Tuesday, 10 November 2015

حوائط الصد الحضارية



للفروسية قواعد تحكمها فى أى ميدان، وهى قواعد لا تقر بحال من الأحوال أن يتعثر خصمك أو يسقط بغير فعل منك، فتنقض عليه وتمزقه.. وهذا ما يحكمنى فى هذه السطور، لأننى كنت قد وعدت القارئ فى مقال الأسبوع الفائت أن أستكمل فى مقال اليوم مناقشة قضية العلاقة بين رأس المال والصحفيين وبين الاثنين والصحافة، وذكرت فى ذلك السياق أننى سأركز على ما كتبه ونشره على فيس بوك الأستاذ الدكتور شارل مجلى، أستاذ القلب، والمثقف الوطنى الموسوعى المرموق، حول «المصرى اليوم» ودور صلاح دياب، غير أن الرياح أتت مغايرة.

كنت قد ناقشت المهندس صلاح دياب فيما لدى من ملاحظات، وفيما أزعم أنه أصبح قناعة سلبية لدى بعض القراء- ولن أقول كثيرين أو قليلين- وضربت مثلا بما كتبه الدكتور شارل، فطلب صلاح دياب أن أرسله إليه، وقد أرسلته له بالفعل خلال الأسبوع الفائت، وأكدت أننى سأنشره بحروفه لأننى مقتنع بكثير مما جاء فيه، ونوهت إلى أننى قد أنتقل لصحيفة أخرى!

اليوم، صلاح دياب فى موقف لا يسمح لى ولا لكل من تعود الفروسية فى منازلاته، أن أقدح فيه، أو أن أقول ما كنت سأقوله وهو فى موقعه حر طليق.. صاحب القرار فى المصرى اليوم.. وقادر على أن يرد!

أختلف- ومعى كثيرون من مشربى الفكرى والسياسى- مع توجهات المهندس صلاح دياب، وعلى دور رأس المال المحلى فى الوضع المصرى الراهن ومن تحديث مصر ونهضتها، وتشهد هذه المساحة من المصرى اليوم على هذا الاختلاف وعلى الحوار الساخن الذى نشأ بيننا تجاه قضايا كثيرة! وهو اختلاف من النوع الذى قد يفسد قضايا الود، لأنه جذرى فى كثير من جوانبه، لا يجوز فيه ولا ينفع الترقيع ولا التلفيق، ومع ذلك فإن الأصل فى البدء وفى المنتهى هو الإنسان.. الإنسان الذى لا يجوز- بحال من الأحوال- انتهاك إنسانيته ولا الحط منها ولا ترويعه هو وأهله.. لأننى عرفت من قبل معنى وأثر هذا الانتهاك، عندما طوردت واقتحم منزل أبى وأمى فى طنطا بحثاً عنى، وحجم المعاناة الذى ترتب على ذلك، رغم أن تهمتى آنذاك اتصلت بنشاطى السياسى والفكرى وفقما جاء فى قرار الاتهام للقضية رقم 100 لسنة 1977 حصر أمن دولة عليا، حيث نسب لى أننى «دأبت على إلقاء المحاضرات وعقد الندوات التى أنتقد فيها رئيس الجمهورية آنذاك- أنور السادات- وأقول إنه لا توجد ديمقراطية.. إلى آخره».

إننى لن أستبق التحقيقات ولن أتدخل فى عمل السلطة القضائية، لكننى فى الوقت نفسه لن أتوقف عن مناقشة دور رأس المال المحلى والرأسماليين المصريين فى مسيرة وطننا، وانعكاس ذلك على بقية الشعب وعلى مصالح مصر نفسها.. ليس لأننى، ومن هم مقتنعون بما أذهب إليه، نملك صكوك الوطنية وأختام الشرف والنزاهة، لأن الكل وطنى حتى يثبت العكس بالطرق القانونية، ولكن لأن صراع الأفكار والأدوار هو الكفيل بصنع التقدم، طالما أدير الصراع بطريقة سليمة.

المسألة الثانية التى أود طرحها فى هذه السطور هى مسألة الحرب الشرسة المعلنة على وطننا، ويريد من أعلنوها ويحاربوننا فيها أن يقصموا ظهر التجربة المصرية الحالية، مثلما فعل أسلافهم مع محمد على ومع جمال عبدالناصر.. إذ ليس مطلوبا منذ قرون أن يطل فى مصر حاكم صاحب إرادة ورؤية ويملك القدرة على بذل الجهد لتنفيذ رؤيته بإرادة لا تلين.. وأستطيع أن أقول بضمير مرتاح إن عبد الفتاح السيسى هو حاكم من ذلك النوع الذى لديه إرادة ورؤية وقدرة.

وقد نختلف على بعض مضامين تلك الرؤية، أو يختلف البعض على أنها موجودة من الأساس، لكن الذى أعتقد أنه لا خلاف عليه أن هناك مخططا مضادا يتم تنفيذه وبضراوة ملحوظة، يستهدف قصم ظهر مصر، حتى لا تقوم لها قائمة فتصبح صومالاً أخرى، وأن هناك قوى فى الداخل المصرى مرتبطة بذلك المخطط طواعية، وعن وعى أو جهل ودون وعى، وأن مقاومة هذا المخطط كانت وأصبحت وأمست وستظل فرض عين على كل وطنى مصرى واعٍ بما يحدث.

لقد تكالبت قوى عديدة على مصر، وساهم فى تمكينها عوامل التخلف التى تمسك بتلابيب قوانا الاجتماعية، ابتداء من القيم والتقاليد المعوقة للنمو، وليس انتهاء بمنظومات الفساد والإهمال والأنامالية والتناحر متعدد الأشكال.

ولذلك فإن المقاومة- ببناء ما أسميه حوائط الصد الحضارية والثقافية والسياسية والاجتماعية- لا بد أن تتبلور وتبدأ فى رص مداميك تلك الجدران.. والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.



نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 10 نوفمبر 2015

No comments:

Post a Comment