Thursday 25 April 2019

الضالون.. الضلالية





عن الصحف المحلية، والأخرى العربية والأجنبية، وعن الفضائيات العربية والأجنبية، عن "رويتر"، عن مصدر قضائي سوداني، أن النيابة العامة السودانية فتحت التحقيق في بلاغين مقدمين ضد الرئيس المخلوع عمر البشير، بتهم غسيل الأموال وحيازة أموال ضخمة دون مسوغ قانوني، وعن صحيفة الرأي العام السودانية أنها قالت في وقت سابق: إن فريقًا من القوات المسلحة والمخابرات العسكرية السودانية داهم مقر إقامة البشير، وعثر على كميات كبيرة من النقد الأجنبي والعملة المحلية، بلغت أكثر من 6 ملايين يورو وكذلك 351 ألف دولار و5 مليارات أي خمسة آلاف مليون جنيه سوداني! أي ما يوازي إجمالًا حسب "يورونيوز" أكثر من مئة مليون يورو.

ذلك كان الخبر معنونًا يوم الأحد 21 إبريل 2019، وهي أرقام لمبالغ سائلة "كاش" في بيته، وحتى تاريخه، أي الأحد الماضي، لم ينشر شيء عن ضبطيات أخرى سائلة في بقية مقراته ولا مقرات الذين هم من الضالين أو الضلالية، وربما حتى تاريخ نشر هذا المقال، وما بعده من أيام، قد تكشف الضبطيات ما يوضح كيف عاش السودان فقيرًا وهو من أغنى بلاد الله على وجه البسيطة.

والضلالي هو من يصل إلى أريكة الحكم ممتطيًا ومتدثرًا ومتحليًا ومهللًا ومناديًا بقال الله وقال الرسول.. والضلالي هو من يحمل أهله وعشيرته وجماعته وعصابته على رقاب الخلق ويمكنهم من ثروات البلاد ومصائر العباد.. وكل هذا باسم الإسلام.. والكل يعلم أن الدين من ذلك براء!

والضلالي هو من يرتدي لكل موقف قناعًا.. ويندفع لعناق الآخرين فيما الخنجر تحت عباءته يطعن به ظهور من يعانقهم.. فعناق لمصر وفي التو واللحظة تحريض للإثيوبيين وإثارة باطلة لحكاية حلايب وشلاتين! ثم كلام لا ينتهي عن أبدية وأزلية العلاقة مع مصر.. وفي التو واللحظة تآمر مع قطر وتركيا لتهريب السلاح إلى مصر وإلى ليبيا ودعم الميليشيات الإخوانية الإرهابية، ومنح قواعد في البحر الأحمر الذي هو صميم– وليس من صميم– الأمن الوطني لمصر والسعودية والأمة العربية كلها.

وإذا كان شر البلية هو ما يضحك، فإن الحسنة- ربما الوحيدة- للبشير هي أنه وفّر على السودان جزءًا من مشقة مطاردة الأموال المنهوبة في بنوك سويسرا وغيرها، فاحتفظ بها أو بمعظمها أو بجزء منها كاش عدًا ونقدًا في داره، ولم يفعل مثل الذين خلعوا عندنا، ومازالوا يدوخوننا دوخة الأرملة واليتيم بين اللئام بحثًا عن سبيل لاسترداد الأموال التي نهبوها من المحروسة! وربما كان الذي منع البشير وشركاه من التهريب للخارج هو أنه مطلوب للعدالة الدولية وخشي أن تجمد أي أموال باسمه بسبب ذلك، وربما أيضًا يكون قد وضع أموالًا وغيرها كالذهب بأسماء آخرين.. لأن من يستبيح مليمًا أو سنتًا من أموال الوطن مستعد لاستباحة المليارات.

ونعم هو لا تصدق عليه ولا تنطبق قاعدة أنه بريء حتى تثبت إدانته بأحكام قضائية، لأن الثلاثين سنة في قمة الحكم دون أن يتغير حال السودان بأرضه وموارده الزراعية والحيوانية والمائية والمعدنية وغيرها هي وحدها ثلاثمائة مليون إدانة وثلاثمائة مليار دليل على إجرامه.. وفي هذا السياق ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد نشر أثناء حكم مبارك أن شخصًا كان في المستشفى الذي يرقد فيه مبارك عندما أجرى عملية جراحية بألمانيا، وسأل الشخص عن سبب ما يبدو أنه إجراءات أمنية قوية بالمكان، فقيل له إن مبارك رئيس مصر يجري جراحة. وكان التعليق المباشر من السائل: إن من يحكم بلدًا كمصر للمدة التي حكمها مبارك دون أن يقيم نظامًا صحيًا ووضعًا طبيًا علميًا يستطيع أن يعالجه لهو رئيس فاشل!

وها قد انتقلنا من السودان إلى المحروسة.. لأننا مهما "شرقنا وغربنا أو بحرنا وقبلنا فلا بد أن تبقي هي في خلايا كياننا، ولذلك نظل نتساءل عن أموال الشعب المصري، التي نهبت ولم نستطع استردادها حتى الآن، ونتساءل بعد الواقعة التي كان بطلها هو الرجل الوطني الفذ كامل الوزير، وتتعلق بمزاد "خردة" السكة الحديد، حيث استطاع الرجل في حالة واحدة أن يرفع ثمن الخردة من أقل من عشرين مليونًا إلى أكثر من ثلاثمائة مليون.. ماذا عن تاريخ مزادات ومناقصات وتوريدات واستيرادات السكة الحديد في العقود الأربعة الفائتة، خاصة أنني وغيري من المؤكد لم ننس ما قاله ونشره الراحل العظيم الدكتور إسماعيل صبري عبد الله عن أن تقديرات ما استولى عليه أحد وزراء النقل في عهدي السادات ومبارك وصل لثلاثة عشر مليار جنيه، وذكر اسم ذلك المسؤول الذي لم يرد، ولم يسأله أحد، ولم يتابع أحد ورثته بعد أن رحل!

