Thursday, 9 April 2015

البحث عن يهوذا




أبدأ بتهنئة من تحق له التهانى بعيد القيامة المجيد.. ومن تحق له التهانى ليسوا مسيحيى مصر وحدهم ولكن كل الذين يدركون أنه وطن تراكمت رقائق حضارته وثقافته داخل وجدانه حتى صارت سبيكة وطنية واحدة يستحيل فصمها إلا بتدميرها!!، ثم أدعو بمناسبة عيد القيامة أن نجتهد للبحث عن يهوذا الأسخريوطى فى كل مكان من أرض المحروسة!

ويهوذا الأسخريوطى لمن لا يعرفون هو ذلك الرجل من تلاميذ السيد المسيح له المجد، وقد تمكنت منه الخيانة فسعى لتسليم المسيح إلى أعدائه.. أعداء الحق وخصوم الحقيقة.. نقرأ فى إنجيل يوحنا الإصحاح الثالث عشر تصويرا للمشهد الذى بدت فيه خيانة يهوذا، وكيف كشفه السيد المسيح: «أما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب إذ كان قد أحب خاصته الذين فى العالم أحبهم إلى المنتهي. فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان فى قلب يهوذا سمعان الأسخريوطى أن يسلمه. يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضي».. ثم نقرأ فى الإصحاح نفسه «.. لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمنى فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون فى من قال عنه. وكان متكئا فى حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذى قال عنه..» «أجاب يسوع هو ذاك الذى أغمس أنا اللقمة وأعطيه، فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الأسخريوطي!»
ثم تأتى لحظة قمة الخيانة فنقرأ فى إنجيل لوقا الإصحاح الثانى والعشرين: «.. وبينما هو يتكلم ـ الضمير هنا عائد على السيد المسيح ــ إذ اجمع والذى يدعى يهوذا أحد الاثنى عشر يتقدمهم فدنا من يسوع ليقبله فقال له يسوع يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان!»

نحن أمام من أكل «العيش والملح» ثم خان، وأمام من اندفع ليصنع القبلات على وجه سيده ومعلمه ثم سلمه لمن يعتزمون إيذاءه بل ينتوون قتله.

لذلك أدعو لنبحث بالدليل والبينة والسلوك والموقف والنتائج عمن يخترقون هذا الوطن ويخونونه، وقد أكلوا خبزه وشربوا ماءه وتمتعوا بثروته، وتراهم يبادرون بتوزيع العواطف الزائفة فى كل لحظة!

لا بد أن نبحث عن يهوذا الذى يلوث ماء النهر والتربة والهواء ويسمم الزرع والضرع، كى تتوالد أجيال مريضة عليلة لا تنتج ولا تقدر على الدفاع عن ترابها الوطنى وعن الحياة!

ولا بد أن نبحث عن يهوذا الذى يدمر العملية التعليمية والبحثية، ويقدم المناهج والأفكار المسمومة لأطفالنا وشبابنا فيتخرجون فى الجامعات، ويحملون أعلى الدرجات، وهم لا يكتبون جملة عربية صحيحة ولا يجيدون لغة أخري، ولا يملكون أى قدرة بحثية خلاقة!

نبحث عن يهوذا فى مجال الخدمات العلاجية والوقائية، أى صحة الإنسان المصرى ذلك الخائن الذى ينتج دواء بلا مادة فعالة، ويترك المرضى بلا عناية، والمعدات يعلوها التراب أو يأكلها الصدأ والإهمال أو يرتشى مقابل حصول الناس على حقوقهم المشروعة.. وهكذا هو يهوذا فى الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات وكل مجال!

أما الأخطر فهو يهوذا الذى لا يتوقف عن تعميق وتوسيع خطر التفتيت والتفكيك، تفتيت الوطن إلى معازل منفصلة وفق الدين أو الطائفة أو المذهب، وتفكيك الوطن إلى جهات وأعراق وتمزيقه بالظلم الاجتماعى بدعوى حق رأس المال أن يكسب ما يشاء وفقما شاء دون أى التزام حضارى أو ثقافى أو اجتماعي!

والأشد خطورة هو يهوذا الذى يستحل لحم ودم أبناء الوطن، وفى طليعتهم قواتنا المسلحة والشرطة، وأيضا الأبرياء الذين يلقون حتفهم جراء تفجيرات القنابل فى الشوارع وعلى الكباري، وأمام المدارس والمستشفيات والبنوك ونقاط الحراسة!

هو يهوذا الذى يسهل إقامة الأنفاق تحت الحدود ويتستر عليها، وهو يعلم أنها خناجر مسمومة تمتد فى جسد الوطن، تمزق شرايينه وأوردته وأحشاءه، وهو يهوذا الذى يهمل ولا يتعلم الدرس ولا يستفيد من الخبرة، ويترك يهوذا الأكثر خيانة يشمت ويبتهج بأنه ينفذ الجريمة بالأسلوب نفسه مرة بعد مرة، نافذا من ثغرات الإهمال والاعتياد وعدم الانتباه.

ونحن نبحث عن يهوذا لا بد أن نلتفت إلى أنفسنا فربما يكون داخل كل واحد منا يهوذا الخاص به.. يهوذا الذى يثبط همتنا من داخلنا فنعوق الآخرين النشطين عن أداء دورهم.. يهوذا الذى يحفزنا للتشكيك فى كل شيء والسعى لتشويه كل إنجاز، والتقليل من شأن أى جهد، وطمس ملامح المستقبل بالسواد الكالح الذى يحجب الضوء ويطمس البصيرة ويعمى البصر!

لا بد أن نبحث ونقتل يهوذا الذى بداخلنا، يبيح لنا الانتهازية والوصولية وتبوؤ المواقع بلا كفاءه إلا إجادة النباح وتمزيق نسيج الوطن!

