«مولد» مجلس النواب

استشهدت بما يحدث فى الدولة العبرية من توظيف للاختلاف بين الفرقاء السياسيين ــ «عمل – ليكود – أحزاب دينية متشددة» ــ وهو اختلاف يصل لدرجة العداء السافر أحيانا، بأن الجميع يصب ويصطف فى خدمة هدف أسمى هو وجود «إسرائيل» قوية متماسكة متقدمة متفوقة على جميع جيرانها مجتمعين!

.. وكان ذلك فى سياق برنامج تليفزيونى أداره الإعلامى القدير جمال الشاعر، حيث دارت الحلقة حول البرلمان المصرى أو مجلس النواب الجديد، إذ أكدت على ثنائية الاختلاف والاصطفاف!، ثم سألنى الرجل عن نصيحة أوجهها للنواب فقلت من فورى أن يسعى كل منهم لمحو أميته فى المجال الذى يجهله.. والأمية التى عنيتها هى الأمية السياسية والأمية الدينية والأمية الثقافية، وكذلك الأمية النيابية!.. وأظن أن هذا هو مربط الفرس فى مسألة البرلمان!

وأظن أن كثيرا من القراء مازالوا يتذكرون الممثل الكوميدى العبقرى عبدالفتاح القصرى.. الذى سعى لمحو أميته الهجائية وأحضروا له كتابا به صور لحيوانات وأدوات وتحتها كتبوا اسم الحيوان أو الأداة ليربط القصرى بين الحروف وبين الصور، وعندما جاءت الصفحة التى فيها صورة الثعبان.. بادر من فوره وهو مبتسم مبتهج بانتصاره الثقافى ونطق الحروف صائحا: حَنشٌ!! بفتح الحاء وضم الشين وتنوينها!!، وهذا ما أخشاه أن يسعى بعض السادة النواب فيفكون أميتهم على طريقة عبدالفتاح القصرى!

محو الأمية فى تلك المجالات أمر لا بديل عنه، لأننا إذا كنا بصدد تجديد الخطاب الدعوى «الدينى» فإن ذلك قد تستلزمه تشريعات تضع للتجديد أطرا ملزمة لكافة الأطراف فى الوطن، بحيث لا تترك فرصة لعبث أمثال حسان والحوينى وبرهامى ومخيون ومن على شاكلتهم ممن اختزلوا الدين والدعوة فى إرسال اللحى وعدم تهذيبها وفى القمصان القصيرة – لأن الجلباب فى اللغة وفى القرآن للمرأة، أما القميص فهو للرجل كما جاء فى قصة يوسف عليه السلام وامرأة العزيز – التى يبالغ بعضهم فى تقصيرها لتصبح تحت الركبة مباشرة، وعمدوا إلى تناسى النص القرآنى المحكم ليستبدلوا به كلاما لابن تيمية والألبانى ومن شرب مشربهم الذى كانت له ظروف خاصة فى زمانهم!.. ولن يستطيع حضرة النائب المحترم أن يساهم فى وضع التشريع إلا إذا كان يستطيع فهم القضايا المطروحة.

ولنا أن نقيس على ذلك بقية المجالات، وحتى لا يذهب أحد إلى أن هذا الكلام يعنى أن يفهم النائب فى كل شىء وأن يفتى فى كل مجال ويدس أنفه فى أى اتجاه، فإننى أؤكد أن المطلوب هو أمران، الأول: أن يحوز النائب ثقافة عامة تمكنه من الإلمام بأبعاد ما يطرح عليه، والثانى: هو أن يكون للنائب هيئة أو مجموعة أو مصدر، سمه كما شئت، يعاونه بصورة استشارية فى دراسة القضايا المختلفة ويقترح عليه خيارات القرار فيها واتجاهات الرأى العام بشأنها.

وفى سياق ما يثار حول دور المال السياسى واستنكار كثيرين لهذه الظاهرة، فإن واقع الأمر هو أنها ليست جديدة وليست مقصورة على الانتخابات فى مصر!!.. لأننا نجد فى البلاد العريقة فى ديمقراطيتها والتى تمرس مواطنوها فى التعامل مع الانتخابات ظاهرة جماعات الضغط «اللوبى» تلك التى لا تستخدم الأموال فقط فى دعم مرشح بعينه أو حزب بذاته، وإنما تستخدم ما يمكن أن نسميه الابتزاز السياسى، مثلما يفعل اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة ودول أخرى فى المنظومة الرأسمالية الغربية.. ثم حدث ولا حرج عن احتكارات السلاح واحتكار البترول، وعن دور الإعلام ومن يسيطرون عليه.. وقد كان عندنا فى مصر قبل طغيان «الكاش» النقدى، شكل من أشكال الرشى الانتخابية على هيئة عجول تذبح وتوزع لحومها فى الأعياد والمواسم التى هى لمن نسيها أو لا يعرفها «الرافرفة أى رأس السنة الهجرية، وعاشوراء، ومولد النبى، و27 رجب أى الإسراء، والعيد الصغير والعيد الكبير.. ناهيك عن مناسبات أخرى إقليمية كموالد الأولياء»!!.. ومع اللحوم كانت توزع قطع الأقمشة الرخيصة من الدمور والدبلان والشيت، وهو نوع من القماش الثقيل نسبيا وإليه نسبت عائلة الشيتى المشهورة فى طنطا وكان أهلنا يسمون محل الأقمشة الضخم «بنك بدوى الشيتى»!! وكان الذى يفعل ذلك من كبار الملاك، أو كبار الماليين والعقاريين آنذاك يسمى رجل البر والإحسان.. وينزل هذا اللقب على لافتاته الانتخابية!.. وعلى ذلك فالمال يلعب دوره من أول رشوة اللحم والقماش عندنا، إلى حملات جماعات الضغط فى أعتى الديمقراطيات الغربية!

