Thursday 28 March 2019

القرار الأمريكي وتقسيم الأدوار وتكاملها





كنت قد أنهيت كتابة مقال اعتمدت في مادته على كتاب للعلامة القانوني والسياسي المفكر الراحل الدكتور عصمت سيف الدولة، وعنوان الكتاب هو "رأسماليون وطنيون.. ورأسمالية خائنة"، ثم وضعت ما كتب جانبًا لأكتب عن قرار ترامب الذي يعترف بضم مرتفعات الجولان للدولة الصهيونية.

وبداية أقول إنه لا جديد في السياسة الأمريكية بهذا القرار، اللهم إلا اختلاف درجة الانحياز المفضوح الواضح لليهود. فمنذ رفض أو اعتذر الرئيس الأمريكي ولسون عن عدم استقبال الوفد المصري الذي تشكل لعرض قضية استقلال مصر وإنهاء الاحتلال البريطاني في مؤتمر الصلح، عند انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى الآن، والخبرة السياسية المصرية بل وعلى مستوى العالم الثالث كله ومعه العديد من الدول الأخرى من خارجه؛ تقول إن الإدارات الأمريكية لديها ثوابت شبه مقدسة، ترقى عند أمريكيين كثيرين إلى مستوى المعتقد الديني والوطني الذي لا يجوز المساس به من قريب أو بعيد. ومن تلك الثوابت تأييد ومناصرة وتقوية وشراكة الدولة الصهيونية، حتى إن اصطدم ذلك بالشرعية الدولية وبكل ما هو قانوني أو من الأعراف الإنسانية المستقرة في الوجدان البشري، وإذا كان ثمة استثناء فهو نزوع الرئيس جون كنيدي إلى تفهم إمكانية وجود وجاهة في وجهة النظر المصرية والعربية، ولم يكن مصرعه مقتولًا أو مغتالًا بمعزل عن تصميم جهات كثيرة على وأد أي محاولة خروج عن المسار الصهيوأمريكي. وهناك وجهات نظر فكرية وسياسية لبعض المفكرين والسياسيين الأمريكيين حاولت وتحاول انتقاد هذا المسار وذلك الانحياز المطلق، إلا أنها كلها تصادر ويتعرض أصحابها للاضطهاد والعزل والتشويه.

ويأتي قرار ترامب ليدفعنا إلى تأمل بعض الظواهر التي نراها ونعايشها، وقد نكون جزءا منها، لنربط بين ما يحدث في أمريكا وفي مصر وفي المنطقة العربية! ولا أبالغ إذا قلت إنني أعلم مسبقًا أن هناك من سيصف هذه السطور بأنها شكل من أشكال التفكير التآمري الساذج، وإذا قلت إنني سأمتنع عن ذكر الأسماء، التي هي يقينا طرف أصيل في التخطيط الأمريكي والصهيوني، ومصدر الامتناع هو احترام ضوابط النشر.

لقد مضت الولايات المتحدة والتحالف الأطلسي والدولة الصهيونية في تصفية حركات التحرر الوطني في العالم كله، وقوّضت كل المحاولات التي كانت تبحث عن طريق ثالث إبان الحرب الباردة، ونجحوا في ذلك، ثم انتقلوا إلى ضرب التجارب الوطنية في الحكم وتقويض كل مضامين التحرر السياسي والاجتماعي واغتيال سمعة وشخصية هذا التوجه بمفكريه وناشطيه وقواه الاجتماعية، وتم استدعاء البعد الديني، وخاصة السلفي الأصولي بمضامينه ونصوصه ودعاته وتنظيماته والدول المنتجة والراعية له، ليصبح سلاحًا ماضيًا وقويًا للإجهاز على ما تبقى من فكر وحركة تحرريين، وهو ما ذكره ولي العهد السعودي منذ شهور!