إن أي عين عادية غير فنية تستطيع أن تشاهد عشرات الأماكن الممتلئة بالخردة الحديدية في أحواش ومسارات السكك الحديدية، وبعضها مطمور بالأطنان تحت الزلط والتراب والقمامة في مدخل طنطا من ناحية الإسكندرية ومن ناحية القاهرة.. ولذلك لماذا لا يتم حصر المزادات السابقة وتبين مدى وجود ما فيها من فساد، ليس في السكك الحديدية فقط، وإنما منذ قرر عاطف عبيد أن ينتقم من مصر عبر بيع أصول وأراضي شركات القطاع العام برخص التراب.. ومنها أثري الذين صدعونا بأنهم رأسمالية مصرية تساهم في التنمية والتنوير!

لقد كانت مرحلة عجيبة في تاريخ المنطقة، أن يكون الحكام متطابقين في مسألة اعتبار الذمة المالية للدولة هي ذمتهم الشخصية، وليس هناك فرق بين جيب الدولة وجيوبهم هم وعائلاتهم وأتباعهم!

وأختم بما تداوله المصريون عبر وسائل التواصل إياها، فصوروا مبارك يكلم البشير ويقول له: "بسرعة اعمل عيان وبتموت واطلب دخول المستشفى واجعل أحد عيالك يمسك مصحف ويحملونك على كرسي متحرك يتناوب عيالك دفعه.. وأنا سأرسل لك المحامي اللي يجيب الديب من ذيله".

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 25 أبريل 2019.

Wednesday 24 April 2019

آل ميديتشي.. وآل عثمان





لا تجوز الفرضيات في علم التاريخ، بمعنى أن كلمة "لو" غير واردة... ولا يجوز كذلك عقد المقارنات بين السياقات التاريخية في أماكن وأزمنة مختلفة، أو حتى بين مجتمعين أو مكانين في زمن واحد، لأن لكل سياق ظروفه الخاصة التي تحكم مساره، ولذلك أجد نفسي واقفًا عند التأمل ومحاولة استيعاب الدروس عندما كنت في فلورنسا، ضمن الرحلة التي أشرت إليها في مقال سابق، ووقفت أتأمل معالم المدينة التي قادت حركة النهضة في إيطاليا، ومن بعدها انتشرت في أوروبا، واسترجعت المرحلة التاريخية نفسها عندنا في مصر والشام، حيث كانا دولة واحدة معظم الوقت في الفترة المملوكية قبل الغزو العثماني وكانا في ازدهار ونهوض اقتصادي ومعماري واضح.

وبالطبع لن أقع فيما أحذر غيري منه، ولن أضع فرضية تقول ماذا لو لم يقم الأتراك العثمانيون بغزو الشام ومصر وبقية المنطقة.. وماذا لو كنا مضينا في سبيلنا الذي أسسنا له وواجهنا أقدارنا، حتى مع وجود تهديد الطلعات الاستعمارية الأوروبية المبكرة من البرتغال وإسبانيا..، وماذا لو لم يجرف العثمانيون خيرة حرفيي مصر والشام وأسطواتها واحتجزوهم في بلادهم ليستخدموهم في بناء قصورها ومساجدها؟! أسئلة افتراضية بغير حصر، قد تجوز في علوم اجتماعية إنسانية أخرى غير علم التاريخ!

تأملت كيف لعبت "الصدفة الموضوعية"– كما وصفها الراحل محمود أمين العالم– دورها في أن يولد معظم فناني وعلماء عصر النهضة الأوروبية، الذين ساهموا بعد نضجهم في إنجاز معالمها قبيل غزو الأتراك العثمانيين للشام ومصر، إذ احتلوا الشام بعد معركة مرج دابق في أغسطس 1516، واحتلوا مصر في يناير 1517! وهنا أتأمل كيف أن الفنانين والعلماء الذين بنوا صروح النهضة في فلورنسا أنجزوا ما أنجزوه في غضون تلك الفترة، فها هو رافائيل يبدع حتى يموت سنة 1520، وساندرو بوتيتشيلي ولد 1445 وتوفي 1510، وتيتيان 1490-1576، وبييرو ديلا فرانشيسكا 1416- 1492 والمعماري فيليبو برونيسكي 1377- 1446، أما أنجلو "ميكيلانجيلو بوناروتي"، فعاش من مارس 1475 إلى فبراير 1564، وليوناردو دافينشي الرسام والمهندس وعالم النبات وعالم الخرائط والجيولوجي والموسيقي فقد ولد 14 إبريل 1452 وتوفي 2 مايو 1519.. يا إلهي.. ففيما كان الغازي العثماني الذي لا يعرف سوى الكر والفر والحرب والخازوق، ولا يعرف من الإسلام سوى أن من بنى مسجدًا كان له بيت مثله في الجنة، يعصف بالتكوين الحضاري في الشام ومصر، كانت أسرة ميديتشي تبني المكتبات وتزودها بالكتب والمخطوطات وتجلبها من كل الأنحاء، ووصل الأمر بالأمير لورنزو العظيم أو الفخم، لأن يعلن أنه لو تطلب الأمر أن يبيع أثاث منزله ليستكمل بناء المكتبات في توسكانيا وفلورنسا فسوف يفعل!