ثم يتحدثون عن حصول بعض الشخصيات التى عليها ملاحظات نخبوية منتقدة ومستنكرة على أعلى الأصوات فى دوائرها، وكيف أن البرلمان سيصبح بوجود هؤلاء «مسخرة» و«مشتمة»، ولا يفطن أصحاب هذه الملاحظات إلى أن البرلمان الأقرب للاكتمال هو ما يأتى صورة مصغرة من الشعب الذى انتخبه!!.. مثلما هو المولد الذى تجد فيه العابد الصوفى الوقور الجامع بين الحقيقة والشريعة والدرويش متوهج الوجدان الذى يتمايل فى حضرة الذكر بغير كلل ولا ملل ولا تعب، وفيه المعترض على كل ذلك باعتباره بدعة وضلالة، وفيه لاعب الثلاث ورقات، ولاعب الأكروبات فى السيرك البسيط، وصاحب نصبة المدفع اليدوى الذى يقدم أولاد البلد على دفعه لتنفجر «البمبة»، وأحيانا يضعون الأثقال كلها ويركب فوقها صبى ويأتى الشاب أو الرجل «العترة» ليشمر أكمامه ويدفع المدفع بيده أو حتى بإصبعه ليصفق له الجميع.. وفى المولد أيضا الحاوى والساحر وغرزة الكيوف المخدرة.. كل هذا له زبائنه وبغيره لا يصبح المولد مولداً!

وهكذا البرلمان فى ظنى لابد أن تمثل فيه كل أطياف التكوين الشعبى الذى أفرزه، والعبرة كل العبرة فى توظيف هذا الإفراز توظيفا صحيحا، يخدم «الاختلاف والاصطفاف» من أجل إنجاز الأهداف الوطنية التى لن يختلف عليها أهل المسخرة والمشتمة مع أهل الوقار والأدب والعلم والوعى!

وأخيرا يرى البعض من المثقفين المحترمين أن البرلمان المنتخب يغلب عليه رأس المال المتوحش، وهنا أكرر ما سبق وكتبته وقلته، وهو أنه لا مانع ولا حظر على الرأسمالية بشرط أن تكون رأسمالية حقيقية، تعرف دور رأس المال فى مسيرة الأوطان وفى بناء المجتمعات، لا أن يكون الذى تعرفه هو تعظيم ربحها على قاعدة اخطف واهرب.. وفقط.

.. وللحديث صلة.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 8 ديسمبر 2015

Politics!

It’s rare, and perhaps impossible, to find an Egyptian, whether an individual or family, boasting of its Roman or Greek origins, or of his French, British or European origins in general. Even if it happened and we found one having yellowish or reddish hair and blue eyes, we make fun of him by saying that he must have come from one of those villages situated in the course where Bonaparte’s French Campaign followed, or that his grandmother was from Malta or Greece.

Also, it’s less rare to find some people talking of their Turkish origins like having a Turkish maternal mother. Some even feel no shame to say that she was a white maid in the Khedive or Sultan’s court. There was also a time when standards of human beauty were about having round white face and smooth black hair like those of the Mongol faces, fur Turks belong to the Mongol race with their round skulls and sleek hair.

However, it’s not rare to find some Egyptians boasting of their origins descending from the Arabian Peninsula and Al-Hijaz area in specific where the two Holy Mosques reside. Some even exaggerate when they insist that they belong to Al-Ashraaf through both their fathers and mothers and show you their membership card in Al-Ashraaf Syndicate, and perhaps if you asked any of those about whom of the two grandsons of Prophet Muhammed; al-Hussein or al-Hassan, their origins descend from, they say they don’t know and that they were just told so.

Here we can see that we have a special connection between the Egyptians and the Arabian Peninsula. Some may think this connection has to do with the Arabs’ invasion and Islam entering Egypt. However, history says such connection dates back to much earlier times. As no one can deny Egypt’s status as a destination for those coming from the east looking for good living and also seeking protection.

Moreover, the Holy books contain an abundance of texts narrating stories related to such phenomenon, especially as related to some prophets and messengers, atop of them is prophet Ibrahim, his grandson Ya’qoub and other grandsons like Youssef, Benjamin and their brothers… also Mousa, Harun and Jesus. They all came from the east long before the Arabs’ invasion and before prophet Muhammed was sent a messenger; meaning they came from the Arabian Peninsula and its extensions in Iraq and Levant, not to mention the effect of a single Egyptian woman in such regard; that was Hagar mother of Ismail.

In addition, many researchers of ancient history, especially that related to the cultural and civilization interactions including the theological ones having to do with religious doctrines, talk, for example, of the worship of woman and sanctifying her like Isis^[1], and Nephthys^[2] were in Egypt and Allat^[3], Manat^[4], and al-‘Uzza^[5] at the Arabian Peninsula, some even say that Allat is Isis, not to mention the architectural styles and the role of ancient Egyptian engineers in establishing worship places in the Arabian Peninsula as the head of the Egyptian cobra appears in the columns of some holy places.

It’s also very strange that some remain silent or try to ignore the mutual interactions between Egypt and the Arabian Peninsula in the Christian era, as due to my thorough readings in the Christian and Islamic literatures, I believe that such interactions are deep. For example, when we swear to God, we say “I swear three times to God” not paying attention that such oath has to do with the Christian doctrine of the Trinity! Now, one should wonder when and how such form of oath existed! Adding to this that Egypt founded monasticism and the whole Christian world took monasticism from Egypt where names like Saints Anthony, Pachomius, Paul and others shined in the world of monasticism. As to the Islamic world, with the Arabian Peninsula and Egypt in the heart of it, Sufism developed and later had its figures of Sufi heritage that is not less important than that of monasticism figures.

In such regard, I’d like to say that some deliberately ignore what some books narrating prophet Muhammed’s biography say about the incident of the discussion that took place between Bahira the monk and Abu Taleb paternal uncle of prophet Muhammed. As the former was the first to foretell that the young boy accompanying his uncle in Quraysh’s caravan heading towards the Levant was going to be sent a prophet for the whole nation. The monk Bahira advised Abu Taleb of taking care of his nephew lest the Jews kill him!

I don’t want to go on narrating some of what was mentioned in those same books about the voice prophet Muhammed, peace be upon him, heard while he was worshiping prior to the first revelation of Jibril, or his stance towards a portray depicting Mary the Virgin and her son or a statue for them at the conquest of Mecca and destroying cult images.

On another side, earnest researchers were capable of studying this relation of mutual effects between one of the early Christian doctrines that appeared in the third century AD and developed during the first quarter of the fourth century. Such studies were about the nature of Jesus and Islam. In such regard, some cite what is said to be prophet Muhammed’s message to Heraclius emperor of the Byzantine Empire in which there is a sentence hinting at that Christian doctrine. Moving to the Islamic age along with its consecutive eras, we can find another course of unlimited mutual interactions and effects, including positive and negative ones, with all of them telling of multifaceted human interactions.

