شوف يا أخي كيف أننا رغم كل ما جرى لا نزال بلد
الرخاء والسخاء.. إذ لا يوجد بلد واحد في العالم كله، شماله وجنوبه وشرقه وغربه
ووسطه وبالورب أيضًا، يمكن أن تعيش فيه في مسكن، أي شقة أو فيللا فيها من الغرف ست
أو سبع، ومن بيوت الأدب أي لا مؤاخذة الأكنفة أو المراحيض ثلاثة، ومن البلكونات
والطرقات والمطابخ ما يرمح فيه الحصان، وتدفع فيها ثلث دولار، يعني الثلاثة مطارح
من هذا النوع بدولار واحد أو أقل، لأن فيه شققًا من هذه العينة لا يتجاوز إيجارها
أربعة أو خمسة جنيهات!
وشوف يا سيدي أيضًا، كيف أننا بلد متحضر متمدين،
ونفهم التحضر والتمدن بأنه الانحياز للحضر والمدن وليس للفلاحين، خاصة الحفيانين
الكتيانين الذين تتسع شقوق كعوب أرجلهم لفئران تختبئ فيها.. وبرهنّا على ذلك بما
يلي، وبغير مبالغة عندما تصدى مجلس شعبنا، الذي كان مجلس أمتنا، ثم صار مجلس
نوابنا، ذات دورة أيام الحاج أبو علاء، وكان زعيم الأغلبية أيامها رجلا كبارة ذا
حواجب ثقيلة وقامة فخيمة يبرز منها منحنى الرفاهية بشكل هائل، لدرجة أن "أبو
علاء" كان في زيارة لإحدى المؤسسات، وكان الزعيم إياه في الصف الأول الملتف
حول الرئيس الذي التفت بطريقته الفريدة وأشار لمنحنى الرفاهية، وقال لزعيم
الأغلبية "كرشك كبر يا فلان" فرد الزعيم من فوره: "من الحلال يا
ريس.. اتعلمناه من سيادتك"! المهم أن المجلس الموقر ناقش حكاية الإيجارات في
الأرض الزراعية، وقرر من فوره تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر في الريف، وقفزت
الإيجارات للسماء وارتفعت بالتالي أثمان القيراط والفدان.. ولما جاء الدور على
العلاقة بين المالك والمستأجر في المدن، خاصة العقود المسماة بالقديمة، وقف الزعيم
إياه وخطب خطبة عصماء يرفض فيها الاقتراب من إيجارات الشقق والفيللات.. ومن هنا
تدرك سيادتك أن معظم ملاك الأرض الزراعية هم أنفسهم سكان تلك الفلل والشقق التي
يرمح فيها الحصان.. يعني واحد ساكن في فيللا المرحوم داود عدس.. ووزراء ساكنين في
شقق تحتل الواحدة دورا بأكمله في جاردن سيتي بإيجار دولار واحد شهريا.. وقس على
ذلك مئات ألوف الشقق والفلل التي بناها أصحابها واعتبروها ضمانا لورثتهم من عاديات
الدهر وجور الأيام والظلم من ذوي القربى، فإذا بالذين كانوا مطمئنين إلى أن آباءهم
وأمهاتهم أمنوا لهم معايشهم، وقد تحولوا إلى غلابة ينتظرون ثلاثين أو أربعين أو
حتى مائة جنيه إيجار عمارة من عدة أدوار وعديد الشقق في أرقى أحياء العاصمة والثغر
والمدن الكبرى!
لست منحازا لذوي العمارات والفيللات، ولكنني
منحاز لما يلي، وهو أولا ضرورة الاتساق في تشريعات البلد، أي عدم الكيل بمكيالين،
مكيال لمستأجري الأرض الزراعية من صغار الفلاحين، ومكيال لمحتلي الشقق والفيللات
التي هي من العينة المذكورة! وهو ثانيا أن البلد يحتاج موارد بلا حدود لكي يقف على
قدميه ولكي نكف عن تسول الإعانات والمساعدات والقروض من الحادي والمنادي والذي
يساوي والآخر الذي لا يساوي شيئا، وطبيعي أن تكون الثروة العقارية، وما يمكن أن
تضخه من أموال للضرائب، هي أحد الموارد المهمة في هذا الإطار.. وهنا نسأل المجلس
الموقر الذي بالقطع فيه شريحة من المساكين، الذين يسكنون بالإيجار في شقق وفيللات
من تلك الشاكلة، أو لهم أقرباء وأنسباء وأصدقاء من العينة ذاتها: لماذا لا يعالج
الأمر على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"؟ يعني لا نضر فئات اجتماعية سآتي على
ذكرها، ولا نترك الدولة متضررة من نقص الموارد.
وهذا يدفعني لأقول إن ثالثا هو ضرورة إجراء
تصنيف دقيق للعقارات الخاضعة لتلك العلاقة الإيجارية، ونميز بين التي يرمح فيها
الحصان وفي أحياء متميزة، وبين علب الكبريت أو الصناديق في الأحياء الشعبية
والمناطق الفقيرة، ونبدأ بتحرير العلاقة الإيجارية في العينة الأولى، ثم ومن
الموارد التي ستتحقق من الضرائب على تلك العقارات المحررة نبدأ في خطة بناء مساكن
لائقة مساحة ومناسبة إيجارا لقاطني العينة الثانية.. وعندها يصبح القانون ساريا
على جميع العلاقات الإيجارية ويصبح الكيل بمكيال واحد، وينتهي تراث "من الحلال
يا ريس" الذي كان الحلال فيه واسعا لدرجة أن هذا الشعب نادر المثال قال فيه
أذكى قفشاته ومنها وبمناسبة أننا نتكلم عن المساكن أن صحفيا جلياطا ثرثارا سأل
الحاج أبو علاء ذات مرة عن ثروة ابنيه- حفظهما الله- فرد سيادته ردا مفحما، إذ
قال: "دايما تبالغوا في الأمور وتجعلوا من الحبة قبة.. كل الذي عندهم هو شقة
غرفتين واحدة في أسوان والثانية في إسكندرية وبينهم صالة"!
يا سيدي المجلس الموقر وقد وقر رئيسك المبجل،
الذي عرفته منذ أكثر من أربعين عاما حيث كنا زملاء في المدينة الجامعية، أسماعنا
بأن حكاية قانون الإيجارات القديمة لن يناقش ولن يقترب أحد من الغلابة، أقول لكم
متسائلا: لماذا تضيعون على البلد ما يقدره البعض بمائة مليار جنيه خلال خمس سنوات
يمكن أن تكون حصيلة الضرائب على ملاك تلك العقارات في حالة تحرير العلاقة.. ولماذا
تساوون بين الباشاوات والبهوات من الذين لهفوا شققا وفيللات إيجارها ببلاش تقريبا
وبين الأسر الفقيرة فعليًا التي تعيش في أحياء قديمة متهالكة وشقق بالغة التواضع..
ولماذا تحولون بين أن تأخذ الدولة من هؤلاء لتبني مساكن لأولئك؟ وإلى متى ستبقى
المتاجرة بالغلابة لخدمة "الديابة"؟!
نشرت في جريدة المصري
اليوم بتاريخ 25 يناير 2017.
No comments:
Post a Comment