فى عيد القيامة.. هذه تهنئة لمن يحق لهم ذلك.. وفيه أعيد التذكير ببعض ما جاء فى الموعظة على الجبل: «احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكى ينظروكم وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذى فى السموات.. فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون فى المجامع وفى الأزقة لكى يمجدوا من الناس. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك. لكى تكون صدقتك فى الخفاء. فأبوك الذى يرى فى الخفاء هو يجازيك علانية. ومتى صليت فلا تكن كالمرائين» إنجيل متى الإصحاح السادس.
                                          
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 9 أبريل 2015

Thursday, 26 March 2015

أكثر من «ليت»





كان بمنزلة جد أبى.. لحقته وهو مصاب بشلل نصفى أقعده، وكانوا ينادونه «على أبوصدر»، لأن صدره كان عريضًا بشكل لافت، ولتمييزه عن أكثر من «على» يحملون لقب العائلة، وكانوا يخرجونه من داره صباحًا ليتشمس فى الشتاء أو يتنسم الهواء البحرى فى الصيف، وكنت أحب الاستماع لحكاويه التى منها أنه باع محصول القطن ذات سنة وكان وفيرًا من نوع الكرنك، وأخذ فلوس القطن وارتدى الجلابية البلدى الصوف ذات القياطين وتلفح بالعباءة الجوخ، وخرج من البلد ومعه صديقه عثمان عمارة بفلوس قطنه هو الآخر، ومن البلد اتجها لكفر الزيات، ومنها بالمركب إلى روض الفرج حيث «المرسح» - أى المسرح - وحيث تغنى سلطانة الطرب منيرة المهدية.. وقال لى إنهما اتجها للمرسح وعلى رأسيهما اللبدة الوبر الطويلة، وجلسا يستمعان ولما استبد الوجد والانبهار بصديقه عثمان وقف الأخير وخلع اللبدة وعبأها بفلوس القطن فئة المائة جنيه أم مئذنة وبأقصى قوته وعلى آخر ذراعه قذف باللبدة وما فيها صائحا: «الله يا سلطانة.. أنا أبوالعصاميم شيخ رجالة الغربية والفؤادية»، ووقعت اللبدة تحت أقدام الست منيرة، التى بدت وكأنها لم تشعر بما جرى واستمرت فى الطرب، بينما ضجت الصالة بصوت بذيء خرج من أفواه المستمعين تعليقًا على هتاف أبوالعصاميم!

ثم يستطرد سيدى على: «وأيمانات المسلمين يا ابن بنتى كانت أمى بنت شقيقه وهو عم جدى لأبى أخرجوا صوت الريح من أفواههم وكأنهم كانوا متفقين مع بعض على عثمان.. ومن فورنا انصرفنا من المرسح متمنين ألا يرانا أحد».. كان يحكى بالعامية طبعًا.. ومنذ تلك الأيام والعبد لله يصادف كثيرًا من أمثال عمنا «أبوالعصاميم»، لأن عاميتنا تنطق الثاء صادا فى كثير من الأحيان فيصبح عثمان.. عصمان!

صادفت فى المرحلة الطلابية ومرحلة السجن ومراحل العمل العام من يعطى لنفسه أهمية يراها لذاته، وربما يخلع البعض على البعض الآخر ألقابًا يوزعونها بالتبادل، فهذا ينادى «يا ريس»، وذاك ينادى «يا زعيم» وذاك يروج له أنه «المناضل» وغيره أنه «المفكر والأستاذ» وهلم جرا، لتبحث عن شخص عادى فلا تجد لأنهم جميعًا أبوالعصاميم شيخ رجالة الغربية والفؤادية، وربما عموم القطر!

وآخر الصيحات فى هذا الاتجاه هى من يستلب لنفسه حقوقًا على المشاع.. فهو المرشح الرئاسى الأحق تاريخيًا وسياسيًا ونضاليًا، ولا عبرة عنده ولا عند الذين يدورون فى فلكه بشيء اسمه الصناديق ولا إرادة الناس ولا انقضاء الأدوار بدوران الزمان ولا بالمصداقية.. يعنى «هو كده».. وهو المتحدث الكونى باسم الشباب رغم أنه على مشارف العقد السابع، إن لم يكن بدأه فعلًا.. وتراه وقد تصدرت سحنته صدر صحيفة ما، تهالك مالكها تقلبًا بين الانتماءات السياسية، ولم يكتب له أى نجاح ولو فى نادٍ رياضي، وتقرأ أن المتشبب يوجه رئيس الدولة بأنه لا سبيل إلا المصالحة، فتظن أنه ما زال متوقفًا عند مرحلة سابقة هى مرحلة المصالحة مع الجماعة الإرهابية «الإخوان»، إذ بدأ بالاعتذار نيابة عن جمال عبدالناصر وتياره للإخوان عما يقولون إنه جرى لهم ظلمًا وعدوانًا، فيما الحقيقة الثابتة الناصعة الواضحة أنهم أرادوا التعشى بناصر وثورة يوليو فكان أن تغدى بهم، ثم توالت الاقترابات مع الإرهابيين وتعانقت الأيادى، إلى أن حدث التوسل إليهم ليسمحوا لبعض أنصاره بدخول البرلمان، حتى وإن كان المسموح به فتاتًا لا يليق لا بالزعامة ولا بالرئاسة ولا بالنضال ولا بالأستاذية.. غير أنك تكتشف أن دعوة المصالحة هذه المرة قد انتقلت من الاتجاه للإخوان الإرهابيين إلى التحدث باسم الشباب، يعنى أن هناك خصومة قائمة بين النظام الحالى رئيسًا وحكومة واتجاهًا وبين الشباب.. فإذا أردت أن تسأل من هم الشباب تحديدا.. وهل يوجد تفويض منهم وهل هو حزب الشباب أم تيار الشباب؟! لا تجد إجابة، يعنى «هو.. كده» أيضا، وعلى المتشكك أن يذهب ليسأل الشباب مثلما سأل السائل أحدهم: هل تستطيع أن تحصى النجوم فى السماء التى فوقنا؟ ورد ذلك «الأحدهم» فورا: «إنها عشرميت مليون».. وإذا لم تصدقنى اصعد وقم بتعدادها!»

والمصالحة عند القطاعات الواسعة من المجتمع من مختلف الأعمار - بمن فى ذلك الشريحة من قبيل العشرين سنة إلى قبيل الخمسين سنة، يعنى الشباب تقريبا- تعنى توفير حياة كريمة تكفل التعليم المحترم والصحة والسكن والعمل والخبرة.. يعنى مشاريع عملاقة وكبيرة ومتوسطة وصغيرة، يعنى ما يتم فى قناة السويس وشرق التفريعة وما سيتم وفق أجندة التنمية التى بدأت بالمؤتمر الاقتصادي، وبالتالى لن يكون هناك وقت فراغ للدوشة فى الشوارع والنواصى وغيره من مطالب الفئة «العصاميمية!»