Finally, I’d like to say that it’s grossly wrong that some attribute the relations exchanged within this coherent geographical area to a certain time period. In doing so, they attract the direct enemies of that era. It’s also terribly wrong that some try to ignore long and deep historical courses just to provoke a certain regime here or there. However, what is not even worth mentioning, as it’s quite despicable, is that some adopt a chauvinist racist discourse in dealing with human societies, cultures and civilizations.

Translated into English by: Dalia Elnaggar

This article was published in Al Ahram newspaper on December 3, 2015.

To see the original article, go to:

http://ahmadelgammal.blogspot.com.eg/2015/12/blog-post_3.html

#alahram #ahmed_elgammal #Egypt #Arabian_peninsula

---

[1] Isis: (Arabic: إيزيس) is a goddess from the polytheistic pantheon of Egypt. She was first worshiped in Ancient Egyptian religion, and later her worship spread throughout the Roman Empire and the greater Greco-Roman world. Isis was worshipped as the ideal mother and wife as well as the patroness of nature and magic. Isis is often depicted as the mother of Horus, the falcon-headed deity associated with king and kingship (although in some traditions Horus's mother was Hathor). Isis is also known as protector of the dead and goddess of children. (Source: Wikipedia)

[2] Nephthys: (Arabic: نفتيس) was a goddess in ancient Egyptian religion. A member of the Great Ennead of Heliopolis in Egyptian mythology, she was a daughter of Nut and Geb. Nephthys was typically paired with her sister Isis in funerary rites because of their role as protectors of the mummy and the god Osiris and as the sister-wife of Set. (Source: Wikipedia)

[3] Allat: (Arabic: اللات‎) was a pre-Islamic Arabian goddess who was one of the three chief goddesses of Mecca along with Manat and al-‘Uzza. (Source: Wikipedia)

[4] Manat: (Arabic: مناة‎) was one of the three chief goddesses of Mecca. (Source: Wikipedia)

[5] Al-‘Uzza: (Arabic: العزى) was one of the three chief goddesses of Arabian religion in pre-Islamic times and was worshiped by the pre-Islamic Arabs along with Allat and Manat. (Source: Wikipedia)

السياسة!

دير الراهب بحيرا في سوريا

نادرا بل ربما يستحيل أن نجد مصريا فردا كان أو عائلة يباهى بأصله الإغريقى أو الرومانى العريق أو بجذوره الفرنسية أو البريطانية أو الأوروبية بوجه عام.. وحتى إن تصادف ووجدنا أحدا له شعر يميل إلى الصفرة والحمرة وعيونه زرقاء، تندرنا عليه بأنه من المؤكد مولود فى إحدى القرى الواقعة فى الخط الذى سلكته حملة بونابرت الفرنسية، أو أن جدته كانت مالطية أو «إجريجية»!

والأقل ندرة أن يتكلم البعض عن أصول لهم تركية، كالجدة لأم أو غيرها، وبعضهم لا يستهجن أن يقول إنها كانت جارية بيضاء فى البلاط الخديوى أو السلطاني، وقد جاءت فترة اقترنت فيها معايير الجمال البشرى بالوجه الأبيض المستدير والشعر الأسود الناعم، مثلما هى الوجوه المغولية، حيث الأتراك من الجنس المغولى ذى الجمجمة المستديرة والشعر غير الأجعد!

أما ما ليس نادرا وفى الوقت نفسه مثار التباهي، فهو أن يسهب البعض من المصريين فى نسبهم المقبل من جزيرة العرب وخاصة من الحجاز حيث الحرمان الشريفان، ويبالغ البعض فى الأمر عندما يصر أنه من الأشراف أبا وأما، ثم يبادرك بإخراج «الكارنيه» أى بطاقة العضوية فى نقابة الأشراف، وربما إذا سألته عن إلى أى من السبطين ينتسب أللحسين أم للحسن؟! لا يعرف الإجابة ويختصر الأمر فى أنهم قالوا له ذلك وخلاص!

نحن إذن أمام ارتباط من نوع خاص بين المصريين كشعب وبين الجزيرة العربية، وقد يظن البعض أن المسألة مرتبطة بالغزو العربى ودخول الإسلام مصر، ولكن التاريخ يقول إن الأمر أسبق من ذلك جداً، إذ لا أحد يستطيع أن ينكر مكانة مصر كموئل يفد إليه القادمون بحثا عن العيش والوفرة وأيضا الحماية من جهة الشرق، وقد حفلت الكتب المقدسة بنصوص تحتوى قصصا تتصل بهذه الظاهرة، وخاصة فيما يتصل ببعض الأنبياء والرسل، وفى المقدمة منهم أبونا إبراهيم الخليل وحفيده يعقوب وأحفاده يوسف وبنيامين وإخوتهما.. وأيضا موسى وهارون، والسيد المسيح له المجد، وكلهم جاءوا من الشرق قبل الغزو العربى وقبل البعثة المحمدية، أى من شبه الجزيرة العربية وامتداداتها فى العراق والشام!! ناهيك عن تأثير امرأة مصرية واحدة هى هاجر أم إسماعيل فى هذا السياق.

ثم إن العديد من الباحثين فى التاريخ القديم، وخاصة ما يتصل فيه بالتداخلات الحضارية والثقافية ومنها ما هو عقدي، يتصل بالعقائد الدينية، يتحدثون مثلا عن عبادة الأنثى أو تقديسها مثلما هى إيزيس ونفتيس فى مصر واللات والعزى ومناة فى الجزيرة العربية، ويذهب بعضهم إلى أن العزى هى إيزيس، ناهيك عن الطرز المعمارية ودور المهندسين المصريين القدامى فى تشييد أماكن العبادة فى الجزيرة العربية، حيث ظهر رأس الكوبرا الناشرة فى تيجان أعمدة بعض الأماكن المقدسة.

ثم إنه من المدهش حقا أن يخيم الصمت ويشيع التجاهل تجاه التأثيرات المتبادلة بين مصر وبين الجزيرة العربية فى العصر المسيحي، لأننى ممن يذهبون بناء على القراءة المتمعنة على الناحيتين المسيحية والإسلامية إلى أن التأثيرات المتبادلة عميقة، لأننا مثلا.. مثلا.. نقسم قائلين والله العظيم ثلاثة..أو ثلاثة بالله العظيم دون أن يخامر الشك من يقسم ومن يستمع أن لذلك علاقة بعقيدة التثليث!، وعندئذ يجب أن نتساءل متى حدث وكيف جاءت هذه الصيغة من صيغ القسم؟!

