أصبح الأمر ظاهرة تغني هواة الاصطياد عن عناء
المهمة، سواء بتضخيم الميكروسكوبي أو باصطناع ما لم يحدث أصلًا، وهي ظاهرة تمثل في
نظر كثيرين- أنا منهم- همًا وطنيًا ثقيلًا، بل تكاد تصل إلى أنها مسألة حياة أو
موت!
إنها ظاهرة الاحتكار وتهريب السلع الحيوية
"والاستراتيجية"– إذا جاز الاصطلاح في هذا المجال– وتعظيم الربح من
بوابة المضاربة وتعطيش السوق و"حَشّ وسط" المواطنين من كل المستويات، أي
الغلابة وما فوق، ثم هز هيبة الدولة التي أصبحت- باعتراف رئيسها- شبه دولة منذ ما
قبل توليه!
أصبح الأمر أكبر من الغمز واللمز والطعن على
التوجهات الاقتصادية والسياسية للبعض، خاصة زاعمي الرأسمالية والليبرالية، وأكبر
من التبريرات التي يمكن أن تقال من قبيل "هذه هي سنة الله التي فطر البشر
عليها".. أي فطرة الربح والقنص وشطارة الإثراء، أو من قبيل أن التجار
والرأسماليين يؤدون ما تفرضه عليهم قوانين الربح، وأن الدولة هي الفاشلة في تأدية
ما تفرضه عليها قوانين غائبة هنا، وماثلة وواضحة في دول أخرى، أو من قبيل الأسئلة
الاستنكارية التي تطرح حول أولئك الذين يريدون تعميم الفقر وسيادة الكسل وإعلاء
عقلية "البلوشي"، أي المجاني أو المدعوم وهلم جرا!
الأمر أكبر من ذلك عندما يصل إلى القتل العمدي،
وأكرر العمدي.. بل وأضيف مع سبق الإصرار والترصد وتوفر كل الأدلة بما فيها أداة
الجريمة في موقعها! تخيلوا أيها السادة أن دكتورًا صيدليًا انتخب نقيبًا لصيادلة
المحروسة- وهم بالآلاف- وهو ممن حُسبوا بدرجة أو أخرى على الذين يستندون إلى
المرجعية الدينية، يعني ممن يستشهدون بـ"قال الله وقال الرسول"، ولأنه
شاطر ومتدين صار رئيس مجلس إدارة شركة من أكبر شركات الأدوية قطاع عام.. ثم أسس،
وصار المساهم الأكبر جدًا في أكبر شركة لتوزيع الدواء.. يعني ربك سبحانه وتعالى
صارف له علمًا وخبرة ومناصب بالتعيين وبالانتخاب وإدارة وفلوس، وفوق هذا وذاك
وقبله وبعده أوكل إليه أمانة عليا في قطاع خطير هو قطاع الدواء.. ثم بعد هذا كله
يحضر حضرته سيارات نقل عفش "أثاث" ويجعل منها مخازن لعشرات الأصناف من
الأدوية، فيما سوق الدواء يعاني أزمة قوية حادة في الأصناف التي قام حضرته بجمعها
وتخزينها، ومنها أدوية مخصصة للحالات الحرجة التي على حافة الموت، أدوية لعلاج
الجلطات من أهميتها وندرتها وارتفاع سعرها 7000 جنيه للحقنة الواحدة فإن أعظم
مستشفى لا يحوز أكثر من ثلاثة أمبولات.. ثم يقوم حضرته بتخزين وإخفاء ألف أمبول
"1000"! وحدث ولا حرج عن عشرات الأصناف الأخرى التي أخفى منها آلاف
العبوات دون أن يطرف له جفن!
ثم نسأل أهل القانون فيقال إن الأمر لن يتعدى
جنحة!
قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد وبوجود أداة
الجريمة في موقع الجريمة ثم جنحة.. يا أخي لا مؤاخذة.. إسكندراني!
عندئذ نصرخ بأعلى عزم ما فينا: لماذا لا تصادر
هذه الكميات فورا وتوزع فورا على المستشفيات العامة وتحت رقابة صارمة، بحيث لا
تتسرب من الناحية الثانية إلى مجرمين آخرين؟!
لماذا لا يبادر مجلس النواب فورا، اليوم وقبل
الغد، باجتماع طارئ يتم فيه تغليظ عقوبة الجرائم من هذا النوع لتصل العقوبة إلى
الإعدام حتى الموت، لأنه من الوارد في ظل الفساد أن تتم رشوة الجلاد في سجن
التنفيذ لكي يتم التنفيذ خطأ ويفلت المجرم؟! لماذا لا يتم فضح وتجريس كل المحتكرين
في الدواء وغير الدواء؟!
وأخيرًا لماذا لا يتفضل عتاة الاقتصاد الحر
وعبدة آليات السوق والمتبتلون في محراب أنه لا إله إلا الربح المتعظم؛ ويصفوا-
للأمة الغلبانة ولنا كمتخلفين- الدواء الناجع لعلاج أمثال سيادة الأستاذ الدكتور
نقيب الصيادلة ورئيس مجلس إدارة شركة خاصة عملاقة لتوزيع الدواء وأخرى عامة لصناعة
الدواء وأمثال الذين قرروا مساندة الإرهاب في هدم صروح الدولة المصرية ومسوغات
قوتها بل ووجودها.. حيث يضرب الإرهاب بالرصاص والآر بي جي والقنابل والألغام
ويضربون هم بالاحتكار والتخزين والإخفاء والسوق السوداء.
إنني أدعو من يستطيع أن يبذل جهدًا في حصر
الحالات التي لاقت حتفها وماتت في المستشفيات أو في بيوتها أو في الشوارع جراء عدم
وجود الأدوية التي كان يخفيها حضرة رجل الأعمال المحترم الذي تولى نقابة الصيادلة
ولا يترك فرضًا وكان يعلن دومًا أن الإسلام هو الحل! ثم نتساند لرفع دعاوى قضائية
لتعويض أسر هؤلاء الضحايا الذين أعتقد أن وزرهم سيبقى في رقبة الدكتور إلى يوم
الدين، حتى وإن عوقب بعقاب جنحة لن يتجاوز غرامة وحبسًا هزيلًا.
نشرت في جريدة المصري
اليوم بتاريخ 2 نوفمبر 2016.
No comments:
Post a Comment