Wednesday, 8 March 2017

مجددًا.. من ابن تيمية إلى حسن البنا.. التدقيق لازم




لم أقرأ مقال جهاد الحداد الذي أرسله بالإنجليزية منذ أيام لواحدة من كبريات الصحف الأمريكية، يؤكد فيه أنه إخواني وأن الإخواني غير إرهابي.. وقرأت عشرات التعليقات التي دعت للرد عليه هناك، وبعيدًا عن كيفية تسريب مقال الحداد من السجن إلى واشنطن، فقد سبق وكتبت السطور التالية عن بعض جوانب التطرف عند حسن البنا، لعلها تكون سندًا لمن يريد الرد عليه:

عند "ابن تيمية" يبدو الآخر غير المسلم عدوًا للدين، وخارجًا عن العقيدة السليمة، بل يعد كافرًا يستحق معاملة الكافرين والمشركين، وقد ذكرت في مقال سابق بعض تفاصيل ما ذهب إليه "ابن تيمية" الذي يعد المصدر الرئيسي لكثير من آراء جماعات تنسب نفسها إلى الإسلام، وترفع رايته على واجهاتها السياسية والفكرية، واقتبست نصوصًا من فتاوى الرجل جاءت في مجلدات الفتاوى الكبرى التي قدم لها الشيخ حسنين مخلوف، المفتي الأسبق للديار المصرية.

وفي هذا السياق تبين مصادر ما يمكن أن نسميه بالتشدد في الآراء ومصادرة الآخر، وحسبما أشرت في حديث سابق إلى أن التصدي للأصول أولى وأجدى، فإن تراث السيد حسن البنا فيه هو الآخر ما قد يتجاوز ما عند ابن تيمية، خاصة في مسألة العلاقات بين الناس داخل المجتمع القائم.

إن تاريخ حسن البنا ودعوته معروف ومتاح، كما أن مراحل تطور جماعة الإخوان معلومة هي الأخرى، ولكنني أعتقد أن كثيرين من المعنيين برصد أصول الفكر والمسلك المتشدد- خاصة تجاه الآخر غير المسلم، بل وأيضا الآخر المسلم- لم يطالعوا بعناية تراث حسن البنا والأدبيات التي ارتبطت بمواقفه، وفي هذا التراث مضامين وأقوال بعينها تكاد تكون في نظر كاتب هذه السطور منبعاً لكل تشدد وتصلب ومصادرة للآخر، وبما قد يفوق ما جاء عند سيد قطب، رحمة الله على الجميع.

ففي موضوع المرأة- على سبيل المثال- وضمن ما يندرج في رسالة المرأة المسلمة التي كانت أول رسالة لقسم الأخوات في الإخوان المسلمين، ونشرت كمقال لحسن البنا في مجلة المنار سنة 1359 هجرية، جاء بالنص: "أما المجالات في غير ذلك من العلوم التي لا حاجة للمرأة بها فعبث لا طائل تحته، فليست المرأة في حاجة إليه وخير لها أن تصرف وقتها في النافع المفيد.. ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة، وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولًا وأخيراً.. وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس..." إلى أن يصل لبلورة أمر تعليم المرأة بقوله: "ونحن لا نريد أن نقف عند هذا الحد، ولا نريد ما يريد أولئك المغالون المفرطون في تحميل المرأة ما لا حاجة لها به من أنواع الدراسات، ولكننا نقول: علّموا المرأة ما هي في حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقها الله لها: تدبير المنزل ورعاية الطفل".

وبعد المرأة وتعليمها أتوقف طويلًا عند بعض ما جاء في رسالة الجها،د حيث يسوق المرحوم حسن البنا نماذج من أحاديث نبوية في الجهاد، وأمام رقم 15 نقرأ ما يلي: "وعن عبد الخير بن ثابت بن قيس بن شماس، عن أبيه، عن جده قال: جاءت امرأة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقال لها أم خلاد، وهي منتقبة تسأل عن ابن لها قُتل في سبيل الله تعالى، فقال لها بعض أصحابه: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟ فقالت: إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي، فقال لها النبي- صلى الله عليه وسلم: "ابنك له أجر شهيدين" قالت: وِلمَ؟ قال: "لأنه قتله أهل الكتاب". أخرجه أبو داود.