ثم خذ عندك وتحدث بلا أدنى حرج عن تأسيس مصر للرهبنة وكيف أن العالم المسيحى كله أخذ الرهبنة عن مصر، حيث تبرز أسماء القديسين أنطون وباخوم وبولا وغيرهم، أما العالم الإسلامى وفى القلب منه الجزيرة العربية ومصر، فقد تعاظمت فيه حركة التصوف التى كان لها، ومازال لها، رموز لا يقل تراثهم الصوفى أهمية عن تراث رموز الرهبنة، وبالمناسبة فإن البعض يتعامى عمدا عما ذكرته كتب السيرة حول واقعة الحوار بين الراهب بحيرا وبين أبى طالب عم النبي، وكيف أن الأول أى الراهب كان أول من اكتشف أن الصبى الصغير الذى كان بصحبة عمه فى قافلة قريش إلى الشام سيكون نبى الأمة، وكيف نصحه الراهب بأن يحافظ عليه حتى لا يقتله اليهود!، ولا أريد أن أستطرد حول ما ورد فى كتب السيرة نفسها عن الصوت الذى كان يسمعه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتعبد قبيل نزول الوحي، أو ما جاء عن موقفه صلوات الله عليه عند فتح مكة وتحطيم الأوثان تجاه صورة للعذراء وابنها أو تمثال لهما!.. وعلى جانب متمم لما سبق فإن الباحثين الجادين لم يقصروا فى علاقة التأثير والتأثر بين أحد المذاهب المسيحية المبكرة التى ظهرت فى القرن الثالث الميلادى وتعاظمت فى الربع الأول من القرن الرابع، وكان له أطروحته فيما يتعلق بطبيعة السيد المسيح واعتبر بعد ذلك هرطقة وبين الإسلام، وفى هذا يستشهد البعض بما تواتر عن أنه رسالة النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل عظيم الروم وفيها عبارة تشير إلى ذلك المذهب المسيحي.

وإذا انتقلنا للعصر الإسلامى بحقبه المتعاقبة، فإننا بصدد مسار آخر فيه تفاعلات وتأثيرات متبادلة بغير حصر، وفيها ما هو إيجابى وما هو سلبي، ولكنها كلها فى المحصلة النهائية تفاعلات إنسانية متعددة الأوجه!

خلاصة ما أود قوله فى تلك العجالة المحكومة بالمساحة هو أنه من الخطأ الذى يهبط إلى مستوى الخطيئة أن ينسب البعض علاقات هذا الحوض الحضارى المتجانس إلى حقبة زمنية بعينها، فيستقطب خصوما مباشرين لهذه الحقائق التاريخية هم خصوم تلك الحقبة، ومن الخطيئة أيضا أن يسعى البعض للتنظير لطمس مسارات تاريخية طويلة وعميقة لمجرد معاداة نظام حكم بعينه هنا أو هناك، أما ما لا يستحق أن يوصف ولو بأنه خطيئة، لأنه فيه من الانحطاط ما لا يوصف، فهو أن ينحى البعض منحى شوفينيا عنصريا فى التعامل مع حضارات وثقافات ومجتمعات إنسانية.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 3 ديسمبر 2015

لينك المقال:

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/457625.aspx

Our national church

I wished I could continue narrating what happened with the group of al-Tahrir al-Islami party… those who contemplated and committed the crime that took place in the military technical college… as I have promised that I will tell you some facts that happened in the appeal prison in Cairo on May, 1977… when they tried to nail me because I gave my opinion about them holding Fridays’ prayers for themselves alone away from the rest of the people in the prison mosque… after I told what happened in Abu Za’abal prison when they destroyed the cell where they used to stay just because we were supposed to replace them as to prison orders…

In my opinion, the most important in these stories is the signification that lies in them as it hints at the ideological foundation most islamist terrorist believe in… those twisted foundations that many still believe in until now… while some of them exist in heritage books that are being taught in curricula of al-Azhar schools.

I wished… however, the debate running regarding Pope Tawadros II’s visit to Jerusalem has provoked me to postpone the issue of those islamists… and to directly discuss this visit… Days ago, The Egyptian Orthodox Church has issued a statement declaring the reason and goal behind the visit… also, it was keen to refute any attempts to politicize what happened… However, those who stood against such visit did politicized the whole matter… and those who were with it went far in doing the same thing… to the extent that my colleague Newton made use of the whole thing to damn all Arab nationalists and all those who stand against normalization of relations with the Zionists… then he expressed his pity for pioneers like Lutfi al-Kholi, Muhammed Saied Ahmed and Salah Basiouni who were subjected to unfair campaigns… to the rest of his article published in Almasry alyoum newspaper on November 29^th, 2015.

He forgot to list the name of the late Mr. Ali Salem – may he rest in peace – whom I used to be a close friend to… but later he became a close friend to Newton and Jihan Sadat! I’m not about to reply to what Newton said because I believe when dispute turns into some kind of “phobia”… then it’s useless… and in this case, it’s better to let it go and discuss other useful stuff instead! but, if I can write anything… I’d say that Salah el-Kholi, Salah Basiouni, Ali Salem and others … all represent a cohesive ideology regarding what we’re talking about… not including Muhammed Saied Ahmed in such group… and there are many details to tell about this but now is not the time… Also, Mr. Lutfi el-Kholi and ambassador Salah Basiouni were not subjected at all to any harassment or suffering due to what they did unlike Ali Salem with whom I have a very important story to tell regarding our subject… relatively long years ago, we met in an interview hosted by “Orbit” channels and conducted by Gamal Anayet to debate over the question saying: Can an intellectual change his ideological stances… how? And when? I may tell part of this story later!

I doubt… no, I am sure… those who tackled Pope Tawadros II’s visit to Jerusalem might know anything about the Egyptian Church… how it was established… its history… the theological and sociological backbone ideology! As the Pope has no farms that give high production to gain more profits… he also has no projects, either productive or consuming, that require searching for expertise and connections to develop them or gain more money… Pope Tawadros II was decisive, both theoretically and ideologically, about the target behind his visit… as he refused to go to Ramallah where Palestinian leadership is… he also refused to go the other side… moreover; the statement issued by the St. Mark's Coptic Orthodox Cathedral has affirmed the Church is committed to what Pope Shenouda III has declared and asserted before... So, what is the problem and what is wrong with that?

