أواصل المطالعة في كتاب الله المفتوح، حيث لخصت الأسبوع الفائت صفحة أولية، فيها بعض تفاصيل الرحلة من مقاطعة كولومبيا البريطانية في أقصى الغرب الكندي إلى مدينة تيخوانا شمال المكسيك، مرورًا بولايات واشنطن ومونتانا وأيداهو ويوتا، ثم نيفادا وأريزونا إلى كاليفورنيا، ومن ثم عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة إلى المكسيك، حيث بوابات الخروج مفتوحة دون أي موظفين، على عكس بوابات الدخول، حيث سؤال الملكين، خاصة أنهم وجدوا على جواز سفري تأشيرة قديمة للعراق!
وقبل أن استطرد في ذكر بعض سطور الصفحة
الثانية من الرحلة في وسط غرب الولايات المتحدة، استرجع ذكريات رحلة لتورنتو في
كندا ومنها إلى شلالات نياجرا.. ثم رحلة أخرى منها إلى واشنطن العاصمة ونيويورك،
مرورًا بمدينة بافالو.. وبعد ذلك منها إلى كالجاري مدينة الزهور الرائعة، ومن
كالجاري بطائرة أقرب إلى "التوك توك"، لا تزيد حمولتها على عشرين راكبًا
إلى "كيلونا"، وكنت طوال الوقت من كالجاري إلى كيلونا أمسك بالكرسي مغمض
العينين، مستدعيًا كل الأدعية والأوراد والاستغاثات!!، لأن الطائرة الصغيرة كانت
ترتج وتترنح وكأنها ستسقط حالًا!!
ثم كانت رحلة متميزة من كولومبيا
البريطانية إلى مقاطعة البرتا، التي تقع شمال شرق كولومبيا البريطانية، وفيها رأيت
ما يجعل المرء يقف ليتأمل ولا يريد المغادرة، وأقصد المتحف الطبيعي، الذي يحوي
الهياكل العظمية للديناصورات بنوعيها النباتي والملحم، أي الديناصورات آكلة
النباتات والأخرى آكلة اللحوم، أي المفترسة.. وقد يجد المرء قمة رأسه عند المفصل
الواصل بين قدم الحيوان وساقه.. وهناك أيضًا بيض الديناصورات المتحجر.. ومن عجب أن
هذه الكائنات شديدة التعملق كانت تبيض!!.. وفي البرتا أيضًا يوجد أكبر مخزون
للرمال السوداء والنفط الصخري!.. وقد تدفقت الهجرة الصينية إلى هناك بشكل لافت،
حتى كادت المنطقة أن تصطبغ كلها باللون الأصفر!
في كندا، خمس المياه العذبة في العالم
كله.. والبحيرات تمتد في امتدادات متصلة "ملضومة"، بين المرتفعات شديدة
الخضرة، حيث غابات الصنوبر والبلوط، وحيث الدببة والوعول.. ومن الدببة تحديدًا كنت
أمضي مرتعدًا في كل توغل بأية غابة، رغم أن هناك عبوات الفلفل الحار للدفاع عن
النفس!
