من أصدق.. وأطرف– معًا–
ما وصف به الترك المستبدون المتسلطون، ذلك الذي جاءت به عبقرية اثنين من
العمالقة.. صلاح جاهين وسيد مكاوي، حيث كتب الأول ولحن وأدى الثاني، ومنه أقتبس
بعض الكلمات:
"تـــركي
بــجم.. سِــكِر انـسجم
لاظ شــقلباظ.. اتــغاظ
هـجم
آمــان آمــان...
تــركي بــجم
دبــور جــبان.. مـن
غـير زبـان
زنـــان كبير.. يمـــضغ
لبــان
يســـمع نفـــير..
يخـــاف جـبان
سـوس يا زنان.. اقـطع
لسان
عربي واقـــف لـك
ديــدبان
ادخــل ح نـضرب في
المــليان
خـــليك تـــقول أنـــا
جـلفـدان!"
وأول ما أبدي القول
أقول إننا لسنا عنصريين ولا من الذين يصدرون أحكاما عامة بحق شعب بأكمله.. إذ من
المؤكد أن هناك أتراكا طيبين.. وفيهم الآن علماء وخبراء.. وفيهم متدينون.. ولكن
هذا لا ينفي أن الأصل الذي تغلب جيناته في كثير من الأحوال والأحيان، هو أن الأتراك
من الجنس المغولي، الذي يتسم بالرأس المستدير ومن ثم الوجه المستدير والبشرة
الفاتحة والشعر الغزير.. وأنهم من رعاة الاستبس الآسيوي ولا يجيدون سوى الكر
والفر.. قساة غلاظ لا رحمة في قلوبهم بحكم البيئة والعمل.. وحتى بعد أن هاجروا في
سعيهم وراء الكلأ والمغانم وتدميرهم بلادا كثيرة حتى استقروا في الأناضول، لم يحل
الاستقرار، ثم دخول الإسلام دون أن تستمر سماتهم ومسلكياتهم، حتى إن المؤرخين
يؤكدون دوما أن الأتراك لم يعرف منهم مبدع إنساني إلا اسم واحد فقط هو الشاعر ناظم
حكمت.
ويبدو أن العصارة
التركية الحاملة لتلك السمات ظلت تتركز حتى تجسدت في ذلك البجم المسمى رجب طيب
أردوغان.. أو قل "بجم شرير.. قردوجان.." وبالمناسبة فإن بجم تعني في
العربية الفصحى "سكت من عيّ أو فزع أو هيبة".. وتعني في لهجتنا العامية
"إنسان لا يفهم وغير واعٍ".. ولو أننا رصدنا مسلكيات وسياسات وتصريحات
ذلك الرجب لتأكدنا أنه بالفعل بجم!
وقبل أن أقترب من
الرصد، أشير إلى مشاهد بعضها قرأته في المصادر التاريخية ومن كثرة قراءتي له صرت
كأنني عشته، خاصة أنه متصل بأجدادنا المصريين، وبعضها عاينته مباشرة أي رأيته
وتأملته.. ومما شاهدته بعيني وتوقفت أمامه طويلا وأفادني في تفسير أحداث البلقان
التي عاصرناها بين الصرب والبوسنة، قلعة في جبال البوسنة زرتها أثناء رحلة طويلة
بدأت من أثينا إلى تسالونيك في شمال اليونان، ومنها بالقطار إلى يوغوسلافيا آنذاك،
وابتدأنا بمدينة سكوبيا وبعدها عشرات المدن الصغيرة والكبيرة، إذ كنت مع صديقي
الدكتور علي فتال ابن حلب السورية، وكنا عضوين في تنظيم الطليعة العربية، وكان هو
في القيادة العليا والعبد لله في اللجنة المركزية، وكانت مهمتنا برنامج تثقيف فكري
وسياسي للطلبة العرب الوحدويين الناصريين الدارسين في يوغوسلافيا وأوروبا
الشرقية.. وهي رحلة مفعمة بأحداث ومواقف وطرائف بغير حصر، لا مجال لسردها الآن.
المهم أننا ونحن نجوب
البوسنة دخلنا قلعة وفوجئنا أن النصف الأسفل من مداميك الجدران مبني من خليط من
الجماجم البشرية ومن الحجارة.. يعني الحجر ملتصق بجمجمة ثم حجر ثم جمجمة، والجماجم
تظهر أسنانها وفتحات عيونها.. مشهد مخيف بكل المعايير.. وعرفنا أنها جماجم الذين
قاوموا العدوان والغزو التركي من شعوب المنطقة، خاصة الصرب والبوسنيين الذين دخلوا
الإسلام بعد هذا الغزو، فيما بقي الصرب على دينهم ومذهبهم الأرثوذكسي المسيحي..