As to me, I have known the late Coptic bishop of Jerusalem when he was named father Sedrak in the Monastery of Saint Pishoy… I used to visit him there and I was allowed to stay and delve to the most sacred places inside… I also knew bishop father Serapion, bishop of New York when he was responsible for the social services and in charge of the Coptic Centre for studies where we used to attend seminars, lectures and activities that were all beneficial and useful to the nation… he was one of those who participated in prayers held on Jerusalem’ late bishop… and if I had the chance, I’d have been myself with Pope Tawadros II to Jerusalem to attend the funeral of my dear friend bishop of Jerusalem whom I knew and was generous to me while he was still in the Monastery of Saint Pishoy!

So what is wrong if the Pope of Alexandria and Patriarch of the See of St. Mark went to bury one of the most distinguished bishops of the church… knowing that he was his friend and monastic-lifetime companion… he went to hold prayers over him and bid him last farewell and then come back… not turning right or left… not shaking hands or saying hi to anyone… not holding a press conference; meaning he hasn’t talked or said a single word?!

Now, let me ask… how many of those who rejected going to Jerusalem or occupied Palestine have refused to go to Septa and Melilla and to Spain; the country that occupies them… or even refused to go to the city of Iskenderuna and to Turkey; again the country that occupies it… or to Iran that occupies some Arab islands in the Persian Gulf?!

I know many will be mad at me for what I say… but I’m here recording a stance that is definitely not like that of Newton, el-Kholi, Basiouni, Salem or any other of those who have adopted an idea that separates between the origin, essence and context of the Zionist movement along with its terrorist movements, groups, persons and leaders who are more terrorist and bloody that al-Baghdadi, Bin Laden, al-Zawahri, al-Shater and others, in addition to the racist colonial occupation for Palestine that followed later… and their commercial and political interests which they claim represent the interests of Egypt and its people.

My stance here is that generalization is incorrect and inacceptable… and that making hasty judgments and condemning the Pope’s stance is inacceptable and unethical too… because the stance of the Egyptian national Orthodox Church has never changed either theology-wise or historically towards the responsibility of the Jews about the pains of Glorified Jesus… it has never changed as well ideologically towards the issue of “Jews as the chosen people”… and regarding the common unified national stance, the Egyptian Church still connects the Pope’s visit to Jerusalem with that of al-Azhar grand Imam.

I wish those gentlemen who have detained Pope Tawadros II’s visit and compared it to the stance adopted by his predecessor Pope Shenouda III can tell me about a real practical resisting act against the Zionist entity as an action supporting the fighting one… because I believe real resistance is about building Egypt, the strong state by science, research and production and to tighten social cohesion… in addition to other endless stuff enjoying higher priority.

This article was published in Almasry alyoum newspaper on December 1, 2015.

To see the original article, go to:

http://ahmadelgammal.blogspot.com.eg/2015/12/blog-post_1.html

#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #Egyptian_church

كنيستنا الوطنية بين المغرضين والمزايدين

وددت أن أستكمل ما جرى مع جماعة حزب التحرير الإسلامى الذين دبروا ونفذوا الجريمة التى جرت فى الكلية الفنية العسكرية، حيث وعدت بأن أروى طرفاً من وقائع جرت فى سجن الاستئناف بالقاهرة فى شهر مايو 1977.. وفيها حاولوا الفتك بالعبد لله، لأنه أبدى رأياً فى إقامتهم صلاة جمعة جامعة لهم وحدهم، ورفضهم الصلاة مع بقية خلق الله فى المسجد الموجود بالسجن، بعد أن رويت ما جرى منهم فى ليمان «أبوزعبل»، عندما دمروا الزنزانة التى كانوا يقيمون فيها لمجرد أننا كنا سنحل محلهم فيها، وفق تعليمات إدارة الليمان.. وفى ظنى أن الأهم فى تلك الحكايات هو مضمونها الذى يشير إلى الأسس النظرية التى يستند إليها الإرهابيون المتأسلمون، وهى أسس مازالت موجودة فى أذهان كثيرين، وبعضها موجود فى كتب تراثية تدرس فى المناهج المقررة على طلاب المعاهد الأزهرية.

وددت.. غير أن ما دار من جدل حول زيارة قداسة البابا تواضروس للقدس حفزنى أن أؤجل موضوع المتأسلمين لأدخل فى أمر الزيارة مباشرة، لقد حرصت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية على إصدار بيان منذ عدة أيام تؤكد فيه سبب الزيارة وهدفها، وحرصت على أن تفند محاولات تسييس ما جرى، ومع ذلك فإن الذين عارضوا ذهاب البابا سيسوا الأمر، والذين أيدوه بالغوا فى تسييسه، لدرجة أن الزميل نيوتن وجدها فرصة ليلعن بطريقته أبوخاش القوميين العرب... وأبوخاش الذين ينادون بعدم التطبيع... ثم رثى لحال الرواد لطفى الخولى ومحمد سيد أحمد وصلاح بسيونى، الذين تعرضوا لحملات ظالمة، إلى آخر ما جاء فى مقاله المنشور بـ«المصرى اليوم» فى 29/11/2015، وقد فاته أن يذكر اسم الأستاذ الراحل على سالم، رحمة الله عليه، الذى كنت صديقاً قريباً منه، ثم صار بعد ذلك صديقاً مقرباً من نيوتن وعزيزاً على قلب جيهان رؤوف الشهيرة بجيهان السادات!

ولست بصدد الرد على نيوتن لأننى أعتقد أن الأمر عندما يتحول عند البعض إلى لازمة عصبية، وإلى «فوبيا» فإن المناقشة تصبح بلا جدوى، ومن الأفضل غض الطرف، والانصراف إلى مناقشة ما ليس لازمة ولا فوبيا!، وإذا كان ثمة ما يمكن كتابته فهو أن لطفى الخولى وصلاح بسيونى وعلى سالم وآخرين يمثلون عينة متجانسة فيما نتحدث فيه، ولا يرد فى تلك العينة محمد سيد أحمد، وفى ذلك تفاصيل ليس المجال مجالها.. ثم إن الأستاذ لطفى الخولى والسفير صلاح بسيونى لم يتعرضا إطلاقا لحصار ولا لضيق ولا لمعاناة جراء ما قاما به على عكس على سالم، الذى له معى حكاية أراها مهمة جداً فى هذا السياق، كان لقاؤنا معاً على شاشة «أوربت» فى حوار أداره جمال عنايت منذ سنوات طويلة نسبياً حول هل يتحول المثقف وكيف ومتى؟!، جزء من تلك الحكاية التى قد أحكيه ذات مرة!

