Thursday, 14 February 2019

"دستور.. يا أسيادنا"





بعيدًا عن نتيجة بقية إجراءات تعديل الدستور.. وبصرف النظر عما إذا كنت من مؤيدي التعديل أو من رافضيه أو ممن لا يعنيهم الأمر، فإن متابعتي لما يكتب على الفيس بوك وفي الصحافة وما يقال في بعض برامج التليفزيون، تشير إلى أن الأمر تحول إلى ظاهرة تستحق التأمل، وتضاف إلى ما أسميته "الجدل القاهري"، على وزن "الجدل البيزنطي"، غير أن القاهري تفوّق بمراحل على البيزنطي الذي اقتصر على مدة قصيرة، كانت هي زمن انعقاد أحد المجامع المسكونية "المؤتمرات الكنسية الدولية"، وكانت القضية هي طبيعة السيد المسيح- له المجد- أما القاهري فهو ممتد متشعب محتدم.. حول يوليو وعبد الناصر.. حول الرأسمالية ورأسمالية الدولة.. وحول دور الجيش في الحياة العامة.. وحول العلاقات المصرية– السعودية، وفي هذه الأيام أضيف موضوع تعديل الدستور، ليزداد التفتيت والتمزق والاختلاف فيما البلد يحاول الفلفصة من أصابع الإرهاب والفساد والتخلف وكل السلسال الذي يعرفه الجميع.. ومن عجب أن الجدل قاهري، بمعنى أنه بين صفوف بعض من يسمون النخب السياسية والفكرية الذين يندر أن تجد فيهم أحدًا وقد انكوى بلهيب المشاكل الحياتية اليومية.

لفت نظري أن الذين حاربوا ويحاربون وبجسارة وضراوة ونفس طويل ضد سلطة النص الديني بوجه خاص، والنص عموما، واعتبار أن أي نص هو نسبي وتاريخي ومحكوم بظروف كتابته، بل إن بعضهم لا يتردد أن يناقش القرآن الكريم وبقية الكتب السماوية بهذا المنهج، ويستميتون في التمسك بحتمية التخلي عن قدسية النصوص قرآنا وتوراة وإنجيلا وأحاديث نبوية ومزامير! ثم تجدهم هم أشد خلق الله الآن صراخًا وعويلًا وصخبًا ضد أي اقتراب من قدسية نص وضعي وضعه بعض الأفراد، كان معظمهم مختلفًا على اختياره وعلى ثقافته وعلى كفاءته، وبحكم أنه لا أحد يحوز الكمال لا النسبي ولا المطلق!

لقد استل بعضهم خناجر على هيئة أقلام، وقذائف في صورة كلام، وتصايحوا متنادين لجمع الصفوف وسل السيوف، ولم يبق إلا إهدار دم وإزهاق روح كل من يجرؤ على مجرد طرح أمر تعديل الدستور للمناقشة! لكي تتناوبه الخناجر وتمزقه القذائف.

ومن هنا أبدأ بالصياح "دستور يا أسيادنا"، كما كانت كودية الزار تصيح معتذرة لأسيادها العفاريت، كي لا يؤاخذوا جاهلًا عاب في الزار أو في الجن.. وأيضا كما كان الغلبان راكب الركوبة- حمارا كانت أم أتانا أو حتى جاموسة- يقفز من عليها نزولا وينحني ليخلع "بلغته" إذا كان لديه- بلغة: أي لا مؤاخذة مداس- ويرفع يده عاليًا ومعها صوته "دستور يا أسيادي"، موجها النداء للأكابر الجالسين على الكراسي أو الكنب أمام الدوار الكبير! فدستور يا أسيادي عبدة النص الدستوري.. تعالوا نناقشها قطعة قطعة.. أو "حتة.. حتة"!

هل الدستور نص سماوي مقدس؟ وهل دستورنا مرن أم جامد؟! وهل الظروف التي وضع فيها الدستور وكذلك طريقة اختيار لجنة وضعه، وكذلك شخصيات اللجنة لا تحتمل الاختلاف ولا المناقشة؟ وهل الظروف تغيرت أم لم تتغير؟ وهل ما يحيط بالوطن من متغيرات- ولن أقول مخاطر حتى لا تستمر تهمة اتخاذ المخاطر شماعة للاستبداد- يستدعي مراجعة كل ما من شأنه التأثير على قدرتنا كشعب ودولة على التعامل مع هذه المتغيرات؟!

الإجابة معلومة، وفيها أن الدساتير ليست نصوصًا سماوية مقدسة، لأنه حتى المقدس السماوي وجد في صفوف مقدسي النص الوضعي من ينادي بتجميده ونقده والاختلاف معه، بل وتعطيله!

وإذا كان ذلك كذلك، فإن هناك العديد من المسوغات التي تبيح للمجتمع المصري أن يراجع الوثيقة الأم الأساسية مراجعة موزونة تستجيب للضرورات التي هي في شرع ربنا تبيح المحظورات!

لقد كنت وما زلت أتصور أن حكاية المدة الرئاسية في ظل المتغير الجوهري المهم الذي طرأ على موقع الرئاسة، وأعني به أن الجالس فيه الآن إنسان لديه عزوف عن التأبيد في الكرسي وعن الأبهة وعن الرحرحة في ميت أبو الكوم أو في شرم الشيخ.. إنسان يعرف طبيعة المهمة التي تحمّلها ويسابق الزمن ويقاوم المعوقات بكل ما أوتي من طاقة، هي حكاية لا ينبغي أن تشتعل عليها المعارك، ناهيك عن حجم التحديات وحجم ما أنجز، وعندها وببساطة فمن الوارد أو من المقبول القول اتركوه يستكمل في المدى الزمني المناسب، والمهم أن يستمر الإنجاز بالوتائر نفسها.

ثم إنني لا أتردد في أن أشير إلى أن كثيرا من الدول، وفي حالات الحرب والتهديدات الخطيرة التي تتهدد وجودها، بما في ذلك الكوارث والحروب الأهلية، تتجه من فورها لتعطيل العمل بالدستور وسن قوانين جديدة صارمة وقاطعة تجعل من المواجهة أمرا لا يحتمل لجاجة ولا ينتظر تنطعا.

وعود على بدء، فإن هذه السطور تكتب مساء الثلاثاء لتنشر صباح الخميس، ومن الوارد أن يحدث متغير ما في مسار الاتجاه للتعديل، ومع ذلك وحتى تتضح الرؤية تماما ونعرف ما الذي سيتم، ما المانع أن يتوقف أسيادنا مقدسو النص الوضعي، ولو قليلا لالتقاط أنفاسهم وابتلاع ريقهم، ليقوم حوار وطني موضوعي ومحترم لا يعتمد لغة الردح والتلقيح ولا نبرة الوعيد بالنهاية المحتومة، لأننا أمام تعديل لا يستهدف إطالة فترة بقاء شخص في كرسي الرئاسة، لأنه "مرتاح كده"، ولكننا إزاء تعديل يعطي الفرصة لمزيد من الإنجاز بنفس الوتائر.. يعني مزيدًا من العمل والإرهاق ومسابقة الزمن.. ومرة ثالثة "دستور يا أسيادنا"!

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 14 فبراير 2019.

