أكتب هذا الموضوع للمرة الثانية
لأحاول السعي لمعرفة متى وكيف وأين كسر المدعو ياسر حسين محمود برهامي حشيش عين
الداخلية أو الحكومة أو النظام أو الدولة؟! ذلك أن ما يقوله على الملأ يستوجب
المساءلة والحساب والعقاب، إذا كان في هذا البلد دستور يحترم وقانون ينفذ.
لا أظن أن النظام القائم حاليا يحتاج
لغطاء يزعم أنه ديني يغني عن الغطاء الأخلاقي العام، النابع من قيم المواطنة
والمنظومة الحضارية الثقافية المصرية الضاربة بجذورها منذ فجر التاريخ، مرورًا
بمصر القديمة منذ الأسرة الأولى، وبما بعدها من هللينستي ومسيحي، ثم إسلامي إلى
الحديث والمعاصر، حيث يحتاج بعض النظم السياسية لغطاء يزعم المرجعية الدينية،
لأنها تتخذ موقفا سلبيا من قيم المواطنة والمنظومات الحضارية الثقافية بوجه عام،
ولذلك أتساءل وبجدية كاملة: متى وكيف وأين كسر برهامي نائب قيم الدعوة السلفية عين
مؤسسات الحكم، ولدرجة تمكينه من اعتلاء منابر المساجد مؤخرا لسبب أراه من نوع
"شر البلية"، أي أنه مضحك، وهو اجتيازه امتحانا وضعته وزارة الأوقاف،
ولا أعرف إذا كان الامتحان قد تضمن سؤالا هو: ما رأيك فيمن يحكم بالإجرام
والاعتداء والظلم والكفر على مواطن مصري أو جماعة مصرية دون حكم قضائي، وهل من حق
من يعتبر نفسه داعيا إلى الله أن يطلق هذه الأحكام على المواطنين المصريين
المسيحيين؟!
لقد سبق وعرفت كل الجهات المسؤولة ما
عرفه أي مواطن مصري يتابع ما ينشر ويبث على وسائل الاتصال الإلكترونية عندما سئل
برهامي عن معاملة الزوج المسلم لزوجه المسيحية، وكان رده غاية في الإجرام والفحش.
ولم يرد عليه لا أزهر ولا أوقاف، ولم
تردعه نيابة عامة أو وزارة داخلية! وقام أمثالي بالرد عليه، وصار الأمر كأنه معركة
كلامية مع شخص يحض على الكراهية والازدراء والبغض، وتدمير الروابط الأسرية،
ومخالفة كل ما هو إنساني محترم.
ثم يتكرر الأمر ليس من برهامي وحده،
وإنما من آخر من العينة السلفية نفسها اسمه يحيى رفاعي سرور، الذي خرج علنًا ليقول
عن المواطنين المصريين الذين استشهدوا ذبحا في ليبيا: "إنهم خرفان.. واحد
وعشرون خروفا مسيحيا دماؤهم رخيصة لأنه ليس بيننا- والضمير عائد على ذلك اليحيى-
عقد وطن ونشعر بالإهانة لأن الأقباط ظلوا آمنين بمصر بعد الانقلاب".
أما ياسر برهامي فقد قال علنًا بالصوت
والصورة عن المواطنين المسيحيين المصريين: إنهم "أقلية مجرمة معتدية ظالمة
كافرة تعتدي على حق الأغلبية.. ندعو إخواننا النصارى كفار.. إخواننا نعم في
الوطن.. وهم كفار إن بقوا على كفرهم فهم في نار جهنم..."، ثم يصف من يخالفونه
فيما يذهب إليه "بأنهم أهل النفاق والزندقة".. يعني كل الأشخاص والجهات
التي تخالف ياسر حسين محمود برهامي حشيش زنادقة منافقون! وبعد ذلك يبقى ياسر
برهامي وقادة الدعوة السلفية مثل محمد إسماعيل المقدم ومحمد عبد الفتاح أبو إدريس
وعبد المنعم الشحات وغيرهم متصدرين للمشهد الدعوي الديني، ولهم حزب سياسي يسعى
للتمثيل، وربما الأغلبية الأولى أو الثانية أو الثالثة في البرلمان المقبل!
وأكرر السؤال: متى وكيف وأين كسر
برهامي وشركاه عين مؤسسات الدولة؟! حتى إذا عرفنا التزمنا الصمت والسكون بدورنا!
