نجح المتأسلمون والمتسلفون، ومعهم ما
يمكن أن نسميه "اللوبي" الصهيوني والأمريكي في مصر؛ في أن يهمشوا قضية
الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني لفلسطين، بل وأكثر من ذلك، فإنهم دفعوا
دفعًا باتجاه التقارب المتزايد سرعة وعمقًا مع الدولة الصهيونية، وحفز كثيرين ممن
كانوا يعتبرون إسرائيل هي العدو الأول والرئيسي لشعوب المنطقة، إلى تغيير مواقفهم
والنكوص عن قناعاتهم السابقة، فصاروا يعتبرونها صديقًا ونموذجًا وحليفًا من الدرجة
الأولى!
وقبل أن أستطرد في تفاصيل عن ذلك
النجاح، فإنني أدرك أن هناك من سيمتعض- وربما يفور دمه، وقد يغلي- من استخدام هذه
اللهجة السياسية في "المصري اليوم"، التي يعد بعض القائمين على إدارتها
والمهيمنين على القرار فيها من أبرز رموز اللوبي الذي أشرت إليه، ولا يخفى أن ما
بذل من جهد رهيب في سبيل توجيه دفة الفكر السياسي المصري والإقليمي– العربي- إلى
وجهة أخرى لا يكون فيها التقاطع أو التصادم مع إسرائيل هو الأولوية، وإنما يكون
نسف فكر وتوجهات وتاريخ حركة التحرر الوطني المصري والعربي، وحركة التوجه القومي
العربي؛ هو الأولوية الأولى، مع إعلاء شأـن الوجود الصهيوني واتخاذه مسلمة جغرافية
سياسية تاريخية لا تقبل المناقشة.
نجح الطرفان في المهمة لدرجة كبيرة،
لأن الإخوان والمتسلفين- ومن نحا منحاهم من أصحاب المرجعيات الدينية- لا يخفون
عداءهم وتناقضهم فكريًا وحركيًا مع التوجهات والتطبيقات التحررية الوطنية
والقومية، وقد شكل الصدام المروع بينهم وبين النظم الوطنية ذات التوجه والمضامين
التحررية القومية جزءًا رئيسيًا من العامود الفقري للتاريخ الحديث والمعاصر،
ومعلوم أن الدولة الصهيونية ساهمت في دعم تيار وتنظيمات التأسلم والتسلف، وما حزب
التحرر الإسلامي وحركة حماس إلا نموذجان فاضحان للدور الصهيوني في هذا المضمار، ثم
إن الموجة الإرهابية التي زحفت مثل الـ"تسونامي" في المنطقة بتأسيس
ورعاية أمريكية ورضا وقبول من أطراف إقليمية، بل ودعم بالرجال والأموال بدعوى
مواجهة المد الشيوعي والعلماني، ظلت تشتد وتتحول وتعمل على تهديد وتقويض الدولة
الوطنية وحصارها، حتى لم يعد هناك مفر من التعاون مع الدولة الصهيونية، التي باتت
في مأمن كامل من أي تهديد، بل وحتى الشعارات التي رفعها المتأسلمون ذات يوم من
قبيل "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود"، وما على غراره من شعارات
حول القدس بمعزل عن فلسطين؛ ثبت أنها جوفاء غير حقيقية، والكل يتذكر رسالة محمد
مرسي لرئيس الوزراء الصهيوني!
أما الجماعة "اللوبي"
الصهيو– أمريكية التي تضم رجال أعمال وناشطين سياسيين و"خبراء
استراتيجيين"-!!!- فغني عن الذكر مواقفها وحربها الفعلية ضد عدوها الوطني
التحرري القومي، وهي حرب لا تزال قائمة ويستقطب لها من يمكن استقطابه من عناصر
تعمل في الصحافة والكتابة لتحويلهم من نكرات خاملي الذكر إلى نجوم، طالما أدوا
المهمة.. والأمثلة كثيرة تمنعني ضوابط النشر من التفصيل فيها وبالأسماء!
ولقد أدى ذلك مباشرة إلى أن نعاين
الآن عربدة الصهاينة وتعاظم عدوانهم في الأرض المحتلة وضمهم للجولان وصفاقتهم
العلنية بأنهم أصبحوا سادة المنطقة وأن الكل يسعى لخطب ودهم وإرضائهم ويتمنى
الاستعانة بهم!
لست- وللمرة المليون- من أنصار الحروب وتمكين الصهاينة- ومعهم التحالفات الدولية والإقليمية- من طحن مصر وتقويض جهودها في التنمية والاستقرار، وبالقدر نفسه وللمرة المليون فأنا مع إدارة الصراع إدارة علمية رشيدة تعتمد على بناء وطننا بناء سليما في كل المجالات لنحوز أوراق القوة بكل تنوعاتها، وكلما امتلكنا إرادتنا وتعاظمت قوتنا فإن لكل حادث حديثًا.
لست- وللمرة المليون- من أنصار الحروب وتمكين الصهاينة- ومعهم التحالفات الدولية والإقليمية- من طحن مصر وتقويض جهودها في التنمية والاستقرار، وبالقدر نفسه وللمرة المليون فأنا مع إدارة الصراع إدارة علمية رشيدة تعتمد على بناء وطننا بناء سليما في كل المجالات لنحوز أوراق القوة بكل تنوعاتها، وكلما امتلكنا إرادتنا وتعاظمت قوتنا فإن لكل حادث حديثًا.
إن أقل ما يمكن عمله الآن هو رفض
العربدة والعدوان الصهيوني المتصاعد والمستمر على إخوتنا في فلسطين، وهو العمل على
إحياء ما كنا بدأناه منذ زمن، وهو بناء حائط صد مقاوم ثقافيًا وفكريًا ووجدانيًا،
لأن التاريخ لن يرحم.
نشرت في
جريدة المصري اليوم بتاريخ 12 يونيو 2019.
No comments:
Post a Comment