Tuesday, 12 February 2019

رصيد مصر في إفريقيا





في مصر القديمة، وقبل ظهور علوم الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، حدد القادة المصريون أمن وطنهم بأنه يمتد من قرن الأرض "القرن الإفريقي" إلى منابع المياه المعكوسة أي منابع دجلة والفرات اللذين يجريان من الشمال إلى الجنوب عكس جريان النيل من الجنوب للشمال، وكانت علاقات مصر بقارتها الإفريقية ذات أبعاد متعددة اقتصادية وأمنية كما أشرت، وفي العصر الحديث توغلت مصر جنوبًا باتجاه منابع النيل والقرن الإفريقي، وأصبحت تسيطر بحق الغزو أو الفتح على مناطق واسعة معلومة لمن يهتمون بفترة الخديو إسماعيل، وبقي حق الفتح هو الأساس الذي ضمت به مصر تلك المناطق. ولم يعد ممكنا بعد ثورة يوليو 1952 وما أعلنته من مبادئ وسياسات تؤكد إيمان مصر بحق الشعوب في تقرير مصيرها وانتهاء أي شرعية تعتمد على الاحتلال أو الغزو أو الفتح؛ أن يبقى السودان تابعا لمصر.. وهنا أستأذن في جملة اعتراضية، هي أن العباقرة الذين يطالبون بتغيير العلم الوطني المصري الحالي والعودة لعلم الهلال والثلاث نجوم يتناسون عمدًا، أو بالأحرى يجهلون مؤكدا، أن العلم الأخضر ذا الهلال الأبيض والنجوم الثلاث البيضاء خماسية الأطراف كانت ألوانه تنصرف إلى أن الاخضر يرمز للوادي والدلتا والهلال للإسلام والنجوم الثلاثة إلى مصر والنوبة والسودان ومنه دارفور وكردفان! ومن الوارد أن يحتج إخوتنا في السودان– والعملية لا ينقصها تأجيج أو تلكيك– على عودة ما يرمز إلى تبعية السودان لمصر! وفي هذا تراث طويل من السلبيات، أشك كثيرًا أن أولئك العباقرة يعرفونه أيضًا.

ومع تطور العلاقة، وانطلاق حركات التحرر الوطني الإفريقية، وسعي الشعوب للحرية والاستقلال، كانت المحروسة بقيادة جمال عبد الناصر هي السند والموئل والداعم لحركات التحرر الإفريقية، وبات الدور المصري في القارة دورًا قياديًا رائدًا بقيت آثاره وفاعليته إلى الآن، رغم السنين الكالحة الكئيبة التي تخلت فيها مصر عن دورها، وتركت الميدان خاليا للنفوذ الفرانكفوني والأمريكي والصهيوني.. وما زال في العديد من عواصم ومدن دول القارة شوارع وميادين تحمل اسم جمال عبد الناصر، وما زال هناك قادة أفارقة يذكرون الرجل ودوره، ولا أنسى أبدًا أن القائد الفذ نيلسون مانديللا عندما زار مصر بعد انتصار شعبه في نضاله ضد الاستعمار الاستيطاني الأوروبي، سئل عن أول أمر يحب أن يفعله في مصر، فأجاب من فوره أنه سيزور ضريح جمال عبد الناصر ويلتقي محمد فائق.. وهناك وقف يكلم الثاوي في تراب مصر، ويتأسف له أن الزيارة جاءت متأخرة عن موعدها عشرين عاما! وما أستهدفه من هذه الإشارات هو أن لمصر رصيدا ذهبيا كبيرا في قارتها، وفي آسيا وأمريكا اللاتينية، تم إيداعه في الحقبة الناصرية، ولا يمكن التفريط فيه ولا التقليل من شأن من راكموه بجهود جبارة يعرفها أبناء إفريقيا، وكثير من دول آسيا وأمريكا اللاتينية.. وهو رصيد يتعمد المأفونون الغطرشة عليه وتجاهله والتقليل من شأنه عندما يركزون وبمنهج حسابات البقالة على قراءتهم للتاريخ.

إن تسلم مصر لرئاسة الاتحاد الإفريقي لا ينطلق من فراغ ولا يسير نحو مجهول، فهي كما أسلفت حلقة متممة لما بدأ منذ مطلع الخمسينيات، وهي كما هو واضح من التصريحات الصادرة عن الرئاسة في مصر ستكون منصة انطلاق إفريقي شامل للتكامل ولتعظيم الموارد ولحل المشكلات المزمنة وغيرها من الأهداف، وللحق فإن الرئيس السيسي وفريق العمل الذي يعاونه في السياسة الخارجية نجح بامتياز حتى الآن في ترميم الصدوع التي نتجت عن فترة الإهمال الطويلة لإفريقيا في عهد مبارك، وفي مد الجسور السياسية والاقتصادية والثقافية مع دول القارة، وأضحت القاهرة ثانية مقصدًا مهمًا لقادة الدول الإفريقية، وهو نجاح تتضافر معه في ضفيرة واحدة شبكة العلاقات القوية مع دول الشرق، كالهند والصين واليابان وفيتنام وغيرها، ومع دول أوروبا وأمريكا الجنوبية.

ومن البديهي أن النجاح السياسي لا ينفصل عن الأبعاد الاقتصادية والثقافية، ونعرف أن هناك شخصيات مصرية خارج النطاق الحكومي، تلعب دورًا مهمًا في تأسيس وتنمية علاقات اقتصادية مصرية- إفريقية، وبقي أن يتم التركيز الآن ومستقبلًا على البعدين الثقافي والإعلامي إذا جاز الفصل بين الإعلام والثقافة.. ولا أعلم إذا كانت الإذاعات الموجهة باللغات واللهجات الإفريقية، التي كانت تبث من القاهرة، حتى أواخر الستينيات مستمرة أم لا، وإذا كانت مستمرة فهل تم تطوير مضمون إرسالها بما يتناسب مع التغيير الذي حدث في دول القارة بعد التحرر ونيل الاستقلال، أم لا، أم أنها أوقفت تمامًا؟!

لقد ظل إخوتنا في السودان- على سبيل المثال- يشتكون وأحيانًا يسخرون من جهل النخب المصرية بالتكوين السوداني، حضاريًا وثقافيًا وتاريخيًا وجغرافيًا.. ناهيك عن الميراث الثقيل في هذا المضمار.. ميراث النخاسة وميراث ربط لون البشرة السوداء بمهن وأعمال معينة، معظمها خدمي متدنٍ، بل إن كثيرين من أهل الكتابة يكتبون عن السودان بصيغة المؤنث، وكذلك اليمن ولبنان والعراق، يتعاملون معها مؤنثة، ما يثير سخرية شعوب تلك الدول.

غاية القول إن دور مصر في قارتها ليس عملية آلية ميكانيكية، ولكنه حركة يجب أن تكون مستمرة وذات مضمون متطور، وإلا فإنه دور ضامر وراكد، ولأن مصر تولت رئاسة الاتحاد فالعبء أضحى مضاعفًا؛ لنواكب حركة الرئيس على كل المستويات.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 12 فبراير 2019.

Thursday, 7 February 2019

حتمية التماسك حول نظامنا الوطني





المؤامرة لا تصنع التاريخ، ولكنه لا يخلو منها، وهي فيما أرى تخطيط من طرف ما ضمن صراع بين أطراف بعينها، ولأنه يتسم بعدم المشروعية، وباتخاذ وسائل ملتوية منها رفع شعارات نبيلة ومضامين سليمة، للتغطية على ما ليس نبيلًا ولا سليمًا، فإنه يسمى مؤامرة، وقد عرفنا في تاريخنا العربي – الإسلامي ألوانًا من هذا الشأن، كان أشهرها فيما أظن رفع المصاحف على أسنة الرماح في الفتنة الكبرى.. ورفع أصابع نائلة زوجة عثمان بعد أن بترت بأسلحة من هاجموه، للمطالبة بدمه.. فيما الحقيقة أن الفئة الباغية هي من رفعت هذا وذاك، للوصول إلى الحكم ضمن صراع طويل بين الأمويين والهاشميين.