إننى أشك بل أقطع بأن الذين تناولوا زيارة البابا للقدس لا يعرفون شيئاً عن الكنيسة المصرية، كيف تأسست وما تاريخها وما العمود الفقرى لوجودها لاهوتياً واجتماعياً!.. فالبابا ليس لديه مزارع ذات إنتاج واسع تهدف لتعظيم الربح، ولا لديه مشروعات استخراجية ولا استهلاكية، يتعين البحث عن خبرات ومعارف تزيد ربحها وتكفل تطويرها، والبابا حسم أمر الهدف من زيارته نظرياً وعملياً، حيث رفض الذهاب لرام الله، حيث القيادة الفلسطينية، كما رفض الذهاب إلى الجانب الآخر، والبيان الصادر عن الكاتدرائية المرقسية أكد تمسك الكنيسة بما أعلن عنه وأكد عليه البابا شنودة الثالث، إذن ما المشكلة وأين القضية؟

عن نفسى فقد عرفت الراحل المتنيح المطران القبطى للقدس أيام أن كان اسمه أبونا سدراك فى دير الأنبا بيشوى، وكنت أزوره هناك، وكان يتم السماح لى بالبقاء ودخول أقدس الأماكن داخل الدير.. كما عرفت الأسقف أبونا سرابيون، أسقف لوس أنجلوس، أيام أن كان أسقفاً للخدمات الاجتماعية يرعى المركز القبطى للدراسات، الذى طالما حضرنا فيه ندوات ومحاضرات وأنشطة تفيد الأمة، وهو ممن شاركوا فى الصلاة على مطران القدس.. ولو كانت ظروفى تسمح لذهبت بصحبة قداسة البابا إلى القدس لأحضر جنازة الصديق المبجل مطران القدس، الذى عرفته وأكرمنى وهو بعد فى دير الأنبا بيشوى!

ما الذى جرى عندما يشق بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية طريقه إلى حيث يسجى جثمان واحد من أبرز مطارنة الكنيسة، وهو فى الوقت نفسه صديقه ورفيق رحلة رهبنته، فيقيم الصلاة عليه ويودعه الوداع الأخير ثم يعود مثلما ذهب لم يلتفت يميناً ولا يساراً، ولم يصافح ولم يلق التحية، ولم يعقد مؤتمراً صحفياً، أى لم يتكلم؟! ثم كم واحداً من الذين يرفضون الذهاب للقدس أو فلسطين المحتلة يرفض الذهاب إلى سبتة ومليلة وإلى الدولة التى تحتلهما، ويرفض الذهاب إلى الإسكندرونة والدولة التى تحتلها، وإلى الدولة التى تحتل الجزر العربية فى الخليج؟!

أعلم أن الدنيا ستقوم ولا تقعد على كلامى، ولكنى أثبت موقفاً ليس هو بالقطع موقف نيوتن ولا الخولى ولا بسيونى ولا سالم ولا غيرهم من الذين نحوا منحى يفصل بين أصل وفصل وجوهر ومضمون الفكرة والحركة الصهيونية، وما ارتبط بها من حركات ومنظمات إرهابية، وشخصيات وقادة أكثر إرهاباً ودموية من البغدادى وبن لادن والظواهرى والشاطر وغيرهم، وما ترتب على ذلك من احتلال استعمارى استيطانى عنصرى للوطن الفلسطينى، وبين مصالحهم التجارية والسياسية التى يرون أنها مصالح مصر وشعبها.

وموقفى هو أن التعميم أمر غير صحيح ولا مقبول، وأن التسرع فى محاكمة وإدانة موقف ومسلك البابا أمر غير مقبول وغير أخلاقى، لأن موقف الكنيسة الأرثوذكسية الوطنية المصرية لم يتغير لاهوتياً ولا تاريخياً تجاه مسؤولية اليهود عن آلام السيد المسيح له المجد، ولم يتغير حضارياً ولا ثقافياً تجاه مسألة «شعب الله المختار»، ولم يتغير فى مسألة النسيج الوطنى الواحد، إذ مازالت الكنيسة تربط زيارة البابا للقدس بزيارة شيخ الأزهر!.. وكم أتمنى من السادة الذين أدانوا مسلك البابا ونوهوا بمواقف سلفه الراحل البابا شنودة أن يدلونى على مناهضة حقيقية عملية للوجود الصهيونى على مستوى الفعل المقاوم المساند للفعل المقاتل.. لأننى أذهب إلى أن قمة الفعل المقاوم هى بناء مصر قوية بالعلم والبحث العلمى والإنتاج، وتمتين التماسك الاجتماعى وغيره.
                           
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 1 ديسمبر 2015

هشام ناظر.. وعلاقات مصر بالمملكة

برع الأولون فى المديح والهجاء والمراثى، وكانت الأخيرة باباً قائماً بذاته فى الشعر والنثر، وكانوا فى الشعر يختمون المرثية بشطر بيت يتضمن تاريخ وفاة المتوفى مكتوبا بالحروف، حيث كل حرف فى العربية له رقم يساويه.. ووصل الأمر فى العصر الحديث والحقب المعاصرة، خاصة بعد إصدار الصحف، إلى تخصيص مساحات للمراثى تحت اسم «النعى».. وهى مراثٍ لأنها تتجاوز فى الغالب الأعم ذكر اسم الفقيد أو الفقيدة وعائلتيهما وعملهما وموعد تلقى العزاء، إلى ذكر المناقب الحميدة لهما، بل وأحيانا مخاطبتهما خطابا مباشرا وكأنهما سيقرءان ما كتب.. أحيانا أخرى يجزم الناعون بتحديد مآل متوفاهم، وعادة ما يكون المآل هو جنة النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء.. أو مع السيد المسيح له المجد والأربعة والعشرين قسيسا، الذين هم فيما أعرف الاثنا عشر سبطا أولاد يعقوب والاثنا عشر تلميذا للمسيح.

وأدرك أن الصديق هشام محيى الدين ناظر ـ رحمة الله عليه ـ كان لايرتاح للمديح ولا للنفاق ولا لشكليات المبالغة فى ذكر المناقب و غيرها.