ثم تأملت أيضًا كيف ضافت واستحكمت حلقاتها على الشام ومصر، إذ تم إتمام اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في الفترة نفسها، وكانت الصدفة أن فاسكو دا جاما ولد 1460 وعاش حتى 1524 فينتهي تأثير مرور التجارة من الشام ومصر، وندخل في ركود هائل، فيما الجانب الآخر من المتوسط أي الشمال يركض في نهضته لأن التجارة انتعشت وانتهى تمامًا عصر الإقطاع وتبدد ظلام العصور الوسطى، واستطاعت المجتمعات هناك أن تتجاوز صدمة سقوط واضمحلال الإمبراطورية الرومانية على يد المتبربرين ، بل إن من سلالة هؤلاء الرعاة المتبربرين جاءت أسرات مثل الميروفنجيين والكارولنجيين، الذين كان منهم الرجل الذي غيّر مجرى التاريخ السياسي الأوروبي، وهو شارلمان الكبير، الذي رفض أن يتوّجه بابا روما فانتزع التاج من يد البابا، ووضعه على رأسه بيديه هو نفسه، ونبتت نبتة فصل الكنيسة عن الدولة.. وتحقق بالفعل أن ما لقيصر لقيصر.. وما لله لله!

وعلى الجانب الآخر، أي جنوب المتوسط وشرقه، كان الأتراك العثمانيون قد استقر احتلالهم لبلادنا، رغم المقاومة القوية التي قادها طومان باي واستشهد، ولأن الأتراك العثمانيين لا يعرفون العربية لغة القرآن والسنة والفقه، بوجه عام، ولا يعرفون شيئًا عن علوم الدين وأصول الفقه، ولا عن العقائد والعبادات والمعاملات، أي جوهر الدين والتدين الصحيح، فقد ركن سلاطينهم إلى بعض علماء الدين– إذ ليس في الإسلام رجال دين- فإذا بالعلماء الذين يعرفون أن الجميع يؤخذ منه ويرد عليه ووارد أن يخطئ ما عدا الرسول المعصوم، صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم استنادًا إلى احتياج السلاطين الأتراك لهم تحولوا إلى رجال دين، واستمر الانحدار حتى وصل الأمر إلى تجاهل الأصل وهو القرآن والسنة، واعتماد آراء الفقهاء الذين لم يجدوا من يردعهم، أو يطالبهم بإعمال عقولهم وبذل جهدهم في استنباط الأحكام من أصولها الحقة، فاعتادوا الكسل الذهني وأنزلوا متون أسلاف مذاهبهم منازل التنزيه والتقديس، ولم يجرؤوا إلا على كتابة الحواشي "الهوامش" على تلك المتون، وعمدوا إلى التعقيد والمبالغة في تصوير أن الفقه والتفسير وغيرهما أمور يستعصى فهمها على بقية الناس، وفي السياق ذاته أصابهم التعصب لمذاهبهم، وكانت معارك أقرب للحروب بين الأحناف والمالكية والشوافع والحنابلة.. أيهم يكون لمذهبه المرجعية في شؤون المجتمع والحكم.

وربما يكون للحديث صلة.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 24 أبريل 2019.

Thursday 18 April 2019

Campaigns for fighting ugliness





I always thought that the Arabic word “Laghlagha”, from which the slang word “Loghligha” originated, is not a standard classical word, as we used to –and still– call the repeated loud gibberish as “Loghligha”. Later I knew it is a standard classical word that means –if it has to do with talking– ambiguity and obscurity. It also means, if it has to do with food, that it is well-mixed with butter. Thus, one can describe the repeated gibberish that starts after accomplishing any big project,… a speech for a high-rank official,… a law,… or a constitution, as “Loghligha”; meaning that it is nothing more than a reaction for somebody who waits for others’ actions to attack them, and if you went into a debate with him regarding such thing, you will hear nothing but ambiguous and obscure words; meaning illogical not-understood contradicting talk!

I have been travelling for two weeks. I was watching from a distance our Egyptian reality and thinking about it. I do not deny that feeling of serenity that goes slowly and steadily in some of us, including me, when we watch such achievements; of them was the huge Rod el-Farag high road that came to work in the past few days.

Of these achievements as well is enriching the positive communication with the African nations… visits of European officials to Cairo… not to mention the president’s visit to the United States… Such feeling of serenity should be completed by addressing another aspect of our Egyptian reality, that aspect that one always has in his mind, soul and thinking when we are abroad; it is the collective social aspect that includes people’s way of life and behavior, also people’s relation to the streets, facilities, buildings, work and even enjoyment!... meaning, in general, all that has to do with building the character of a normal human-being. That has been already announced as the main point of focus in the second presidential term. Some of its phases have already begun, specially what deals with the health of the coming generations of children, teenagers and youth. Also, on the side of developing the educational process, there are positive details to tell

However, still the issue which I believe is pivotal, is the Egyptian collective behavior regarding all life aspects, starting from kitchen sink and bathroom sewage opening and not ending by public gardens, walls, yards and courses of rail ways… not to mention traffic lights and crossing the streets and squares… cars’ movement at the tunnels’ entrances and bridges’ elevated entrances… also in the streets of the most elite new neighborhoods in Tagamo’a starting from the first settlement to the fifth one!

We do not hear, not now or even before, a single “Loghligha” regarding such important issue from those experts of attacking all the positive actions that is being accomplished and picking every word said by the president; those who cease not to attack and pretend to have the ability to understand, analyze and expect what is coming!

