Thursday, 9 March 2017

موسوعة مصر والقضية الفلسطينية




ليس واردًا بحال من الأحوال القبول بأي أسافين تدق في أي مساحة بين مصر وفلسطين.. الشعبين والجغرافيا والتاريخ، والألم والأمل، وقل ما شئت من جوانب في حياة البشر.. ليس لأن هناك من يعتقد اعتقادًا لا تفريط فيه- ومنهم كاتب هذه السطور- أن انخراط مصر في القضية الفلسطينية هو من صميم أمنها الوطني ووجودها القومي، وهو من صميم موقفها المبدئي في كفاحها ضد الاستعمار قديمه وجديده، والصهيونية باعتبارها حركة استعمار استيطان عنصري.. ورغم أن هذه المفردات قد تبدو مع متغيرات الانحطاط العربي عمومًا والاضمحلال السياسي والثقافي الذي ضرب مصر بوجه خاص؛ رطانات عفى عليها الزمن ولغة تعبوية شعبوية تحريضية عند الذين يرون في الخيانة بالتواطؤ مع العدو الصهيوني وجهة نظر وخلافًا لا ينبغي أن يفسد ود المصالح، إلا أنها مفردات لمنظومة متكاملة من الأفكار والمواقف والسياقات التاريخية، هناك عشرات من البراهين على صحتها وبقاء جذوتها متقدة لا تخبو.

لقد كتبت الأسبوع الفائت عن شر البقر الذي شاءت تعاسة الأيام أن يبقى في واجهة بعض مؤسسات السلطة الفلسطينية وبعض مؤسسات منظمات العمل الفلسطيني، وكيف أن فيهم من يعمد الإساءة لمصر وقياداتها، وتشاء الصدفة التي يراها بعض فلاسفة التاريخ صاحبة دور في حركته، أن تصلني هدية ثمينة من رجل محترم له أفضال متعددة هو الأستاذ الدكتور عادل حسن غنيم أستاذ التاريخ العربي الحديث والمعاصر والرئيس السابق للجمعية المصرية للدراسات التاريخية.. إذ له فضل السبق في البحث العلمي في مجال تاريخ فلسطين وقضيتها، وله الفضل على كاتب هذه السطور، إذ وقف إلى جواره وأسرته أثناء محنة السجن في عام 1977، وفضل سعة الصدر والقبول بالاختلاف في الرأي والتعدد في الاجتهاد حتى وإن تصادم تمامًا مع ما يذهب إليه.

الهدية هي الجزء الثاني من المجلد الرابع من موسوعة مصر والقضية الفلسطينية، وهي الموسوعة التي يروي محررها العام الدكتور عادل غنيم بعضًا من سيرتها في مقدمته للجزء الأول من المجلد الرابع، فيقول: "موسوعة مصر والقضية الفلسطينية التي تقدم بها مجموعة من أبرز مؤرخي مصر ويصدرها المجلس الأعلى للثقافة بناء على توجيه من مجلس الوزراء المصري الذي قرر بجلسته في 14 يناير 2009 أن تقوم وزارة الثقافة بإعداد ورقة عمل بشأن الأسلوب الأمثل لتوثيق تاريخ الحروب المصرية- الإسرائيلية وإبراز صلتها بالقضية الفلسطينية والتضحيات التي تحملها شعب مصر".. ثم كان تكليف من الدكتور عماد أبو غازي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة آنذاك، للدكتور عادل غنيم بإعداد دراسة مختصرة رفعت لمجلس الوزراء، واقترح الدكتور أبو غازي تشكيل لجنة كان مقررها الدكتور غنيم في إعداد دراسة تفصيلية عن مصر والقضية الفلسطينية، تطور عملها- كما يروي محرر الموسوعة- إلى إعداد الموسوعة التي صدر المجلد الأول منها قبيل منتصف عام 2012 ويؤرخ لتاريخ مصر والقضية الفلسطينية منذ تصريح بلفور 1917 حتى ثورة 1952، ثم جاء المجلد الثاني الذي يتناول حرب 1948، وبعده المجلد الثالث الذي يتناول العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وبعده جاء المجلد الرابع الذي يتناول في جزئه الأول مقدمات حرب 1967، أما الجزء الثاني من المجلد الرابع فقد صدر هذا العام 2017 وعنوانه "من العدوان الثلاثي إلى حرب 1967".

