هناك إصرار على تدمير
المحور، الذي ترتكز عليه ومن حوله، الثقة بين من شاركوا في ثورة 30 يونيو وحرصوا
على بقاء رمزها عبد الفتاح السيسي في موقع القيادة للفترة التي يحتاجها البلد كي
ينطلق واثقًا من أرضية سليمة صلبة غنية إلى آفاق المستقبل وما تطلبه ذلك من
تعديلات دستورية.. وبين نظام يونيو بكامل مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية،
وأيضا قمة قيادته.. وأعني بالمحور الذي أقصده نزاهة الحكم وشفافيته وإصراره على
اجتثاث الفساد- مهما كان موقع الفاسد ومهما كانت درجته- واجتثاث الإهمال والتواكل،
كمدخل بالغ الأهمية للقضاء على كل ما استوطن في المجتمع من معوقات للتنمية والبناء
والتقدم.
ودون أن أدخل في تفاصيل
حالات بعينها، لا لشيء إلا لأن هذا الدخول يعني ضمنا الترويج لما يراد الإصرار
عليه، فإن الحملة الممنهجة المضادة تتجه إلى تثبيت شائعات واصطناع معلومات واختلاق
وقائع.. ومن ذلك- على سبيل المثال وليس الحصر وبغير ترتيب زمني- تأتي افتراءات أن
التغيير في مواقع قيادية رئيسية في أجهزة سيادية وفي القوات المسلحة يكشف عن شروخ
وينبئ عن انفراد ونكران.. دون أن يتم الالتفات بالمرة إلى أن هناك قواعد للتغيير
مستقرة وثابتة منذ أن أعيد بناء القوات المسلحة عقب هزيمة 1967 ومنذ أن أعيد تنظيم
جهاز المخابرات أيضا، والأمر نفسه بالنسبة للرقابة الإدارية، وأن هناك درسا
تاريخيا عميقا يؤكد لصاحب القرار أن ضخ الدماء الجديدة وتداول المواقع بين
الكفاءات والاعتماد على دور المؤسسة وليس دور الفرد، الذي إن كان له تميز وتفرد
فإن مكانه هو المؤسسة بقواعدها وضوابطها.. ولنا أن نتخيل الحملة التي كان يمكن أن
تدار فيما لو لم يحدث التغيير ويتم التداول، لأنهم عندئذ كانوا سيتحدثون عن احتكار
المواقع وعن شبكات المصالح وتوزيع المغانم إلى آخره.
ومن ذلك أيضا الكلام عن
فساد في جهات معينة، والزعم أن هذا الفساد المستفحل في حجمه يستقوي بأسماء مسؤولين
كبار في المجال الاقتصادي والمالي والسيادي، ومن خلال ذلك تسعى الحملة الممنهجة
المضادة إلى طمس وتدمير ما تم ويتم من جهود جبارة شجاعة جسورة في مطاردة الفساد
والمفسدين والفاسدين، حتى طال الأمر من شغلوا مناصب وزارية ومحافظين ومساعدي
محافظين وكبار موظفين في أكثر من نطاق.. وبدلا عن الانتظار حتى تعلن أجهزة الرقابة
والتحري والضبط ما لديها اعتبروها فرصة لا تفلت للتشكيك في نزاهة وشفافية الحكم
ككل، وأن الأمر لا يختلف عن مراحل سابقة كان لا يسقط فيها إلا من لا ظهر له ولا
حام!
ثم يأتي الكلام عن
أزمات التعليم ومشاكله خاصة وبقية الخدمات عامة، وما إن يتم إنجاز مشروع كبير في
شبكات الطرق والجسور أو في المدن والمجتمعات الجديدة أو غيرها إلا ويثار تساؤل
يقول: ألم يكن من الأجدى إنفاق ما تم صرفه من أموال في تلك المشروعات على حل مشكلة
التربية والتعليم التي أعلن وزيرها أنه لن يستطيع الإكمال من دون توفير مبلغ كذا؟!
تساؤل يبدو في مكانه وزمانه لأول وهلة، ولكنه بقليل من التروي والفهم نجده- في
أحسن الأحوال- صادرا عن حسن نية وحرص من البعض على ترتيب الأولويات، ولكنه عند
أطراف الحملة إياها يعمد إلى خلط الأوراق وإلى إقامة تضاد وتصادم بين أولويات وأسس
الانطلاق نحو مستقبل سليم.. وهذا يذكرني بالذين عمدوا- في فترة سابقة من تاريخ
مصر- إلى طرح تساؤلات خبيثة مغرضة حول برج القاهرة والسد العالي ومساندة الشعوب
التي تسعى للتحرر في الوطن العربي وفي إفريقيا، فرأيناهم وسمعناهم وما زلنا نراهم
ونسمعهم يقولون ألم يكن الأجدى هو إنفاق هذه الأموال في مجالات يحتاجها المواطن
المصري في خدمات التعليم والصحة والطرق وغيرها؟!
إنهم يتعامون، سواء
الذين يصدرون عن حسن نية وحرص على ترتيب الأولويات أو الذين يتحركون لهدم كل شيء-
يتعامون– عن أن هناك خططا وضعت لتطوير البنية الأساسية، ومنها الطرق والجسور،
لأنها في كل دول العالم- الذي تقدم والذي يسعى للتقدم- أساس لا يمكن الاستغناء عنه
أو تأجيله أو تجزئته لإحداث نقلات كيفية في الاستثمار والتصنيع، وحل مشكلة التكدس
فيما لا يزيد على ثمانية إلى عشرة بالمائة من مساحة مصر، وهو التكدس الذي انعكس
سلبا على التعليم والصحة وغيرهما.. ناهيك عن أنه من دون هذه البنية الأساسية
المستقرة على أحدث تقنيات العصر فلن نتمكن من تدبير الموارد لسد احتياجات التعليم
وغيره، وهي احتياجات تتزايد طرديا مع ازدياد عدد السكان الرهيب، القادر على تعطيل
أي قدرات تنموية.
إن المجالات التي لا
تفلتها هذه الحملة متسعة باتساع حجم العمل والإنجاز الوطني الذي يتم في الداخل وفي
العلاقات الخارجية، ولن أستطيع في هذه المساحة أن أذكر ما يقال في كل مجال، ولذا
أختم بتساؤل لن أمل من تكراره والإصرار عليه، وهو: أين دور النخب الاقتصادية
والمالية المصرية، ومعها نخب الفكر والثقافة والمجتمع المدني بوجه عام، من مهمة
وطنية رفيعة هي تدبير احتياجات تطوير التعليم في مصر؟! أين هي مطابخ الأفكار العملية
التي يمكن أن تتحول لمشاريع تجمع الأموال ابتداء من جنيه واحد إلى مليارات.. يعني
من أبسط مواطن إلى أولئك الذين أُتخموا ثراءً من وراء أنشطتهم في مصر، ولن أقول من
وراء خطفهم ونهشهم في جسد المحروسة، ليتم تدبير الأحد عشر مليار جنيه التي طلبها
المسؤول عن تطوير التعليم لكي تتم المهمة؟!
نشرت
في جريدة الأهرام بتاريخ 29 مايو 2019.
No comments:
Post a Comment