Working hard on amending humans’ behavior goes in the heart of the process of building a normal human being, since we started to notice that the degree of education, level of materialistic wealth, job nature, or even all that could be a possible reason, cannot prevent the citizen from committing a negative behavior… I can give you quick examples for such thing; those living in the gated communities or “compounds” in New Cairo and its likes of modern population communities inhabited by people capable of having few-millions-worth houses… most of them do not hesitate to drive their cars in the opposite direction in a stubborn way… You can see one driving his latest model sportive car as if he is riding a motorcycle like the delivery guy who wants to cut the distance short, even if it is a matter of 100 or 200 meters long stretch, to make it to the U-turn of the right direction… just like driving a Tok-tok in the lowest-level alleys in the poor neighborhoods!... Like cars rushing at the tunnels’ entrances and bridges’ elevated entrances to the sheer right crossing all connected lines and cutting the speed bumps to step in the way of those who line properly at the tunnels’ entrances and bridges’ elevated entrances… then you find some of them posing the front of their car against that of the one who committed to doing the right thing for all the traffic to stop… you can even see them looking at you in challenge or even give you a careless sign with their hand… and sometimes curse at you!

Add to this the courses of rail ways that turned into trash dumps extending for hundreds of kilometers… destroying roads with water and cars’ washing substances… staining the walls of rail ways courses, schools, public buildings and facilities in many places with ugly drawings and wording… some of them are sometimes obscene… and some others require psychology and psychiatry academics to give explanations for!... There are also some behaviors that became like addiction; like throwing burning cigarette butts from cars and houses’ windows… also, empty cigarettes’ packets… snacks’ packs… bananas and oranges’ peels… and things like this.

It happened once that I decided to react to such bad behavior. I opened my car’s door in then-called-Raba’a el-‘Adawiya traffic point to talk to someone who threw an empty Marlboro packet along with another one containing some food in the clean street. The response was really tough and obscene as the guy said “it’s not your God-damn business… is it your f**king mother’s street?”!... I was about to go into a physical conflict, but the traffic light turned red and he continued by making obscene hand gestures!

Yes… we are – actually, that started tens of years ago – in desperate need of adopting a decisive plan to amend the society behavior… we should have an open conversation over this… we will ask all experts of “Loghligha” to contribute – even with mere words – to establishing a new Egyptian perception… for our Egypt to be void-of-ugliness.

Translated into English by: Dalia Elnaggar

This article was published in Al Ahram newspaper on April 18, 2019.

To see the original article, go to:

#ahmed_ahmad_elgammal #Egypt #fighting_ugliness

حملات لمواجهة القبح





كنت أظن أن كلمة "لغلغة"، التي اشتق اللسان العامي منها كلمة "لغليغة"، ليست فصحى، إذ كنا ومازلنا نصف الكلام الكثير الصاخب المتكرر أنه "لغليغة" كلام.. وعرفت أنها فصيحة، تعني إذا كان الأمر كلامًا أنه عجمة ولخلخة، أما إذا كان الأمر طعامًا فهو خلطه بالسمن جيدًا، وعليه فإن لغليغة الكلام التي لا تهدأ كلما اتصل الأمر بإنجاز لمشروع كبير.. أو بحديث لمسؤول رفيع.. أو بتشريع.. أو بدستور، تبقى دومًا في إطار رد الفعل الذي يتسقط صاحبه أفعال غيره، وإذا حاججته سمعت عجمة ولخلخة.. أي كلامًا غير منطقي ولا مفهوم ولا مستوٍ!

لقد كنت في سفر استطالت مدته لأسبوعين، ومن بعد كنت أراقب شأننا المصري وأفكر في جوانبه، ولا أنكر أن الطمأنينة التي تسري ببطء وبثبات في وجدان البعض، وأنا منهم، عندما نراقب الإنجازات التي كان منها في الأيام الفائتة الانتهاء من محور روض الفرج العملاق، وكان من ضمنها تعميق التواصل الإيجابي مع الدول الإفريقية، وزيارات مسؤولين أوروبيين للقاهرة، ناهيك عن زيارة الرئيس للولايات المتحدة، هي طمأنينة تستكمل بالتوجه نحو جانب آخر في شأننا المصري يشعر به المرء ويتفاقم في عقله ونفسه وفكره، كلما كنا في الخارج، هو الجانب الاجتماعي الجمعي الذي يشمل طريقة حياة الناس ومسلكياتهم، وعلاقة البشر بالشارع والمرافق والمباني والعمل والاستمتاع!، أي مجمل ما يتصل بقضية بناء الإنسان، التي سبق وأن أعلن أنها محور العمل الأساسي في الفترة الرئاسية الثانية، وقد بدأ تنفيذ بعض الخطوات، خاصة ما يتصل بصحة الأجيال الطالعة من الأطفال والمراهقين والشباب، وأيضًا ما يتصل بتطوير العملية التعليمية، وفي هذا تفاصيل إيجابية، ولكن تبقى القضية التي أعتقد أنها محورية، وهي السلوك الجمعي المصري في كل مناحي الحياة، ابتداءً من حوض المطبخ وبلاعة الحمام، وليس انتهاءً بالحدائق العامة والجدران وأحواش ومسارات السكة الحديد، ناهيك عن إشارات المرور وعبور الشوارع والميادين، وحركة السيارات في مداخل الأنفاق ومطالع الكباري، وشوارع أرقى الأحياء الجديدة في التجمع من أوله إلى خامسه!

هي قضية لا تقترب منها الآن ولا في السابق لغليغة كلام محترفي اصطياد كل الأفعال الإيجابية، التي يتم إنجازها، وكل كلمة يصرح بها رئيس الجمهورية، ثم ينهالون هجومًا وتهجمًا واصطناعًا للفهم والقدرة على التحليل والتوقعات!

