كتب السفير عبد الرؤوف الريدي معقبا على
مقال "الأمير المغبون" الذي كتبته الأسبوع الفائت، عن الدور المحوري
للأمير عمر طوسون في التمهيد والترتيب لثورة 1919 وهذا هو نص التعقيب: "أهنئك
على مقالك بالمصري اليوم "الأمير المغبون" هذا الأمير "عمر طوسون"
هو واحد من أعظم الشخصيات الوطنية التي عاشت في النصف الأول من القرن الماضي، وكان
مغرما بكشف الصفحات البطولية المجهولة للجيش المصري، ولقد أشرت بمقالك إلى دوره في
حركة الجهاد الوطني التي أنتجت ثورة 1919 العظيمة ودستور 23 وبدء مسيرة النهضة
الدستورية والفكرية في الحقبة الليبرالية.. وأشرت أيضا إلى أن هناك آخرين من
الأسرة العلوية ساهموا في النهضة المصرية، ويأتي في مقدمتهم الأميرة فاطمة إسماعيل
التي تبرعت بأرضها وجواهرها لإنشاء الجامعة المصرية وتبرعت بمنزلها للمتحف
الزراعي.. وهل ننسى راعي الفنون التشكيلية الأمير يوسف كمال الذي بعث الشباب
الموهوبين في الفن التشكيلي للدراسة في فرنسا، وكان له الدور الكبير في إنشاء كلية
الفنون الجميلة.. وهل ننسى دور الأمير أحمد فؤاد في إنشاء الجامعة المصرية، ثم بعد
ذلك إنشاء الجمعيات العلمية ومعهد الموسيقى العربية، هؤلاء لهم أياد بيضاء أثروا
بها الحياة الوطنية والفكرية والفنية في مصر.. وفي هذا السياق أشكرك وأحييك على
مقال اليوم.. محبة وتقديرا".
انتهى تعقيب السفير الموقر عبد الرؤوف
الريدي، وقد تلقيت معه العديد من التعليقات التي ذهب معظم من كتبوها إلى ضرورة
كتابة تاريخ مصر الحديث والمعاصر كتابة مغايرة لما هو شائع من كتابات لم تتحر
الدقة الموضوعية، ولم تلتفت إلى أحداث وشخصيات كان لها دور مؤثر في مسار الحركة
الوطنية المصرية والحياة السياسية بوجه عام، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر- في
مطلع القرن حتى الثورة في 1919- حسين رشدي وعدلي يكن وعبد الرحمن فهمي وعبد العزيز
فهمي وقيادات الحزب الوطني، ومن بين ما تلقيته أيضا، هناك من ذهب إلى تساؤل هو كيف
لمن لا يخفي انتماءه لثورة يوليو ولجمال عبد الناصر أن يتجه إلى تمجيد الأسرة
المالكة التي أنهت الثورة حكمها، وأن يفتح الباب لإزاحة ركام النسيان عن بعض
أفرادها من النبلاء والأمراء الذين ساموا الشعب ويلات بلا حصر، بل وأن يتجاهل ذكر
خطاياهم في الوقت نفسه الذي ذكر فيه ما يرفع شأنهم؟!.. ولست بصدد الإجابة الشاملة
عن مثل هذا التساؤل، وإنما سأحاول الاختصار بالتأكيد على بعض النقاط، الأولى منها
هي ضرورة أن نقرأ أحداث التاريخ وفق الظروف الزمنية والمكانية وأيضا الفكرية
والسياسية التي عاصرت حدوثها، وأن لا نقرأها ولا نقومها وفق معايير معاصرة تخصنا،
أي مرتبطة بظرف زماني ومكاني وفكري وسياسي مخالف.. والنقطة الثانية هي أن عشرات من
كتب التاريخ كتبت لتعالج الأمر من زاوية واحدة، هي الأسباب الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية والثقافية التي أدت إلى ثورة يوليو 1952 بل وإلى ما سبقها من انتفاضات
خلال الثلاثينيات والأربعينيات ضد الحكم الملكي وضد الاحتلال، ومن صميم تلك
الأسباب ما كان سائدا من ظلم اجتماعي وخلل اقتصادي وعوار سياسي، وأظن أنه مع مرور
الزمن وتراكم المتغيرات فقد آن أوان النظرة الكلية الشاملة لأحداث تاريخ مصر في
تلك الحقب، المحكومة بالمنهج العلمي الذي يعرفه كل باحث جاد وكل مؤرخ منصف..
والنقطة الثالثة هي أنه لن يضير ثورة يوليو ولا قائدها ولن ينقص من قدرها ولا
إنجازاتها أن نقرأ وندرس ونفهم تاريخنا قراءة ودرسا وفهما يعتمد على الرؤية
والمنهج الموضوعي الذي لا يضمر صاحبه أحكاما وقناعات مسبقة ومطلقة تجاه الأحداث
والظواهر.. بل بالعكس أن من أعظم ما يمكن تقديمه للثورة وقائدها هو إثبات عظمة مصر
وقدرتها على زرع وتثبيت الولاء والانتماء لها حضاريا وثقافيا ووجدانيا في أشخاص لم
يكن آباؤهم ولا أجدادهم من مواطنيها، لنجد هؤلاء الأشخاص وقد تفانوا في تحقيق ذلك
الانتماء والولاء، بل وبذل أرواحهم فداء للمحروسة، وهذا لا يصدق فقط على بعض أفراد
الأسرة العلوية، سلالة محمد علي باشا، وإنما يصدق على من سبقهم في عصور مختلفة،
وكان منهم قادة عظام دافعوا عن مصر ضد أي تهديد خارجي، وبنوا فيها صروحا معمارية
ومساجد ودور علم مازال كثير منها قائما حتى الآن.
إن التاريخ لا يعرف في نظري شيئا اسمه عقد
المصالحات والترضيات بين حقبه، وإنما ما يعرفه- حسبما أعلم- هو دراسة هذه الحقب
دراسة تعتمد على توفر المصادر والمراجع، وعلى استخدام المناهج العلمية وعلى القدرة
على استخلاص الدروس.
الشكر الوفير والامتنان للسفير الريدي على
ما تفضل به وعلى جهوده في النهضة المصرية المعاصرة، ولكل السادة الذين تفضلوا
بالمساهمة في المناقشة.
نشرت في جريدة
المصري اليوم بتاريخ 3 أبريل 2019.
No comments:
Post a Comment