وفي كيلونا، حيث البحيرة التي أشرت إليها
في المقال الفائت، وأسطورة الوحش المسمى "أوجو بوجو"، كانت أول تجربة
للعبد لله في صعود الجبال وسط الغابات hiking،
إذ انضممت مع صديقي جابر حجازي لمجموعة السير الطويل صعودًا، وكانوا كلهم في
الستين فما فوق.. يعني من المتقاعدين، ووفق التعليمات ارتديت شورتًا وحذاءً
رياضيًا، وعلى ظهري حقيبة صغيرة خفيفة، فيها بعض الطعام الخفيف وزنًا وهضمًا
"فاكهة وخيار"، وقنينة ماء صغيرة، وفوجئت بأن قائد المسيرة قد تجاوز الخامسة
والثمانين، وأن لديه عدة ضلوع مكسورة من قبل بسبب السقوط أثناء التزلج على الثلج
واختراق عصا التزلج لقفصه الصدري.. وأن هذه الرحلة للمبتدئين يعني 23 كم صعودًا
وهبوطًا وبس!، وكان السؤال الأول عند التعارف ومعرفة أن الضيف من مصر هو: كيف
لقادم من أرض مسطحة Flat Land أن يصعد معنا؟!، وضحكوا وضحكت، ولكنني تذكرت
المحروسة، وكيف أنك يمكن افتراضًا أن تقف في أسوان فترى البحر المتوسط بلا مرتفعات
ولا غابات تحجب الرؤية، وتذكرت صدمة اللون الأصفر التي عشتها، عندما خرجت لأول مرة
من الدلتا متجهًا إلى الصحراء الغربية، حيث كان يعيش أصدقاء الوالد من أهل سيناء
في مهجرهم بمديرية التحرير، لأنني فعلًا انبهرت بالأصفر الممتد بلا حدود!.. وقررت
في نفسي أن أقبل تحدي الصعود في مسيرة الثلاثة وعشرين كيلو صعودًا وهبوطًا.. ومضيت
صاعدًا غير أنني فوجئت بنداء للتوقف بعد أقل من نصف ساعة مسير، لأن الفريق كان يضم
هواة مثقفين جدًا في أكثر من فرع، وكانت الوقفة لأن أحدهم من المهتمين بالنباتات
صاح "أوه.. فلور Flower"، وأخذ يشرح شرحًا مطولًا عن الزهرة
البرية التي كانت لا تكاد تعلو عن سطح أرض الغابة إلا بعدة سنتيمترات، وشمل الشرح
اسمها العلمي وتشريحها وفوائدها وبذرتها.. وبعد وقت آخر صاح أحدهم "أوه..
بيرد Bird"..
وانطلق في الشرح حول الطائر.. شكله وصوته وحياته وتناسله وأعدائه الطبيعيين
وهجرته!! فيما المجموعة متحلقة حوله.. ووصلنا للنقطة الأعلى في رحلة الصعود، ثم
انحدرنا نزولًا وعندها صاح أحدهم "أوه.. دير Deer"،
وعن قرب كان يمر "أيلا" بقرونه المتشعبة المرتفعة.. ووقف الجميع صامتين
ساكنين حتى لا يسببوا للحيوان إزعاجًا.. وقد لفت نظري أن أكثر من واحد من أفراد
المجموعة، رجالًا ونساءً، كانوا يمسكون بعصي مدببة الطرف الأسفل مثل عصي التزلج،
واكتشفت أن جزءًا من المهمة التي يؤدونها هو تنظيف الغابة من كل ما ليس منها
كالورق والمناديل الورقية وعلب المشروبات الغازية، وأية مواد أخرى تركها من لا
يعرفون معنى احترام البيئة، وكان الواحد منهم يلتقط الورق أو العلبة الصفيح بسن
عصاته المدبب وتوضع الحصيلة في كيس مخصص لجمع هذه المخلفات، وينزلون به ليلقوه في
المكان المخصص لذلك.
وبعد الانتهاء من المسيرة كان غداء مشترك
في مطعم صغير، أعقبه ندوة في منزل أحد أعضاء الفريق.. واكتشفت أنهم كل أسبوع
يقومون بالمسيرة والغداء والندوة، وكل واحد عليه أن يحدثهم فيما هو مهتم به، وكانت
الندوة التي حضرتها في منزل مقاول بناء متقاعد ومليونير، وكان موضوعه هو شرح
محاولته لصنع نبيذ يناسب مرضى السكري!
وعند نهاية الندوة اقترح أحدهم أن تكون
ندوة الأسبوع المقبل حول مصر، ليحدثهم الضيف القادم من الأرض المسطحة أو المستوية
عن الأوضاع في بلاده مع العلم أن ذلك كان في العام 2002.. وعندما جاء دوري اكتشفت
أن الاهتمام منصب على أوضاع المسيحيين في مصر، على ضوء ارتفاع موجات التطرف
الإسلامي!
وعذرًا سيدي القارئ فقد جرفتني الذكريات الكندية، وأبعدتني عن استكمال مطالعة الصفحة الأمريكية من كتاب الله المفتوح.. وأرجو أن أوفيها حقها في مرة مقبلة.
وعذرًا سيدي القارئ فقد جرفتني الذكريات الكندية، وأبعدتني عن استكمال مطالعة الصفحة الأمريكية من كتاب الله المفتوح.. وأرجو أن أوفيها حقها في مرة مقبلة.
نشرت في جريدة
المصري اليوم بتاريخ 29 نوفمبر 2017.
No comments:
Post a Comment