إننى أعلم يقينا أن حقوق المواطنة الكاملة التى كفلها الدستور ونظمها القانون يجب ألا تكون مجالا للمطالبة ولا للمزايدة، وأنه على الدولة والنظام كفالتها والمسئولية عنها حتى يمضى البلد فى طريق تنميته وتقدمه، محصنًا بتلك الحقوق مفعلا كل الواجبات، ومع ذلك أعلم أيضا أن هناك من سيصرخ: «اِلحق.. هؤلاء هم عبيد السلطة وخدم البيادة، الذين تمكنت العبودية من عقولهم ووجدانهم، ويبحثون عن المكاسب والامتيازات ويؤثرون السلامة الشخصية على حساب سلامة الوطن وكرامته».

ومع ذلك، ولأن الصدفة وحدها شاءت أن يقترب كاتب هذه السطور لحقب ممتدة من تلك العينة.. عينة «أبوالعصاميم».. بل والأنكى أننى كدت لفترة أن أكون واحدًا من تلك العينة، ولبست السلطانية بالفعل، ولكن الكرم الإلهى ورضا الوالدين ساعدانى على أن أخلع السلطانية منذ زمن طويل، ولم يسلم جلدى من خمشات ضارية، ليس هذا مجال تفصيلها!

فليتركوا الشباب يتحدث عن نفسه، وليساعدوه على أن يتوجه إلى مشروعات البناء فى القناة من بورسعيد للسويس وفى البحر الأحمر.. أو يناشدوه أن يتجه للمساهمة فى مواجهة مخاطر الطبيعة التى تهجم على المحروسة الآن من البحر ومن الصحراء، وليت المصالحة تتم مع الوطن.. أرضه ونهره وبحره وريفه وباديته وحضره.. وليت أى «عصمان» من «العصاميم» يظهر نصف عارٍ وبيده مغزله ومن ورائه عنزته.. مثل غاندى.. ليعلن أنها ساعة للعمل والعرق وليست دهرًا للزعيق والمزايدة واستلاب الأدوار.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 26 مارس 2015

Thursday, 12 March 2015

Salafists, state and society… again




As expected… the state institutions and regime respond to what some people write in newspapers, including me, as if we say nothing… even if one of those papers is the prestigious Al Ahram newspaper with its history we all know.

As I wrote two weeks ago wondering about the secret behind the silence of state institutions, especially the interior ministry, ministry of endowments and the presidency as well, towards what salafists say and do, atop of those salafists is the member of parliament and member of the “values” committee; Yasser Burahmi… as what he said hits the concepts of citizenship, national unity, the country civilization, cultural and social cohesion in the heart… not to mention that it goes against the state constitution and laws and which may rise to the level of crime.

This Burahmi did not only question the faith of the Christian Egyptian citizens nor say that their destiny will be in hell, but also described anyone who disagrees to what he says or objects to his deeds, which are against the constitution, law and all cultural and civilization values, as mean atheists.

Despite that all what this Burhami and his likes said and published online, especially on Facebook, not a single response from the interior ministry, ministry of endowments or the attorney general was issued… it is known that the ministry of endowments is not involved in this matter because it let him give his speeches in mosques saying that he managed to pass the exam they set for this which I do not know if it includes a question asking about the stance toward citizenship, constitution texts and law articles?... also, does it inquire about the stance toward the Quranic verses saying that we all should leave any inter-faiths dispute for God to be the judge in them in the afterlife?

Such talking about draining terrorism sources until it falls down is nothing but nonsense… also talking about renovating Dawaa discourse known as the religious discourse… since the most dangerous ideological, Fiqhi and also financial sources of terrorism come from those who think of religion as just a short garment, shaved moustache and strictness of empty souls that are against everything that is beautiful; whether feelings, arts or talents.

I saw an episode of the TV-show presented by the respected media figure Mona Salman on one of the satellite channels… I was surprised when they hinted at an open interview they had with a group of people including Nader Bakkar; the known salafist figure… the one who introduces himself and salafists, too, introduce him as one of their most open-minded figures.

The salafists’ website re-broadcasted the interview and then I saw an unbelievable thing… the salafists’ website kept the video going when Bakkar was speaking but when it was Mrs. Mona Salman’s turn to speak, they blurred her face image with this known digital technique used to blur faces of criminals in the cases disputed in courts… as if this respected lady is a convicted criminal!

Of course, we know why they blurred her face like this on their website… because they consider the woman’s face an Awra, meaning it must be covered… why not? One of their known figures, called al-Howaini, had already once said that the woman’s face is like her vulva… just like this!

After all this… after all what Burhami, the salafists’ website, al-Howaini and their likes say and do, the salafists stay in their political, Dawaa and media positions as if they do blackmail the state and ruling regime institutions.

Curtailing religion into a short garment, shaved moustache and bushy shaggy beard is a symptom of a more profound illness; that is the strictness and soul emptiness that go against anything beautiful.

Such soul emptiness is well represented in depriving people from taking command of their relation with God… as those cruel harsh salafists do not believe in supplications between man and God in the form this man feels comfortable in… to them, all prayers, supplications and poetry created by human consciences loyal in their belief and faith are nothing but heresies.

Such strictness is also represented in denying any yearning for prophet Muhammed’s family, their love, glorifying them and anyone who took passion as a way to reach the full knowledge without dropping a single pillar of faith.

Such emptiness and strictness we can see in their way in calling for prayers… in their way of discussing and dealing with people; whether Muslims or non-Muslims… as their arrogance and pretending that they alone possess the truth appear… such roughness has to do with their denial to everything beautiful… as music… plastic art… sculpture… opera and acting… art in general… good manners… elegant dressing… to the rest of concepts that lie in the dictionary of beauty… in their opinion, all these are heresies whose creators will go to the deepest bottom of hell.

I noticed the interests of many of them and found that they focus on land and real estate trading and constructing buildings… also, they are professional in infringing regulations… I cannot forget the scene I was watching from the balcony of my house at the seventh floor… as the maximum altitude of violation storeys – again, I repeat… violation – was ten storeys… while the allowed altitude of the building was four and later became two times and a half double the width of the street as I think.

I saw some of those salafists establishing a fence around a piece of land then they used the water of the fireplug to mix the cement into concrete… the building kept going higher and higher until it became seventeen storeys… and whenever the municipal officials come, those salafists hide until they finished… I asked one of them whether it is Halal or Haram to use the water of the fire hydrant in building the foundations and seventeen storeys… and of course, his answer was based upon what al-Albani said!

In addition to their trading in lands and real estate, they also trade in cattle, meat and dairy products… and so, one finds himself standing before corpulent bulky bodies lacking any sentiments or taste… starting from bushy shaggy beards and not ending by denying all that is beautiful.

