Thursday, 1 June 2017

للتاريخ أيضا جحيمه




المهم ألا نبدد هذا الرصيد الذي راكمته مصر خلال السنتين أو الثلاث الماضية، على صعيد العلاقات العربية والدولية ولم يكن لها أن تحقق ذلك ما لم يتوفر لها صاحب قرار وجهات تخطيط وتنفيذ، كالرئيس السيسي والخارجية والقوات المسلحة والمخابرات العامة، أقول ذلك وقد أمضيت عدة أيام خارج مصر وتحاورت مع كثيرين منهم من له مكانة رفيعة سياسية أو ثقافية!

هناك تأييد لمصر في مواقفها السياسية وفي إجراءاتها التي تصاعدت حتى وصلت للعمليات العسكرية خارج أراضيها، وهناك عزم على المضي مع مصر إلى آخر مدى ليس فقط لمكانتها ودورها، وإنما لإدراك أن الخطر بل اللهب قد أمسك بالجسد العربي وخاصة في الخليج، وأن القدرة على إطفائه والحماية من تجدده أو كمونه لا تكتمل إلا بمصر، وخاصة جيشها الذي تتوفر فيه وله مواصفات يصعب توفرها عند غيره.

لقد حسم الجدل حول ماهية الإرهاب ومنابعه وأشكاله وتوزعاته ورعاته، وجاء الحسم متوافقا مع الرؤية المصرية.. ولعل الموقف الحالي من دور السلطات القطرية وممارساتها، يؤكد أن ما كانت مصر توضحه وتحذر وتشكو منه كان صحيحا، بل إن هناك تشددا واضحا من دول كالسعودية والإمارات تجاه ما تقوم به قطر، ولو كان الوقت متسعا لاهتممت بتحليل مضمون الخطاب السياسي والإعلامي العربي الخليجي، وأظنه قد تخطى مثيله المصري سواء من ناحية الكم أو ناحية الكيف، وأظن أن نقطة تميزه تأتي من الابتعاد عن الإسفاف والتراشق بالسياسة والمعايرة وإقحام الأوضاع الأسرية، والتركيز على الجوانب الموضوعية سياسيا وأمنيا، وحتى الآن بدت بعض الشروخ في التركيبة القطرية الداخلية لكن لا أحد يعرف مساحتها وعمقها ومدى تأثيرها على الذين يحكمون هناك، أولئك الذين قد لا نجد تفسيرا منطقيا وحيدا لتوجهاتهم وشططهم، اللهم إلا إذا بذل أحد الجهد اللازم ليتبين أبعاد دور شخص مثل حمد بن جاسم الذي قيل إنه مهندس الانقلاب على الحاكم الأسبق جد الحاكم الحالي، وهو دور لافت للنظر في جسارة صاحبه الذي لم يكن يتردد عن الإسفاف اللفظي، ولا عن القفزات السريعة المتجاوزة للثوابت العربية والإسلامية ومنها العلاقة مع العدو الإسرائيلي، وفي هذا كلام كثير.

وأعود إلى الرصيد الذي أتحدث عنه لأسجل ملاحظة أظنها واردة، وهي غياب أي دور فاعل للقوى السياسية والنخب المصرية في مراكمة إيجابيات تضاف لما أرسته وراكمته أجهزة الدولة، من رئاسة وخارجية وقوات مسلحة ومخابرات، بل أكاد أقول إن بعض القوى والنخب لا تتورع عن الانتفاص من شأن ما يتم، وربما يصل الانتقاص إلى التخريب بطريقة أو أخرى.. إذ لم يكتف البعض بحالة السكون والعجز والاجترار لمعزوفة التجريف السياسي، وأحادية صنع القرار واتخاذه وتهميش دور الأحزاب، وما إلى ذلك من ترديدات أراها مردودة على أصحابها وسوف أشرح لماذا، ولكنهم عمدوا إلى أمرين، أولهما تشويه الجهد المصري المضني الذي تم بذله لخلق واستعادة رصيد الوطن في محيطه وفي العالم، وثانيهما الإساءة إلى دول عربية شقيقة بعينها بالباطل أكثر مما هو حق، بما أدى في كثير من الأحيان إلى اختلاق مشاكل ومعارك إعلامية وصحفية لا لزوم لها أصلا.

إننا لم نسمع عن حزب سياسي مصري، سواء من القديمة ذات التاريخ في التجربة السياسية الحزبية منذ ظهورها الثاني عام 1976 أو من تلك الجديدة التي تكونت نتيجة نضالات أصحابها في التمهيد لثورة يناير وفي أحداثها، تبادر ببذل جهد منظم للتواصل مع منظمات أو جمعيات أو حتى رموز سياسية وفكرية وعلمية واجتماعية في دول عربية أو أحزاب ومنظمات في دول إقليمية ودولية، لوضع أجندات لعمل مشترك يحمي العلاقات بين شعب مصر وبين شعوب تلك الدول بحيث لا تصبح أسيرة بحاضرها ومصيرها لمزاجات وتقلبات السلطات الحاكمة، ولم نلحظ أيضا جهدا يؤدي المهمة نفسها من نقابات مصرية عريقة كالمحامين التي يترأس نقيبها اتحاد المحامين العرب، أو كالمهندسين والصحفيين والتجاريين واتحاد العمال ونقاباته، وكلها تكوينات مهمة كان ومازال واردا أن تؤدي واجبها، فيما الوطن المصري والعالم العربي في أمس الاحتياج إلى جهود مضاعفة تصب في مواجهة الإرهاب من جانب، ومواجهة المصاعب الاقتصادية والتفكك الفكري والثقافي والاجتماعي من جانب آخر.

إن الوقت لم يفت بعد، وطالما التحديات نفسها لا تزال قائمة فإن الاستجابات المناسبة تبقى مطلوبة وبقوة، وأظن أن السادة رؤساء الأحزاب ونقباء النقابات ومسؤولي المنظمات والجمعيات على قدر من العلم والثقافة والوعي بأن التاريخ لن يرحم من لم يؤد واجبه الوطني كما ينبغي، وسيجحم في جحيم لعناته من تعمد الإهمال أو تعمد التخريب.
                            

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 1 يونيو 2017.

No comments:

Post a Comment