وددت أن أستكمل ما جرى مع جماعة حزب التحرير الإسلامى الذين دبروا ونفذوا الجريمة التى جرت فى الكلية الفنية العسكرية، حيث وعدت بأن أروى طرفاً من وقائع جرت فى سجن الاستئناف بالقاهرة فى شهر مايو 1977.. وفيها حاولوا الفتك بالعبد لله، لأنه أبدى رأياً فى إقامتهم صلاة جمعة جامعة لهم وحدهم، ورفضهم الصلاة مع بقية خلق الله فى المسجد الموجود بالسجن، بعد أن رويت ما جرى منهم فى ليمان «أبوزعبل»، عندما دمروا الزنزانة التى كانوا يقيمون فيها لمجرد أننا كنا سنحل محلهم فيها، وفق تعليمات إدارة الليمان.. وفى ظنى أن الأهم فى تلك الحكايات هو مضمونها الذى يشير إلى الأسس النظرية التى يستند إليها الإرهابيون المتأسلمون، وهى أسس مازالت موجودة فى أذهان كثيرين، وبعضها موجود فى كتب تراثية تدرس فى المناهج المقررة على طلاب المعاهد الأزهرية.
وددت..
غير أن ما دار من جدل حول زيارة قداسة البابا تواضروس للقدس حفزنى أن أؤجل موضوع
المتأسلمين لأدخل فى أمر الزيارة مباشرة، لقد حرصت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية
على إصدار بيان منذ عدة أيام تؤكد فيه سبب الزيارة وهدفها، وحرصت على أن تفند
محاولات تسييس ما جرى، ومع ذلك فإن الذين عارضوا ذهاب البابا سيسوا الأمر، والذين
أيدوه بالغوا فى تسييسه، لدرجة أن الزميل نيوتن وجدها فرصة ليلعن بطريقته أبوخاش
القوميين العرب... وأبوخاش الذين ينادون بعدم التطبيع... ثم رثى لحال الرواد لطفى
الخولى ومحمد سيد أحمد وصلاح بسيونى، الذين تعرضوا لحملات ظالمة، إلى آخر ما جاء
فى مقاله المنشور بـ«المصرى اليوم» فى 29/11/2015، وقد فاته أن يذكر اسم الأستاذ
الراحل على سالم، رحمة الله عليه، الذى كنت صديقاً قريباً منه، ثم صار بعد ذلك
صديقاً مقرباً من نيوتن وعزيزاً على قلب جيهان رؤوف الشهيرة بجيهان السادات!
ولست بصدد الرد على نيوتن لأننى أعتقد أن الأمر عندما يتحول
عند البعض إلى لازمة عصبية، وإلى «فوبيا» فإن المناقشة تصبح بلا جدوى، ومن الأفضل
غض الطرف، والانصراف إلى مناقشة ما ليس لازمة ولا فوبيا!، وإذا كان ثمة ما يمكن
كتابته فهو أن لطفى الخولى وصلاح بسيونى وعلى سالم وآخرين يمثلون عينة متجانسة
فيما نتحدث فيه، ولا يرد فى تلك العينة محمد سيد أحمد، وفى ذلك تفاصيل ليس المجال
مجالها.. ثم إن الأستاذ لطفى الخولى والسفير صلاح بسيونى لم يتعرضا إطلاقا لحصار
ولا لضيق ولا لمعاناة جراء ما قاما به على عكس على سالم، الذى له معى حكاية أراها
مهمة جداً فى هذا السياق، كان لقاؤنا معاً على شاشة «أوربت» فى حوار أداره جمال
عنايت منذ سنوات طويلة نسبياً حول هل يتحول المثقف وكيف ومتى؟!، جزء من تلك
الحكاية التى قد أحكيه ذات مرة!