After all this, the ministry of endowments allows those, who act against the constitution and law and who despise emotions and beauty, to give sermons in mosques claiming that they passed the exam! Also, the interior ministry stays silent towards the public incitement against Christians and against everyone committed to the principle of citizenship… it also seems that the stance of the presidency is vague as I have not heard for once a presidential question for Mr. Makhion inquiring about what Burham and salafists in general say against Christians and against proper teachings of religion.

Translated into English by: Dalia Elnaggar




This article was published in Al Ahram newspaper on March 12, 2015.

To see the original article, go to:


#alahram #ahmed_elgammal #salafists

السلفيون والدولة والمجتمع.. مرة ثانية




كما هو متوقع.. يتم التعامل الرسمى من مؤسسات الدولة ومن النظام مع ما يكتبه البعض، وأنا منهم، باعتباره كلام جرايد حتى وإن كانت الجرايد هى صحيفة «الأهرام» بجلالة قدرها.. إذ كتبت الخميس قبل الفائت متسائلاً عن سر صمت مؤسسات الحكم، وفى مقدمتها الداخلية والأوقاف وأيضًا الرئاسة، على ما يقوله ويروج له ويفعله السلفيون، وعلى رأسهم نائب «القيم» ياسر برهامى بما يضرب المواطنة والوحدة الوطنية وحضارة الوطن وثقافته وتماسكه الاجتماعى فى صميم الصميم، عدا عن أنه منافٍ لما ورد فى دستور البلاد ومخالف للقوانين السارية وبما يرقى لمستوى الجريمة، وحيث لم يكتف برهامى بالطعن فى عقيدة المواطنين المصريين المسيحيين، ولا بتحديد مصيرهم الأخروى الذى مرده إلى الله، وإنما بوصف من يخالفون كلامه هذا ويرفضون فعله المنافى للدستور والمخالف للقانون والمعادى لكل القيم الحضارية والثقافية بأنهم فسقة زنادقة!

ولم يصدر حتى الآن رغم ما كُتب ورغم تداول أقوال برهامى وأمثاله على وسائل الاتصال، وفى مقدمتها «فيس بوك»، أى رد فعل من الداخلية ولا من الأوقاف ولا من النائب العام.. ومعلوم أن الأوقاف ليست مقحمة فى المسألة، لأنها سمحت له بالخطابة على المنابر بحجة اجتيازه الامتحان الذى وضعته، والذى لا أدرى هل فيه سؤال عن الموقف من قضايا المواطنة ونصوص الدستور ومواد القانون، بل وأيضًا الموقف من الآيات القرآنية التى أوجبت على الجميع أن يتركوا أى خلاف عقيدى إلى أن يحسمه رب العزة فى الآخرة.

ثم إن الكلام عن تجفيف منابع الإرهاب وحصار وجوده إلى أن يضمر ويجف ويسقط يعد كلام «أونطة»، هو والكلام عن تطوير وتجديد الخطاب الدعوى المشهور بأنه خطاب ديني، لأن أخطر المنابع الفكرية والفقهية وأيضًا المادية يأتى من أولئك الذين اختزلوا الدين فى قميص قصير وشارب حليق ويبوسة أو جفاف روحى يعادى كل ما هو جميل مشروع من عاطفة أو ذوق أو موهبة!

ولقد شاهدت حلقة من البرنامج الذى تقدمه الإعلامية المحترمة منى سالمان على إحدى القنوات الفضائية، وفوجئت بالإشارة إلى حوار مفتوح شارك فيه معها ومع آخرين نادر بكار السلفى المعروف، والذى يقدم نفسه ويقدمونه باعتباره أحد وجوههم المقبولة الأكثر انفتاحًا، ثم قام موقع السلفيين بإعادة الحوار، وإذا بنا أمام أمر لا يصدقه أى عاقل أو حتى مجنون.. فالموقع السلفى جاء ببكار وهو يتحدث، وعندما جاء صوت السيدة منى سالمان إذا بهم يعرضون صورتها وقد طمسوا ملامح وجهها بالوسيلة المعروفة التى تُستخدم لطمس وجوه المتهمين فى قضايا جنائية منظورة أمام المحاكم.. وكأن السيدة الفاضلة مجرم متهم!.. وبالطبع معلوم لماذا طمسوا وجهها على موقعهم، لأنهم يعتبرون وجه المرأة عورة لا يجوز كشفه، ولماذا لا، وقد صرح أحد كبارهم واسمه الحوينى منذ فترة بأن وجه المرأة كفرجها.. هكذا بصراحة دون مواربة لأنه لا حياء فى الدين!

وبعد ذلك.. بعد كل ما يقوله ويفعله برهامى والموقع والحوينى وأمثالهم يبقى السلفيون فى مواقعهم الإعلامية والدعوية والسياسية وكأنهم كاسرون فعلاً عين الدولة ومؤسسات النظام.

إن اختزال الدين فى قميص قصير ــ لأن الجلباب للمرأة والقميص للرجل: «فإن كان قميصه».. و»يدنين من جلابيبهن» ــ وشارب حليق ولحية شعثاء غير مهذبة هو عرض لمرض أشد عمقًا وهو اليبوسة أو الجفاف الروحى المعادى لكل ما هو جميل مشروع من عاطفة أو ذوق أو موهبة!

إن الجفاف الروحى يتجلى أشد ما يتجلى فى حرمان الخلق من امتلاك زمام علاقتهم بالخالق جل وعلا، فلا مجال عند أولئك الغلاظ القساة للمناجاة بين العبد وبين ربه بالصيغة التى يرى العبد أنها تريحه وتلبى كوامن وجدانه المحبة للخالق والخاضعة له.. ولذلك فكل الدعاء وكل الأوراد وكل الشعر وكل النثر الذى أبدعته وجدانات بشرية مخلصة فى توحيدها هو عندهم بدع خارجة يستحق صاحبها الجحيم والزمهرير!!

ويتجلى الجفاف فى سحق أى نزوع للحنين لآل بيت النبى وحبهم وإعلاء شأنهم هم وكل من أخذ طريق الذوق والتواجد ــ من الوجد ــ للوصول إلى المعرفة المتكاملة دون أن يُسقط ركنًا من أركان العقيدة أو أن يشوب إيمانه شائبة شرك أو كفر!

وهذا الجفاف وتلك الغلظة اللذان يظهران فى طريقتهم فى رفع الأذان، وفى آداب المناقشة والتعامل مع خلق الله، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، حيث يظهر الصلف والتكبر وادعاء احتكار الحقيقة، هو جفاف يتصل فى رفضهم لكل ما هو ذوق.. فالموسيقي.. والفن التشكيلي.. والنحت.. والأوبرا والتمثيل.. وعموم الفن.. واللياقة والأناقة فى الملبس وإلى آخر ما فى قاموس الذوق من مفردات ومضامين، هو عندهم بدع وضلالات تذهب بصاحبها إلى أعماق الجحيم والزمهرير..