وفي سياقنا المعاصر الآن أذهب مع الذاهبين إلى أن موجة الكلام على حقوق الإنسان، ومن أعلى المستويات في التحالف الأطلسي، لن تكون هي الموجة الأخيرة، التي يتم رفع شعار نبيل ومضمون سليم للتغطية على الهدف الحقيقي، وهو وقف التحول في مصر نحو ما يبعدها عن حكم ذوي المرجعيات الدينية، مثل الإخوان والسلفيين ومن ينزع نزوعهم! وأتوقع أن تكون الموجة التالية تحت شعارات الدفاع عن الدستور المصري، والتعريض بدور القوات المسلحة في الحياة العامة المصرية.

وهذا التكتيك الغربي الأورو-أمريكي يعد الحلقة المعاصرة في سياق بدأ مبكرًا مع بدايات الاستعمار القديم، وبعد أن كانت البوارج والمدافع والاحتلال المباشر هي الوسيلة لفرض إرادة الغرب وكسر إرادة الدولة المصرية وتحجيم دورها، جاءت حلقة الحصار الاقتصادي والسياسي، ومحاولة فرض التغيير في مصر لتسير حسب الدور الذي رسموه لها، ثم جاءت حلقة أشد تعقيدًا اجتمع فيها أسلوب البوارج والطائرات مع الحصار، كما حدث في 1956 و1967، وبعدها خف الأمر قليلًا إثر حدوث تغييرات في التوجه السياسي – الاقتصادي المصري بالانفتاح والصلح مع إسرائيل، وها هي الحلقة الأكثر حداثة، وهي استخدام لافتات وشعارات نبيلة لغايات رذيلة.

ولن نعدم من ينتقل من المطالبة بحقوق ما يسمى بالناشطين والجمعيات غير الحكومية، إلى إعادة الكلام عن حقوق أقليات دينية وطائفية واجتماعية، ورفع وتيرة الكلام عن أوضاع دستورية وقانونية، والمؤكد أنهم سيبحثون كل فترة عن مسوغ لتدخلهم يحقق لهم تفتيت وتفكيك المحروسة، وفرملة وتائر نموها الاقتصادي، وتماسكها الاجتماعي، وإنهاء أية احتمالات لنمو دورها الإفريقي والعربي والدولي.

لقد استطاعت مصر بقيادتها الوطنية بعد 30 يونيو أن تتفادى وبقوة، انتشار الفوضى وتنامي العنف وضياع الدولة.. واستطاعت أن تتصدى للإرهاب الدموي المسلح الممول والمسنود من قوى إقليمية ودولية.. واستطاعت أن تسترد علاقاتها العربية والإفريقية، وأن تتقدم في هذا المضمار بقفزات واسعة مدروسة وموزونة.. واستطاعت أن تدير سياستها الخارجية بما يكفل فرض احترام إرادة شعبها على مختلف الأطراف، وشاهدنا تطور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ومع الدول الكبرى في الشرق، مثل روسيا والصين والهند واليابان، ونجحت مصر في تأكيد أنها ليست مصدرًا لتهديد أي طرف خارجي، سواء كان تهديدًا عسكريًا أو أيديولوجيًا، وأكد هذا النجاح قدرة متخذ القرار في مصر على الاستفادة من دروس التاريخ، خاصة دروس تجربتي محمد علي وجمال عبد الناصر!.. أي وباختصار استطاعت مصر أن تنزع أية ذريعة قد تتخذ من أطراف خارجية للتدخل في شؤونها وفرملة نموها وكسر إرادتها.. ولكن الذين أدركوا منذ أزمان طويلة أن المحروسة لو تركت لحالها وتماسكت داخليًا وتوازنت، فإنها تقوى، وإذا قويت فلا بد أن تلعب دورها الحتمي في دوائر محيطها، وعندئذ ستتقاطع الخطوط، وسيكون للدور المصري تأثير على فاعلية الأدوار الفرانكفونية والأنجلوسكسونية واللاتينية والأمريكية.. وعليه فلابد أن يجدوا مسوغات جديدة لحصار الدور المصري، وضرب المحاولة الجادة الراهنة التي تسعى لبناء وطننا بهدوء، ودون تهديد من أي نوع لأي طرف!

إن المأساة الكبرى هي أن تلك القوى الدولية ترى أن مجرد تماسك وتوازن وقوة مصر يعد خطرًا ينبغي مواجهته مبكرًا، ولذلك فنحن فعليًا أمام سؤال جوهري طالما ذكره كاتب هذه السطور في غير مناسبة، وهو كيف تستطيع مصر أن تقوى وتتقدم دون أن تمكن أطرافًا دولية من منع هذه القوة وهذا التقدم، أو ضرب مصر لقصم ظهرها وجعلها ترتد إلى نقطة الصفر دومًا وكأنها سيزيف الإغريقي، الذي عوقب بحمل الصخرة لقمة الجبل دون توقف؟!

نعم، إن العقل المصري النخبوي والجمعي مطالب الآن وبقوة أن يحاول الإجابة عن هذا السؤال، وأذكر في هذا الصدد أنني منذ سنوات عديدة طرحت السؤال على أحد أبرز رجال الخارجية المصرية فكان رده هو أن نتعود على تقديم التنازلات وضرب مثلًا بألمانيا، التي صعدت من وهدة الهزيمة الساحقة، والدمار الكامل إلى قمة الازدهار، لأنها قبلت بالتنازلات العديدة، التي فرضت عليها، أو حتى طلبت منها، ولذلك انتهت مشاكلها مع الأطراف المنتصرة، وتفرغت لبناء نفسها وأنجزت ما أنجزت، وهذا الكلام يترتب عليه سؤال آخر هو عن ماذا نتنازل، وما المدى المقبول للتنازلات؟!

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 7 فبراير 2019.

Tuesday, 5 February 2019

عندما أغلق باب الاجتهاد





شاع أن الجدل البيزنطي كان من حول أيهما أسبق الدجاجة أم البيضة.. وشاع أيضا أنه كان من حول جنس الملائكة إناث هم أم ذكور؟!

ويقول المؤرخون إنه حدث أثناء انعقاد أحد المجامع المسكونية، وكانت القضية المطروحة هي ما احتدم فيه النقاش وتباين الاختلاف لحد تبادل الاتهامات بالهرطقة من حول طبيعة السيد المسيح له المجد، هل هي واحدة إلهية أم هي واحدة بشرية أم هما طبيعتان إلهية وبشرية، وأيضا من حول السيدة العذراء هل هي أم له من الناحية اللاهوتية أم فقط من الناحية البشرية ومن ثم هل تكون لها منزلة التقديس أم لا؟! ويصف أحد مؤرخي تلك الفترة في مطلع العصور الوسطى الحال في المدينة بقوله: كنت تذهب لبائع الخبز تسأله خبزا فلا يعطيك ويسألك هل المسيح إله أم إنسان، وكنت تشير لساقي الماء أن يروي ظمأك فيبادرك هل العذراء أم للمسيح من ناحية اللاهوت أم لا؟!.. وأظن أن أحد ملامح الحياة في القاهرة وعلى مدار حوالي نصف قرن هو ما يمكن أن نسميه "الجدل القاهري"، على وزن "الجدل البيزنطي"، حيث ظلت الأسئلة وتبادل الاتهامات بالهرطقة الوطنية قائمة حول ثورة يوليو وعبد الناصر والتحول الاشتراكي والتأميم وغيره، وقد تفوقنا على البيزنطيين الذين اقتصرت مدة جدلهم على الفترة الزمنية التي انعقد فيها المجمع المسكوني "المؤتمر العالمي لقادة الكنائس"، فيما نحن نستهلك عقودا متوالية منذ سنة 1970 إلى الآن!