إن من صميم عملية بناء الإنسان العمل الجاد على تعديل سلوك البشر؛ حيث أصبحنا نلاحظ أنه لا درجة التعليم، ولا مستوى الثراء المادي، ولا طبيعة العمل، ولا كل ما يمكن أن يكون سببًا يمنع المواطن من السلوك السلبي يفعل فعله.. وخذ أمثلة سريعة منها أن المقيمين في معازل "كمبوندات" القاهرة الجديدة وما شابهها من تجمعات سكانية حديثة، لا يسكنها إلا القادرون على اقتناء مساكن تتجاوز قيمتها عدة ملايين، لا يتردد معظمهم عن السير عكس الاتجاه وبإصرار عنيد، وتجد سيارة آخر موديل من الفئة العالية مثلها مثل الدراجة النارية "موتوسيكل" الشاب الطيار "الدليفري"، الذي يريد أن يختصر المسافة، ولو في حدود مائة أو مائتي متر للوصول إلى فتحة "يوتيرن" الاتجاه السليم، ومثلها مثل التوك توك في أدنى حارات الأحياء الفقيرة! ومنها اندفاع السيارات عند مداخل الأنفاق ومطالع الكباري إلى أقصى اليمين متجاوزة الخطوط المتصلة، وقطع المطب الصناعي لقطع الطريق على من ينتظمون في الصفوف السليمة لمدخل النفق ومطلع الكوبري، ثم يضع الواحد منهم مقدمة "بوز" سيارته أمام سيارة من التزم الصح، ليتعطل السير ولا تعدم نظرة تحدٍ منه قد تصل إلى تشويحة باليد، ولا مانع من السباب!

وحدث ولا حرج عن تحول مسارات السكك الحديدية إلى مقالب زبالة بامتداد مئات الكيلو مترات، وتدمير الأسفلت بمياه ومواد غسيل السيارات وتلويث أسوار مسارات القطارات والمدارس والمباني العامة والمنشآت في العديد من الأماكن بكتابات ورسومات قبيحة، وأحيانًا بذيئة، وبعضها يحتاج لأكاديميات طب وتحليل نفسي!.. وهناك مسلكيات أصبحت من مظاهر الإدمان كإلقاء أعقاب السجائر المشتعلة من نوافذ السيارات والمنازل، وكذلك علب السجائر الفارغة وأكياس المأكولات وقشر الموز والبرتقال، وما على غرار ذلك، وسبق أن جربت أن أنتفض وأفتح باب السيارة في إشارة رابعة العدوية "آنذاك"، لأعاتب من ألقى بعلبة مارلبورو فارغة ومعها كيس يحتوي بقايا أكل في الشارع النظيف، فكان الرد عنيفًا قاسيًا بذيئًا "وأنت مال دين... هو شارع اللي..."! وكدت أندفع للاشتباك اليدوي، إلا أن الإشارة فتحت واستكمل هو الردح بحركات أصابعه!

نعم.. نحن أصبحنا – بل منذ عشرات السنين – في أمس الحاجة إلى التصدي الحاسم لتعديل سلوكيات المجتمع.. ولنا أن نفتح حوارًا، وأن نقبل من كل أطراف اللغليغة أن يساهموا- ولو بالكلام- في حملات تأسيس وعي مصري جديد، من أجل مصر خالية من القبح.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 18 أبريل 2019.

Wednesday 17 April 2019

..العود أحمد!!





عندما تقلصت فرصة الارتحال الذي أدمنته لفترة طويلة، كنت أسافر على الخريطة في المسارات نفسها التي سبق وارتحلت عبرها، وبعد الأطلس الضخم الفخم الذي اقتنيته ضمن الموسوعة الأمريكية، جاء الهاتف المحمول لألمس إشارة "الخرائط" فتنفتح الأماكن كلها، وكانت في البداية مماثلة للأطلس، وظلت تتطور إلى أن أصبحت كاملة الأبعاد ودقيقة للغاية، فأمضي في الشوارع بين البنايات، وفي الطرق السريعة والأنهار والبحيرات، كما لو كنت على الطبيعة فعلًا!

وكان لتقلص الفرصة أسبابه التي تصادف كل أب، عندما تمسك المفاضلة بين متعته وبين التزاماته تجاه العيال بخناقه، ويظل يحاول الفلفصة فلا يكون إلا الاستسلام لتلك الالتزامات.

ويبدو أن بذرة الارتحال في تكوين بعض الخلق- وأنا منهم- موجودة وبقوة وتبقى كامنة إلى أن تتهيأ ظروف الإنبات والرعرعة، فتنطلق متغلبة على كل العوائق، وأظن أن بذرتي الارتحالية بذرت منذ كنا نرتحل وراء قوافل أهلنا باتجاه دسوق، لحضور المولد الدسوقي، والشهداء لحضور مولد سيدي شبل، وطنطا لحضور المولد الأحمدي، لا نبالي من طول السير بمداسات "ما يلبس في القدمين"، لا تحتمل المسافات الطويلة نسبيًا فنخلعها لنتأبطها، ثم كان الارتحال في موكب سعي أبي المدرس للعمل فانتقلنا من ريف بسيون إلى قويسنا المنوفية، ومنها لدسوق الفؤادية ومنها لطنطا الغربية، ولما آن وقت دخول الجامعة اخترت "الأبونيه"– اشتراك السكة الحديد– من طنطا للقاهرة يوميًا والعكس.. أو من السيدة زينب وبعدها شبرا إلى الجيزة وبعدها العباسية!.. كان ذلك في مطلع الستينيات، التي شهدت بدورها انعطافة ترحالية عجيبة، إذ كنت أمضي الشهور في السياحة كدرويش بين المدن والقرى، وكانت أطول مسيرة على القدمين بصحبة درويش "سنيور"، هو الشيخ عبد الرؤوف العوضي، أخي الأكبر في "الطريق"، بمحاذاة فرع دمياط، وفي المنطقة التي تتبع مراكز أجا والسنبلاوين وسمنود، وعايشت أهل الطريق من مختلف المشارب، أحمدية.. وبيومية.. ورفاعية.. وخلوتية.. وبرهامية.. وشاذلية ونقشبندية.. وحملت مشنات الطعام المتفاوتة من الفول النابت والدقة والجبن القديم والكرات والفجل واللفت المخلل، إلى هبر اللحم وأناجر الفتة.. وتعلمت ألا أستنكف رص البراطيش "الأحذية والبلغ القديمة"، وألا أمتعض من تنظيف المراحيض، وألا يفور دمي من رذالة مبطون لا يريد أن يفسح المطرح لغيره، ولا من شطحة مبالغ في التعبير عنها من مجذوب تنتابه حالة الوجد، فيتحول من أنسي إلى مارد فائق القوة يتكاثر الزبد حول شفتيه وينطق لسانه برموز يسمونها في لغتهم "السرينة"، أي النطق بالسريانية وتبدو الحركة الرأسية التي تفارق فيها الأقدام مواطئها إلى أعلى أو يتحول تمايل جذع الجسد يمنة ويسرة إلى حركة دائرية، وكأنها تدار بمحرك قوته عشرات الأحصنة!.. ثم كانت الخدمة العسكرية، وبعدها السجن، ومن بعدهما الترحيلة الطويلة إلى أوروبا، ثم الخليج أو ما أسميته "الترحيلة النفطية.