كنت مستفزا عندما رأيته لأول مرة منذ سنوات، وكان الاستفزاز طبيعيا لأنه استمرار لموقف اتخذته وآخرون تجاه السعودية، متأثرين بتراث سلبى ممتد، وكنا نبرع فى تمتين أساس هذا التراث وتقوية جدرانه بالنبش فى كل ماض وحاضر لالتقاط ما نريد! ومع الأيام استطاع السفير هشام محيى الدين ناظر، عبر الحوار المباشر، والحوار ضمن الندوة الأسبوعية «الصالون أو المقعد» فى داره كسفير، بدأت أرى وأسمع وأفهم وأتدبر بطريقة مغايرة شأن العلاقات المصرية – السعودية!

ومع الحوار بدأت ألتفت إلى ما هو كلى فى العلاقة بين النهر - «النيل» - وبين البحر.. إذ عادة ما ينصرف الذهن مباشرة إلى أن البحر هو المتوسط.. ولا شيء غيره! ووجدت أن إهمال أو إسقاط البحر الأحمر من المعادلة هو خطأ بشع فى حق الوطن، ناهيك عن أنه جهل عميق بالجغرافيا والتاريخ.. وفيهما ضمنا الحضارة والثقافة والأبعاد الاستراتيجية، وتذكرت أن المصريين القدامى وفى أوجّ دورات القوة رأوا أن الأمن المصرى يمتد من النهر إلى قرن الأرض وإلى منابع المياه المعكوسة، ومعلوم أن قرن الأرض هو القرن الإفريقى حيث بلاد بونت، وأن تلك المنابع هى منابع دجلة والفرات أى جبال طوروس، وهى مياه معكوسة لأنها عكس الاتجاه الذى يجرى فيه النيل! وتذكرت أن معظم الخطر الذى أصاب المحروسة أو أحدق بها كان مقبلا من الشرق، أى متصلا بالبحر الأحمر - الهكسوس - الفرس - التتار.. وغيرهم - بل إن الزلازل القوية تأتى من فالق البحر الأحمر! ومثلما كان الخطر.. كان الخير الذى يصعب حصره فى هذه المساحة.. لأننا قبل أن نتفاعل حضاريا مع الإغريق والرومان ليصير الهللينى هللينستيا، تفاعلنا مع حضارات المنطقة التى يشكل البحر الأحمر جملة مفيدة فى مسارها، بفارق جوهرى بين تفاعلنا المتوسطى وبين تفاعلنا المشرقي، هو أن المتوسطى اقترن باحتلال الآخرين أرضنا وعدم قدرتهم على الاندماج فينا واندماجنا فيهم، بينما كان تفاعلنا مع حضارات شبه الجزيرة العربية وحضارات بين النهرين وحضارات سوريا - بالمعنى الجغرافى الواسع - تفاعلا متبادلا أثرنا فيه وتأثرنا، حتى قبل الغزو العربى لمصر إبان الانطلاق الإسلامى شرقا وشمالا وغربا...- و«على الماشي» - فإن البعض سيستغرب كلمة «الغزو العربي»، أن تصدر من عروبى قومي، وأؤكد أنها صحيحة لأن معارك المسلمين الأوائل لنشر الدعوة فى شبه الجزيرة سميت «غزوات» دون أن يستنكر أحد أن تكون بدر وأحد وتبوك والخندق وغيرها غزوات!

وفى مجلس أو «مقعد» هشام محيى الدين ناظر امتد الحوار إلى مناطق، ظن كثيرون أنها من «المحرمات - التابوهات» التى لا يجوز التطرق إليها فى حضور السفير السعودى وعلى أرضه، وأشهد أن الرجل اتسم بعقل منير وروح سمحة وأفق متسع، فلم يحدث أن تم الحجر على أى وجهة نظر أو أى رأي، وكانت الحجة تقابل بالحجة، والرأى يواجه بالرأى مع تذوق بديع للقفشة والنكتة والتعليق الساخر.

كان مجلس هشام ناظر يتسع أسبوعا بعد أسبوع، حتى اكتظ بالحضور، وكان له جدول للمتحدثين فى مختلف القضايا التى شملت الأدب الشعبي، والتأثيرات الحضارية بين مصر وبين الجزيرة العربية، وتاريخ وحاضر ومستقبل الممرات المائية، وجراحات الأطفال من التوائم السيامية، وأدب نجيب محفوظ، وموضوعات أخرى كثيرة، ثم سلسلة من المتحدثين عن تكوينهم وذكرياتهم، وكان منهم الأديب الراحل جمال الغيطاني، والدكتور عبدالعزيز حجازى والدكتور يحيى الجمل، والمفكر الأستاذ سيد ياسين وغيرهم!

كنا إزاء دبلوماسية من نوع خاص، يمكن أن نسميها الدبلوماسية الشعبية، أو الدبلوماسية الثقافية والمعرفية، وقد نجح الرجل نجاحا دفعنى لأن أقول خلال الجلسة التى انعقدت لوداعه إثر خبر تركه موقعه إن مقياس نجاح أى دبلوماسى هو قدرته على تحويل المواقف والآراء السلبية تجاه بلده إلى مواقف وآراء إيجابية.. وكنت أنا العينة التى قست عليها الظاهرة!

كانت تلك الحوارات وإعادة التفكير فيما ظننت أنه «ثوابت فكرية وسياسية» أرضية ثابتة تمكن المرء من أن يمسك بالخريطة مجددا ويقرأها من زوايا متعددة ليكتشف أن الأسافين التى دُقت بين كل من القاهرة والرياض، وبغداد، ودمشق فى آونة متعددة كانت وستبقى تستهدف كل التكوين العربى الحضارى والثقافى والاستراتيجي، وأيضا الاقتصادى والسياسى والاجتماعي، وأعتقد أن العينة بينة. فما جرى لبغداد ولدمشق وما يتم السعى لتنفيذه فى القاهرة وفى الرياض أكبر دليل على صحة أن الثور الأبيض أكل يوم أكل الثور الأسود، ولا بديل مهما تكن الظروف عن تماسك مصر مع الجزيرة العربية بتكوينها الجغرافى السياسى الذى يضم دول مجلس التعاون الخليجى واليمن، وبتكوينها الحضارى الممتد منذ ما قبل التاريخ.