وأبادر من باب "التطهر الاعترافي" أنني لم أفلت من الانخراط في هذا الجدل القاهري، رغم حرصي على أن أبتعد متجها إلى ما أظنه قضايا مستقبلية أو أراه أولى بالاهتمام، وربما آن الأوان لتركيز الجهد على ما أراه مهما في حياتنا السياسية العامة، اللهم إلا إذا تفاقمت فداحة افتراء البعض على حقائق التاريخ، فعندها يصبح الصمت سكوتا من شيطان أخرس.

لقد كتب نيوتن مقالا نشر الأحد- أي قبل أمس الأول- أظنه يحمل من الصدق والموضوعية قدراً هائلا، إذ ميز بين المقاصد وبين الوسائل أو الأدوات في مشروع جمال عبد الناصر، ووضع النقاط على الحروف فيما يتصل بمقاصد ذلك المشروع وكلها لا يختلف عاقل حولها، ولكن الوسائل والأدوات هي ما يجب مناقشته وما يجب تقييمه والاستفادة من الدروس وعدم إعادة إنتاج السلبيات.

والحقيقة التي لا بأس من ذكرها هي أن من وراء استمرار طرق البعض أو "دقهم" على هذا الموضوع مرارا وتكرارا وبغير توقف، هو أن تصل الرسالة إلى أصحاب القرار الاقتصادي والسياسي في مصر، لأن ذلك البعض يرى فيما يجري الآن وخاصة على الصعيد الاقتصادي إعادة تدوير للنهج الناصري مع فوارق بسيطة، ومن ثم فإن النتيجة ستكون بالتالي مشابهة، إن لم تكن أفدح من السلبيات التي يرونها سببا في الإخفاق.

وفي ظني أن إعادة التدوير ليست مقتصرة على أصحاب القرار، وإنما هي في الأصل متصلة بالتكوينات الرأسمالية المصرية التي لم تملك في معظمها الشجاعة ولا الوعي بنقد نفسها تاريخيا منذ نشأتها إلى الآن، ولا بتصويب أدواتها والإفصاح الكامل الصادق عن مقاصدها وأهدافها، والأثمان الاجتماعية التي يمكن أن يدفعها المجتمع من أجل تحقيق مقاصد الرأسماليين المصريين.. ذلك أنني أعتقد – ولست أظن – أن ما يبدو أنه إصرار على إعادة تدوير سياسات وأدوات ثورة يوليو، إنما هو ناتج عن إصرار أكثر ضراوة من الرأسمالية المصرية على عدم تجديد أدواتها وتنقيح مقاصدها، هذه واحدة أما الثانية فهي أن التاريخ يعلمنا أنه عندما أغلق باب الاجتهاد الفقهي حوالي القرن الرابع الهجري لم تتعطل مسيرة تطوير الفقه ومواكبته للمتغيرات المختلفة وفقط، وإنما انعكس الأمر على بقية الجوانب الفكرية والثقافية والاجتماعية، وأخذت عوامل الانحطاط تتراكم ليتبدد الثراء الفلسفي والفكري والأدبي والعلمي، ويتكرس الظلام الذي اشتدت عتمته مع انتقال الخلافة إلى العثمانيين!.. ومن ثم فإن الاجتهاد في تجديد كل جوانب الحياة يعد فريضة عقلية وحضارية على كل من يملك عقلا ويحوز سلطة القرار.

تعالوا بنا نعيد قراءة مسار الرأسمالية المصرية قراءة نقدية جادة، توضح للناس ماذا كانت وبقيت مقاصد أولئك الرأسماليين، وهل كانت وسائلهم وأدواتهم سليمة على مر الحقب أم أنها كانت دوما متسقة مع مقصدهم الرئيسي؟!

وتعالوا بنا نقول لأصحاب القرار لقد أعدت الرأسمالية المصرية ممثلة في رموزها المعاصرين برنامجا محددا للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، ووضعت الضوابط التي تحول بين تغول المصالح الفردية على المصالح الاجتماعية الواسعة، ولنترك لهذه الرأسمالية المجال للتطبيق لتحقيق هذا النهوض الشامل، وبعدها نتحاسب!

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 5 فبراير 2019.

Friday, 1 February 2019

طرف من السيرة الهيكلية





كان وسيبقى نموذجًا "للرجل المؤسسة"، لأنه لم يكن أسطورة مثلما قال هو: "عبد الناصر ليس أسطورة".. فالأسطورة صنع غير إنساني.. صنعتها الآلهة في مصر القديمة، وعند الإغريق والرومان وفي أقصى الشرق في البوذية والهندوسية والزرادشتية.. أما المؤسسة فهي من صنع الإنسان، تتجلى فيها القدرة على الإبداع والانضباط، وتنوع خطوط الإنتاج والتركيز على إنجاز الهدف بالأخذ بأسباب العلم والفن مجتمعة.

لم يكن محمد حسنين هيكل حالة نمطية متكررة في دنيا الصحافة والسياسة، إذ لطالما كان هناك كبار مصقولون في الصحافة، مثّلوا نجوما ساطعة في سمائها، كالتابعي والصاوي ودياب وآل زيدان وآل تقلا وآل أمين.. ومعهم في سماء السياسة أفذاذ قد يجلون عن الحصر، منهم شموس تدور من حولها الأفلاك نجوما وكواكب وكويكبات، ولكن هيكل كان فاعلًا ورقمًا صحيحًا في الصحافة، خبرًا وتحليلًا ومقالًا واستشرافًا للمستقبل وإدارة، وكان كذلك في السياسة متفردًا في مداره من حول شمس زمانه السياسي، جمال عبد الناصر، مستشارًا ومحاورًا بل وأيضا متآمرًا.. وفوق ذلك كانت ميزته الكبرى مثقفًا متعدد الجوانب، يحفظ شعرًا بآلاف القصائد من الجاهلي وما بعده حتى العباسي والحديث، ويقرض الشعر ويتذوق فنون السينما والمسرح، ويسعى لرؤية العروض في عواصم الغرب، ومعها فن الموسيقى، عربية وعالمية.. والمفاجأة أنه كان يجيد تقليد الأصوات الإنسانية، ويطلق القفشات والنكت.. وعند اللزوم كان يجيد بضراوة فنون التنكيل بالخصم، إذا لزم الأمر، وتظهر "العين الحمرا" كلما احتاج المشهد.

لذلك كله لم يكن تميزه ككاتب صحفي مستندًا على إجادته المتفوقة لفنون العمل الصحفي فقط، وإنما لارتكازه على ثقافة موسوعية تمتد من التاريخ إلى الجغرافيا السياسية إلى علم السياسة والتوثيق.. ومن الأدب إلى الفلكلور.. ناهيك عن الاجتماع بشقيه النظري والعملي، أي هواية النزول إلى الشارع والقرية والالتقاء بالناس.

كان هيكل يؤكد دومًا أنه لا يمكن فهم السياسة، واقعًا ومتغيرات، إلا بوجود الخريطة أمام المحلل والكاتب.. والخريطة عنده وفي الحقيقة أيضا ليست تسجيلًا لأماكن وفق خطوط العرض وخطوط الطول والتوزع بين يابسة ومياه، وإنما هي- وكما هو مستقر- تضم التنوع والتعدد البشري "جغرافيا بشرية".. فوق تنوع وتعدد تضاريس "جغرافيا طبيعية".. وتنوع في مصادر الثروات الطبيعية "جغرافيا الموارد".. وهلم جرا لنصل إلى القول المشهور: "التاريخ جغرافيا متحركة.. والجغرافيا تاريخ ثابت".

