تلقيت كثيرًا من التعليقات على ما كتبته الأسبوع
الفائت حول أوضاع العقارات الخاضعة للقانون القديم، الخاص بالعلاقة بين المالك
والمستأجر، وبصراحة لم أكن أتوقع أن أجد بين الأفاضل الذين اهتموا وكتبوا بعضًا من
الأصدقاء والزملاء المحسوبين مثلي على منظومة الفكر اليساري، ورأيتهم يتحرون
الموضوعية وينحازون لنفي الظلم، حتى إن كان ذلك في نظر آخرين من الاتجاه نفسه
"هرطقة" يمينية لا يجوز أن تحدث.. ومن ذلك ما كتبه الأستاذ المحاسب
مصطفى همام: "في البداية كنت أنتمي للمستأجرين ضد الملاك.. طفولة ثورية بلا
تجربة، إلى أن اشترت الشركة التي أعمل بها إحدى أكبر عمارات قصر الدوبارة بجاردن
سيتي ويطلق عليها عمارة إيزيس.. وتسلمت أوراق هذه العمارة ودخلت إحدى الشقق وأقسم
أنني من كثرة دهاليزها لم أعرف باب الخروج.. وفي تلك الأثناء كانت المنازل التي
توصف بأنها "حُقْ"- حاء مضمومة وقاف ساكنة- وبدون خدمات كاملة يصل
إيجارها لمائتي جنيه.. وراجعت شقق إيزيس واكتشفت أن البعض يؤجرها مفروشة بالآلاف..
أي الشقة الواحدة بأعلى من إيجار 47 شقة! وتغيرت نظرتي للأمور بعد احتكاكي
بالبشر.. وتحول رد فعلي إلى شراسة معهم، لدرجة أن أستاذًا لي علمني الكثير عاتبني
على تصرفاتي وردود أفعالي التي لم تكن لتفاهة الإيجار فقط بل أيضا لأنني اكتشفت أن
لهم يدًا طولى في الأماكن الرسمية.. فمأمور القسم يرتعد من السكان لأن إحداهن
آنذاك قريبة الوزير بطرس غالي.. وهلم جرا في التليفونات والكهرباء وغيرها.. وقمت
بإلغاء المفروش إلا بإذن مني، وتغيرت قناعاتي لدرجة اتهامي من منظري الكتب أنني
تخليت عن مبادئي".
وكتب الأستاذ الدكتور منير مجاهد، عالم الذرة،
سطرين يقول فيهما: "رغم أنني أسكن في شقة إيجار قديم في منطقة شبه شعبية إلا
أنني أؤيد بشدة ما جاء بمقالك".. ثم كتب الأستاذ الدكتور محمد فراج أبو النور
تعقيبًا مطولًا ومتميزًا اقترح فيه حلولًا للمشكلة، أقتبس منه ما يلي:
"الفكرة جديدة وتتسم بكثير من الوجاهة ولكن ما يستحق الاهتمام أيضًا هو ما
مدى دستورية إهدار عقود الإيجار في الأحياء الراقية واحترامها في الأحياء المتوسطة
والشعبية، علمًا بأن هذه الأخيرة فيها كثير من العمارات والبيوت بناها أصحابها
لحماية مستقبل أبنائهم من غوائل الدهر، لكننا إذا حررنا العلاقة الإيجارية فيها
ستحدث كارثة اجتماعية كبرى، إضافة لأنه كما أن هناك أغنياء يستحوذون على شقق
إيجارها "ملاليم" بينما هي ضخمة بكل المقاييس، فإن هناك أرامل وعجائز
يسكنون في شقق مماثلة وهم لا دخل ولا عائل لهم.. لذا لماذا لا نفكر في حل تدريجي
لن يقدم موارد ضخمة لكنه يضمن احترام العلاقات القانونية ويضمن عدم دهس أحد تحت
سنابك القانون الجديد بجريرة الطفيليين المستغلين، ومثلاً إلغاء عقد الإيجار لأي
مستأجر يستغل الشقة في غير غرض سكنه الشخصي، حيث هناك آلاف الشقق مملوكة لمؤسسات