وعندما شاهدت الجماجم وعرفت ما جرى عادت بي الذاكرة إلى ليالٍ كان سوادها بقدر ما
فيها من متعة، إذ كنت في سجن الاستئناف عام 1977 وكان كل منا يطلب من أهله تزويده
ببعض الكتب، واستطعنا أن تكون لدينا مكتبة صغيرة نتبادل ونتداول ما فيها، وذات
استعارة مني وقع في يدي الجزء الأول ومن بعده الجزء الثاني من الرواية الرائعة
"جسر على نهر درينا" التي كتبها إيفو أندريتش وترجمها الرائع المبدع
سامي الدروبي.. والرواية تحكي قصة المقاومة الصربية للغزو التركي، وفيها لحظة بقيت
طوال الحبس أفكر فيها.. إنها لحظة إلقاء الأتراك الغزاة القبض على قائد المقاومة
الوطنية الصربية والحكم عليه بالإعدام بواسطة الخازوق.. ويكتب إيفو أندريتش وصف
الإعدام.. ويترجم سامي الدروبي فكإنك أنت من ينفذ فيه الحكم، حيث يأتي المخوزقاتي
ومعه عود من شجر البلوط ليبريه كالقلم الرصاص وتنصب منصة خشبية.. ثم يمدد المحكوم
على المنصة ويباعدوا عنوة بين ساقيه لتوضع القمة المدببة للخشبة في دبره، ثم تضم
ساقاه إلى الخشبة وتربطان وبعدها يقيموه واقفا ومن أسفله الخشبة والمخوزقاتي يطرق
بمطرقة ثقيلة أرضية المنصة طرقات محسوبة تؤدي إلى أن يهبط جسم البطل تدريجيا في
الخازوق الذي يتعين ألا يخترق قلبه أو كبده لضمان أن يبقى حيا معذبا ليومين أو
ثلاثة حتى يخرج الطرف المدبب من الكتف! ويبقى البطل صامدًا فيما كل ما ومن حوله
يبكون عليه، حتى حجارة الجسر الذي على نهر درينا بجوار المنصة بكت تأثرا!
وبقيت في ليالي السجن
الباردة التي أنام فيها على الأسفلت، حيث كانت "الأبراش"- جمع برش-
نادرة لضخامة عدد المحبوسين، والشباك المطل على مديرية أمن القاهرة من الخلف مفتوح
بدون درف وهواء آخر يناير وبعده فبراير يسفخ.. بقيت في حالة متردية وكأنني أنا
المخزوق! ومرت السنوات على السجن وعلى الرحلة إياها وقامت الحرب في البلقان بعد
تفكيك يوغوسلافيا، وهو الأمر الذي أعتقد أنه كان بروفة للربيع العربي، وقام الصرب
بما قاموا به تجاه البوسنة والهرسك وكانت مجازر هائلة، فتذكرت من فوري ما فعله
القائد التركي الدموي في الصرب قبل قرون، وأن ما يجرى هو انتقام صربي متأخر من
الأتراك ممثلين في المسلمين البوسنيين!
ثم إن هناك محطة أخرى
ليس فيها صرب مسيحيون ولا فيها فتح مبين لبلاد الكفار- !!!– وإنما فيها مسلمون عرب
ومسيحيون عرب من أهل الكتاب! وقعت أحداثها في تاريخ أكثر قربا لما جرى في البلقان
في القرن السادس عشر.. ففي عامي 1915 و1916 كان جمال باشا السفاح يأمر بتعليق
العديد من المفكرين والكتاب والصحفيين العرب على المشانق في ساحتي البرج في بيروت
والمرجة في دمشق بتهمة الخيانة العظمى.. والخيانة العظمى هي أنهم كانوا يريدون
الحرية لبلادهم!
وقبلها في عام 1912
حدثت سلسلة من عمليات الاغتيال والإعدام لكوكبة من الشخصيات الفكرية مثل الخوري "القسيس"
يوسف الحايك الذي أعدم في 22 مارس 1912 ونخلة مطران الذي اغتيل في إبريل 1912.. ثم
في يونيو 1916 أعدم الشهيدان فيليب وفريد الخازن، بعدما أعلن السفاح أن أعمال
الإعدام انتهت في 6 مايو 1916.
أما ما جرى في مايو
1916 وبعده يونيو، فقد تحرك في 5 مايو قطار خاص من "عالية" بولاية
بيروت، وكان يقل كلا من شفيق المؤيد العظم وعبد الحميد الزهراوي والأسير عمر
الجزائري وشكري العسلي وعبد الوهاب الإنجليزي ورفيق رزق سلوم ورشيد الشمعة، ووصل
القطار إلى محطة رياق ليلتقي بقطار آخر كان يقل عائلات أولئك الأبطال، حيث تقرر
نفي العائلات إلى الأناضول.. وهناك في رياق كان اللقاء مأسويا ومروعا وموحيا في
آن، إذ انهمرت الدموع وازدادت الحسرات وتأججت عندما خاطبت العائلات ذويهم.. ثم
افترق القطاران أحدهما متجه إلى حلب ومنها إلى الأناضول، حيث منفى العائلات،
والآخر متجه إلى دمشق حيث ساحة المرجة مكان الإعدام.
