Thursday, 20 April 2017

المكتبات العامة.. مفتاح النهضة والتحديث




تذكرت فيما كنت أقرأ مقالا للسفير المثقف، السيد عبد الرؤوف الريدي، بأهرام الجمعة الفائت، ما قرأته منذ زمن طويل، حول النهضة الأوروبية وكيف أن من أهم معالم بدايتها وانطلاقها، هو الجهد الذي قامت به أسرة "ميدتشي" التي حكمت في توسكانيا وفلورنسا في مطلع العصر الحديث، وهي أسرة آمنت ومارست الدور الحضاري والثقافي للثروة وللمسؤولين عن إدارة شؤون المجتمع، وذاع صيت أمرائها وفي مقدمتهم الأمير لورنزو العظيم الذي تواتر عنه أنه أعلن عزمه على بيع أثاث منازل آل ميدتشي، ليستكمل بناء المكتبات العامة في توسكانيا وفلورنسا!

لقد كتب السفير الريدي عن منابع الإرهاب وركز على دور المكتبات العامة في بناء صرح النهضة الحضارية والثقافية، وبالطبع العلمية والتقنية في مصر، ووجه الدعوة إلى البدء ببناء ألف مكتبة عامة في مصر، وهنا أقتبس نصيا من مقاله: ".. لأن وضع مصر الآن ليس فقط متدنيا في مجال المكتبات العامة بل هو متدن في مجال البحث العلمي... فحسب دليل Index المنظمة العالمية للملكية الفكرية، فإن مصر تقع في مرتبة قريبة من الأخيرة وتسبقنا الدول العربية باستثناء الجزائر واليمن، أما الإمارات فتحتل المرتبة الأولى، ويحتل الأردن المرتبة الثانية".

إنني ومن المنبر المتميز للرأي بصفحات الأهرام أضم صوتي وأدعو كل حريص على نهضة هذا الوطن أن يفعل الشيء نفسه، لكي تتصاعد المناشدة التي وجهها السفير الريدي للرئيس السيسي، بأن يدعم مبادرة الألف مكتبة عامة في مصر وأن يصدر قانونا يجعل القراءة حقا لكل مواطن، والمكتبة العامة حقا لكل تجمع بشري.. خاصة أن دولا كثيرة في العالم سبقتنا في هذا المضمار، إذ إن الهند مثلا يوجد بها مكتبة عامة لكل ثمانية وعشرين ألف نسمة، وأن إيران متقدمة عن الهند، والدولة الصهيونية متقدمة أكثر وأكثر!

إن أمل نهوض الوطن في كل المجالات يبدأ، فيما أعتقد، ببناء الوعي لدى مواطنيه بأهمية دورهم في تحقيق هذا الأمل، ومعلوم أن بناء الوعي وتعميقه كيفا وكما مرتبط بالثقافة، وقد تطورت وسائل القراءة وصارت الأسطوانة المدمجة أو "الفلاشة" التي يمكن تعليقها في ميدالية المفاتيح، تستطيع أن تحمل مئات من نصوص الكتب في كل المجالات، ولذلك ناديت في أكثر من مقال وأكثر من لقاء أن تبدأ حملة شعارها "فلاشة لكل فصل دراسي بالمدارس" لتحتوي تلك الفلاشة على كتب مختارة بعناية في موضوعاتها وفي مستواها لتتناسب مع الشريحة العمرية لمن سيطالعون محتواها!

ثم إنني أوسع مجال المناشدة ليصل إلى كل الميسورين من أبناء مصر، ولكل التجمعات المدنية من أحزاب سياسية وجمعيات غير حكومية وما على غرارها في الريف والبادية والمدن الصغيرة، كي نكتتب ونتجه لوزارة التنمية المحلية التي شاء القدر الطيب أن يأتي على رأسها عالم جليل وخبير رائد في المجال العلمي والمعلوماتي، ليتم إنشاء المكتبات العامة في ربوع الوطن، وتضم إلى جوار قاعات الاطلاع والاستماع قاعات للندوات وللتجارب المسرحية والإبداعية بوجه عام، فيلجأ إليها الذين لا تتسع لهم المدارس والجامعات، وتصبح المكتبة العامة هي محور الالتقاء الجمعي والحركة الإبداعية في أقاليم مصر، جنبا إلى جنب مراكز الشباب ومقرات الثقافة الجماهيرية، وكلتاهما أتساءل عن وضعها، بمناسبة أننا بصدد تحقيق الأمل في نهضة وطن!

لقد أدى السفير الريدي، وهو شاب ثمانيني مفعم بالحيوية ويقظة الذهن ودائم التساؤل والاندهاش، جهدا كبيرا ومتميزا في مجال إنشاء المكتبات العامة ورعايتها حتى لا تضمحل مع الزمن، ومازال يحاول بكل قوة لكي يستكمل الأمل بالعمل على إنشاء الألف مكتبة الأولى، ليكون لكل مائة ألف مواطن مصري مكتبة، وهو أمر قد يبدو غير مقبول، إذا قارنا بالنسبة في دول أخرى سبقت الإشارة إليها، ورغم ذلك فهو الأمل في كسر حاجز مشوار الألف ميل.. خطوة واحدة بألف مكتبة، وفي هذا الإطار فإن مدينة السويس الباسلة تنتظر أن تكون في مقدمة المدن من عواصم المحافظات، لكي تكون للمحافظة مكتبة عامة كخطوة أولى.. وقد عرفت أن الأرض موجودة، وتبقى الجهة التي ستمول البناء، أما المحتوى فقد تكفل السفير الريدي بالتعاون الجاد فيه، ليكون على أعلى مستوى عالمي!!..

ولذلك أتوجه للسيد الأستاذ الدكتور هشام الشريف، وزير التنمية المحلية، أن يرعى هذا الأمر، لتكون جهود توفير إمكانيات بناء المكتبة العامة بالسويس تحت رعايته وبمساهمة من الوزارة.
                      

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 20 أبريل 2017.

No comments:

Post a Comment