ولقد جمع الأستاذ هيكل بين متناقضين، أو بالأصح ما يبدو أنهما متناقضان، حسبما كتبت له ما لم أنشره في عيد ميلاده الثمانين، أي قبل رحيله بثلاثة عشر عاما، وبعدها اكتشفت أنهما ليس شرطًا أن يكونا نقيضين، أولهما: اللورد الذي يعيش الوفرة والثراء والفخامة ويعمل لديه من يخدمه في كل أمر، ابتداء من التنظيف لقيادة السيارة إلى جمع المادة العلمية اللازمة لمؤلفاته.. وثانيهما: ابن البلد الذي نشأ وترعرع في باسوس وباب الشعرية وحصل على الدبلوم المتوسط وارتدى البالطو الكاكي المتواضع ليساعد والده في وزن أكياس القطن على ميزان القبّان!

كتبت له أنني وقد رأيت بجواره تمثالًا للكاتب المصري "جالس القرفصاء"، وهو تمثال مشهور في مصر القديمة، أتخيله– أي الأستاذ هيكل– أننا لو كنا في عصر آمون ورع إلهًا للكتابة، غير أنني أراه إلهًا شرقيا أكثر منه إلهًا غربيا، لأن الشرقي من الآلهة معصوم منزهٌ عن الخطأ دومًا، أما الغربي ومثاله زيوس- رب أرباب الإغريق- فإنه ينزل من قمته على جبل الأوليمب ليتسكع في أثنيا وسط البشر، يعاكس الفتيات الصغيرات ويشاكسه الفتيان! وأرى أن ابن البلد كثيرا ما يصارع اللورد داخل شخصيته، فإذا بالأول يصرع الثاني على أكتافه!

وعندما قرأ الأستاذ هيكل ما كتبته ضحك وسألني بغتة: كيف التقطت هذه التركيبة؟! فرددت من فوري: كلما شاهدت منير عساف مدير مكتبك الأشقر، ذا العينين الزرقاوين والشعر الأصفر نسبيًا، وشاهدت من يقدم واجب الضيافة أسمر البشرة مبتسم الثغر في وقار وأناقة، وكلما ذهبت إلى برقاش، حيث البيت الريفي والمزرعة.. وكلما رأيت ضيوفك ومنهم قامات سامقة وهم ينتظرون دورهم في مكتب منير.. وكلما.. وكلما.. كنت أتخيل هذه الثنائية.. زد على ذلك أنني شاهدتك واستمعت إليك وأنت تقلد صوت السفرجي، وترد على مكالمة من لا تريد أن يعرف أنك موجود، إضافة إلى ما استمعت إليه من شعرك المرتجل في لحظته!

وكانت إجادته للإنجليزية نطقًا وكتابة، وإلمامه بغيرها من لغات أوروبية؛ عاملًا رئيسيًا في تعميق معارفه وثقافته، مضافًا إلى ذلك سفره الدوري للخارج ولقاءاته مع كبار عصره من صحفيين ومثقفين وساسة، لأنه كان صديقًا شخصيًا لمثقفين من وزن مالرو وسارتر ولرؤساء من وزن ميتران.. وقابل العديد ممن كانوا زعماء مرموقين في عصرهم كخروتشوف ومن بعده بريجنيف، وكنهرو ومن بعده أنديرا غاندي.. وكماو تسي تونج.. وشو إن لاي.. والخوميني ومن قبله الشاه.. وكل زعماء إفريقيا المرموقين تقريبًا.. اجتمع كل ذلك له، ولكنه لم يعرف التعالي لحظة واحدة على المعلومة، أيًا كان مصدرها، لأنه كان دومًا يبدأ مع ضيفه أيا كان حجمه ومستواه: ما الأخبار.. وماذا عندك؟!

نحن بالفعل إزاء مؤسسة محكمة التكوين، وفي اعتقادي أن مقالاته التي انتظم فيها منذ الخمسينيات إلى أن مات.. وأن كتبه العديدة كمًا ونوعًا؛ لم تلق بعد الاهتمام المناسب بقراءتها قراءة نقدية متأنية، لأنه قال الكثير، ويمكن أن يقال فيما كتبه الكثير أيضًا.

نشرت في جريدة الهلال، عدد فبراير.

Thursday, 31 January 2019

المؤتمر الصحفي الرئاسي.. وخواطر تاريخية





ليس من باب الفلكلور المصري الذي يحتفظ "للعنتريات والفتونة" بمساحة عريضة في حكاياته وأزجاله وأمثاله، ولا أخفي أنني- ضمن كثيرين- ما زلنا نحب ونحكي عن نماذج تناقلتها الأجيال، أو أخرى عاصرناها، وإنما من باب القراءة المباشرة لبعض وقائع المؤتمر الصحفي للرئيسين السيسي وماكرون، ومن باب ما يطرأ على الذهن من خواطر، قد تبدو عند البعض سخيفة أو خارج السياق!

وبدايةً، لقد كان ممكنًا ومقبولًا أن يمرر الرئيس السيسي العبارات، التي تحدث فيها ضيفه عن حقوق الإنسان.. يعني بالبلدي "يعديها"، أو "يمرقها" بالتعبير اللبناني، ومبرر تمريرها هو سيل بنود التعاون وآفاقه بين البلدين، وفي مجالات شديدة الحيوية والأهمية، خاصة أننا ما زلنا في عنق الزجاجة اقتصاديًا وأمنيًا، لكن الرئيس السيسي- وبثقة واضحة وقوية نسميها في حوارينا "معلمة"- لم يقبل أمرين، الأول هو الصمت الانتهازي، والثاني هو ما بدا وأنه مساس بالسيادة المصرية، أو أنه قصور في فهم وفي معايير الطرف الآخر، ويتيعن كشف القصور حتى لا تنبني عليه أحكام وسياسات خاطئة.

لقد كان واردًا- كما أسلفت- أن "يعديها" الرئيس في المؤتمر العلني، ويتكلم فيها في الجلسات المغلقة، خشية أن تؤدي مناقشتها والرد عليها علنيًا إلى انزعاج الفرنسيين، وتكون مادة متاحة للصائدين في أي مياه عكرة لتعكير مسار الزيارة والعلاقات المصرية– الفرنسية، ولكن الرئيس لم يفعل ذلك، وجاءت الأسئلة من الصحفيين المصريين، لتحمل ردًا على الضيف الفرنسي، واتجه السيسي إلى تأكيد وشرح السياق نفسه، الذي طالما أوضحه، وهو ضرورة التعامل مع أي قضية سياسية وحقوقية وفق الظروف التي تحيط بالحالة، موضع الحديث والضوابط، التي لا يمكن لمنصف عاقل أن يتجاهلها، وأخذ يشرح المفهوم الأشمل والأكثر صحة لمضامين حقوق الإنسان التي أضحت تتجاوز حريات التفكير والاعتقاد والتظاهر والتنظيم، وبقية الكلاسيكيات المعلومة إلى حقوق العمل والأمن والمسكن، وتوفير الاحتياجات الضرورية، وأيضًا الحق في ترتيب الأولويات بين مطالب ملحة وضرورية للأغلبية وبين مطالب قد نصفها بأنها ملحة لدى أصحابها مرتبط بتوخي الأساسيات وما فوقها لهم!

