Thursday, 8 June 2017

حول المسألة القطرية




قد يكون مفيدًا سرد بعض من المعلومات عن الحكم في قطر، بعد أن أصبحت الرؤية مشتركة وواضحة عند الأشقاء في المملكة السعودية والإمارات والبحرين، وهي معلومات تفضل أحد الأصدقاء من المهتمين بالشأن العربي عامة، والخليجي خاصة، باطلاعي عليها، ضمن حوار ممتد بيننا.. ومن هذه المعلومات أنه في سبعينيات القرن الماضي كان يطلق على حمد بن خليفة آل ثاني ولي العهد آنذاك - ووالد الحاكم الحالي - قذافي الخليج، حيث كان ينسب نفسه للفكر القومي منذ الستينيات، وبعدها - ومثل كثيرين - انتقل للفكر الإسلامي، ربما بسبب الوجود الكثيف للإخوان المسلمين في قطر، وقد شاءت الظروف أن يقترن حمد بالشيخة موزة بنت ناصر المسند، أشهر معارض في تاريخ قطر، وتمت المصالحة، وعاد ناصر وأعيان قبيلته لقطر، وبذلك الزواج اجتمع الطرفان على مشتركات كانت في خلفية رؤيتهما السياسية وطموحاتهما المفارقة لواقعهما الاجتماعي - الاقتصادي، وواقع قطر الجيوسياسي والسكاني.. ومن الثابت أن انقلاب حمد على أبيه عام 1995 كان بمباركة واشنطن، وبدور أساسي لحمد بن جاسم بن جبر، وزير الخارجية ورئيس الوزراء فيما بعد!

المعلومة الثانية، هي أن العلاقات القطرية - السعودية غالبًا ما اتسمت بالتوتر منذ أن اعتبر الملك الأب عبد العزيز آل سعود قطر، التي تتمذهب بمذهب الموحدين "الوهابية"، تابعة للسعودية، وطالب عبد العزيز البريطانيين بضمها للمملكة في عام 1913 ولم يتم ترسيم الحدود إلا عام 1965، واعتبرت السعودية أن الترسيم اقتطع من أراضيها مساحات واسعة، قامت بعد ذلك باستردادها عشية حرب تحرير الكويت في يناير 1991، وهو ما أدى إلى قطع الاتصال البري بين قطر وبين الإمارات، وحصر الحدود البرية بين قطر والمملكة، وحاولت قطر طرد السعوديين من تلك المناطق التي عادت للمملكة فيما عرف بحادثة مركز الخفوس الحدودي 1992، لكن القطريين فشلوا وحدثت في نهاية عام 1995 محاولة انقلاب لإعادة الأب خليفة للحكم، ولم تنجح المحاولة، ليتهم حمد السعودية بالضلوع في تلك المحاولة، وقام بسحب جنسية أفراد قبيلة "آل مرة"، التي اتهمها بالضلوع في محاولة إعادة أبيه وطردهم إلى السعودية، ومنذ ذلك التاريخ صارت المملكة عند الحكم القطري مهددًا رئيسيًا لأمنه وبقائه، ولذلك سارع الأب حمد عام 2003 إلى استضافة القوات الأمريكية، وقيادة المنطقة المركزية في قاعدتي العديد والسيلية، بعد انتهاء اتفاقية مرابطتها في قاعدة الأمير سلطان الجوية بالمملكة.. وفي السياق نفسه أقام الأب علاقات مع إسرائيل، لتدعيم علاقته بواشنطن.. ولأن كل منظومة سياسية أو اقتصادية يلزمها تغطية أخلاقية تسوغها، وحبذا لو كانت التغطية دينية، فقد صار الإخوان المسلمون، هم الحليف المهم للنظام القطري.. حليف يقدم التغطية الدينية للسياسة والتصرفات القطرية، بما فيها العلاقات مع إسرائيل، وأيضًا وجود قواعد أمريكية!

