مطرقة الإرهاب، التي ما زالت تحاول
بإصرار دك وتدمير الوطن، وخاصة الوجود العضوي للإنسان المصري، والوجود المادي
للمنشآت والمرافق وغيرها؛ يقابلها سندان لا يقل عنها إصرارًا على تدمير الوطن،
وخاصة الوعي السياسي والثقافي والعقيدي، أي مجمل الوجدان الإنساني للمصريين، وفي
اعتقادي أن المستهدف من المطرقة والسندان سويًا هو الحيلولة دون بناء الإنسان بناء
سليمًا، وفق الاستراتيجية التي أعلنها رئيس الجمهورية، حيث أكد أن أهم مهمة مقبلة
هي بناء الإنسان.
وإذا كان فعل المطرقة وما ينتج عنه من
آثار لم يعد خافيًا على أحد، ولا يجادل فيه إلا متواطئ مع الإرهابيين؛ فإن دور
السندان قد يخفى على البعض وقد يلتبس فهمه عند آخرين، وقد يساهم فيه غيرهم عن جهل
وقلة إدراك، وهو دور يتجه إلى تزييف التاريخ وقلب الحقائق وتسطيح الفهم، ويتجه إلى
التشكيك في كل إنجاز أو نية لإنجاز، ويتجه إلى تثبيط همة الشعب وإفقاده الثقة في
نفسه وفي تاريخه وفي رموزه، كما يتجه إلى تعظيم شأن كل ما هو أجنبي- سواء كان
محتلا سابقا أو معتديا لاحقا- وذلك للحط من شأن كل ما هو محلي وطني وشعبي، ويتجه
أيضا إلى استكمال مشاريع التفتيت والتفكيك التي استهدفت إنهاء وجود مصر كوجود
تاريخي حضاري ضارب في القدم والمركزية، وتابعنا حكايات مسيحيين ومسلمين.. ثم تفتيت
كل منهما إلى طوائف ومذاهب فرعية واصطناع الاقتتال بينها، وحكايات مصري ونوبي
وسيناوي وأمازيغي، وحكايات أشد خطورة كان أخطرها حكاية مدني وعسكري، وأيضا حكاية
الطعن المباشر في أصول وكليات الاعتقاد في وجود الله سبحانه وتعالى.
ولقد تمت مواجهة فعل المطرقة مواجهة
مباشرة، قامت بها قواتنا المسلحة الباسلة وقوات الشرطة، ومعهم كل من سقط شهيدا في
هذه المواجهة من رجال القضاء ورجال الهيئات والخدمات المعاونة، وكذلك الأسر التي
دفعت الثمن، ولا تزال المواجهة مستمرة معلومة الأبعاد وإن لم تكن معلومة المدى،
أما مواجهة السندان فهي أوسع وأعم وأكبر من أن تتحملها جهة أو جهات في الدولة،
وإنما هي- بحكم تعقيداتها وتشعباتها ومداها وتأثيراتها وحجم وعدد المستهدفين منها-
تحتاج حتما إلى مساهمة تتكافأ معها وتبدأ بجهد جمعي من النخب الوطنية التي تضم
مفكرين ومثقفين وعلماء ورجال أعمال وفنانين وأدباء، دون أن يعني ترتيب الأسماء أي
دلالة تمييزية.
كما هو معلوم فإن الحروب الحديثة هي
حروب أسلحة مشتركة على مستوى تنوع القوات، الذي تجاوز ما كان معروفًا في أزمان
سالفة وضم البرية والبحرية والجوية، ودخلت أفرع وتخصصات عديدة لا أعرف عددها،
ولكنني أتوقف عند مسألة استهداف الشعب نفسه لتدمير كل مكونات وجدانه حضاريا
وثقافيا وتاريخيا وعقيديا، لأن ذلك هو السبيل الوحيدة لكسر الإرادة التي ما إن
تكسر حتى تنهار كل جدران الصد، أو ينهار جهاز المناعة الوطني، ليصبح الجسد
الاجتماعي فريسة لأضعف الفيروسات والجراثيم.
وفي اعتقادي أن الظن بأنها مواجهة مع
عدو محلي داخلي، هو التنظيمات والتكوينات الإخوانية والمتسلفة والتوجهات التي تنضح
من أقلام معينة ومن أفواه تفح فحيحها على الفضائيات هو ظن مخطئ، لأن هناك ظهيرا
إقليميا ودوليا يساند هؤلاء وأولئك، ولا تفسير عندي لما يكتب وينشر في صحف عربية
تصدر من لندن بأقلام غير مصرية، تتنوع بين أصول لبنانية وأخرى سعودية، حول ثورة
يوليو وقائدها وحول هزيمة يونيو مثلا، إلا أن ذلك يمثل جزءا من الظهير الإقليمي
والدولي المساند لذلك السندان، الذي شرحت أبعاد دوره فيما سبق من سطور.
ولقد سئلت كثيرا عن مدى معرفتي أو
تقييمي لبعض الأسماء التي يظهر أصحابها في بعض الفضائيات ليصدموا الناس بآرائهم في
الديانات السماوية، وفي الكتب المقدسة، وفي الأنبياء والرسل، وفي أحداث معينة من
التاريخ المصري والعربي والإسلامي، وحول شخصيات تاريخية حازت مكانة مرموقة في
وجدان الناس، وكنت وما زلت أؤكد أن معرفتي ببعضهم تؤكد أنهم محكومون ذاتيا بعقدة
الظهور عبر قاعدة "خالف تعرف"، وأنهم يصوبون نيرانهم الشريرة على كل ما هو
مقدس وكل ما يرمز لفكرة سامية وموقف نبيل في الوجدان الشعبي، محاولين تفريغ ذلك
الوجدان من أي تقدير أو اعتزاز أو إيمان بالقيم العليا الإيمانية والإنسانية،
وأكاد أجزم أن دور الطغمة الباغية التي تبذل كل طاقتها في هذا الاتجاه هو أخطر
وأكثر ضراوة وضررا من دور الجواسيس المحترفين.. لأن الجاسوس المحترف يحاول ألا
يظهر على الأقل ويحاول أن يؤدي مهمته في صمت دون صخب وفي نعومة بغير استفزاز.
إنها مواجهة شاملة إذا أردنا بناء
الإنسان كأهم حصن يحمي بناء الأوطان.
نشرت في
جريدة الأهرام بتاريخ 13 يونيو 2019.
No comments:
Post a Comment