كنت أتصل بالأستاذ
إبراهيم نافع مرة أو مرتين كل شهر منذ كان في أوروبا، وبعد أن استقر في دبي، وفي
كل مرة كان يأتيني صوته لينبئ عن حالته، وفي كل الحالات كان ممتنًا خاصة أن آخر
اتصال أشركت فيه الزميل الأستاذ ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة الأخبار، وكان بعض من
سبب امتنان الرجل- رحمة الله عليه- أنني لم أعمل في الأهرام، ولم استفد من أية
ميزات استفاد بها من اقتربوا منه رئيسًا لمجلس الإدارة، ونقيبًا للصحفيين ومتنفذًا
بحق في العلاقة مع سلطات نظام حسني مبارك، بل إنني أذكر– لأن الأمر أضحى تاريخًا –
أنه في إحدى دورات ترشحه نقيبًا للصحفيين ترشح في مواجهته الأستاذ الصديق جلال
عارف، واحتشد كل الناصريين لمساندة عارف، فيما اتخذت موقفًا مؤيدًا لنافع، وكتبت
مقالًا في "الأهرام" أشرح فيه الأمر، وكانت النتيجة أن أوقفوني عن
الكتابة في جريدة العربي وصادروا قلمي ونلت من الشتائم والتهجم ما تجاوز حدود
الأدب!
لست بصدد كتابة مرثية
في الراحل دمث الخلق، الذي لم يضن على من طلب مساعدته لحظة ما، حتى وإن كان من
مناوئيه، ولست بصدد تقييم دوره في الصحافة ولا النقابة ولا الإدارة، وإنما بصدد
محاولة فهم العلاقة الدرامية المعقدة بين النظام بسلطاته وأجهزته وبين الصحافة أو
بالأدق رؤساء التحرير ومجلس الإدارة!.. ذلك أنني أعتقد أن ما تعرض له إبراهيم
نافع، والنهاية التي أظنها مفجعة، لم يكن أمرًا من صنعه هو وحده ولا اختياره الحر
المباشر، الذي يستوجب تحميله وحده أيضًا كل النتائج، وإنما هي أيضًا طبيعة نظام
حسني مبارك، الذي وإن ورث الأوضاع السياسية والصحفية عن سلفه، فإن له جيناته
وبصماته الخاصة التي انعكست على الأمرين – السياسة والصحافة – وصبغتهما بسمات غير
مسبوقة، وقد تكون "ملحوقة"!
لقد كانت العبارة
الحاسمة التي أرست معظم الخلل، خاصة الفساد، هي "تستيف الأوراق"! إذ شاع
واستقر أنه طالما أن الأوراق متستفة، أي أن أي خلل لن يضير من وقع فيه إذا كان
صاحب الأمر قد تمكن من توفير المستندات، وترتيب المرجعية القانونية والإجرائية
التي تغطي العوار وتعفي من المسؤولية، وكان المتداول المنقول المنسوب للرئيس إذا
وصل إليه كلام عن أخطاء أو تجاوز مسؤول ما هو سؤال تقريري "مستف أوراقه أم
لا؟!"، وكان المتداول أيضًا هو أن أقصى ما قد يتعرض له مسؤول، خاصة المستويات
العليا هو تندر الرئيس عليه، "التريقة"، ومنها ما شاهده كثيرون عندما كان
الرئيس يزور مؤسسة صحفية وسأل سؤاله التقريري: "كرشك كبر يا كمال"، إذ
كان كمال الشاذلي أمينًا للتنظيم ووزيرًا، فجاء الرد: "من الحلال يا
ريس"!.. وكلنا يعرف أن الراحل كمال الشاذلي ترك مشكلة لورثته الذين اضطروا
للتنازل عن ثروات طائلة - بمعايير الغلابة أمثالنا - لتسوية الوضع القانوني مع
جهات التحقيق!
لقد ثبت بأحكام قضائية
نهائية، وبوقائع تحقيقات للتسويات أن الرؤوس الكبيرة في النظام، ومنها الرئيس
وأسرته، لم يكونوا يعفون عن بعض الغنائم غير الشرعية والميزات التي تبدو فاحشة،
قياسًا على الأوضاع في بلد يعاني، وتئن غالبيته تحت وطأة ظروف اقتصادية، ومن ثم
اجتماعية بالغة الصعوبة، ومن هنا جاءت الثغرة التي تعثرت فيها أقدام من وجهت إليهم
أصابع الاتهام بالفساد، ومنه الهدايا المبالغ في أثمانها، التي قدمتها مؤسسات
صحفية للرؤوس الكبيرة!
إنني أعلم أن كلمة
"لو" لا تصلح للاستخدام في سياقات التاريخ، ومع ذلك أغامر وأقول لو أن
النظام ورؤوسه العليا كانوا محصنين ضد غواية الغنائم والميزات غير المشروعة، أو
حتى المشكوك في أنها حلال قانونًا، ولن أقول شرعًا، لما كانت المعادلة قامت على
أساس أنك أن أردت الاستمرار، في منصبك كرئيس تحرير أو مجلس إدارة، وإن أردت أن تكون
لك أنت أيضًا غنائمك وميزاتك، فعليك أن "ترمي بياضك" كما يقول العامة..
وبياضك هنا هو أن الهدية هي مفتاح المحبة!
وفي اعتقادي أن إبراهيم
نافع عندما كان يعمل في ظل نظام لا يفتح الباب لمغنم أو ميزة، وكان هيكل أحد
واجهات ذلك النظام، لم ينجرف فيما انجرف فيه، عندما تغيرت الظروف وجاء من يستحلون
ما ليس لهم.
وفي اعتقادي أيضًا أن النظام الحالي، ومن خلال ما تتسم به مسلكيات ومنهج رأسه لن يفتح أية ثغرة تتعثر فيها أقدام القائمين على مؤسسات الصحافة والإعلام خاصة ومؤسسات الدولة بوجه عام.
وفي اعتقادي أيضًا أن النظام الحالي، ومن خلال ما تتسم به مسلكيات ومنهج رأسه لن يفتح أية ثغرة تتعثر فيها أقدام القائمين على مؤسسات الصحافة والإعلام خاصة ومؤسسات الدولة بوجه عام.
رحم الله النقيب، الذي
تصدى بقوة لمحاولات ذبح الصحافة، وكان فارسًا حتى مع خصومه.
نشرت
في جريدة الأهرام بتاريخ 4 يناير 2018.
No comments:
Post a Comment