وفي مرحلة الكمون كنت ارتحل على خريطة جوجل من باريس مثلًا إلى فينيا إلى سالزبورج إلى فينيسيا ثم نزولًا مع الأدرياتيك إلى قرب نهاية الساحل، ثم الانعطاف إلى جنوة وبيزا، ثم إقليم التيرول إلى أنسبروك، وسانت أنطوني.. أو من فينيا إلى شتوتجارت إلى ستراسبورج إلى إقليم شامبين، نزولًا إلى آنسي، حيث بحر الجليد.. أو من كيلونا في كولومبيا البريطانية بكندا إلى فانكوفر، ثم نزولًا إلى ولايات واشنطن ومونتانا وأيداهو ويوتا ونيفادا وأريزونا وكاليفورنيا إلى شمال المكسيك، ثم العودة إلى كاليفورنيا، ثم صعودًا إلى أوريجون، واختراق جبال الروكي إلى كندا ثانية!!.. وبقي النقص الأساسي في الارتحال الخرائطي هو غياب التعامل المباشر، الذي تتجلى فيه تدفقات المشاعر مع البشر والحجر والزرع والضرع، غير أن ما كان ومازال يخفف من وطأة هذا الغياب هو أن المشاعر التي كانت تتجلى في الارتحال الفعلي لم تكف عن التأجج مع الخريطة، ووجدت القشعريرة نفسها التي غمرتني حتى البكاء العميق اللذيذ المريح، عندما دخلت بين لحاء الشجرة العملاقة "جنرال شيرمان" وبين خشبها في محمية سيكويا بجبال سييرا نيفادا تأتيني وكأنني لم أغادر الصلاة بين اللحاء والخشب!

انتميت إلى فرع فلاحي صميم من أسرة تعددت سمات فروعها بين متعلمين وفقهاء.. وبين حرفيين وفلاحين.. ومازلت أذكر السؤال الخالد الذي كان جدي لأبي رحمة الله عليهما، وكان من بعده أبي وأعمامي يسألونه لمن هو ضيف عابر سبيل مد له الطعام الموجود، حيث الجودة بالموجود، أو لمن هو موظف "أميري"، كالصراف أو مهندس الزراعة أو مفتش الري، أو حتى طبيب الوحدة الريفية: أنت منين؟! أي من أين؟!.. وبمجرد أن يجيب يأتيه الرد: تعرف فلان من العيلة "العائلة" الفلانية؟! تعبيرًا عن أن المضيف الذي هو من الجمالين– عائلتنا– ارتحل ودهس "أي جاس" الديار وله معارف في كل اتجاه، ويبدو أن اهتمام هذا الفرع باقتناء أجود الماشية من إبل "جمال"، أو جاموس وبقر وحمير وخيل، كان من وراء معرفتهم الدقيقة بأفضل البلدات التي تشتهر دوابها بأفضل الصفات.

ومنذ أسبوعين جاءت الانفراجة، وتلقيت من ابنتي البكرية، التي ولدت بعد دخولي السجن بأسبوع، وصارت الآن موظفة كبيرة، بطاقات السفر وحجز الفنادق في ألمانيا وإيطاليا وسويسرا.. وكانت الرحلة من القاهرة لفرانكفورت ثم ميلان ثم فلورنسا ثم زيورخ بالطائرة والقطار.. وجزء منها بصحبة آخر العنقود طالبة الدكتوراه في العمارة في بولي تكنيك ميلانو، وربما يكون للحديث صلة إذا رحمتنا متغيرات السياسة.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 17 أبريل 2019.

Thursday 4 April 2019

طعن الحياء الوطني





هناك ما يسمى خدش الحياء العام، وعند مستوى معين من الإسفاف يكون لهذا الخدش عقوبة قانونية فيها الحبس والسجن والغرامة.. وهناك أيضًا ما يسميه أهل الفضل من الصالحين الحياء من الله سبحانه وتعالى، وبعض تفسيراته أن يجد المرء نفسه إزاء حلال مباح لا جناح على من فعله أو اقترب منه، ولكنه يتعفف عن فعله أو الاقتراب منه حياء من الله سبحانه وتعالى، وقيل في الأثر إن الحياء شعبة من شعب الإيمان.. ومن الحياء العام إلى الحياء من الله مسافات كلها تصب فيما يحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته، ومع ذلك فإن أحدًا لم يلتفت إلى ما يمكن أن أسميه الحياء الوطني، إذ قد يكون الموقف أو السلوك أو الكلمة لا يدخل أي منها في إطار التجريم القانوني، ولا في إطار المخالفة المهنية، التي تقررها نقابة ما لتنظيم وضبط مسلك المنتمين إليها، لكنه يدخل فيما أسميه خدش الحياء الوطني، الذي لا شك أنه أشد وطأة من خدش حياء الناس بكلمة بذيئة أو بدن عار أو ملبس مثير أو حركة نابية وهلم جرا.. وفي هذا الإطار أناقش الموقف من الذين أرى أنهم فقدوا تمامًا الحياء، سواء كان عامًا أو من الله أو تجاه الوطن.

