Thursday 26 September 2013

السلفيون‏..‏ برهامي نموذجا

 
تمثال نهضة مصر لمحمود مختار
ها هي دحديرة السلفيين التي يدفعوننا للانزلاق فيها والأمة تحاول الخروج من حفرة الإخوان تتحول إلي هاوية سحيقة، لأن الأمر في الدحديرة قد يتوقف عند مسألة التنطع في شكل هوية الوطن ومضمون هذه الهوية، وهو ما تحدثت عنه في مقال سابق، أما الهاوية فهي إصرار هؤلاء الناس علي تمزيق ليس فقط الأصول الحضارية والثقافية والأخلاقية، التي ترسخت في مصر قبل الأديان السماوية بألفي عام، كما رصده العالم الفذ جيمس هنري برستد في كتابه فجر الضمير، وإنما تمزيق لحمة الأديان السماوية وسداها، وأقصد بها الرحمة التي كتبها الله سبحانه وتعالي علي نفسه كما جاء في كتابه المبين.

إن الأمر لم يعد أمر محاججة في الدين ولا أمر استدعاء النصوص القرآنية الشريفة والنبوية المطهرة، التي ربما لم يقرأها أولئك السلفيون وهم يتصدون لتكريس الغلظة والفجاجة والوحشية والتشدد بأكثر مما فعل بنو إسرائيل بأنفسهم، وإنما أصبح أمر وطن نعيش فيه، وعالم من حولنا يسعي حثيثا إلي تطوير حقوق الحيوانات والنباتات والبحار والأنهار والجبال والحشرات والهواء، بينما هؤلاء المتنطعون لا يتوقفون عن بث دخان ونيران الكراهية والشقاق بين أبناء الوطن الواحد وأبناء الرحم الإنسانية التي سبقت كل الأرحام.

إن أقواس الدائرة الجهنمية تنغلق بإحجام لا تفاوت فيه إذا ربطنا حكايتهم تجاه الهوية مع تصوراتهم عن الحياة المشتركة في هذا الوطن.. وأول درجات الحياة المشتركة وأعلاها مقاما هو الحياة الأسرية، حيث الأبوة والأمومة والبنوة والأرحام والسكن والمودة والرحم، وكل ما قد يرد في قواميس الحب والود من معان ومضامين.

لقد شاهدت لمرتين وثلاث، ثم كررت المشاهدة لمزيد من الإنصات ومحاولة الاستيعاب، وبقيت مذهولا أحوقل بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومازلت لهذه اللحظة التي أكتب فيها مساء الاثنين23 سبتمبر2013 غير مصدق أن من شاهدته صورة، وسمعته صوتا، وتابعت قسمات وجهه وحركات يديه وهو طبيب للأطفال ينسب نفسه وينسبه آخرون إلي السلفية، التي هي ببساطة عند أصحاب الفهم والتطبيق الصحيحين لشرع الله كما فهمه وطبقه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين! وكان المتحدث هو ياسر برهامي وبدا الحديث وكأنه حلقة درس فيها من يسألون برهامي في شئون دينهم، لأن المجيب كان يعيد ويزيد ويؤكد المعني الذي يريده بكل ما استطاع من كلمات واستشهادات! وكان السؤال علي ما يبدو من الإجابة يدور من حول زواج المسلم من الكتابيات ـ أي المسيحيات واليهوديات ـ ولأننا في مجتمع يندر فيه بل ربما يستحيل وجود يهوديات في سن الزواج، فإن الحديث انصرف آليا إلي المسيحيات!

ولم تكن هذه هي أول مرة أستمع فيها إلي من يزعم التفقه في الدين وبلوغ مرتبة الاجتهاد والفتوي التي لها شروط صارمة دقيقة يندر أن تتوافر ببساطة عند من يزعمون، إذ سبق وشاهدت واستمعت للشيخ المحلاوي حول مدي شرعية تهنئة المسلم للمسيحي بأعياده ومناسباته، وكتبت في هذا الموضوع مقالين بـالمصري اليوم، بعد أن بذلت جهدي وأفرغت وسعي في الإطلاع علي ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالي وفي سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ووجدت ما لا أظن أن برهامي ومن قبله المحلاوي ومن شاكلهما قد اطلع عليه! وربما كان عمدتهما فيما يذهبان إليه هو أحمد بن تيمية الحراني ومن شرب مشربه!