وبالخبرة المتوارثة منذ أدركت بريطانيا أن أي تخطيط لتدمير الوحدة الوطنية المصرية لا بد أن ينهض به مصريون، فكان إنشاء وتبني وتمويل جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1928، فإن الأمريكان والتحالف الأطلسي والصهيوني اعتمد على هذه الخبرة البريطانية العتيدة، فتم الاعتماد على من هم من أبناء المنطقة للمساهمة الفعالة في إتمام اغتيال كل ما هو فكري وثقافي وسياسي واجتماعي، يحمل في ملامحه وخطابه ومواقفه أي استمرارية للتحرر الوطني والتحرر الاجتماعي ومواجهة الاستعمار الجديد والتصدي للصهيونية، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أبشع أنواع ودرجات الاستعمار الاستيطاني العنصري.

وتعالوا بنا نتأمل الإصرار المستميت من صحفيين وكتاب ومراكز أبحاث وصحف خاصة ومؤتمرات وندوات، على الاستمرار في الهجوم الضاري على النموذج المصري والعربي والعالمثالثي الذي ظهر في الخمسينيات والستينيات، وكانت مصر ثورة يوليو هي أبرز من قاد تلك الفترة.. والمدهش أنه رغم تراكم الزمن وتعاظم المتغيرات ورغم ما أحرزه التحالف الصهيوأمريكي الأطلسي من انتصار في ذلك المضمار الذي نتحدث فيه، ورغم وجود عشرات القضايا والمشاكل التي تستحق صرف الجهد إليها، إلا أن فلانًا وعلانًا وترتانًا– ولا أريد أن أذكر الأسماء– ما زالوا يواصلون الحرب والقصف والاغتيال، بل إن أحدهم أوغل في مهمته لدرجة الهذيان، فطالب بتغيير تاريخ عيد الاستقلال.. ولا يمر شهر أو أسبوع إلا وتراه قد فتح النار على يوليو والتحرر والعروبة والاشتراكية وغيرها، وطالب آخر- يبدو أنه متدرب في الورشة ذاتها- بتغيير العلم الوطني وتغيير اسم الدولة، ولو ظللت أحصي النماذج فلن أنتهي.

هو إذن تقسيم أدوار أو قل إنها معركة الأسلحة المشتركة، فالأمريكان والصهاينة بالطيران والسلاح الثقيل.. وبعض دول المنطقة بالمال والإيواء والرعاية، وهي ومعها طابور طويل ممن يعملون في مجال الأبحاث والصحافة والإعلام، يقدمون الأسس والمضامين الفكرية التي تبدو كمروحة واسعة تمتد من فقه ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب إلى البنا وقطب والإخوان، إلى ما يبدو ظاهريًا أنه النقيض العلماني الحديث لكنه يتكامل بحكم طبيعة المهمة مع الطرف ذي المرجعية الدينية!

قرار ترامب بالقدس عاصمة وبضم الجولان لم يأت من فراغ، وإنما هو محصلة لتخطيط وجهود طويلي الأمد، ولن يتوقف ذلك الطابور عن مهمته التي تدر أموالًا ومناصب وأدوارًا، ويالفاجعة أمة في حاضرها ومستقبلها عندما تصبح الخيانة وجهة نظر.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 28 مارس 2018.

Wednesday 27 March 2019

الأمير المغبون!



أستمتع بين حين وبين آخر بمطالعة كتاب "قوانين الدواوين"، الذي كتبه الأسعد بن مماتي، وزير صلاح الدين الأيوبي، وزميل بهاء الدين قراقوش وزير صلاح الدين أيضا، واسمه الحقيقي "أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي"، ومعنى قراقوش بالتركية الشائعة آنذاك "النسر الأسود"، حيث معنى "قوش" نسر.. ومعنى "قرا" أسود.. وله سيرة طويلة فيها عكس ما شاع عنه.