ولقد تشكلت لجنة الموسوعة من سبعة عشر عضوا، أستأذن القارئ الكريم في ذكر أسمائهم لكي يعرف القاصي والداني أن للعلم والبحث العلمي اللذين هما من صميم العمل الوطني جنودًا يعملون في صمت بعيدًا عن صخب السياسة وأضواء الإعلام وينتجون في ظروف صعبة.. وعلى رأس اللجنة يأتي مقررها الدكتور عادل غنيم، ومعه السادة الأساتذة الدكاترة أحمد زكي الشلق وإيمان عامر وجمال حجر وجمال شقرة والسيد فليفل وعاصم الدسوقي وعبد المنعم الجميعي وعبد الوهاب بكر وعصام عيسوي وعماد أبو غازي وعماد جاد ولطيفة سالم ومحمد صابر عرب ومحمد علي حلة ومحمد عفيفي والسيدة صباح محمود المسئولة عن أمانة اللجنة!

في الجزء الأول من المجلد الرابع يكتب الأستاذ الدكتور عاصم الدسوقي- أبرز مؤرخي مصر المعاصرين- في موضوعين، أولهما عن أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين حربين، وثانيهما عن دور التنظيم السياسي في تنمية الوعي بقضية فلسطين، ويكتب الدكتور عبد الوهاب بكر عن أوضاع مصر العسكرية، ثم اللواء عبد المنعم كاطو عن المتغيرات السياسية والعسكرية السائدة كمؤثر رئيسي في مجريات الحرب، ثم اللواء سامح أبو هشيمة عن برامج تثقيف وتوعية القوات المسلحة بالقضية الفلسطينية، ويكتب الدكتور زكي البحيري عن القضية الفلسطينية في مقررات التعليم قبل الجامعي، وعصام الغريب عن مجلس الأمة وقضية فلسطين، ثم إسلام محمد عبد الخالق عن دور الدبلوماسية المصرية تجاه القضية الفلسطينية، وبعدها يكتب عبد القادر ياسين عن تبني مصر للعمل الوطني الفلسطيني، وعبد المنعم الجميعي عن رعاية مصر للاجئين الفلسطينيين، ومحمد علي حلة عن دور مصر في المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل.. ويأتي المحور الأخير عن دور الإعلام والأدب والفن في القضية الفلسطينية لتكتب الدكتورة عواطف عبد الرحمن عن الصحافة المصرية والقضية الفلسطينية، ويكتب سامي سليمان عن صورة القضية الفلسطينية في الرواية المصرية، وعبد الناصر حسن عن دور الشعر في تنمية الوعي في القضية الفلسطينية، ويكتب محمد عفيفي عن السينما المصرية والقضية الفلسطينية.

وفي المجلد الثاني من الجزء الرابع نجد محورين، الأول دور مصر والعرب وإفريقيا في القضية الفلسطينية، والثاني عن موقف مصر والعالم من إسرائيل، ويكتب محمد عبد المؤمن عن مصر والقضية الفلسطينية في الجامعة العربية وعن الدول العربية والقضية، ويكتب السيد فليفل ووسام طه عن منظمة الوحدة الإفريقية والقضية الفلسطينية.. ويكتب الدكتور جمال شقرة عن مصر وأمريكا وإسرائيل، ويكتب فطين أحمد فريد عن موقف مصر من دعم بريطانيا لإسرائيل، وإلهام ذهني عن موقف مصر من دعم فرنسا لإسرائيل، ثم يكتب وجيه عتيق عن موقف مصر من دعم ألمانيا الاتحادية العسكري لإسرائيل، ومحمد كمال يحيى عن موقف الاتحاد السوفيتي من القضية الفلسطينية، وأخيرا وسام طه عن موقف الأمم المتحدة من الصراع العربي- الإسرائيلي.

تلك مجرد عناوين قرأت بعض تفاصيلها وما زلت بصدد قراءة ما تبقى، لأقول إن الجهد العلمي التوفيقي والتحليلي في هذا العمل الجاد شهادة فخر لكل من ساهم فيه، خاصة الرجل الذي نذر حياته العلمية للبحث العلمي في القضية الفلسطينية الدكتور عادل حسن غنيم.

إنه عمل أتمنى أن يقرأه المصريون، وأن يقرأه ويستوعبه ويتعلم منه أولئك الذين ابتليت بهم ساحة العمل السياسي في فلسطين المحتلة فتصدروا المناصب لتصبح ألقاب مملكة في غير موضعها!
                           

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 9 مارس 2017.

No comments:

Post a Comment