لأنني أعلم أن المحاكم والسادة القضاة، وأيضا الأجهزة المعاونة، بمن فيها
من موظفين لديهم من الأعباء ما تنوء بحمله الجبال، لبادرت برفع دعوى قضائية أطالب
فيها بمحاسبة المسؤول الأول ومن تحته في شركة We.. وي، حيث إن أول هام هو أمرنا لله في
اختيار لفظ أجنبي لشركة كل فلوسها ومرتبات ومكافآت وامتيازات رئيسها ومن معه تأتي
من جيوب الناطقين بالعربية، لغة القرآن ولغة الدولة ولغة الأدب والثقافة والفن..
ولا أعرف لماذا لا يكون اسمها "نحن"؟!
ثاني هام أن شركة تحتكر الخطوط الأرضية، يعني أن من يعترض أو يشتكي أو يصرخ
فليضرب رأسه في أقرب حائط أو بأقرب جسم صلب.
ثالث هام أنك تطلب رقم 111 مائة وأحد عشر، لأجل أن تشتكي أو تطلب خدمة
فتبدأ سلسلة من التوجيهات، إلى أن تصل إلى الضغط على رقم صفر للتحدث مع أي بشر في
الشركة، فيرد عليك ويسألك عن اسمك وعن رقم التليفون ومعه كود المحافظة، مع أنك أدخلت
الكود والرقم فعلا ومؤكد أنه يظهر أمامه.. ثم يسألك عن اسمك والعنوان، وبعدها
يستفسر عن ماذا تريد فتحكي القصة؟ وهي في حالتي أن لدي خطا أرضيا واشتركت في خدمة
الخط الدولي، وأستخدم عليه جهاز الفاكس لزوم عملي واتصالاتي بمن يعيشون في
الخارج.. وفي الغالب فإن هناك من يقوم بتعطيل هذه الخدمة.. فأتصل مرة.. ومرات..
لأستمع لموظفين مساكين، صوتهم نمطي مقطوع الأنفاس ولا يملكون من الأمر شيئا وأتلقى
رقم الشكوى، ثم أسمع كلاما عن أن فنيا سيأتي.. وكلاما عن أن الخدمة ستعود خلال 48
ساعة ليس فيها الجمعة والسبت، أو أسمع عبارة "خليك معايا.. سأحولك
للمختص" وبعدها يقطع الخط فأضطر للاتصال ثانية وثالثة.
هذا نموذج لشركة ضخمة يفترض فيها أن لديها أكثر وسائل العمل تقدما في
تخصصها، وهو الاتصالات وخدمة المعلومات، وتتقاضى أموالا على خدماتها، فإذا بها
خاوية من داخلها، ولا أحد يشعر بالمسؤولية تجاه العمل نفسه، ولا تجاه المشترك الذي
من أمواله تأتي مرتبات الإدارة من أكبر رأس إلى أصغر رأس.. وأكاد أقول إنه يبدو
صحيحا ذلك المثل الشهير "السمكة تفسد من رأسها"!
إنها لا تختلف كثيرا عن أن تدخل سوبر ماركت يحمل اسما شهيرا وفيه كل
البضاعة مرصوصة بشكل جيد ثم تتجه إلى قسم الأجبان واللحوم مثلا فتجد الذباب يطن من
حولك ويرتطم بوجهك ويلتصق به.. ثم تطلب المسؤول- أي الرأس المديرة- فيقال لك
"معلش أصله بيصلي العصر"، وتسأل المرصوصين أمامك والمندهشين أو
القرفانين من احتجاجك وصوتك المزعج عن مؤهلاتهم وهل لديهم مصدر رزق آخر، وهل
يعرفون أن مقتل المشروعات يتم من خلال السوس الذي ينخر في هيكلها.. فتأتيك الإجابة
بالصوت نفسه النمطي مقطوع الأنفاس.. "هنعمل إيه في الدبان"؟!
لقد كانوا يقولون إن دمار البلد جاء من خلال الموظفين الحكوميين والقطاع
العام لأنه مال من غير صاحب، ولأن الموظف متأكد أنه سيأخذ راتبه مهما كان إهماله
ولن يحاسبه أحد.. ولأن الفساد يستشري أكثر وأكثر في ردهات البيروقراطية وعنابر
القطاع العام.. طيب تعالوا نتساءل: لماذا هذا الذي يحدث في القطاع الخاص سواء في
شركات تقدم خدمات، لأن فودافون وأورانج فيهما ما هو أسوأ من We.. ولديّ الكثير حيث أستخدم خطين تابعين لكل
منهما.. أو في شركات لها سلاسل من الأسواق التجارية التي تبيع السلع الغذائية
وغيرها.. وأيضا في شركات العقارات وبقية السلسلة.. حيث لا يمضي يوم دون نشر
استغاثات لكبار المسؤولين من الذين نصبوا على خلق الله في بيع شاليهات وفلل وشقق
وأراضي!
أين يكمن أصل الصديد.. أي "أم القيح" التي كنا نظل نعتصر الدمل
حتى يسيل منه الدم ونستمر حتى تخرج أم القيح أو الصديد، متحملين الألم المروع
لنرتاح بعد ذلك؟!
هل أكتب أن هذا بلاغ لمن يهمه الأمر في شركة We التي تخل بالتعاقد وتقطع الخدمة التي ندفع مقابلها
ولا نتأخر في السداد؟! وهل أكتب أن هذا صراخ موجه إلى آذان المسؤولين عن
استراتيجية بناء الإنسان التي أعلنها رئيس الجمهورية واعتبرها خطته للمرحلة
المقبلة من فترة رئاسته، لأن الظاهرة المستشرية في الحكومة والعام والخاص تدل على
أنه مرض مستوطن أصاب نخاع المجتمع فصار لا يفرز إلا خلايا سرطانية شرسة وشرهة لا
تتوقف عن تدمير كل الخلايا السليمة؟!
هل يا ترى ستقع عين رأس السمكة في شركة We على هذه السطور، وإذا وقعت هل سيهتم أم
سيدير عينيه ويقول لنفسه: "خليه يخبط دماغه في الحيط.. ويبقى يقابلني لو الخط
اتصلح؟!
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 15 مايو 2019.
No comments:
Post a Comment