كان الرئيس حاسمًا بلباقة ولياقة في رصد الإنجازات الضخمة، التي أنجزت في مجال حقوق المسحوقين اقتصاديًا واجتماعيًا، وفي مجال مواجهة الإرهاب الدموي القاتل، ثم تقديم صورة واقعية عن التحديات المستقبلية المقترنة بمعدلات الزيادة السكانية، وما تتطلبه في التعليم والصحة والبنية الأساسية والعمل إلى آخره، وإذا كان من ملاحظة لفتت انتباهي، وتمنيت لو أن أحدًا أشار إليها هي، أنه كان ضروريًا لفت انتباه الجانب الفرنسي إلى أن في مصر قضاءً مستقلًا محكومًا بتشريعات واضحة مستقرة، استُقى كثير منها من المنظومة التشريعية الفرنسية، وأن هذا القضاء هو الجهة الوحيدة المنوط بها النظر في أمر أي متهمين محتجزين في قضايا تتعلق بالنشاط الإلكتروني وخلافه.. وأننا في مصر مثلما هم في فرنسا، وحسب ما ذكره الرئيس الفرنسي نحيل للقضاء من ترى سلطات التحقيق إحالته، ولا يجوز لأحد أن يتدخل في هذا الأمر.

وأنتقل إلى ما جال في ذهني من خواطر أثناء متابعة زيارة ماكرون ومشاهدة المؤتمر الصحفي، خاصة حديث الرئيس الفرنسي عن حقوق الإنسان، وأن لديه بعض الأسماء التي سيبلغها للرئيس السيسي.. الخاطر الأول، هو أنني أعلم مثل كثيرين غيري وجود ما يمكن أن نسميه تجاوزًا "لوبي" فرانكفوني مصري، يضم عددًا ممن حصلوا على تعليمهم فوق الجامعي من الجامعات الفرنسية، وعددًا من خريجي المدارس، التي كانت في الأصل بعثات تبشيرية فرنسية، وعددًا من العاملين في فروع مؤسسات فرنسية، كالصحف ووكالات الأنباء، وعددًا ممن لهم مصالح مع فرنسا، وعادة ما يكون بعض هؤلاء هم المدعوين للقاء الزائر الفرنسي الكبير، ويقدمون إليه باعتبارهم "المجتمع المدني"! ومؤكد أن بعضهم لا تشغله حكاية الوطنية المصرية، ولا تقلقه مسألة أن يُقال عنهم أصحاب الامتيازات المتمتعين بالحماية الفرنسية، مثلما كان الحال في القرن التاسع عشر، وبعض من القرن العشرين.. يعني الواحد أو الواحدة منهم يرفعان صوتيهما أمام السلطات المصرية "إحنا حماية فرنسية أو معانا باسبور فرنساوي"! تُرى هل هذا يحدث.. وتُرى هل هذا مقبول.. وتُرى هل هم وحدهم فعلًا المجتمع المدني؟!

الخاطر الثاني، ماذا لو سئل الرئيس الفرنسي: هل تسمح فرنسا ومن باب حقوق الشعوب، التي هي من صميم حقوق الإنسان، بأن يرفع مصريون دعاوى قضائية أمام القضاء الفرنسي، لتعويض مصر عن خسائرها من حملة بونابرت الشهيرة بالحملة الفرنسية.. وعن فواجعها بمئات القتلى "الشهداء"، الذين أخذوا عنوة لخدمة ديليسبس في حفر القناة، التي عادت فوائدها على مالكيها الأجانب ودولهم.. وعن ضحايا عدوان 1956 الذي شاركت فيه فرنسا بقواتها مع بريطانيا والدولة الصهيونية؟!

وهل يمكن للإدارة الفرنسية الحالية، التي تبدي حرصها وغيرتها على حقوق الإنسان "عدة مدونين" في مصر، أن تبادر هي بنفسها وتعلن عن تعويضات لكل الشعوب التي احتلت فرنسا أوطانها، أو هاجمتها، أو استنفدت مواردها وموادها الخام؟!

مجرد خواطر.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 31 يناير 2019.

Thursday, 24 January 2019

التشكيل العصابي





امتنعت أن أستخدم لفظ "كتيبة" أو "فصيلة" أو حتى "جماعة"، لأنها ألفاظ ارتبطت بالجيش الذي هو تكوين وطني بالغ السمو في سعيه وفي مبتغاه.. لذلك كان أقرب وصف هو أنهم "تشكيل عصابي" لا يتوانى عن المهمة التي أوكلت إليه أو أوكلها لنفسه، وهي اغتيال شخصية جمال عبد الناصر.. واغتيال كل إنجاز وطني شهدت له البشرية.. ثم أن يكون هذا الاغتيال رسالة موجهة عمدا وبسبق إصرار وترصد للنظام السياسي المصري القائم الآن.. ولأن المجرم- رغم ما يبدو لديه من جسارة- خسيس جبان سرعان عند أول زوج من الصفعات ما يقر بما فعل ويتطوع بالإقرار بما لم يفعل، فإنهم يخشون إرسال رسائل مباشرة لمن يريدون إبلاغه، وإنما أساليب التورية والإسقاط، حيث يؤدي التهجم الإجرامي على ناصر إلى تهجم ضمني على تصدي الجيش للتغيير، ويؤدي التهجم الأكثر إجراما على السد العالي إلى تهجم ضمني على قناة السويس الجديدة، ويؤدي التهجم الفاحش على كل المشروعات العامة والقطاع العام إلى تهجم ضمني على الدور المعاصر للجيش في إنجاز النهضة الجبارة التي نعيشها هذه الأيام.

هو تشكيل عصابي إجرامي له شبكة اتصال قوية لا تعتمد الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو العنكبوتية، بقدر ما تعتمد على توقيتات شفرية معلومة، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، يكون التهجم على السد العالي وعلى ناصر في يناير بمناسبة وضع حجر أساس الأول وميلاد الثاني.. ويكون فبراير هو للتهجم على ناصر وعلى الوحدة العربية والقومية كمبدأ، عبر إخفاق الوحدة المصرية – السورية، ويكون مارس هو للتهجم على ناصر وعلى محاولة التصحيح ببيان 30 مارس وهلم جرا، حتى نصل إلى يونيو، فيكون التهجم على ناصر عبر الهزيمة ولطمس الصمود في 9 و10 يونيو وفي يوليو يستمر التهجم عبر إدانة الثورة وتعظيم العهد الملكي والاحتلال إلى آخر المناسبات!

وبعد موجة التهجم في 2018 بمناسبة مئوية ميلاد ناصر، تأتي موجة التهجم في 2019 على السد العالي، فتقرأ في الأهرام.. وبعدها في المصري اليوم وصحف أخرى لأعضاء التشكيل أنفسهم الكلام نفسه الذي بدأ منذ 1971 ولم يتوقف.. أسطوانة مشروخة لا تكف عن الدوران المشخشخ المزعج بأصوات كان بعضها هو نفسه الذي أنشأ قصائد المدح ومقالات العظمة في ناصر والثورة والسد العالي.. أصوات كان منها على سبيل المثال وليس الحصر، إبراهيم الورداني وصالح جودت وجلال كشك وغيرهم، نتمنى لهم الرحمة، ثم توالت أصوات أخرى في أجيال التشكيل نفسه، أتوقف عن ذكر الأسماء حتى لا أحرج الناشر، إلى أن وصلنا لظاهرة التوريث في التشكيل والمهمة، حيث كان أحدهم رئيسا لمجلس إدارة ورئيس تحرير مجلة أسبوعية شهيرة وكان يتباهى بأن المصححين يعكفون على تصحيح مقاله القصير عدة أيام، وتقاعد ليعود في صحيفة قومية توقف النشر له إثر مقال مارس فيه سفالته بتوضيح معنى C.C"" في اللغة الإنجليزية، ثم ها هو سليله يستكمل المهمة أو يكررها بتهجمه غير الموضوعي على السد العالي، دون أن يتوقف لحظة أمام فداحة تأثيرات سد النهضة الأثيوبي على مصر، فيما لو لم تكن بحيرة ناصر موجودة!.. وبعدها بأيام يلتقط كائن فيروسي الخيط فيعيد التهجم في المصري اليوم، إنه تشكيل عصابي منحط ومن ستر الله اللطيف الخبير أنهم نشاز، ثبت أن آذان شعب المحروسة تلفظه من أول شخشخة!