كتاب الأسعد بن مماتي يحوي مادة خصبة عن مدن مصر وقراها ومواردها ومحاصيلها وغير ذلك في العصر الأيوبي، وربما تكون حاشية الكتاب أو بالمصطلحات الحديثة هوامشه Footnotes أهم بكثير من المتن الذي كتبه ابن مماتي.. ولذلك أركز كثيرا في تلك الحاشية وأترحم على رجلين، أولهما الأمير عمر طوسون وثانيهما الأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية.. الأول هو من كلف الثاني بتحقيق الكتاب، فجاء التحقيق عملًا علميًا نموذجيًا من طراز منهجي ومعرفي رفيع.. وكان من حظي الطيب أن أزور ولاية يوتا الأمريكية خلال الرحلة الطويلة التي تنقلت فيها بالسيارة بصحبة صهري وصديقي جابر حجازي وزوجته وزوجتي، وبدأت المسيرة من مدينة صغيرة في ولاية كولومبيا البريطانية في الغرب الكندي اسمها الضفة الغربية، بالقرب من مدينتي فانكوفر وكيلونا، ثم إلى ولايات واشنطن ومونتانا وايداهو ويوتا، ثم نيفادا وأريزونا وكاليفورنيا ثم إلى المكسيك والعودة إلى كندا مرورا بأوريجون.

وفي يوتا جامعة تضع صورة بالحجم الطبيعي للعلامة عزيز سوريال عطية، الذي كان أستاذا للعصور الوسطى بجامعة الإسكندرية، ثم ارتحل إلى يوتا ليعترف الأمريكان بفضله غير المحدود.. وكان من حظي أيضا أن أطالع بين حين وآخر الموسوعة القبطية التي وضعها العزيز عزيز، وكلما جاء اسم الرجل تذكرت الأمير عمر طوسون وترحمت عليه! حتى جاءت مئوية ثورة 1919 لتنال ما تستحقه نسبيا من احتفاء واحتفال، لأنها في نظري تستحق الأكثر الذي يتجاوز سطحها وما لمع فيه من أنجم السياسة إلى عمق مسارها والدروس التاريخية المستفادة منها.. وفي ذلك العمق هناك الجموع الشعبية ورموزها من أولاد البلد.. وهناك أيضا بعض أبناء الأسرة العلوية الحاكمة من الأمراء والنبلاء، الذين تمكنت فيهم مصريتهم فلم يترددوا عن المشاركة في الكفاح من أجل الاستقلال والبناء.

ومما قرأته وتابعته أجد أن الأمير عمر طوسون بقي إلى الآن مغبون الحق، سواء فيما يتعلق بدوره الوطني أو ما يتصل بجهوده العلمية والاجتماعية. وأيا كانت الأسباب من وراء هذا الغبن الذي أظنه قد بدأ منذ أن كان فؤاد سلطانا- أي قبل أن يحمل لقب الملك- وكان يخشى منافسة عمر طوسون له، فصادر حركته وضيّق عليه الخناق، فإن الواجب الوطني عدا عن الالتزام العلمي والأخلاقي يقضيان بإنصاف الرجل ومعه كل من على شاكلته من المنتسبين أسريا للعائلة العلوية، ولكن انتسابهم وانتماءهم لمصر كان على المستوى نفسه إن لم يكن أقوى وأعمق.

تقول الروايات التاريخية الموثقة والموثوقة إن صاحب فكرة تأليف وفد مصري للمطالبة باستقلال مصر كان هو الأمير عمر طوسون الذي لم يكتف بالفكرة وإنما ناقشها مع آخرين منهم سعد زغلول، وأيضا تحرك فعليا من أجل تنفيذها.. ورغم ما واجهه من ضغوط أبعدته عن المسألة إلا أنه ومعه مجموعة من الأمراء لم يتوقفوا عن استمرار السعي في سبيل استقلال مصر والسودان وتأسيس حياة سياسية سليمة.. وفي هذا السياق تذكر أسماء الأمراء كمال الدين حسين ومحمد علي إبراهيم ويوسف كمال وإسماعيل داود ومنصور داود.. بل إن القائمة يضاف إليها آخرون من الأمراء عندما تصدوا بالرد على تصريحات واحد منهم، هو الأمير إبراهيم حلمي لجريدة "التيمس" البريطانية واعتبروها إهانة لمصر والمصريين، وتضمنت قائمة الموقعين على استنكار تصريحات ذلك الأمير أسماء: كمال الدين حسين وعمر طوسون وعزيز حسين وعلي فاضل وعثمان فاضل ويوسف كمال وإسماعيل داود وعباس إبراهيم حليم ومنصور دواد وعادل طوسون وعمر حليم وسعيد داود ومحمد علي إبراهيم وسعيد طوسون وحسن طوسون.