ولقد تابعت اهتمامات كثيرين منهم فوجدتهم يركزون على تجارة الأراضى والعقارات وبناء العمارات واحتراف التزويغ من الضوابط، ولا أنسى المشهد الذى كنت أراقبه من شرفة منزلى بالدور السابع، حيث أقصى ارتفاع مخالف وأكرر مخالف، كان عشرة أدوار، أما الارتفاع الشرعى فكان أربعة ثم صار ضعف ونصف عرض الشارع على ما أظن، وشاهدت مجموعة من الدقون حليقة اللحى تُقيم سورًا على قطعة أرض ثم تم استخدام حنفية مياه المطافى فى خلط الخرسانات، وظل البناء يرتفع حتى أصبح سبعة عشر طابقًا.. وكلما جاء مندوبو الحى ركضوا إلى أن بدا أنهم «خلصوا» بلغة أولاد البلد.. وسألت واحدًا منهم عن مدى الجلال فى استخدام مياه حنفية المطافى لبناء القواعد والأدوار السبعة عشر، وكانت إجابته مستندة للألبانى رضى الله عنه!

وإلى جانب الأراضى والعقارات هناك تجارة المواشى واللحوم والألبان، لتجد أمامك صروحًا بشرية مدكوكة فاقدة للذوق، ابتداءً من تهذيب اللحى وليس انتهاءً برفض كل ما هو جميل.. وبعد ذلك كله تأتى وزارة الأوقاف وتسمح للذين يتصادمون مع الدستور، ويخالفون القانون ويجافون العاطفة، ويمقتون الجمال لتمكنهم من المنابر بدعوى اجتياز الامتحان!

ولتستمر الداخلية فى صمتها على التحريض العلنى ضد المسيحيين وضد كل الملتزمين بمبدأ المواطنة، وليبدو أيضًا موقف الرئاسة غامضًا لأننى لم أسمع مرة واحدة سؤالاً رئاسيًا للأستاذ مخيون عن هذا الذى يروجه برهامى ويروجه السلفيون ضد المسيحيين وضد الدين الصحيح.
                                     
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 12 مارس 2015

Thursday, 26 February 2015

Salafists and blackmailing the state




I am trying to know when, how and where this one called Yasser Hussien Mahmoud Burhami Hashish has managed to blackmail the interior ministry, government, regime and state?... as what he says in public requires accountability and punishment if we have a constitution to respect and a law to enforce in this country.

I do not think the currently ruling regime is in need of a cover claiming to be religious that can work instead of the general moral one coming from the values of citizenship and the Egyptian cultural and civilization system that goes back in time to the dawn of history… starting from ancient Egypt since the first dynasty… to the Hellenistic era… Christian era… then Islamic era… and finally to the modern and contemporary era… as some political regimes need a cover claiming to represent the religious reference since they adopt a negative stance towards values of citizenship and cultural civilization systems at large.

And so, I do seriously wonder, when, how and where has this Burahmi; deputy of the salafist Dawaa, managed to blackmail the state institutions to the degree that enabled him recently to give sermons in mosques for a reason I believe is funny… that is he passed the exam set by the ministry of endowments… I do not know if this exam included a question asking: what is your opinion of those who give judgments of criminality, assault, injustice and atheism over an Egyptian citizen or an Egyptian group without a juridical verdict?... does anyone who considers himself a preacher to the way of God have the right to give such judgments on the Christian Egyptian citizens?

All entities in charge have already known what any Egyptian citizen following what is published and broadcasted over the internet knew, when Burhami was asked about how the Muslim husband should treat his Christian wife… his answer was extremely evil and vicious.

Neither Al-Azhar nor the ministry of endowments replied to what he said… not even the public prosecution or the ministry of interior… only people like me reacted and replied to what he said and it looked like a verbal fight with a man inciting on hatred, contempt, loathing, destroying family relations and disagreement to everything that is human and respectful.

The same thing happens again… not from Burhami alone… but from another one belonging to the same salafist specimen named Yahia Refa’i Sorour who said in public about the Egyptian citizens martyred by slaughter in Libya: “they are sheep… 21 Christian sheep whose blood is cheap because we – the pronoun relates to him – do not have a citizenship contract with them… and we feel offended that Copts stayed safe in Egypt after the coup”.

As to Yasser Burhami, he said in pubic in a video recording that the Egyptian Christian citizens: “they are an atheist unjust assaulting criminal minority that assaults the right of the majority… we call our brother Christians atheist… yes, they are our brothers in the country… but they are atheist if they kept believing in their religion and they shall go to hell..”… then he describes anyone who disagrees to what he says as “they are people of hypocrisy and atheism”… meaning that all people and entities that disagree to Yasser Hussien Mahmoud Burhami Hashish are hypocrite atheists!

This Yasser Burhami and leaders of the salafist Dawaa like Muhammed Ismail al-Mokaddem, Muhammed Abdel-Fattah Abo-Idris, Abdel-Mone’am ash-Shahat and others are the occupying the forefront of the religious Dawaa scene… and they have a political party that seeks representation in the parliament and which may have the first, second or third majority in the coming elected parliament.

I have searched quickly about the root of the phenomenon of the salafist Dawaa in Alexandria… and I have been through some parts of references and knew that they all are influenced and even basically committed to opinions of Ibn Taymmiya, Ibn al-Qayem, Muhammed ibn Abdel-Wahhab and al-Albani.

I have already discussed in this very space of Al Ahram newspaper some Fatwas of Ibn Taymmiya towards Christians in specific and others in general… in such Fatwas, there is a lot of evil and injustice towards Islam and humanity…I also try to know more about the opinions and Fatwas of al-Albani because I have not argued with anyone of those like Burhami and al-Albani unless he says: “al-Albani said…”… as if this al-Albani is their first and last reference… his full name is Muhammed Ibn al-Hajj Nouh Ibn Nagati Ibn Adam al-Ashqoudri al-Albani al-Arna’outi or the Arnaut nicknamed as “Abu Abdel-Rahman”. He was born in 1914 in Ashqoudra; the old capital of Albania and died in 1999. His father left Albania while he was one of the biggest scholars of Hanafi Mazhab or doctrine. His father immigrated to Damascus along with his son. The reason behind his immigration was that he disagreed to the King of Albania Ahmed Zogho after the latter prohibited women from wearing Niqab!