ومع التهجم على السد العالي ومن بناه وعلى كل إيجابيات ثورة يوليو، تظهر فقاعة سامة أخرى في المصري اليوم، تطالب بإلغاء الانتماء العربي لمصر ابتداء من إسقاط وصف العربية عن اسمها.. والمطالبة بإسقاط العلم الوطني الحالي ليستبدل به علم العصر الملكي.. وليكشف التشكيل العصابي عن بقية تكوينه مرحلة بعد مرحلة.. الأمر الذي أعتبره ظاهرة إيجابية، كي تظهر الخلايا النائمة في هذا التكوين.. والعجيب أن من كتب مناديا بإسقاط علم مصر الحالي طبيب أسنان فاشل احترف السياسة ولديه قضايا مالية ومحترف للاقتراض من أصدقائه دون رد.. يعني نصاب محترف!

وبدون أي نزوع للتفسير التآمري، يأتي هذا التهجم على العلم الوطني وعلى انتماء مصر العربي، ليثبت أن أصحابه ليسوا مخالفين للدستور وفقط وإنما هم أيضا يستكملون إرسال الرسالة للنظام الحالي الذي أعطى مفهوما واضحا محددا لعروبة مصر وانتمائها الإقليمي، وحكم هذا المفهوم بالمصلحة المصرية أولا وآخرا.

قبل أن أنتهى، ربما يعن لأحد أن يسأل: هل يحتاج ذلك التشكيل العصابي الإجرامي لهذا العناء في الرد واستهلاك الوقت والمساحة المتاحة للنشر؟ وأجيب من فوري: نعم إنه لا يستحق بحد ذاته.. ولكن خناجره تخترق جسد الوطن، ومن ثم فلا مجال للصمت أو التجاهل.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 24 يناير 2019.

Wednesday, 28 March 2018

بعد أن أتت الفَكْرة





الآن- ولن أقول بعد ما ضاعت السكرة وجاءت الفَكْرة– لأننا لم ولن يسكرنا الانتشاء بنتائج الانتخابات، ولا بما تحقق ويتحقق في الحرب الدائرة على خمس جبهات شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا وفي العمق، أي في المدن والأرياف وغيرها، ولن نسكر أيضًا بما تحقق في مجال المشروعات الكبرى، لأن ما أنجز تم والوطن كله في ذروة الانتباه واليقظة، خاصة قيادته التي تصل الليل بالنهار وتتحرك في كافة الاتجاهات، كذلك تم ونحن ندرك أننا نمشي على الصراط- أي خيط رفيع- وما لم نتوازن ونعرف مواطئ أقدامنا ومسافة خطواتنا وعيوننا مركزة على نقطة الوصول فسوف نسقط في الهاوية الملتهبة، غير أن هذه اليقظة يجب أن تتحول إلى خطط موضوعية لها مدى زمني محدد في السنين الأربع المقبلة، لأن الشعب ينتظر ما تم وعده به وكان جوهر هذا الوعد أن مرحلة التضحية والتحمل- خاصة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي- قد أنجزت وحان وقت القطاف، وكان الشعب هو البطل الحقيقي الذي تحمل وصابر وثابر ولم يفلح الذين راهنوا على تحول التململ الجماهيري إلى فوضى أو انتفاضة أو ثورة، وكان تحمل الشعب وصبره ومثابرته مرتبطًا بالأساس بثقته في رئيسه الذي فوضه من قبل واختاره وانتخبه لمرتين.

وأعتقد أنه على الحكومة والرئاسة معًا أن يحددوا للشعب ما الذي سيتم قطفه تحديدًا وما مدى قيمة ومدة هذا القطاف وانعكاساته على حياة الناس اليومية، حتى يعرف الناس مساحة اللحاف الذي سيتغطون به، ويدبرون أمرهم على ضوء ذلك، وحتى لا تجد خفافيش الخراب مجالًا تدور فيه.

ثم إنني أعتقد أيضا أن هناك دورًا تأخر كثيرًا للقوى الحية في وطننا، تلك التي وقفت وصمدت في تأييد الرئيس السيسي، وتحملت أن تتهم في استقلالها ونظافة وسلامة مقصدها، ثم تحملت أن توضع في خانة واحدة مع شريحة تجيد فقط المبالغة الفجة في تضخيم تأييدها، وبأسلوب يجافي الأصول السياسية والإعلامية، ثم تحملت كذلك العزوف عن انتقاد بعض السياسات والإجراءات حتى لا يكون انتقادها زيتا يصب على النيران التي لا تكف الخفافيش عن إشعالها وتسعيرها، وهذا الدور هو أن تنظم صفوفها، وتمتلك برامجها الموضوعية والزمنية، وتنطلق في مهام وطنية تساند برامج الرئيس وحكومته، وتسد الثغرات التي يمكن أن تنجم عن قصور الإمكانيات أو ضعف أداء البيروقراطية أو سوء إدارة الانتهازيين، الذي قيل فيهم ذات يوم في عهد مبارك أنهم على استعداد لسلخ جلود بطون أمهاتهم لجعلها طبولا يدقون عليها!

آن الأوان- فيما أعتقد- ليس فقط لمبادرات شفهية ومكتوبة للإصلاح في مجالات الثقافة تحديدًا، وإنما للفعل المباشر في كل مكان متاح.. لأنني أقطع بأن كل ما يمكن إنجازه في مجالات البنية الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية يمكن أن يتبدد ويضيع ويخرب ما لم يوجد الوعي الثقافي لدى قطاعات الشعب العريضة بأن هذا الوطن لا يمكن أن يعود ثانية لكي يكون نهبًا لأسرة حاكمة وللألاضيش عديمي الضمير وفاقدي الموهبة.

إن لدينا أساتذة وخبراء لهم باع طويل في التعامل مع ثقافة الجماهير من فلاحين وعمال ومهنيين وكل أولاد البلد.. ولدينا أساتذة وخبراء في آليات توظيف الجهود التطوعية في مجال التنمية المستدامة على كافة المستويات. وباختصار وكما قيل ذات قصيدة شعر، وذات لحن، وذات صوت عندليبي: دقت ساعة العمل الثوري.

وأنتقل الآن للإشارة التي أعتذر مسبقا عن أنها تأتي متأخرة وأيضا مبتسرة، وهي عن رسالة الماجستير التي قدمتها الباحثة المتميزة الأستاذة فاتن عوض لقسم التاريخ كلية الآداب جامعة عين شمس، وكان موضوعها اتفاقية كامب ديفيد، وكان المشرف عليها هو الصديق القديم الأستاذ الدكتور عبد الخالق لاشين، أستاذ تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ونالت الرسالة تقديرا مزدوجا، من لجنة المناقشة ومن جمهور القراءة، في مصر لأنها صدرت في كتاب عنوانه "السادات 35 عامًا على كامب ديفيد"، وطبع ثلاث طبعات نفدت كلها، لأن الرسالة- وكما هو مدون على غلاف الكتاب- هي أول وأخطر تقييم علمي وسياسي للاتفاقية، وفيها انفراد بنشر وتحليل الوثائق السرية للاتفاقية، وفيها مناقشة موضوعية حول مدى إمكانية تعديل أو إلغاء الاتفاقية، ومدى الارتباط بين الاتفاقية وبين اغتيال أنور السادات، وأيضا الخروقات الإسرائيلية للاتفاقية.