وطن يعرف عامته وخاصته.. أي جماهيره ونخبته.. أن موقف الإدارة الأمريكية منه ولعقود طويلة يتسم بالسلبية حدًا أدنى وبالعدوان في غالب الأحوال، لأننا منذ عام 1919 على الأقل بقيت خبرتنا مع الأمريكان خبرة سلبية، حيث حاولت الحركة الوطنية المصرية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أن تستمد العون من الرئيس ولسن صاحب المبادئ الأربعة عشر، ولكنه رفض مجرد لقاء الوفد المصري بقيادة سعد زغلول، بل وأكثر من ذلك أيدت الولايات المتحدة العسف البريطاني الذي تصاعد إلى أقصى درجة، ثم حدث بلا حرج عما عانيناه من حصار اقتصادي ومن مساندة للعدو الصهيوني إبان عدوانه علينا واحتلاله أرضنا، وصولًا إلى اللحظة الحالية، حيث يقف الرئيس الأمريكي مع الاحتلال الاستيطاني العنصري الصهيوني بطريقة غير مسبوقة.. ومع ذلك وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه موافقة بلاده على ضم الجولان للدولة الصهيونية، إذ بمصريين يستقبلان في الكونجرس للتحريض على مصر وقيادتها! وكأنها رسالة ضمنية للترويع مضمونها هو إذا لم تلتزموا الصمت على السياسة الأمريكية تجاه القدس والجولان، فإن ملفات سوف تفتح وسوف يكون العقاب!

اثنان من المحسوبين على عالم الفنانين المصريين ذهبا بإرادتيهما إلى جهة أجنبية يستعديانها على الوطن شعبًا وقيادة، وعندما تتخذ النقابة التي ينتسبان إليها موقفًا حاسمًا يخرج علينا من يصرخ ويقول إن هذا أمر مهول وسابقة خطيرة، وأن النقابات ليس من حقها أن تفعل ذلك إلى آخره، وفي هذا السياق أتذكر وأدعو غيري للتذكر يوم أن كان العدوان الثلاثي على مصر، وكان بعض الصحفيين وبعض الأكاديميين يقيمون في بريطانيا وانتهزوها فرصة للانقضاض على النظام الوطني الذي يقوده الزعيم جمال عبد الناصر، وانخرطوا في الإذاعة التي حملت اسم "صوت مصر الحرة"، وانهالوا هجومًا وتحريضًا على مزيد من ضرب مصر وعلى حتمية التخلص من النظام الوطني فيها! وكان السؤال هو هل يجوز أن يبقى هؤلاء متمتعين بجنسيتهم المصرية، وبعضوية الكيانات النقابية التي ينتمون إليها؟! وها هو الحال يكاد يتكرر ليطرح السؤال نفسه: هل يجوز لمن تلتقي إرادته مع إرادة من يخططون ويمارسون العدوان بدرجات عديدة على مصر وعلى شعوب الأمة العربية في فلسطين وسوريا والعراق وغيرها، ويذهب بنفسه للتعاون مع ذلك الطرف الأجنبي بل لمزيد من استعدائه ومزيد من العقوبات على مصر، أن يبقى حاملًا للجنسية المصرية وأن يبقى متمتعًا بكل حقوق المواطنة ومنها حقوقه النقابية؟! مجرد سؤال يفرض نفسه حتى لو لم تكن هناك عقوبة جنائية أو جزائية تقع على من يفعل هذا الفعل، لأن هناك ما أسميه وبحق الحياء الوطني العام.

الحياء الوطني هو من يجعل المسيحي يصر على عدم تناول الأكل في نهار رمضان علنًا أو أمام مواطنيه المسلمين.. وهو من يجعل المسلم الحق يحمي ببدنه وروحه كنيسة من الاعتداء.. لأن هذا الحياء هو الترجمة السلوكية لما نسميه الالتزام الوطني الذي يرقى عند كثيرين لمرتبة التقديس، الذي لا يقل درجة عن الالتزام العقائدي الديني بل أحيانًا يفوقه تقديسًا!

وما أعتقد أنه يسري على أولئك الذين خدشوا وجرحوا وكسروا وأساءوا للحياء الوطني، أي الالتزام الوطني، بذهابهم إلى تلك المؤسسة الأمريكية واستعدائها على الوطن أراه ساريًا على الذين يستمرئون التمويل الخارجي في غير مجال، ويستندون على أن الدولة لا ترفض التمويل والقروض وما شابه ذلك، وما يسري على الحكومة يسري آليًا على الأفراد.. وهذا فيما أعتقد افتراء وقلة حياء! وحقًا صدق القول: "إذا لم تستحي فافعل ما شئت"!

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 4 أبريل 2019.