إن ثمة قضايا قد لا يجوز طرحها للقراءة العامة، لأن فيها ما قد لا يستوعبه البعض، ومنها قضية الارتباط العَقَدى السابق على الإسلام بين مصر وبين الحجاز وامتداداته التى صارت تعرف باسم المملكة العربية السعودية، وكم هى مثيرة وأخاذة تفاصيل ذلك الارتباط، وهذا أمر يؤكد أن محاولات الاصطياد فى أى مياه آسنة أو عكرة، سواء على صعيد الماضى أو الحاضر بين البلدين، هى محاولات تهدم وتدمر المستقبل الذى مهما تكن مراحله فإن أساسه غير المتغير هو العلاقة بين النهر وبين البحر.. أى بين النيل والبحر الأحمر.. وأيضا الأبيض مع كل الاعتبارات التى ذكرتها لحساب الأول.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 26 نوفمبر 2015

لينك المقال:

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/456200.aspx

Terrorists’ sewerage tactic

To detest… to despise… to loathe… all these are verbs we use when we have such feeling of despising someone or when someone is practicing it towards us!...Like the one I saw on TV, loathing and reprimanding his interviewer who was astonished by muslim brotherhood’s move to block sewerage pipes’ outlets to worsen the catastrophe of Alexandria heavy rain torrents… the loathing one asked exclaiming: whenever something happens, you say it’s muslim brotherhood who did it… you hate all those who have said, "Our Lord is Allah " and just do their prayers?!

I listened and preferred to stay silent during the dispute… however, I couldn’t bear it any longer and so I decide to say my opinion and said what I have already written about regarding the events I lived and witnessed myself on 1977.

The story begins when we were residents in the appeal prison from January to June… in May, a bunch of passing-by residents were supposed to stay for a short time in the prison and then go back to Abu-Za’abal prison where there were supposed to serve their life sentence penalty!... they came to the appeal prison – near to Bab el-Khalq neighborhood behind Cairo police headquarter – so that they could easily be transferred to Dar el-Ouloom faculty, which they joined during their imprisonment, to do their exams!

They were members of Hizb al-Tahrir al-Islami movement which was established in Egypt by the Palestinian Saleh Serriya who could attract a number of students enlisted in the military technical college and whom, in turn, decided to stage a military coup… and so, they took over the college’s arms, killed some and planned to go out to arrest Sadat or kill him and then take over the power in our beloved Egypt…

The move was foiled and some of them were sentenced to death penalty like Saleh Sarriya, Karem al-Anadouli and others … the rest were sentenced to life sentences… their Emir; meaning their leader, was in prison… his name – as I can remember – was Saied Derbala!... back to our story, they went back to Abu Za’abal prison after they finished the exams and I had an account to tell that took place between me and them… the account that is really, and not figuratively, stranger than fiction… when they tried to hit me… and may be kill me after we had Zuhr prayers on a Friday afternoon!

I was transferred to Abu Za’abal prison where I found them residing in one spacious cell… just like the rest of the cells in that warden… I said hi… and they replied with the same salute… I laid my black blanket in the wide corridor to sit and discuss… we used to discuss daily and when it’s time to pray… we all get up and I join them in their cell where one of them is the Imam… we used to stand for few minutes to align our lines together… shoulder to shoulder… arm to arm… thigh to thigh… so that the devil can find no gap to delve in or come through… meaning to tightly block all gaps…

We once disagreed on the man “who had knowledge from the Scripture”… that who told Prophet Solomon he could bring him the throne of the queen of Sheba in a glimpse and so exceeding the greatest Genie who could bring it before Solomon stands from his sit… I used this situation to give evidence that humans can possess supernatural powers exceeding time and place; like those pious worshippers of Allah who possess mystical powers… they, in turn, used to deny what I say… so, I cited the tale of Solomon’s friend who is named in Tafsir books as “Assef bin Arkhiya”… when they went far in denying, I asked them if they have any Tafsir book in their possession, they said they have one for “ibn Katheer”… they brought it and we found what I said in it… their leader, at once, replied that this version is fake and not authentic!

Days went by… discussing… praying… drinking tee together… when one day, Gama’et al-Takfir wal-Hijra group – those who killed al-Shiekh al-Zahabi – were arrested… the prison administration decided to have a transition movement in the cells… I, along with my Nasserist fellows, were supposed to take the place of the military technical college’s group… Prisoners went out, as per orders, to displace… all cells took not more than 15 minutes to exchange but we kept waiting from 8 AM until 5 PM when we were all called by the officers to come out… during that time, they used to come out and in… not saying a word about what is keeping them behind all this time until we came in to see the surprise…

I saw the walls which they painted with oil with some parts of it burnt while the rest is smeared by soot of newspapers they used to burn the oil over the walls… they took out lines of the cell’s floor tiles and even digged deeper until they got the sand out… they took out all the six water taps situated above the long wash basin and hammered wooden sticks in their places instead… finally, they blocked the outlets of the two toilettes situated in the cell using mixture of cement and plaster

We were astonished and since I was the alpha of my fellows, I went to one of them – I remember his name was Ahmed Maged – whom I thought was kind and forgiven and asked him: what is this Ahmed?! He answered, feeling a bit ashamed: the group went into discussing the answer for a question imposed by some of us: this is our home; meaning the cell, and we will leave it, so what shall we do?! After long discussion, we decided to do what is supposed to be right… that is “if Muslims left their homes to non-Muslims, then they shall destroy all that can be beneficial”!

I almost went mad and said to him: but we are Muslims like you… we used to do prayers with you… Zuhr… Asr… tens of times… we used to discuss in Usul, Fiqh, Hadith, Tafsir… and even if what you claim is right… this is not home… this is a prison cell… meaning it’s public property… and even if you considered us non-Muslims in your opinion, Prophet Muhammed – peace be upon him – had already set rules and ethics for war… again, I repeat… war… including not burying water resources with dirt or putting poison in them… also, not cutting a tree down… not trespassing over a private property, a monastery, a church… not killing a woman or child!

The young man gave no answer… he only assured it was the Gama’a opinion and its leader; Derbala!

This story took place about 40 years ago… but it has significance to what happened in Alexandria and other places when those terrorists blocked the sewerage pipes’ outlets with cement, stones and sand so that the city float in waters, people die and everything come to a stop… why not? As they were ousted by the people out of power and were inherited by “non-Muslims”!

As to the story of me being hit and may killed in the appeal prison by them… it’s another account to tell later.

This article was published in Almasry alyoum newspaper on November 25, 2015.

To see the original article, go to:

http://ahmadelgammal.blogspot.com.eg/2015/11/blog-post.html

#almasry_alyoum #ahmed_elgammal