Wednesday, 12 April 2017

الآلام المستمرة




كأنما احترقت خلايا مخي من شدة النار التي أضرمها الإجرام الإرهابي في كل كياننا الوطني والإنساني، وكانت المرة الأولى التي وددت فيها لو تحولت كلي إلى كرة لهب تأخذ في طريقها كل المتاجرين بالدين وكل الذين يظنون أنهم وحدهم أهل العلم وأهل الفتوى وأهل الدين الصحيح، ومن عداهم فهم منافقون جهلة أدعياء! ولم يرد لي صوابي سوى رسالة وصلتني من صديقي وأخي النبيل نبيل مرقس، أستأذنه في نقل بعض السطور منها ليقرأها معي كل ذي عقل ووجدان مزقهما الفعل الدنيء الخسيس: "... الدفاع عن القيم المسيحية والإسلامية العليا التي تعصمنا في هذه اللحظات الفارقة من أن نخضع لغرائزنا الدنيا ونرد على العنف بالعنف وعلى السيف بالسيف ولنذكر قول سيدنا ومعلمنا الحاسم والواضح للذي ضرب عبد رئيس الكهنة بسيفه لقطع أذنه وهو يظن أنه يدافع عن المسيحي: "رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يهلكون" (متى 52:26).. ونحن لا نأخذ بالسيف، لأن الأسلحة البتارة التي غلب بها سيدنا شوكة الموت كانت صلاته في بستان جثسيماني وطاعته للأب حتى الصليب ومحبته حتى للذين صلبوه وهم الذين صلى من أجلهم على الصليب وهو يسلم أنفاسه الأخيرة "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".. فلنصلي من أجل شهدائنا في طنطا والإسكندرية، ولنصلي من أجل الذين قتلوهم، ولنطلب من أبينا السماوي مزيدا من الحب والرحمة والغفران حتى نهزم قوى الشر والإرهاب التي تغتال أبناءنا المسيحيين وإخوتنا المسلمين وشرطتنا وجيشنا لكنها لن تهزم وحدتنا ولن تغتال وطننا ولن تصيب محبتنا وإيماننا بمسيحنا والتزامنا بالدفاع عن وطننا الذي علمنا الأنبا شنودة أنه وطن يعيش فينا.. مع محبتي نبيل مرقس".

هذا جزء من رسالة صديقي وأخي النبيل الذي أشار في مطلعها إلى الروح المتسامحة السامية التي رسختها نماذج إسلامية ومسيحية محترمة مثل الأئمة محمد عبده ومحمود شلتوت والشيخ الباقوري وشخصيات مثل الدكتور عبده سلام والأب كريستيان، ونوه وأنا معه بدعم وتشجيع نيافة الأنبا موسى لكل جهود الدفاع عن تلك القيم المسيحية والإسلامية العليا.

ومع القيامة التي لا أظنها لحظة ما بعد أحداث الموضع الذي يقال له جلجثة وحدها وإنما هي مجمل المسيرة الطاهرة، منذ جاء الملاك وأخبر بحمل العذراء الطاهرة مريم، وكل ما في المسيرة يحمل معنى القيامة للبشرية، إذا كانت القيامة هي حق يتحقق وينتصر، وباطل يزهق وينهزم، وقد كانت كل كلمات ومواقف السيد المسيح حقا خالصا يهزم باطل اليهود ويمحقه وينتصر للإنسان وينصف الضعفاء والفقراء، ويكشف زيف المتاجرين بالدين وبمصائر الناس، ويعلن أنه ما جاء لينقض بل جاء ليكمل.. «.. طوبى للمساكين بالروح. لأن لهم ملكوت السموات. طوبى للحزانى. لأنهم يتعزَّون. طوبى للودعاء. لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاش إلى البر. لأنهم يشبعون. طوبى للرحماء. لأنهم يرحمون. طوبى للأنقياء القلب. لأنهم يعاينون الله. طوبى لصانعي السلام. لأنهم أبناء الله يدعون» إنجيل متى الإصحاح الخامس.. «.. لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل» متى الإصحاح الخامس.

كانت القيامة وستبقى في بعض معانيها إقامة للحجة التي تسحق وتمحق تهافت حجج المدعين، حتى وإن كانوا كتبة وفريسيين: «لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدَّام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل. ولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تأخذون دينونة أعظم» إنجيل متى إصحاح 23.

وكانت القيامة وستبقى في بعض معانيها قراءة صادقة للغيب الآتي على الأرض فقد عرف أن الحجارة ستصرخ إذا تمكنت قوى الشر والطغيان أن تسكت صوت الفرحين المسبحين لله الساعين للسلام.. «.. ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا. قائلين مبارك الملك الآتي باسم الرب. سلام في السماء ومجد في الأعالي. وأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له يا معلم انتهر تلاميذك. فأجاب وقال لهم أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ» لوقا 19.. ولقد صرخت الحجارة ولا تزال في فلسطين.. بل وأكثر من ذلك فيما قاله السيد المسيح عن القدس «أورشليم»: «وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلا إنك لو علمت أنت أيضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك. ولكن الآن قد أخفي عن عينيك. فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك» لوقا 19.

فهل هناك أوضح وأجلى من ذلك، ونحن نشاهد الآن ونعاني السور الذي يحيط بالقدس، والحصار الذي يحاصرها من كل جهة، ومحاولات هدمها وأبناؤها فيها.

إنها قيامة إقامة الحق.. ويا رب حقق لنا وحدتنا وساعدنا على الخلاص من كل شر يحدق بنا يا إله السموات «ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم. واغفر لنا خطايانا لأننا نحن أيضا نغفر لكل من يذنب إلينا. ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير». لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وصلّ وسلم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
                       

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 12 أبريل 2017.

No comments:

Post a Comment