وكان السفاح التركي
يشاهد عمليات الإعدام من شرفة في بناية أحمد عزت العابد التي صادرتها السلطات
العسكرية التركية.. وفي الوقت الذي كانت فيه دمشق وسائر المدن والمناطق العربية
تتشح بالسواد في ذلك اليوم، كان السفاح يتجه إلى قرية "لخيارة" في غوطة
دمشق، حيث نقلت إليه نساء في ثلاث عربات لتقام حفلات الخمر والغناء والرقص.. ثم
جاء عام 1917 لينفذ حكم النفي في ثلاثمائة أسرة من خيرة الأسر العربية في سوريا
ولبنان، وليوزعوا في الأناضول بين مدن قونية وأنقرة وديار بكر وبروسة وأضنة
وسيواس.. وربما لا يتذكر أو لا يعلم أو لا يهتم كثيرون أن إقليم الإسكندرونة
العربي السوري تم احتلاله واقتطاعه من تركيا، حيث مورست أقصى وأقسى درجات التمييز
العنصري ضد سكانه العرب!
ولم يكن العرب
المسيحيون والمسلمون في سوريا الكبرى، خاصة المفكرين والمثقفين وقادة العمل
الوطني، هم وحدهم شهداء السفاح التركي عام 1915، ولكن كان هناك آخرون.. شعب بأكمله
هو الشعب الأرمني تعرض لمذبحة هائلة، قتل الأتراك فيها مئات الألوف ولن أستطيع في
هذه العجالة أن ألخص بعض ما ورد عن هذه المذبحة في الكتاب الذي أصدرته الجمعية
الأرمينية في مصر، وبلغت صفحاته أكثر من خمسمائة صفحة!
إن كل ما سبق كوم وما
حدث لمصر بعد الغزو العثماني كوم آخر، كما نقول في لهجتنا العامية، لأننا بصدد
حوالي أربعة قرون لا يستطيع منصف يحاول تحري الموضوعية أن يجد فيها إيجابية واضحة،
اللهم إلا ما حاوله بعض المؤرخين الذين ذهبوا إلى أن الحسنة الوحيدة للغزو أو
التمدد العثماني، كانت صد الموجات الأولى للاستعمار الأوروبي، خاصة البرتغالي
والإسباني والهولندي بعد أن وصل التهديد البرتغالي إلى الخليج ومن ثم الجزيرة
العربية، حيث الحرمين الشريفين.. ويذهبون أيضا إلى أنه كان حتميا أن يتمدد
العثمانيون لأن علاقات القوى الدولية آنذاك كان يحكمها ما يشبه قانون الأواني
المستطرقة، فإذا لم يملأوا هم فراغ المنطقة كان سيملؤه القوى الاستعمارية
الأوروبية، وميزة العثمانيين أنهم كانوا من الملة الإسلامية نفسها التي تدين بها
المنطقة.
ولا يوجد غير تلك
التخريجة في سجل إيجابيات الغزو العثماني، ولذلك فنحن أمام ما يمكن أن نسميه عصور
الظلام العربية والإسلامية، على غرار ما عاشته أوروبا في عصورها الوسطى من سقوط
الإمبراطورية الرومانية إلى عصر النهضة.
عصور ظلام كانت مصر هي
أكبر وأهم مجتمع عانى منها، ابتداء من تفريغها من كل العنصر البشري الفني أو
التقني الذي هو آنذاك طوائف الحرف من بنائين ونجارين وحدادين ونقاشين وخيامين
وغيرهم، لأن سليم الأول أراد أن يبني عاصمة ومدن الأناضول بما يتناسب مع الأبهة
الإمبراطورية، وخلت مصر من أساس نهضتها، ثم فرض نظام الالتزام في الزراعة، وفرضت
الضرائب الجائرة، ودخل الكرباج والخازوق التركيان في سجل العقوبات، ومورست أقصى
وأقسى درجات التمييز العنصري وصار المصري يوصف دوما ويخاطب بفلاح خرسيس، بل فرضت
معايير الحسن التركية ليصبح الوجه المستدير "المدور" والشعر الناعم
والسمنة المفطرة هي معايير جمال المرأة.. ولمن لا يدرك فداحة ذلك له أن يعيد
مشاهدة اللوحات والتماثيل المصرية القديمة، ليعرف حجم وعمق فداحة ما لحق بالذوق
المصري نتيجة الوجود التركي.
وخلال القرون الأربعة
ووفق ما رصده وسجله وحلله تحليلا تاريخيا العديد من المؤرخين المصريين، ومنهم مثلا
عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم وعلي بركات وعاصم الدسوقي وغيرهم، فإن الاستبداد
التركي والإمعان في ظلم المصريين اقتصاديا بل وبدنيا كان بغير حدود.
هذه هي العصارة التي تم
ضخها في شرايين ودماغ "بجم شرير قردوغان" المعروف برجب طيب أردوغان،
الذي لو أفردت له عشرات الصفحات لما اتسعت لجرائمه ونقائص تركيبته الذاتية.. وأختم
بما قاله المنشد الشيخ أحمد برين في مواله:
إن سوّس الفرع
يبقى الأصل ملعوب فيه
أي إن جاء فرع الشجرة
معطوبا، فهذا دليل مؤكد على خلل أصله.
نشرت
في مجلة الأهرام العربي.
No comments:
Post a Comment