إلى هنا والحديث الشريف، الذي لم أدقق في درجة صحته، على رؤوسنا وفي عيوننا، ولكن حسن البنا أضاف تعقيبا من عنده يقول فيه بالحرف: وفي هذا الحديث إشارة إلى وجوب قتال أهل الكتاب، وأن الله يضاعف أجر مَنْ قاتلهم، فليس القتال للمشركين فقط، ولكنه لكل مَنْ لم يسلم!

ولعل القارئ يلاحظ أن متن الحديث لم يشر إلى اسم الغزوة أو المعركة التي قُتل فيها الشهيد، ثم لعل المدقق الذي لديه علم بعلم التفسير وأصول القياس سيحتار ليجد ما ينص أو يشير في الحديث إلى وجوب قتال أهل الكتاب، وأن الله يضاعف أجر مَنْ قاتلهم، وأن القتال لكل مَنْ لم يسلم، ناهيك عن أننا لو مددنا الخيط بناء على "مَنْ لم يسلم" تلك فإن القتال سيكون لمَنْ لا يندرج إسلامه تحت الشروط التي تراها الجماعة الإخوانية أساسًا للإسلام الصحيح.

وفي رسالة حملت عنوان "نحو النور" يوجه السيد حسن البنا- رحمه الله- حديثه إلى صاحب المقام الرفيع، يذكر الرجل رؤوس موضوعات يقر بأنها "تحتاج إلى بحث فسيح واسع دقيق تتوافر فيه جهود الإخصائيين وكفايتهم".. ومنها أمور يجب أن نتوقف عندها ونتأملها ونتابع حراكات الإخوان الحالية على ضوئها:

• القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية في وجهة واحدة وصف واحد.

• بث الروح الإسلامية في دواوين الحكومة، بحيث يشعر الموظفون جميعا بأنهم مطالبون بتعاليم الإسلام.

• مراقبة سلوك الموظفين الشخصي وعدم الفصل بين الناحية الشخصية والناحية العملية.

• أن توزن كل أعمال الحكومة بميزان الأحكام والتعاليم الإسلامية.

• مقاومة التبرج والخلاعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون والتشديد في ذلك، بخاصة على المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومَنْ في حكمهن.

• إعادة النظر في مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان في كثير من مراحل التعليم.

• منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات، واعتبار خلوة أي رجل بامرأة لا تحل له جريمة يؤاخذان بها.

• مراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة.

• تهذيب الأغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك.

• اعتبار دعوى الحسبة ومؤاخذة مَنْ يثبت عليه مخالفة شيء من تعاليم الإسلام أو الاعتداء عليه كالإفطار في رمضان وترك الصلاة عمداً أو سب الدين وأمثال هذه الشؤون.

• توجيه الصحافة توجيها صالحاً وتشجيع المؤلفين والكاتبين على طرق الموضوعات الإسلامية الشرقية.

وهناك العديد من العناوين العريضة التي ذكرها حسن البنا لا يمكن الاختلاف معها أو عليها، وهناك أيضا ما هو مثار نقاش، كما أن فيها ما هو مصدر فزع ورعب لا لشيء إلا لأن الجماعة التي أسسها حسن البنا ترى في كلامه حقًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويكاد أن يرقى بل هو يرقى عندهم إلى مستوى المصادر الأساسية للتشريع.

ولا أريد أن أستطرد، لأن المساحة لا تتسع، ولأنني أدعو المعنيين بشأن ما نحن فيه من تفاعل سياسي إلى القراءة المتمعنة الفاهمة لتراث حسن البنا، رحمة الله عليه، لأن فيه الكثير مما يعد أصلاً لدعاوى سياسية شديدة.

أما حكاية التسريب من السجن فعندي كلام كثير لمرة مقبلة.
                                

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 8 مارس 2017.

No comments:

Post a Comment