ولعل السطور التي ختمت بها الباحثة الأستاذة فاتن عوض بحثها المتميز تدفعنا إلى دعم مطلبها بأن ينظر متخذ القرار في مصر في هذه البحوث العلمية التي تضيء الطريق للمستقبل، إذا أردنا وطنًا حرًا مستقلًا بمعنى الكلمة.

تقول الباحثة: "لكل ذلك– أي 413 صفحة غير الملاحق– تطرح تلك الدراسة العلمية رؤية موضوعية لكامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية بكل جوانبها وعلى كافة المستويات، وأن تكون محل اعتبار الجهات المختصة وعلى رأسها وزارتا الخارجية والدفاع، للاستفادة من البحث العلمي بشكل تطبيقي وفاعل، وتحقيق هدفه الأسمى بإيجاد حلول لكل ما يواجهنا من مشكلات وتحديات، وليساهم الكتاب إيجابيًا في ملف "تعديل معاهدة السلام"، وننتظر من القيادة الجديدة أن يكون لها دور فاعل في تحقيق مطالب القوى السياسية وآمال الكثيرين من الشعب المصري في تخفيف وطأة القيود التي فرضتها معاهدة السلام على السيادة المصرية".
                          
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 29 مارس 2018.

“Getting out of Kandahar”... a flawed abridgement





If it’s about me; meaning if I were the one taking the decision of publishing in a decent newspaper or periodical, I would have published the whole text with no single interference. That text is what the prestigious cardiology professor Dr. Charles Beshri Megally wrote on his Facebook page over eight episodes titled “Getting out of Kandahar”.

Dr. Megally; the one adoring Fairuz and captivated by analyzing the music and lyrics of the Rahbani Brothers… the one doing his best to decipher the secrets of Arabic language… the Egyptian-to-the-bone patriot with every and each microscopic cell in his body holding all the Egyptian cultural and civilization composition… with Akhenaten’s hymns, David’s Psalms, the Sermon on the Mount and the Holy Quran inscribed over each nucleus side by side with the eloquence of the Eloquent Peasant, bravery of the martyrs of Diocletian’s era, the very profound meanings of theology of the proper Orthodox Church of Alexandria, the knowledge of Al-Layth ibn Sa’d and manifestations of Fathers of monasticism and Qutbs of Sufism… this is enough for now!

Dr. Charles Megally wrote about some of the incidents that took place, and which I may call the second era of persecution of Christians spanning from the mid-seventies until now, throughout what he lived as a student of the faculty of medicine, Asyut University which he joined in 1976 and left in 1981 to join the faculty of medicine, Cairo University where he graduated in 1982.

It’s an eyewitness testimony over a very dark era of the history of our beloved Egypt exceeding that dark one of the Roman Byzantine ruler Diocletian, since standards and criteria of judging in our present time are deeper in context and more disciplined than before due to many criteria of beliefs, civilization and culture.

Charles Megally; a young man qualified to join one of the top faculties, brought up in a family old in its traditions and high values starting from the elite forgiving morals and not ending by devotion in worshipping God, loving his creatures and assuming duties of brotherhood, neighborhood and friendship towards people, either Muslims or Christians. Now we go to the students’ dorms in Asyut; a city whose society’s nature is known to all who joined its university, then we come to the bloody twilight… afterwards the bleeding dusk… then a darkness with no moon, stars or torches… a silence where humans turned into frozen stills with no blood running in their veins and features captured still at contractions of fear, panic and horror.

Twilight, dusk, darkness and silence during which psychologically-distorted creatures holding sickles, hammers, swords, daggers, knives and jack-knives appeared. Such creatures went loose with no control, values, mercy or understanding to destroy and kill in the universities, worship places, streets, public transportation and markets!

The country’s president, meanwhile, was the one who gave the starting signal for such thing claiming establishing the state of faith calling himself the Muslim president of a Muslim country… the big head of the family… and the one maintaining the traditions and ethics of the Egyptian village. He was the one who summoned the “corps” of muslim brotherhood from their exiles in the oil-rich Arab countries and their hideouts in the very far spots in the countryside and cities. He also allowed them to have their magazine “Ad-Da’wa” and welcomed their spiritual leader and guide Omar at-Telmesani…

He was the one who took the old member of muslim brotherhood Uthman Ahmed Uthman as an in-law and contractor representing the capital of muslim brotherhood. He was also the one who gave green light to Muhammed Uthman Ismail and others to form Jama’at Islamiyah arming them with iron chains, jack-knives and iron fests and supplying them with money to brutally muzzle any voice coming from a throat not covered by a beard or Hijab or veil and to deactivate any mentality having an ideology based on understanding the true goals of Shar’ and noble teachings of religion. Sadat, however, did not realize that the snake he summoned and guaranteed warmth will sting back and kill him.

Charles Megally narrates his testimony while depicting a horrific picture in which he himself was present as those who ruled Asyut and gave themselves all the authority to do anything, to the extent that they separated between the man and his wife in the street even if this man was a professor teaching them in the university, decided to kill Charles Beshri Megally; student of medicine who refused to surrender to such discrimination and persecution. They beat him to the ground while pounding his head and body with iron pipes. Then they stabbed him with a knife in his chest close to his heart. However, God’s will was above theirs. He survived despite all those bearded ugly faces and rotten minds.

A picture in which he gave a vivid accurate description for the attack over the university students’ dorms, ravaging the rooms of the Christian Egyptian students and destroying all they contain of religious depictions and electric machines, especially the recorders over which the lectures are recorded. In that picture, he gave a clear illustration for what those criminal savages tried to impose of humiliation over others, and how the Christian Egyptians along with many of their Muslim Egyptian brother colleagues and professors reacted with great courageous humane resistance.

Yes… it was not a state inside a state… rather, it was a state stronger than that of Sadat; a state with many ruling Emirs whose names are iterated by people and in media and whom many bought their lie that they repented and became moderate mentalities… names including: Abu El-‘Ela Madi, Helmi al-Gazzar, Essam Derbala, Nageh Ibrahim, Abdel-Moniem Abul-Fettouh, Ali ash-Sherif and Usama Ibrahim. The name of Nageh Ibrahim was well known in the time of that bloody twilight, bleeding dusk and pitch darkness in Asyut! Professor Charles Megally did not escape what happened in the Greater Bairam of 1981 in Asyut when the terrorists killed brigadier general Reda Shokri al-Kholi and peed over his dead body along with three other officers, 62 soldiers and 21 of innocent citizens injuring 237 people!

No matter how I try to give an honest satisfying abridgement, I will not be able to abridge this picture of “Getting out of Kandahar” depicted by Charles Megally. Finally, I would like to ask a question that keeps haunting my conscience hoping some of you may find an answer for it. The question is: how values of loving, forgiveness, amiability, brotherhood and citizenship grew bigger in the mind, heart and conscience of Charles Megally and he remained a normal sane balanced human despite all that happened? And how those stupid still can’t see the crime of Anwar Sadat which we still live its black tragedy throughout this country?

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Almasry alyoum newspaper on March 28, 2018.

To see the original article, go to:

#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #Egypt #Charles_Megally