Dear reader… you can go through the books of al-Albani and Burhami Hashish… and along with them the chief of the Alexandrian salafist Dawaa; Muhammed Abdel-Fattah Abu Idris… in general, you will find that these books are nothing but annotations explaining the Mutoons[1] of Ibn Hanbal, Ibn Taymmiya and Muhammed Abdel-Wahhab.

One cannot have discussions based on logic and comprehensive aware Fiqhi and scientific evidence with such people… a wise man cannot waste his time arguing with those who have no human feelings in dealing with people and guiding them with wise and kind words.

The only possible thing to do is that state institutions, governed by the constitution and law, shall react to such outrageous behaviour… especially that we are in a very critical situation as we are fighting on five fronts; east, west, north, south and in the heart of our country… the state institutions shall stop these people and punish them as per the law for what they do against the nation and citizens.

Here I ask the minister of endowments and I know he is a man who knows his role and can do anything to keep Egypt’s mosques away from fanaticism and ignorance… how could Burhami and his likes who adopt such declared opinion of describing the Christians as atheists and considering them as an infidel wrongful aggressive criminal minority who should go to hell… how could they manage to deliver sermons in mosques?

Not only this… moreover, they consider all who disagree to the salafists’ opinion about Christians an atheist wrongful… meaning all of us starting from the president to the very common citizen like me… for God sake, how do the lawyers and public prosecution not do something to stop such crime and prosecute those people in public?

How can we stay silent and stand still before those who provide the complete theoretical referencing for what Daesh and its likes do… since the completion of what Burhami and his likes say is the question asking: “now what should we do with those who are atheist, aggressive, criminal and wrongful… and also those hypocrite atheists who disagree to us?”

Won’t the answer be what Daesh does in reality of burning people alive and slaughtering humans?

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Al Ahram newspaper on February 26, 2015.

To see the original article, go to:

#alahram #ahmed_elgammal #Egypt #salafists



[1] Mutoon: (Arabic: متون) the Arabic plural word for muton (متن) which is the text containing the main idea.

السلفيون وكسر عين الدولة!


أحاول السعى لمعرفة متى وكيف وأين كسر المدعو ياسر حسين محمود برهامى حشيش عين الداخلية أو الحكومة أو النظام أو الدولة؟!.. ذلك أن ما يقوله على الملأ يستوجب المساءلة والحساب والعقاب، إذا كان فى هذا البلد دستور يحترم وقانون ينفذ.

لا أظن أن النظام القائم حاليا يحتاج لغطاء يزعم أنه دينى يغنى عن الغطاء الأخلاقى العام، النابع من قيم المواطنة والمنظومة الحضارية الثقافية المصرية الضاربة بجذورها منذ فجر التاريخ، مرورا بمصر القديمة منذ الأسرة الأولي، وبما بعدها من هللينستى ومسيحي، ثم إسلامى إلى الحديث والمعاصر، حيث يحتاج بعض النظم السياسية لغطاء يزعم المرجعية الدينية، لأنها تتخذ موقفا سلبيا من قيم المواطنة والمنظومات الحضارية الثقافية بوجه عام، ولذلك أتساءل وبجدية كاملة متى وكيف وأين كسر برهامى نائب قيم الدعوة السلفية عين مؤسسات الحكم، ولدرجة تمكينه من اعتلاء منابر المساجد مؤخرا لسبب أراه من نوع «شر البلية»، أى أنه مضحك، وهو اجتيازه امتحانا وضعته وزارة الأوقاف، ولا أعرف إذا كان الامتحان قد تضمن سؤالا هو: ما رأيك فيمن يحكم بالإجرام والاعتداء والظلم والكفر على مواطن مصرى أو جماعة مصرية دون حكم قضائي، وهل من حق من يعتبر نفسه داعيا إلى الله أن يطلق هذه الأحكام على المواطنين المصريين المسيحيين؟! لقد سبق وعرفت كل الجهات المسئولة ما عرفه أى مواطن مصرى يتابع ما ينشر ويبث على وسائل الاتصال الإلكترونية عندما سئل برهامى عن معاملة الزوج المسلم لزوجته المسيحية، وكان رده غاية فى الإجرام والفحش.

ولم يرد عليه لا أزهر ولا أوقاف، ولم تردعه نيابة عامة أو وزارة داخلية!.. وقام أمثالى بالرد عليه وصار الأمر كأنه معركة كلامية مع شخص يحض على الكراهية والازدراء والبغض، وتدمير الروابط الأسرية، ومخالفة كل ما هو إنسانى محترم.

ثم يتكرر الأمر ليس من برهامى وحده، وإنما من آخر من العينة السلفية نفسها اسمه يحيى رفاعى سرور، الذى خرج علنًا ليقول عن المواطنين المصريين الذين استشهدوا ذبحا فى ليبيا: «إنهم خرفان.. واحد وعشرون خروفا مسيحيا دماؤهم رخيصة لأنه ليس بيننا ـــــ والضمير عائد على ذلك اليحيى عقد وطن ونشعر بالإهانة لأن الأقباط ظلوا آمنين بمصر بعد الانقلاب».

أما ياسر برهامى فقد قال علنًا بالصوت والصورة عن المواطنين المسيحيين المصريين: إنهم «أقلية مجرمة معتدية ظالمة كافرة تعتدى على حق الأغلبية.. ندعو إخواننا النصارى كفار.. إخواننا نعم فى الوطن.. وهم كفار إن بقوا على كفرهم فهم فى نار جهنم..»، ثم يصف من يخالفونه فيما يذهب إليه «بأنهم أهل النفاق والزندقة».. يعنى كل الأشخاص والجهات التى تخالف ياسر حسين محمود برهامى حشيش زنادقة منافقون!.. وبعد ذلك يبقى ياسر برهامى وقادة الدعوة السلفية مثل محمد إسماعيل المقدم ومحمد عبد الفتاح أبو إدريس وعبد المنعم الشحات وغيرهم متصدرى المشهد الدعوى الديني، ولهم حزب سياسى يسعى للتمثيل، وربما الأغلبية الأولى أو الثانية أو الثالثة فى البرلمان المقبل!

