أواصل الكتابة في قضية الغاز بعد القرار
التحكيمي ـــــ أيًا كانت جدواه وجديته ـــــــ بتغريم جهات مصرية، وأكرر مصرية،
مبلغًا يقترب من ملياري دولار ومحاولة حكومتنا المصرية التخلص من المسألة بإلقاء
تبعاتها على هيئة البترول وشركة الغاز، وقد سبق وكتبت مقالين انصبت سطور ثانيهما
على مثالب التعاقدات المصرية في تصدير الغاز للأردن وإسبانيا. وأبدأ هذه المرة
بالتذكير بما جرى أيام عهد الالتزام العثماني، لأن حكومتنا السنية وهي تلقي
بالتبعات على هيئة البترول وشركة الغاز تصرفت وكأننا إزاء "الالتزام"
العثماني، حيث يحق لوالي الغاز أو ملتزمه أن يتصرف فيه وفي عوائده كيفما شاء، ويورد
للحكومة حصة بعينها، وهو الحال نفسه المتكرر في غير وزارة وجهة الآن!
كنت وعدت القارئ بأن أستكمل ما جاء في التقرير
ـــــ الدراسة ــــــ الصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان فساد
تعاقدات الغاز في عصر مبارك – تحليل قانوني واقتصادي، وأدخل في الموضوع مستقيًا كل
ما سيرد في المقال من معلومات وأرقام من "ذلك التقرير ــــــ الدراسة"،
الذي يذهب إلى أن وفرة المعلومات فيما يتصل بقضية تصدير الغاز لإسرائيل قياسا على
ندرتها فيما يتصل بالتصدير للأردن وإسبانيا إنما يعود إلى أن القضية عرضت على القضاء
الإداري عام 2008 فكشف ذلك عن تفاصيل العقد وما شابه من مخالفات جسيمة، وعن بعض
تفاصيل شبكات المحسوبية والفساد التي احتكرت عملية بيع الغاز واستفادت من الأسعار
البخسة والشروط غير المتزنة عند التعاقد مع الطرف الإسرائيلي.
إنني أعلم أن عش الدبابير قد يستفز من هذه
السطور، وأن لديه القدرة على القمع بكل الوسائل، ولكن ثقتي في أن لمصر الآن قيادة
تختلف جذريا وشكلا ومضمونا عن عصر مبارك.. قيادة مصرية تقود البلاد الآن معتمدة
الطهر ونظافة اليد والحرص على كل مليم أن يوضع في مكانه، وعلى مطاردة ومحاكمة كل
فاسد كبير أو صغير، هي ثقة تدفعني لئلا أسكت عن الحق كالشياطين الخرساء!.. ثم إنني
أؤكد إلى ما لا نهاية وقوفي إلى جانب أية اعتبارات تتصل بالأمن القومي لوطننا،
وثقتي أن الأجهزة المعنية الآن قادرة على تصحيح أي خطأ وقع في فترات سابقة.
أنشئت شركة شرق المتوسط عام 2000 بالشراكة بين
حسين سالم ورجل أعمال إسرائيلي يدعى موسى هيمان صاحب شركة "ميرحاف"
العاملة في مجال المعاملات المالية، وقد أسند أمر تصدير الغاز بالأمر المباشر
للدولة العبرية من الهيئة العامة للبترول إلى شركة شرق المتوسط.. وهنا يوضح التقرير
الذي أستقي منه هذه المعلومات أن أول وجه للفساد هو المحسوبية التي حكمت بمنح شركة
شرق المتوسط حق احتكار شراء الغاز المصري وبيعه لإسرائيل دون غيرها من الشركات،
والتفسير الحقيقي لذلك هو الرابط القوي بين حسين سالم وبين رأس السلطة آنذاك حسني
مبارك، ولا يمكن في السياق نفسه التغاضي عن أن سامح فهمي الذي أصبح بعد ذلك وزيرا
للبترول قد عمل مع حسين سالم في مصفاة ميدور في نهاية التسعينيات، وبعدها تولى
الوزارة في 1999 ولا يمكن أيضًا تجاهل أن إبراهيم طويلة رئيس الهيئة العامة
للبترول إبان توقيع عقود التصدير مع شركة شرق المتوسط قد انتقل مباشرة بعد تقاعده
عام 2005 إلى شركة شرق المتوسط نفسها ليعمل رئيسا لمجلس إدارتها بناء على تكليف من
سامح فهمي!!
