فى لحظات ومشاهد بعينها لا يملك أحد الصمت ولا يتردد عاقل عن
وصف الأشياء والظواهر بما تستحق من أوصاف، وإن تجاوز ما يظنه البعض قواعد آداب
التخاطب واعتبروه بذاءة غير مقبولة!
عند لحظة ذبح الحقيقة واغتيال الأوطان وإهدار دماء الأبرياء
الشهداء وفى مشهد يقتل فيه القاتل ضحاياه ويأتى من يأتى ليحول بين القصاص الحاسم
العاجل وبينه، فلا بذاءة أكثر من ذبح الحقيقة واغتيال الوطن والعبث بالعدالة
وإهدار دم الشهداء!
تعالوا نقرأ الكتاب المقدس فى عهده الجديد وفى الإصحاح الثالث
والعشرين من إنجيل متى الآيات من 13 إلى 27:
(لكن ويل لكم
أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا
تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون
لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلة تطيلون صلواتكم. لذلك تأخذون دينونة أعظم. ويل
لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا
واحدا ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفا. ويل لكم أيها القادة العميان
القائلون من حلف بالهيكل فليس بشيء ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. أيها الجهال
والعميان أيما أعظم الذهب أم الهيكل الذى يقدس الذهب. ومن حلف بالمذبح فليس بشيء
ولكن من حلف بالقربان الذى عليه يلتزم. أيها الجهال والعميان أيما أعظم ألقربان أم
المذبح الذى يقدس القربان. فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه ومن حلف
بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس
عليه. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع والشبث
والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغى أن تعملوا هذه ولا
تتركوا تلك. أيها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل. ويل لكم
أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل
مملوآن اختطافا ودعارة. أيها الفريسى الأعمى نق أولا داخل الكأس والصحفة لكى يكون
خارجهما أيضا نقيا. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورا
مبيضة تظهر من خارج جميلة وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم
أيضا من خارج تظهرون للناس أبرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما. ويل لكم
أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن
الصديقين. وتقولون لو كنا فى أيام آبائنا لما شاركناهم فى دم الأنبياء. فأنتم
تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. فاملأوا أنتم مكيال آبائكم. أيها
الحيات أولاد الأفاعى كيف تهربون من دينونة جهنم. لذلك هأنا أرسل إليكم أنبياء
وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون فى مجامعكم وتطردون من مدينة إلى
مدينة. لكى يأتى عليكم كل دم زكى سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا
بن برخيا الذى قتلتموه بين الهيكل والمذبح. الحق أقول لكم إن هذا كله يأتى على هذا
الجيل).
«يا أورشليم يا
أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما
تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا. لأنى
أقول لكم إنكم لا تروننى من الآن حتى تقولوا: مبارك الآتى باسم الرب». وفى القرآن
الكريم تعالوا نقرأ فى سورة القلم التى يصف فيها الله سبحانه وتعالى رسوله صلى
الله عليه وآله وسلم بأنه لعلى خلق عظيم، ثم تتحدث الآيات عن الذين غالطوا الحقيقة
وقاوموا الحق «فستبصر ويبصرون. بأيكم المفتون. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو
أعلم بالمهتدين. فلا تطع المكذبين. ودوا لو تدهن فيدهنون. ولا تطع كل حلاف مهين.
هماز مشاء بنميم. مناع للخير معتد أثيم. عتل بعد ذلك زنيم» القلم آيات 5-13.
لقد تحدث الإنجيل عن الجهال والعميان الذين هم الكتبة
والفريسيون المراؤون لأنهم يغلقون ملكوت السماوات قدام الناس.. وتحدث عن الذين
يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل.. وتحدث عن الدم الزكى الذى سفك على الأرض وأنه
سيأتى على الذين سفكوه وتواطأوا على سفكه!!.. ولعمرى لكأن الكتاب المقدس يتحدث عن
لحظتنا المعاصرة، حيث نرى ونعاين ونستمع لمن لديهم القدرة على ابتلاع الجمل فيما
هم يصفون البعوضة.. والمعنى الذى فهمته أنهم فى حالة بعينها يغضون النظر ويتجاهلون
الجريمة ويطالبون غيرهم بذلك فيما هم فى حالات أخرى لا يفوتون شيئا ويقفون بضراوة
أمام ما هو أقل وأدنى وأهون.. وهذا بالضبط ما عايناه من الذين يريدون كف يد
العدالة ولو مؤقتا عن المجرمين القتلة فيما هم لا يتوقفون عن الصراخ والعويل
والتنديد إزاء حالات أقل وأوهي، كالتعرض لمن يسمون ناشطين سياسيين أو ممثلى جمعيات
غير حكومية!
ولأننا لن نكون شاهدى زور ولن نصمت لأى سبب بما فى ذلك سيف
حياء الأخوة والصداقة والعلاقات الإنسانية القديمة، فإننا سنستمر فى التصدى لأى
تواطؤ مع الإرهابيين يمكنهم من ارتكاب جرائمهم ويعفيهم من تطبيق العقوبة ولو لمدى
زمنى محدود! لم يتردد العهد الجديد ولا القرآن الكريم فى أن ينعت أهل الضلال
وإنكار الحقائق ومرتكبى الظلم على خلق الله بأبشع النعوت وأكثرها قدحا وأشدها وقعا!
فهم فى الإنجيل حيات أولاد أفاعى يريدون الهروب من دينونة
جهنم.. ونموذجهم فى القرآن الكريم مكذب حلاف مهين مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم
بل وعتل وزنيم، ولمن يريد أن يفهم المعانى له أن يرجع إلى المعاجم وأشك أن بعضهم
يعرف طريقة الوصول إلى الكلمة فى أى معجم. إن حقوق الإنسان أضحت معركة حقيقية تبدأ
من نقطة محددة هى السؤال التالي: هل تتجزأ الحقوق.. وهل يتمايز البشر أى الإنسان..
وهل من حق البعض أن ينشط فى هذا المجال ويتلقى مكافأته المالية من أموال الشعب ثم
تجده منحازا لجهة بعينها ويكيل بمكيالين ويجيد فنون التجاهل والتطنيش عند حالة ولا
يجيدها عند أخري؟!.. ثم هل من اللائق لأى مهتم بالعمل العام أن يتحول إلى محترف
متفرغ لا تعرف له مهنة ولا مصدرا للرزق؟ وهل آن الأوان لنضال حقوقى إنسانى يتجه
إلى أطفال مصر الذين لا يجدون شربة ماء نقية ولا جرعة لبن صحية ولا تستر أجسادهم
إلا أثمال بالية.. وقل ما شئت عن نساء مصر وشبابها وكهولها وشيوخها وسكان هوامشها
وأطرافها.. أليست لكل هؤلاء حقوق إنسانية تستحق من السادة مفتشى عموم حقوق الإنسان
فى القطر المصرى والمسافرين دوما إلى عواصم أوروبا للتزود بآخر صيحات الموضة فى
ذلك المضمار أن يلتفتوا إليها بالقدر الذى يمارسونه مع شركائهم القدامى من الإخوان
وحزب الوسط إياه؟!
حضرات السادة المؤدبين الغاضبين من البذاءة.. هذا غيض من فيض
لأن المساحة لا تسمح.
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 18 يونيو 2015
No comments:
Post a Comment