عامة- كشركة مصر الجديدة والأوقاف وشركات التأمين- منتشرة في العاصمة والإسكندرية
والمدن الكبرى تؤجر مفروشة بالآلاف! ثم إذا ثبت انقطاع إقامة الساكن بالشقة
لإقامته بمكان آخر يتم فسخ عقد الإيجار، والشقق المتبقية تفرض عليها ضريبة عقارية
لتوجه هذه الموارد لصندوق الإسكان الاجتماعي لبناء مساكن للمحتاجين ممن سيخلون
شققهم في الأحياء الفقيرة.. وبالتوازي مع ذلك يتم النظر في زيادة سنوية مناسبة
للإيجارات وفقًا للنظام القديم، توخيًا للعدالة وإنصاف الملاك القدامى، ويقتضي هذا
كله عملًا جديًا للغاية وتحت رقابة صارمة من جانب أجهزة الدولة وإداراتها
القانونية للحصول بسرعة على الموارد الضرورية لدعم الإسكان الاجتماعي، بحيث لا
يكون التدرج أشبه بالشلل، وتلك الطريقة تتميز بعدم حدوث هزات اجتماعية كبيرة وتكفل
عدم الاصطدام بالدستور".
المفارقة في التعقيبات الثلاثة السابقة أن
أصحابها ينتمون- كما أسلفت- لمنظومة فكرية ثقافية منحازة تمامًا للقطاعات الشعبية
العريضة، أو مما درجت تسميته باليسار المصري، الأمر الذي يعني أنه إذا توافر
المنهج السليم والرؤية الموضوعية جاء الموقف قريبًا من الصواب.
ثم جاءني تعقيب على البريد الإلكتروني من السيد
المهندس مصطفى عبدالعال، وهو من بورسعيد، وقد افتتح كلامه بعبارة يقول فيها:
"أكرمكم الله، ولعنة الله على كل ظالم".. ثم استشهد بسبعة نصوص قرآنية
مطهرة من سور "النساء" آية 58، ومن "آل عمران" آية 188، ومن "الكهف"
آية 104، ومن "البقرة" آية 85 وآية 188، ومن "المطففين" بداية
السورة، ومن "الشعراء" آية 183، وبعدها أشار إلى أن إلغاء القانون
القديم سيؤدي لنقلة استراتيجية في الاقتصاد المصري لا يمكن توقعها، منوهًا إلى
تحقيق العدل والمساواة وتخفيف العبء على القضاء، والقضاء نهائيًا على العشوائيات،
وخروج أفراد المجتمع من تحت خط الفقر، وتحقيق كلام الله وسنة رسوله، ثم يقدم السيد
المهندس اقتراحًا مطولًا فيه أن أملاك الدولة وحدها متمثلة في وزارة الأوقاف تقدر
بحوالي تريليون جنيه، وإذا تم تأجيرها بحوالي 7 بالمائة سنويا يكون العائد سبعين
مليار جنيه سنويا، ويقدم تفصيلًا بالخطوات التي يمكن اتخاذها في سبيل تحقيق ذلك،
لينتقل إلى أن هناك حوالي خمسة ملايين وحدة مؤجرة بالقانون القديم، ومن ثم إذا
حررنا إيجاراتها وفرضنا الضريبة- حوالي ثلاثين بالمائة سنويًا- يكون العائد
المتوقع هو اثني عشر مليار جنيه سنويا، وإذا ساهم كل مالك بمبلغ وليكن عشرة آلاف
جنيه مقابل استرداده ما يملك فإن العائد يقدر بخمسين مليار جنيه، مما يعني توفير
120 مليار جنيه لصالح صندوق دعم المستأجر غير القادر.
أكتفي بهذا القدر من التعقيبات، وأتوجه لمجلس
النواب كي يفتح باب الحوار المجتمعي والمتخصص لحل هذه المعضلة حتى لا يكون التعلل
بمصالح الغلابة هو بوابة مزيد من توحش "الديابة"!
نشرت في جريدة المصري
اليوم بتاريخ 1 فبراير 2017.
No comments:
Post a Comment