لقد تحدث برهامي عن جواز نكاح المسلم للكتابية، وانطلق يشرح في وجوب إعلان الزوج المسلم لبغضه لزوجه الكتابية ـ أي المسيحية ـ بسبب دينها، وأنه يأثم إذا أحبها، وإذا ألقي عليها التحية والسلام، وأنه إذا أضطر لتوجيه السلام فليوجهه إلي أولاده المسلمين، يعني إذا لم يوجد أولاد فلا تحية ولا سلام. وأضاف برهامي الطبيب السلفي أن المعاشرة الزوجية لا تستلزم الحب ولا الود، وضرب مثلا بحالات تتم فيها ممارسة الجنس وإشباع الشهوة غصبا وبغير حب، وتساءل مستنكرا: منذ متي كان الحب قائما في كل العلاقات الجنسية داخل بيوت الزوجية.. وبالجملة كان حديثه كله منصرفا إلي حض الزوج المسلم علي بغض زوجته غير المسلمة وحتمية إشعارها بذلك، وإلا فهو آثم آثم آثم بالثلاثة!، وأخذ يستدعي نصوصا يدعم بها ما يذهب إليه! ولا أعرف سبيلا يجعلنا نفهم كيف يمكن لبشر أولا، ثم مسلم ثانيا، طبيب ثالثا، ثم داعية رابعا، أن يتجاهل الأصل في العلاقات بين البشر عموما أيا كان جنسهم أو لونهم أو لغتهم أو معتقدهم الديني، وهذا الأصل هو النفس الواحدة التي خلق الله منها زوجها، فما بالك بمن يعبدون إلها واحدا وينتمون إلي أب روحي واحد هو الخليل إبراهيم عليه السلام.

أين يذهب برهامي وأمثاله من محكم التنزيل في الآيات الكريمة62 من سورة البقرة و113 من آل عمران و82 من المائدة و8 من الممتحنة.. بل أين يذهب برهامي وأمثاله من قول الله سبحانه وتعالي في سورة الحج الآية17: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصاري والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله علي كل شيء شهيد صدق الله العظيم.

فإذا كان هذا هو شأن المؤمنين من غيرهم بمن في ذلك المجوس والذين أشركوا بأن الفصل بين الجميع موكول إلي رب العزة سبحانه يوم القيامة، فما بالك إذا كان الشأن شأن زوج مع زوجته المؤمنة بالله، والتي أباح له دينه أن يتزوجها ويأتمنها علي عرضه وأولاده وماله وأمه وأبيه وبيته عدا أنها وأهلها شركاء في هذا الوطن، الذي وجد قبل نزول الأديان وسيبقي في القلوب إلي أن تقوم الساعة؟!

كيف بالله علينا جميعا أن نأتمن علي مصائرنا ومصائر وطننا وأجيالنا من لا يتورعون عن الحض والتحريض الواضح علي أن يكره الزوج زوجته، وأن يشعر أولاده منها بذلك؟! وفي هذا السياق المتعب المضني المقرف المثير حقيقة لكل ما ينغص حياة الإنسان أتساءل: كيف تكون البنوة والأمومة بين أبناء ذكور وإناث نشأوا وتربوا في أسرة لا يسلم فيها الأب علي الأم، ولا يقدم سكينة ولا مودة ولا رحمة، لأن كل ذلك من أبواب الحب، وكل ما يرونه هو باب يصفع ويغلق وجنس يمارس بلا أي مشاعر؟!

إنني أسأل برهامي وأمثاله هل شاهد مرة في حياته، إذا كان ممن عاشوا في الريف أو إذا كان يشاهد القنوات التليفزيونية المهتمة بحياة الحيوان وسلوكياته ـ هل شاهد ـ حشرة أو طائرا أو زاحفا أو ثدييا وصولا إلي القردة العليا يمارس الجنس دون غزل وتقارب وعطف وحنان وإيثار؟ ألم ينظر برهامي مرة واحدة إلي الدجاج والذكر ينادي إناثه لالتقاط الطعام قبله؟!

ألم يسمع برهامي وأمثاله أوامر النبي صلي الله عليه وآله وسلم في ممارسة الحياة الزوجية، وتحذيره من عدم وقوع الرجل علي زوجه كما تقع البهائم؟!

وألم يقرأ الآيات التي تتحدث عن المضمون السامي والرفيع للعلاقة بين الأزواج دون إشارة لدين هؤلاء الأزواج؟! بئست حياة لا حب فيها ولا ود!

وبئست أسرة لا مشاعر فيها ولا مودة! ويا أهل مصر احذروا الدحديرة التي تحولت إلي هاوية.
                          
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 26 سبتمبر 2013

No comments:

Post a Comment