ولقد بحثت بسرعة عن أصل ظاهرة الدعوة
السلفية بالإسكندرية، وطالعت مقتطفات من مراجع سريعة وعرفت أنهم جميعا متأثرون، بل
ملتزمون بآراء ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب والألباني بشكل أساسي،
وقد سبق وناقشت بعض ما أفتى به ابن تيمية تجاه المسيحيين خاصة، والآخر بوجه عام،
وفيه من الإجرام بحق الإسلام وحق الإنسانية ما فيه، ثم إنني أسعى لمعرفة ما أنتجه
الألباني من آراء وفتاوى، لأنني لم أصادف واحدا ممن هم على شاكلة برهامي والحويني
إلا ووجدته يقول من فوره: قال الألباني! وكأن الألباني هو الأول والآخر، اسمه
الكامل محمد بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرناؤوطي وكنيته
"أبو عبد الرحمن"، ولد عام 1914 وتوفي عام 1999 وكان مولده في أشقودرة
العاصمة القديمة لألبانيا، وقد ترك أبوه ألبانيا وهو أحد كبار علماء المذهب
الحنفي، وهاجر إلى دمشق ومعه ابنه محمد، وكان سبب هجرته اختلافه مع ملك ألبانيا
أحمد زوغو بعد منع النساء من ارتداء النقاب!
ثم إن لك عزيزي القارئ أن تنظر في سجل
مؤلفات الألباني وبرهامي حشيش، ومعهما رئيس الدعوة السلفية الإسكندرانية محمد عبد
الفتاح أبو إدريس، فتجدها في عمومها لا تزيد على حواشٍ شارحة لمتون ابن حنبل وابن
تيمية وابن عبد الوهاب، وليس فيها مؤلف واحد يمكن أن يصنف ضمن الاجتهادات الواعية
المبدعة، التي تقف على قواعد راسخة وتبذل جهدها وتفرغ وسعها في تحقيق مصالح الأمة
التي حيثما تكون كان الشرع الحنيف!
نحن أمام تركيبة لا يمكن مناقشتها
بالعقل والدليل العلمي والفقهي الواعي الشامل، ولا يمكن لعاقل أن يضيع وقته مع من
نزع من قلبه ومن عقله أي نزوع إنساني للتعامل مع خلق الله بالحكمة والموعظة
الحسنة، وترك علاقاتهم الإيمانية بالله لله، إنما الممكن الوحيد هو أن تتحرك
مؤسسات الدولة التي يحكمها الدستور والقانون، وفي ظرف نخوض فيه حربا على جبهات
خمس، هي: "الشرق والغرب والشمال والجنوب والعمق"، لتوقفهم عند حدهم
وتحاسبهم بالقانون عما يقترفونه في حق الوطن والمواطنين.
إنني أسأل وزير الأوقاف، وهو رجل يعرف
دوره ولا يفت في عزيمته أي شيء يحول بينه وبين الحفاظ على منابر مساجد مصر بعيدة
عن التعصب والجهل، كيف يتمكن ياسر برهامي ومن على شاكلته من أصحاب هذا الرأي
الواضح بتكفير المسيحيين، واعتبارهم أقلية مجرمة معتدية ظالمة كافرة مصيرها نار
جهنم من منابر المساجد.. ليس هذا فقط.. وإنما يزيدون على ذلك اعتبار كل من لا يرى
في المسيحيين ما يراه السلفيون فاسقا زنديقا.. يعني كلنا من أول رئيس الجمهورية
حتى أقل مواطن مثل العبد لله كاتب هذه السطور؟! كيف بالله عليكم لا يتحرك أهل
القانون من محامين ونيابة عامة لوقف هذه الجريمة وتقديم مرتكبيها للعدالة
لمحاكمتهم علنا؟!
كيف بالله علينا جميعا أن نصمت عن
هؤلاء الذين يقومون بالتأصيل النظري الكامل والعقائدي لما يفعله داعش وغيره .. لأن
تكملة كلام برهامي وشركاه هي السؤال: ما الحكم فيمن هو "كافر معتدٍ مجرم
ظالم"، وفيمن هو "منافق زنديق"؟!
ألن تكون الإجابة هي ما ينفذه داعش
على الأرض من إحراق للأحياء وذبح للإنسان!
ومرة عاشرة: متى وكيف وأين كسر برهامي
والسلفيون عين مؤسسات الدولة في مصر؟!
نشرت في
جريدة المصري اليوم بتاريخ 29 مارس 2017.
No comments:
Post a Comment