا هوادة! وعند العودة باللحم موزعا فى أكياس تخوض السيارات فى أنهار المياه المختلطة بالدم والفضلات الحيوانية التى كانت تملأ الكرش.. بل إن جزارا فى شارع الدكتور محمد حسين هيكل بالقرب من تقاطعه مع أبى داود الظاهرى بمدينة نصر يغلق الشارع تماما قبل العيد بأيام، لأنه يحول المساحة على الرصيف وعلى الأسفلت وصولا إلى جزيرة منتصف الشارع إلى مربط للحيوانات ويضع العلف ويمتلئ الشارع بالروث، ثم تأتى المذبحة ليصبح خليط بقايا العلف مع الدم مع الروث سيلا يتدفق إلى الشوارع المحيطة، وفى مقدمتها عباس العقاد والدكتور هيكل!

وسبق أن سقت مثالا بالدول الخليجية، حيث يذهب المواطن إلى المسلخ الرسمى ويختار الأضحية ويراقبها من وراء حاجز زجاجى وهى تذبح ثم تجهز ليتسلمها جاهزة مقطعة فى أكياس! ولذلك فإن قرار محافظ القاهرة بتغليظ العقوبة على الذبح فى الشوارع يأتى فى سياق طالما تمنيناه ولكن الغرامة وحدها لن تحل المشكلة إذ أين سيذهب الناس والجزارون بالحيوانات المعدة للتضحية.. وهل تم توفير مسالخ ولو سابقة التجهيز وسهلة التركيب والتفكيك، وخصصت لها أماكن محددة ليذهب المواطن إليها وينال ما يريده وينتهى الأمر.

أخشى ما أخشاه أن يتحول القرار إلى فرصة هائلة للفساد، لأنه من المستحيل أن تنزل الشرطة والجيش لمطاردة وعقاب الذابحين فى الشوارع، وإنما سينزل موظفو الأحياء وبعض رجال الشرطة.. و«كل سنة وأنتم بألف خير».. و«هات يا واد الفخدة للباشا أو الكبد أو حتى العفشة رأسا وأرجل وكرشا ومصرانا لأجل الممبار»، كل حسب درجته ومعها إكرامية العيد أى العيدية النقدية.. والجانب الآخر لن يتمادى فى عكننة الناس يوم العيد.. يعنى هو قرار عظيم على الورق ولكن لم توفر له ضمانات حقيقية للتنفيذ، أى إيجاد البدائل المنضبطة صحيا وبيئيا.

سيادة المحافظ كان الله فى عونك ولو نجح قرارك فى إنهاء المنظر البشع، منظر اختلاط الدم بالروث وبالزبالة وبالمياه وتدفقه أنهارا فى أرقى الشوارع، فأعتقد أنك تستحق تخليدا فى أحد ميادينها.. وكل سنة والجميع بخير.


نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 15 سبتمبر 2015

Tuesday, 8 September 2015

نداء لحزب الوفد من ناصرى مخضرم




لن يغفر الوطن ولن يرحم التاريخ الذين دقوا الأسافين بين حلقات النضال الوطنى المصرى المتصل فى العصر الحديث، منذ ثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية.. وأخص بالذكر تلك الوقيعة والقطيعة بين ثورتى 1919 و1952.. ولن يغفر الوطن ولن يرحم التاريخ ألف مرة هذه المرة كل الذين فرطوا ويفرطون حتى الآن فى القيم والإنجازات والميراث الإيجابى للثورتين.. خاصة أننا نعاصر منذ فترة مأساة تبديد طاقات التيار الوطنى والقومى الناصرى، ومحنة تفتيت وتقويض طاقات التيار الوطنى الوفدى، وتحول العلاقات الداخلية فى الوفد الذى يعبر عنه حزب الوفد الجديد، وفى التيار الناصرى الذى توزع بين عدة أحزاب، وفى كل حزب طغت عوامل الضعف والفناء على عوامل القوة والنماء ــ تحولها ــ إلى اقتتال شللى يحاول أصحابه إلباسه مسوح الموضوعية والمبدئية وخلافه!

ورغم أننى أنتمى للفكرة الوطنية القومية ذات المنحى الناصرى، وحسبما يظن البعض أن بيننا وبين الوفد ما صنع الحداد أو بالأصح ما نفخ الحداد، لأنه ينفخ النار والدخان بينما يصنع الحديد، إلا أن ما أعتقد أنه فهم تاريخى متوازن يحتم التعامل مع المرحلتين، باعتبارهما حلقتين متصلتين متكاملتين من حلقات النضال الوطنى، وأن ثورة يوليو لم تكن لقيطة فى تاريخ مصر، ومن ثم فلم يكن الوفد عقيمًا بحال من الأحوال، ولطالما أسهبت فى شرح أن الأوطان العظيمة لا تعرف معادلة «اللقيط ــ والعقيم» فى مسيرتها التاريخية!