المعلومة الثالثة، وتتصل بقناة "الجزيرة"، وهي فكرة إسرائيلية جاءت ضمن مشروع شمعون بيريز "الشرق الأوسط الجديد"، وقد عرضت أول ما عرضت حسب معلومات موثقة على الأردن لاستضافتها، مع توفير تمويل لها يسهم في دعم اقتصاد الأردن المتهالك، لكن الملك حسين اعتذر، لأنها فوق طاقة احتمال بلاده، ثم عرضت على قطر فرحبت، واشترطت الاستقلال في تمويلها، خاصة أن العرض جاءها في وقت ذروة خلافاتها مع السعودية.

وبالانفجار التصاعدي في أسعار النفط والغاز مع عام 20000 وجدت قطر نفسها في بحر من الأموال المتلاطمة بلا شطآن، بما يكفل تحقيق القدرة على شراء أي شيء وكل شيء، ولم يكن ذلك بعيدًا عن إدارة بوش الابن، التي خططت لنشر الفوضى الخلاقة، وكانت "الجزيرة" جاهزة إعلاميًا، مع الجهوزية المالية العاتية، وكان الإخوان عبر تنظيمهم الدولي أداة رئيسية في المهمة، وأصبح مخطط الشرق الأوسط الكبير، حسب مصطلح كوندا ليزا رايس، هو المظلة التي تجمع قطر والإخوان، ولذلك فإذا تخلى الأمريكيون بموافقة إسرائيلية عن ذلك المخطط، انتهى دور قطر ودور الإخوان، ولذلك يبقى السؤال المهم: هل ستوافق إسرائيل على أن يتوقف مخطط تفتيت المنطقة قبل أن يحقق كامل أهدافه، خاصة أن مصر لا تزال متماسكة وفي صعود؟!

معلومة أخيرة، وهي أقرب إلى التسريب شبه الحقيقي، تقول إن حمد والد تميم لا يزال يشرف بنفسه على سياسة قطر الخارجية، وعلى "الجزيرة"، والصحف ومراكز الدراسات التي ينشئها عزمي بشارة ووضاح خنفر مدير الجزيرة السابق.. ومن نماذج تلك المنابر، جريدة العربي الجديد، وهافنجتون بوست العربية، وميديل إيست، التي يرأس تحريرها ديفيد هيرست.. وغيرها!

نحن إذًا أمام خريطة من التشابكات السياسية والإعلامية والأمنية، وأمام خريطة معقدة على الصعيد القبلي القطري، حيث الاختلافات قديمة ومتجددة، وأمام حجم من الأموال غير المحدودة، تحت إمرة حكام قطر، ولذلك فبقدر هذه التعقيدات والتشابكات أظن أن السقوط سيكون قويًا إذا حدث، وسيؤدي إلى تغييرات ملحوظة وربما جذرية في مسار الأحداث ضمن أقواس النار المشتعلة في الأرض العربية.. القوس الشمالي من العراق إلى سوريا ولبنان.. والقوس الجنوبي في اليمن والسودان، والقوس الغربي في ليبيا وتونس! إذ كلما نظرنا لاحظنا الأصابع القطرية المباشرة أو غير المباشرة!

لقد كنت وما زلت أحاول تبين ملامح إجابة عن سؤال هو: لماذا اتجهت دولة كقطر بوضعها الجغرافي السياسي وتكوينها الديموغرافي المحدود، وهشاشة تركيبها الاجتماعي إلى هذا التوجه المثير؟ وهل كان من وراء ذلك نصيحة من بعض الخبراء، ومنهم أسماء مصرية عملت في مواقع استشارية داخل البلاط القطري أواخر القرن الماضي، ومؤدى النصيحة أن السبيل الوحيدة لاستمرار قطر هو أن تتخذ من النموذج الإسرائيلي مثالًا تحتذيه.. لتكون شوكة قوية في خاصرة جيران أقوياء، وتكون الشوكة بيد حلفاء مثل أمريكا وإسرائيل، وربما كانت المفارقة الحاسمة هي أن "الشوكة"، ظنت أن من حقها أن تخطف ما تشاء من على المائدة أو تقلبها كلها، ناسية أن هناك يدًا في النهاية تمسك بها، فإذا ألقتها صارت قطعة "خردة" بلا قيمة؟!

أظن أن الإجابة صارت أقرب إلى الوضوح.
                                

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 8 يونيو 2017.

No comments:

Post a Comment