Wednesday 3 April 2019

تعقيبات وتساؤلات




كتب السفير عبد الرؤوف الريدي معقبا على مقال "الأمير المغبون" الذي كتبته الأسبوع الفائت، عن الدور المحوري للأمير عمر طوسون في التمهيد والترتيب لثورة 1919 وهذا هو نص التعقيب: "أهنئك على مقالك بالمصري اليوم "الأمير المغبون" هذا الأمير "عمر طوسون" هو واحد من أعظم الشخصيات الوطنية التي عاشت في النصف الأول من القرن الماضي، وكان مغرما بكشف الصفحات البطولية المجهولة للجيش المصري، ولقد أشرت بمقالك إلى دوره في حركة الجهاد الوطني التي أنتجت ثورة 1919 العظيمة ودستور 23 وبدء مسيرة النهضة الدستورية والفكرية في الحقبة الليبرالية.. وأشرت أيضا إلى أن هناك آخرين من الأسرة العلوية ساهموا في النهضة المصرية، ويأتي في مقدمتهم الأميرة فاطمة إسماعيل التي تبرعت بأرضها وجواهرها لإنشاء الجامعة المصرية وتبرعت بمنزلها للمتحف الزراعي.. وهل ننسى راعي الفنون التشكيلية الأمير يوسف كمال الذي بعث الشباب الموهوبين في الفن التشكيلي للدراسة في فرنسا، وكان له الدور الكبير في إنشاء كلية الفنون الجميلة.. وهل ننسى دور الأمير أحمد فؤاد في إنشاء الجامعة المصرية، ثم بعد ذلك إنشاء الجمعيات العلمية ومعهد الموسيقى العربية، هؤلاء لهم أياد بيضاء أثروا بها الحياة الوطنية والفكرية والفنية في مصر.. وفي هذا السياق أشكرك وأحييك على مقال اليوم.. محبة وتقديرا".

انتهى تعقيب السفير الموقر عبد الرؤوف الريدي، وقد تلقيت معه العديد من التعليقات التي ذهب معظم من كتبوها إلى ضرورة كتابة تاريخ مصر الحديث والمعاصر كتابة مغايرة لما هو شائع من كتابات لم تتحر الدقة الموضوعية، ولم تلتفت إلى أحداث وشخصيات كان لها دور مؤثر في مسار الحركة الوطنية المصرية والحياة السياسية بوجه عام، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر- في مطلع القرن حتى الثورة في 1919- حسين رشدي وعدلي يكن وعبد الرحمن فهمي وعبد العزيز فهمي وقيادات الحزب الوطني، ومن بين ما تلقيته أيضا، هناك من ذهب إلى تساؤل هو كيف لمن لا يخفي انتماءه لثورة يوليو ولجمال عبد الناصر أن يتجه إلى تمجيد الأسرة المالكة التي أنهت الثورة حكمها، وأن يفتح الباب لإزاحة ركام النسيان عن بعض أفرادها من النبلاء والأمراء الذين ساموا الشعب ويلات بلا حصر، بل وأن يتجاهل ذكر خطاياهم في الوقت نفسه الذي ذكر فيه ما يرفع شأنهم؟!.. ولست بصدد الإجابة الشاملة عن مثل هذا التساؤل، وإنما سأحاول الاختصار بالتأكيد على بعض النقاط، الأولى منها هي ضرورة أن نقرأ أحداث التاريخ وفق الظروف الزمنية والمكانية وأيضا الفكرية والسياسية التي عاصرت حدوثها، وأن لا نقرأها ولا نقومها وفق معايير معاصرة تخصنا، أي مرتبطة بظرف زماني ومكاني وفكري وسياسي مخالف.. والنقطة الثانية هي أن عشرات من كتب التاريخ كتبت لتعالج الأمر من زاوية واحدة، هي الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي أدت إلى ثورة يوليو 1952 بل وإلى ما سبقها من انتفاضات خلال الثلاثينيات والأربعينيات ضد الحكم الملكي وضد الاحتلال، ومن صميم تلك الأسباب ما كان سائدا من ظلم اجتماعي وخلل اقتصادي وعوار سياسي، وأظن أنه مع مرور الزمن وتراكم المتغيرات فقد آن أوان النظرة الكلية الشاملة لأحداث تاريخ مصر في تلك الحقب، المحكومة بالمنهج العلمي الذي يعرفه كل باحث جاد وكل مؤرخ منصف.. والنقطة الثالثة هي أنه لن يضير ثورة يوليو ولا قائدها ولن ينقص من قدرها ولا إنجازاتها أن نقرأ وندرس ونفهم تاريخنا قراءة ودرسا وفهما يعتمد على الرؤية والمنهج الموضوعي الذي لا يضمر صاحبه أحكاما وقناعات مسبقة ومطلقة تجاه الأحداث والظواهر.. بل بالعكس أن من أعظم ما يمكن تقديمه للثورة وقائدها هو إثبات عظمة مصر وقدرتها على زرع وتثبيت الولاء والانتماء لها حضاريا وثقافيا ووجدانيا في أشخاص لم يكن آباؤهم ولا أجدادهم من مواطنيها، لنجد هؤلاء الأشخاص وقد تفانوا في تحقيق ذلك الانتماء والولاء، بل وبذل أرواحهم فداء للمحروسة، وهذا لا يصدق فقط على بعض أفراد الأسرة العلوية، سلالة محمد علي باشا، وإنما يصدق على من سبقهم في عصور مختلفة، وكان منهم قادة عظام دافعوا عن مصر ضد أي تهديد خارجي، وبنوا فيها صروحا معمارية ومساجد ودور علم مازال كثير منها قائما حتى الآن.

إن التاريخ لا يعرف في نظري شيئا اسمه عقد المصالحات والترضيات بين حقبه، وإنما ما يعرفه- حسبما أعلم- هو دراسة هذه الحقب دراسة تعتمد على توفر المصادر والمراجع، وعلى استخدام المناهج العلمية وعلى القدرة على استخلاص الدروس.

الشكر الوفير والامتنان للسفير الريدي على ما تفضل به وعلى جهوده في النهضة المصرية المعاصرة، ولكل السادة الذين تفضلوا بالمساهمة في المناقشة.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 3 أبريل 2019.