ولقد بحثت بسرعة عن أصل ظاهرة الدعوة السلفية بالإسكندرية، وطالعت مقتطفات من مراجع سريعة وعرفت أنهم جميعا متأثرون، بل ملتزمون بآراء ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب والألبانى بشكل أساسي، وقد سبق وناقشت فى هذه الصفحة من «الأهرام» بعض ما أفتى به ابن تيمية تجاه المسيحيين خاصة، والآخر بوجه عام، وفيه من الإجرام بحق الإسلام وحق الإنسانية ما فيه، ثم إننى أسعى لمعرفة ما أنتجه الألبانى من آراء وفتاوي، لأننى لم أصادف واحدا ممن هم على شاكلة برهامى والحوينى إلا ووجدته يقول من فوره: قال الألباني!! وكأن الألبانى هو الأول والآخر، اسمه الكامل محمد بن الحاج نوح بن نجاتى بن آدم الأشقودرى الألبانى الأرنؤوطى وكنيته «أبو عبدالرحمن»، ولد عام 1914 وتوفى عام 1999 وكان مولده فى أشقودرة العاصمة القديمة لألبانيا، وقد ترك أبوه ألبانيا وهو أحد كبار علماء المذهب الحنفي، وهاجر إلى دمشق ومعه ابنه محمد، وكان سبب هجرته اختلافه مع ملك ألبانيا أحمد زوغو بعد منع النساء من ارتداء النقاب!

ثم إن لك عزيزى القارئ أن تنظر فى سجل مؤلفات الألبانى وبرهامى حشيش، ومعهما رئيس الدعوة السلفية الإسكندرانية محمد عبد الفتاح أبو إدريس، فتجدها فى عمومها لا تزيد على حواشٍ شارحة لمتون ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب.

نحن أمام تركيبة لا يمكن مناقشتها بالعقل والدليل العلمى والفقهى الواعى الشامل، ولا يمكن لعاقل أن يضيع وقته مع من نزع من قلبه ومن عقله أى نزوع إنسانى للتعامل مع خلق الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك علاقاتهم الإيمانية بالله لله، إنما الممكن الوحيد هو أن تتحرك مؤسسات الدولة التى يحكمها الدستور والقانون، وفى ظرف نخوض فيه حربا على جبهات خمس، هي: «الشرق والغرب والشمال والجنوب والعمق»، لتوقفهم عند حدهم وتحاسبهم بالقانون عما يقترفونه فى حق الوطن والمواطنين.

إننى أسأل وزير الأوقاف، وهو رجل يعرف دوره ولا يفت فى عزيمته أى شيء يحول بينه وبين الحفاظ على منابر مساجد مصر بعيدة عن التعصب والجهل، كيف يتمكن ياسر برهامى ومن على شاكلته من أصحاب هذا الرأى الواضح بتكفير المسيحيين، واعتبارهم أقلية مجرمة معتدية ظالمة كافرة مصيرها نار جهنم من منابر المساجد.. ليس هذا فقط.. وإنما يزيدون على ذلك اعتبار كل من لا يرى فى المسيحيين ما يراه السلفيون فاسقا زنديقا.. يعنى كلنا من أول رئيس الجمهورية حتى أقل مواطن مثل العبد لله كاتب هذه السطور؟! .. كيف بالله عليكم لا يتحرك أهل القانون من محامين ونيابة عامة لوقف هذه الجريمة وتقديم مرتكبيها للعدالة لمحاكمتهم علنا؟!

كيف بالله علينا جميعا أن نصمت على هؤلاء الذين يقومون بالتأصيل النظرى الكامل والعقائدى لما يفعله داعش وغيره .. لأن تكملة كلام برهامى وشركاه هى السؤال: ما الحكم فيمن هو «كافر معتدٍ مجرم ظالم»، وفيمن هو «منافق زنديق»؟!

ألن تكون الإجابة هى ما ينفذه داعش على الأرض من إحراق للأحياء وذبح للإنسان!
                                       
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 26 فبراير 2015

Thursday, 12 February 2015

مصــر والســـعودية جـدٌ لا يحتمـل هــزلا




يصعب على من عاش وقائع الصدام المصرى- السعودى فى حقب سابقة، وعلى من انتمى وينتمى للنسق الفكرى والسياسى الذى ساد مصر- آنذاك- وأنا واحد من هؤلاء؛ أن يفكر بطريقة مخالفة لما ألفه وانطبع عليه من معاداة للسياسة السعودية، وصلت عند البعض إلى واحد من الثوابت الأيديولوجية، وكثيرا ما عمد البعض إلى تأصيل تاريخى للمسألة، يربط فيه سياقات متصلة منذ فتح العرب المسلمين لمصر سنة 641 ميلادية وإلى الآن!غير أن مصائر الأوطان وتطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية، تفرض على كل من لديه قدرة على الفهم أن يبحث الأمر بطريقة مختلفة، تُعلى من شأن المصلحة الوطنية وتعترف بالمتغيرات ولا تتعسف مع الجغرافيا، وتتجاوز تفاصيل الأحداث التاريخية التى فرضتها ظروف معينة، ليبقى من التاريخ دروسه وعبره.. وأيضا قوانين حركته.. ناهيك عن أن السياسة لا تعرف، كما يقولون صداقات أو عداوات دائمة، وأعلم مسبقا أن البعض سيقفز بصاحب هذه السطور مباشرة إلى العلاقات المصرية مع الدولة العبرية، وسيسأل الأسئلة الاستنكارية المشروعة فى نظره: طيب إذا كان الأمر على هذا النحو فلماذا الموقف المتشدد من العلاقات مع «إسرائيل» والصلح والاعتراف والتعاون وإلى آخره؟ وفى ظنى أن القياس هنا فاسد فى كل أركانه، ولا يجوز وضع الدول الموجودة بالجغرافيا والتاريخ والحضارة والثقافة فى المنطقة ضمن حزمة واحدة مع الدولة العبرية، وهو حديث يطول ليس هذا مكانه.

ولقد لفت نظرى أنه ما إن تستقيم العلاقات المصرية- السعودية خاصة، والمصرية- الخليجية عموما، إلا ويقفز البعض عند أول فرصة أو تغير لكسرها، إن لم يكن تقويضها تماما، وهذا ما عايشناه ونعايشه منذ ثورة يناير 2011، عندما بادرت السعودية بتقديم أكثر من أربعة مليارات دولار إلى المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوي، وزيارة وفد رفيع المستوى، ولكن البعض إياه ظل يلوك حكاية تعاطف السعودية والخليج مع مبارك وأسرته، ثم كانت حكاية الطبيب المصرى التى تم اتخاذها ذريعة لتصعيد حملة تقويض العلاقات، وحدث ما حدث بعد ذلك فى 30 يونيو، وكان الموقف السعودى والإماراتى والكويتى والبحرينى المتميز، وإن تفاوتت الدرجات، وكان البيان الدبلوماسى السعودى الذى أصدره وزير الخارجية سعود الفيصل فى فرنسا حول الموقف من مصر وممن يحاولون كسر إرادة شعبها، وأظنه كان بيانا غير مسبوق من حيث وضوحه وشدته، واستمر الموقف السعودى والإماراتى بغير تغير حتى رحل الملك عبد الله، وإذا بنا الآن أمام موجة جديدة من الاصطياد، وكأن مصائر الأوطان ومصالح الشعوب نزهة صياد بدائى على شاطئ مستنقع آسن.