إننى أشك بل أقطع بأن الذين تناولوا زيارة البابا للقدس لا
يعرفون شيئاً عن الكنيسة المصرية، كيف تأسست وما تاريخها وما العمود الفقرى
لوجودها لاهوتياً واجتماعياً!.. فالبابا ليس لديه مزارع ذات إنتاج واسع تهدف
لتعظيم الربح، ولا لديه مشروعات استخراجية ولا استهلاكية، يتعين البحث عن خبرات
ومعارف تزيد ربحها وتكفل تطويرها، والبابا حسم أمر الهدف من زيارته نظرياً
وعملياً، حيث رفض الذهاب لرام الله، حيث القيادة الفلسطينية، كما رفض الذهاب إلى
الجانب الآخر، والبيان الصادر عن الكاتدرائية المرقسية أكد تمسك الكنيسة بما أعلن
عنه وأكد عليه البابا شنودة الثالث، إذن ما المشكلة وأين القضية؟
عن نفسى فقد عرفت الراحل المتنيح المطران القبطى للقدس أيام أن
كان اسمه أبونا سدراك فى دير الأنبا بيشوى، وكنت أزوره هناك، وكان يتم السماح لى
بالبقاء ودخول أقدس الأماكن داخل الدير.. كما عرفت الأسقف أبونا سرابيون، أسقف لوس
أنجلوس، أيام أن كان أسقفاً للخدمات الاجتماعية يرعى المركز القبطى للدراسات، الذى
طالما حضرنا فيه ندوات ومحاضرات وأنشطة تفيد الأمة، وهو ممن شاركوا فى الصلاة على
مطران القدس.. ولو كانت ظروفى تسمح لذهبت بصحبة قداسة البابا إلى القدس لأحضر
جنازة الصديق المبجل مطران القدس، الذى عرفته وأكرمنى وهو بعد فى دير الأنبا
بيشوى!
ما الذى جرى عندما يشق بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة
المرقسية طريقه إلى حيث يسجى جثمان واحد من أبرز مطارنة الكنيسة، وهو فى الوقت
نفسه صديقه ورفيق رحلة رهبنته، فيقيم الصلاة عليه ويودعه الوداع الأخير ثم يعود
مثلما ذهب لم يلتفت يميناً ولا يساراً، ولم يصافح ولم يلق التحية، ولم يعقد
مؤتمراً صحفياً، أى لم يتكلم؟! ثم كم واحداً من الذين يرفضون الذهاب للقدس أو
فلسطين المحتلة يرفض الذهاب إلى سبتة ومليلة وإلى الدولة التى تحتلهما، ويرفض
الذهاب إلى الإسكندرونة والدولة التى تحتلها، وإلى الدولة التى تحتل الجزر العربية
فى الخليج؟!
أعلم أن الدنيا ستقوم ولا تقعد على كلامى، ولكنى أثبت موقفاً
ليس هو بالقطع موقف نيوتن ولا الخولى ولا بسيونى ولا سالم ولا غيرهم من الذين نحوا
منحى يفصل بين أصل وفصل وجوهر ومضمون الفكرة والحركة الصهيونية، وما ارتبط بها من
حركات ومنظمات إرهابية، وشخصيات وقادة أكثر إرهاباً ودموية من البغدادى وبن لادن
والظواهرى والشاطر وغيرهم، وما ترتب على ذلك من احتلال استعمارى استيطانى عنصرى
للوطن الفلسطينى، وبين مصالحهم التجارية والسياسية التى يرون أنها مصالح مصر
وشعبها.
وموقفى هو أن التعميم أمر غير صحيح ولا مقبول، وأن التسرع فى
محاكمة وإدانة موقف ومسلك البابا أمر غير مقبول وغير أخلاقى، لأن موقف الكنيسة
الأرثوذكسية الوطنية المصرية لم يتغير لاهوتياً ولا تاريخياً تجاه مسؤولية اليهود
عن آلام السيد المسيح له المجد، ولم يتغير حضارياً ولا ثقافياً تجاه مسألة «شعب
الله المختار»، ولم يتغير فى مسألة النسيج الوطنى الواحد، إذ مازالت الكنيسة تربط
زيارة البابا للقدس بزيارة شيخ الأزهر!.. وكم أتمنى من السادة الذين أدانوا مسلك
البابا ونوهوا بمواقف سلفه الراحل البابا شنودة أن يدلونى على مناهضة حقيقية عملية
للوجود الصهيونى على مستوى الفعل المقاوم المساند للفعل المقاتل.. لأننى أذهب إلى
أن قمة الفعل المقاوم هى بناء مصر قوية بالعلم والبحث العلمى والإنتاج، وتمتين
التماسك الاجتماعى وغيره.
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 1 ديسمبر 2015
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 1 ديسمبر 2015
No comments:
Post a Comment