ولذلك فإن ما يحدث فى حزب الوفد الجديد، وما يصدر من تراشقات، ويظهر من تشققات ليس خسارة للوفد والوفديين بقدر ما هو خسارة للوطن وللحركة الوطنية المصرية!

إننى لا أعتقد غياب هذا المفهوم على رجال من قامة الدكتور السيد البدوى ومحمود أباظة وفؤاد بدراوى وعصام شيحة، وغيرهم من رموز المتصارعين، ولكن أكاد أجزم أنه فى كثير من الأحيان يؤدى قصر النظر وتركزه على اللحظة الآنية أو ما تحت القدمين إلى تقزيم القامة وانحطاط الهمة عن حمل المهام التاريخية طويلة المدى.

وهنا أعاود التذكير بحكاية النبى سليمان والمرأتين المتصارعتين على رضيع، وأراد النبى الحكيم أن يعرف الحق قبل ظهور علم الجينات بعشرات القرون، فأشار إلى السياف «الجلاد» أن يشق الرضيع نصفين ويعطى لكل امرأة نصفًا.. وهنا قبلت إحداهما فيما صاحت الأخرى رافضة، وأعلنت تنازلها عنه حفاظًا على حياته!

وعندها قرر سليمان أن يعطيها الطفل، لأنها أثبتت بحرصها على بقائه سليمًا غير «مشقوق» أنها أمه الحقيقية!

ودعونا نقرر أيضًا أن غالبية النخبة السياسية المصرية الحالية، ومن ثم غالبية الناس لا يعرفون جوهر الخلاف بين المتشاققين فى الوفد الجديد، وهل هو خلاف عقائدى أيديولوجى فكرى حول ثوابت ومقومات ومرتكزات جوهرية فى البنية الفكرية الوفدية ــ التى لا مجال الآن للسؤال عن تفاصيلها ــ أم هو خلاف على مواقف وتكنيكات وتعامل مع متغيرات أم هو مؤامرة محبوكة تريد أن تعوض الفشل فى ضرب جذور ومقومات الدولة المدنية بتغليب وانتصار الرجعية الدينية، ممثلة فى الإخوان وأشباههم، فاتجهت إلى ضرب التكوين التاريخى والميراث الوطنى النضالى المرتبط بتأسيس الدولة المدنية ذات الملامح شبه الليبرالية، ممثلا فى الوفد.. ومن قبله تم ضرب وتفتيت التيار الناصرى وتقويض حزبه السياسى، وهو تيار ارتبط به أيضًا مفهوم وتكوين الدولة المدنية الحديثة!

هل رأيتم إذن أيها السادة المتصارعون أو بمعنى أصح «المتشاققون» فى الوفد خطورة المضى فى هذا الشقاق، وذلك الاقتتال الوهمى، بل مأساوية السعى لتفجير الأوضاع بالحزب، ومن ثم شيوع حالة الاستقطاب وبعدها تفشى روح الشقاق.. هل رأيتم إلى أين يصب ومن يخدم؟!

إننى لا أنسى محنة الحزب الناصرى الذى جاء تكوينه وإعلانه بعد مسيرة نضال طويلة كانت حركة التيار الوطنى القومى الناصرى فيها بلغت ذروتها، وكانت المؤتمرات تعقد فى أرجاء المحروسة ويحضرها عشرات الآلاف، وكان كاتب هذه السطور شاهدًا بل معايشًا ومشاركًا بالحضور والخطابة!!، ثم حدث الاختلاف عند الرأس داخل مجموعة القيادات، التى ضمت أسماء رنانة وانتزعت القيادة من فريد عبدالكريم ومنحت لضياء داوود، رحمة الله عليهما، وكيف وصل الحال بعد ذلك إلى ما وصل إليه من تبديد وتفريط، لدرجة كان يعمد فيها صديقى وأستاذى كامل زهيرى إلى الضحك الذى هو كالبكاء فيقول لمن حوله «لا بد من تغيير صفة ضياء داوود كرئيس للحزب الناصرى إلى سنديك التفليسة الناصرية»!!

يا حضرات السادة الوفديين من قيادات حزب الوفد لا تتحولوا من قيادات إلى «سناديك» ــ جمع سنديك إذا جاز الاصطلاح ــ لأن التفليسة لن تلتصق بالوفد ولا بالناصريين، وإنما ستلتصق بالوطن فنصبح كلنا شركاء فى «التفليسة الوطنية».

وللمرة الألف فإن الوطن لن يغفر والتاريخ لن يرحم من دقوا الأسافين بين حلقات النضال الوطنى المصرى.. وسوف يلعنا لعنة أبدية كل الذين فرطوا وسعوا للشقاق والاقتتال فى وقت يتعرض فيه الوطن لتحدى الوجود بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ: «الوجود العضوى البيولوجى للبشر والوجود السياسى للدولة، والوجود الحضارى والثقافى للشعب وللأمة».


نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 8 سبتمبر 2015