ولأننا نتكلم عن الجغرافيا، ولأن الشىء بالشىء يذكر، فإننى أذكر لقاء تم فى كنيسة القوصية عندما تشرفت بدعوة صديقى جمال أسعد لإلقاء محاضرة هناك، وتعرفت بأبينا القمص ميخائيل- نيح الله روحه- وكان متخصصا فى جغرافيا الكتب المقدسة.. ولذلك أجدنى بصدد إضافة «الجغرافيا الحضارية والثقافية والروحية» للجغرافيا الطبيعية والسياسية والاقتصادية، لأن مصر والجزيرة العربية خاصة الحجاز وما يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية، بينهما مشترك جغرافى حضارى وثقافى وروحى شديد العمق والأهمية، على الأقل منذ صارت «إيزيس» هى «العزى» هناك، ومنذ كانت بعض الآلهة مؤنثة هنا وهناك، حيث لا ننسى أن اللات والعزى ومناة ثلاثتهن إناث.

إننى لا أريد أن أرتد إلى مراحل سحيقة ما قبل حدوث الأخدود الإفريقى العظيم ولكن الذى لا أظن أنه يمكن تجاوزه هو أن دروس التاريخ- على الأقل الحديث والمعاصر- تثبت أن التقاطع والتصادم بين مصر وبين السعودية، وكذلك بينهما وبين سوريا والعراق أدى ويؤدى حتما إلى خسارة فادحة لكل الأطراف، وأن الالتقاء بأى درجة فيه فائدة تتعاظم كلما ضاقت شقة الخلاف وزالت مسببات الصدام.. بل إننى أذهب إلى أن مصر- خاصة بعد 1967- لم تجد غضاضة فى إنهاء الشقاق وتصفية الخلاف، والتقى الرئيس عبد الناصر بالملك فيصل، وأزالا ما كان سائدا من تقاطعات وصدامات، وأظن أن الموقف السعودى خاصة والعربى عامة، كان أحد العناصر الرئيسية لانتصار 1973 بغير أدنى مفاضلة بين بذل الروح وبين الدعم السياسى وبالمال والإمكانات.

ومرة ثانية يذكر الشىء بالشىء، إذ حضرت منذ نحو ثمانى سنوات اللقاء الذى تم فى الحزب الناصرى بمقره فى شارع طلعت حرب بالقاهرة، بين السفير السعودى هشام ناظر الذى طلب ترتيب اللقاء، وبين قيادة الحزب التى مثلها آنذاك الراحل الأستاذ ضياء الدين داود ومعه الأمين العام وبعض أعضاء المكتب السياسى، وكنت منهم.. وكان عجيبا أن يجرى مثل هذا اللقاء الذى فسره الضيف بأنه حرص عند تكليفه بأن يتواصل مع كل القوى والتيارات فى مصر، ثم استطرد متحدثا عن ذكرياته فى الحقبة الناصرية وكيف أنه من جيل أحب مصر وعبد الناصر، وذكر أمثلة على ترجمة هذا الحب، ثم تحدث عن دعم السعودية لمصر بمقررات مؤتمر الخرطوم وقصة كيفية اتخاذ الملك فيصل لرفع مبلغ الدعم من خمسة ملايين إسترلينى إلى خمسين مليون إسترلينى، فيما كان سعر النفط رخيصا جدا قياسا على ما بعد ذلك، وأذكر أننى تململت وأخذت الكلمة لأحكى عن فصول تاريخية طويلة قدمت فيها مصر الكثير منذ قافلة «عام الرمادة» على عهد عمر بن الخطاب، الذى أرسل يؤنب عمرو بن العاص، فقام الأخير بإرسال قافلة تحمل خيرات المحروسة كانت مقدمتها على أبواب المدينة وآخرها عند الفرما أى بالقرب من العريش، وذكرت حجم الخَراج الذى كان يجبى من المصريين ليضخ فى خزانة الخلافة، وقصة حوار عثمان بن عفان مع عمرو بن العاص حول زيادة التحصيل من 12 مليون دينار إلى 14 مليون دينار، على أثر تولى عبد الله بن أبى السرح ولاية مصر مكان عمرو الذى رد على عثمان قائلا: «إذن أضعتم صغارها» أى أضعتم شعبها.

كنت متحمسا، إذ ظنت أن الأمر معايرة ومنٌّ وأذى، غير أن سياق الأحداث دفعنى لكى أعيد التفكير وأعيد تقييم الرؤية على ضوء واقع مصر وظروفها، وعلى ضوء ما حاق بالأمة العربية جراء هذا الخلاف وذلك الصدام، لأصل إلى أن تكامل الأدوار والبحث عن نقاط الالتقاء والمصالح المشتركة، هو البديل الأصوب بالجغرافيا والتاريخ والسياسة لما هو عكس ذلك، لأن الخسارة كانت فادحة والثمن لا يحتمل. نعم.. إن مصر الآن أحوج ما تكون إلى مساندة شاملة فى مواجهة الإرهاب والضيق الاقتصادى والموقف السلبى لأطراف دولية كبرى وعظمى فى أمريكا وأوربا، لكن إدارة الأمر لن تكون وفق المثل العامى إياه حول «المحتاجة...» ولا ينبغى أن تكون كذلك، وإنما إدارة الأمر تكون بمنهج له أدوات واضحة يخدم استراتيجية شاملة لا تتغير بتغير الجالسين على كراسى الحكم، وهذا ما تفعله الدول التى تحكمها مؤسسات وتتفاعل فيها نخب تدرك معنى الأوطان.. وأعتقد أن ما يسرى على مصر فى مضمار الدولة المؤسسية ذات الاستراتيجية الواضحة يسرى أيضا على المملكة العربية السعودية، كما أعتقد أن العلاقات المصرية- السعودية والخليجية بحاجة إلى شرح وتأصيل يصل لقطاعات واسعة تؤثر فيها الشائعة ويلعب بها الهوى ويدغدغ عواطفها زيف المتاجرين بالدين.. وأيضا بالأيديولوجيات.
                                         
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 12 فبراير 2015