ونأتي إلى نقطة أبخس الأسعار التي تعني إهدارًا
للمال العام وفسادًا في الوقت نفسه، حيث تم تحديد سعر برميل البترول الذي يربط به
سعر الغاز بخمسة وثلاثين دولارا، حتى إذا تجاوز سعر البترول بعد ذلك هذا المبلغ،
ومعلوم أن سعر البرميل ابتداء من 2008 تجاوز حاجز المائة وعشرة دولارات، وفي
التعاقد إياه لم يكن هناك مجال لتحريك سعر الغاز مهما ارتفعت أسعار برميل النفط،
وكانت مدة التعاقد خمسة عشر عاما!!.. بل إن الفجور تجاوز ذلك عندما تقدم حسين سالم
بطلب عام 2004 لوزير البترول الذي كان موظفا عنده قبل ذلك يطلب فيه تخفيض الحد
الأدنى بمقدار النصف وتمت الموافقة، وكان السعر الذي طلبه حسين سالم وأقرته
الحكومة أقل عشر مرات من الأسعار التي كانت سائدة عالميا آنذاك، ولأجل مزيد من
التوضيح فإن إسرائيل حصلت على كل مليون وحدة حرارية بريطانية بمبلغ خمسة وسبعين من
مائة من الدولار، بينما كان الأردن يدفع دولارا وسوريا ولبنان يدفعان خمسة ونصف
دولار للوحدة نفسها.. ولمزيد من معرفة حجم الفجور إليكم معلومة أخرى حول الأسعار
في الفترة نفسها إذ كانت روسيا وإيران تصدران المليون وحدة حرارية بريطانية باثني
عشر دولارا أمريكيا.. ثم وفي سياق الأرقام أيضا فلحضراتكم أن تعلموا أن شركة شرق
المتوسط المملوكة لواحد مصري وواحد صهيوني إسرائيلي كانت تحقق حوالي ثلاثة ملايين
دولار يوميا يتم توزيعها على حسين سالم وشركاه، والعجيب أن سامح فهمي دافع عن نفسه
في القضية أمام النيابة بأن تصدير الغاز لإسرائيل تسأل فيه القيادة السياسية،
وأشار إلى عاطف عبيد وأحمد نظيف، وأن المسألة "سيادية".
بعد ذلك يأتي التقرير إلى عقد شركة
"دوراد"، وهي شركة كهرباء إسرائيلية خاصة، وقد أبرم العقد عام 2005 بين
شركة شرق المتوسط إياها وبين "دوراد" لينص على مد الشركة بخمسة وسبعين
من مائة من مليار متر مكعب (0.75) مليار متر مكعب لمدة سبع عشرة سنة، وفي ديسمبر
2010 وقع مالكو شركة شرق المتوسط اتفاقات جديدة مع شركات إسرائيلية تتضمن محطات تكرير
البترول المحدودة (أو. بي. سي، روتيم المحدودة، وآي. سي للطاقة المحدودة)، وأعمال
البحر الميت لمد إسرائيل بكميات جديدة من الغاز تتراوح بين 1.4 و2.9 مليار متر
مكعب!! بعد ذلك يتخارج حسين سالم من الشركة ليحل محله أكبر حامل أسهم في شركة شرق
المتوسط وهو شركة "آمبل أميريكان – إسرائيل"، لندخل مرحلة خراب أخرى إذ
إنه وحسب التقرير الذي بين أيدينا فإنه خلاف للخسائر الاقتصادية فإن الاتفاق بين
شركة شرق المتوسط وبين الطرف المصري يتضمن غالبا مواد تنتقص من السيادة المصرية،
حيث اتجهت الشركة لمقاضاة الجانب المصري للمطالبة بتعويضات عن الانقطاعات المتكررة
للغاز نتيجة الهجمات الإرهابية، وكأنه لا يكفي الشركة التي أصبحت بين شركاء
إسرائيليين ما نهبته من أرباح طائلة نتيجة الأسعار البخسة لأنهم يطالبون بتعويض
قدره ثمانية مليارات دولار عن تلك الانقطاعات.. يعني أيها السادة وقوع بلدنا بين
شقي الرحى.. شق الإرهاب وشق الصهاينة بفضل سياسات نظام اللص – حتى الآن – بحكم
المحكمة حسني مبارك.
لقد اختزلت كثيرًا من المعلومات والأرقام وبعضها
يتصل بالسرية وببعض الجهات، ومرة ثانية لن نبكي على لبن مسكوب، ولكن من الجريمة
ألا نتعلم الدرس وألا نمنع سكبه مرة ثانية، خاصة أنه قوت الشعب المصري.
No comments:
Post a Comment