ويحكي عمر طوسون في كتيبه الذي يحمل عنوان هو "مذكرة بما صدر عنا منذ فجر الحركة الوطنية من سنة 1918 إلى سنة 1928" وقائع مسألة تشكيل وفد مصري، فيذكر أنها خطرت بباله بعدما صرح الدكتور ولسن رئيس جمهورية الولايات المتحدة بمبادئه الأربعة عشر المشهورة في 8 يناير 1918، وأنه تكلم أول الأمر مع المرحوم محمد سعيد باشا في شأنها، فاقترح عليه أن يتكلم فيها مع المرحوم سعد زغلول باشا لشخصيته البارزة في الهيئة الاجتماعية وفي الجمعية التشريعية.. ثم يذكر كيف لم يتمكن من مقابلة سعد إلا يوم 9 أكتوبر 1918 في حفل أقامه رشدي باشا بكازينو سان ستيفانو بالإسكندرية احتفالا بعيد جلوس الملك فؤاد، وفي اللقاء ذكر عمر طوسون لسعد زغلول قرب انتهاء الحرب العالمية وانعقاد مؤتمر الصلح، وأنه يحسن بمصر أن تفكر في إرسال وفد للمطالبة بحقوقها أمام هذا المؤتمر، فاستحسن سعد الفكرة ووعد بالتكلم فيها مع أصدقائه عند عودته للقاهرة وأنه سيخبره بالنتيجة.

ثم يذكر الأمير المغبون عمر طوسون وقائع أخرى، يشتم منها أن سعدا قام بمناورة ما لإبعاد الأمير، وللحديث صلة.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 27 مارس 2019.

Thursday 21 March 2019

الأمر العجيب





نادرًا ما يلتفت الذين يعشقون الظهور بمظهر الانشغال بما يرونه قضايا كبيرة وخطيرة إلى ما يظنون أنه مسائل عادية وعابرة، ولا تستحق الاهتمام من جانبهم، لأننا نرى ونسمع ونتابع الذين أضناهم أي مساس بالنصوص الدستورية، والذين يعتبرون أنفسهم الحفظة الأمناء على حقوق الإنسان، وفق مفاهيم المنظمات الدولية إياها، والذين لا يروعهم ولا يضنيهم استشهاد العشرات من أبناء مصر، مدنيين وعسكريين، وجرح مئات وتدمير المرافق والممتلكات بقدر ما روعهم وأضناهم تطبيق القانون، وفيه عقوبة الإعدام، بعد استنفاد درجات التقاضي، وصولًا إلى أعلى وأرفع مستوى وهو محكمة النقض، بينما لا نجد كلمة واحدة من هؤلاء وأولئك على نجاح مشروع مقاومة وباء فيروسات الكبد الوبائية، ونجاح مشروع القضاء على قوائم الانتظار بالمستشفيات، وانطلاق مشروعات لعلاج مشاكل الإبصار، والتقزم، ومقاومة الأمراض الطفيلية المتوطنة في أجساد المصريين، خاصة صغار السن في المدارس!، وهذا لعمري – كما يقولون في الفصحى – أمر عجيب، ومصدر العجب منه هو أن وطنًا يأكل الإسكارس والإكسيورس "الدودة الدبوسية"، والإنكلستوما، وغيرها، صحة أجياله الطالعة، ويفتك التقزم وسوء التغذية، وأمراض العيون، وفيروسات الكبد، والتلوث المؤدي للفشل الكلوي بصحة الغالبية منه، هو وطن لن ينصفه نص دستوري، ولا لوائح منظمات حقوقية دولية، ولا "شنهفات" المحزونين من تنفيذ حكم القانون على مجرمين، أدينوا بالقتل والتخريب والترويع العمدي مع سبق الإصرار والترصد!

إن الذاكرة التاريخية الجماعية للمصريين إذا أزيح عنها غبار الأيام، فسوف تفصح من فورها وبفصاحة عن حال عاشها أجدادنا وآباؤنا أيام كان الحفاء يحوّل أقدامهم إلى جمادات متشققة فيظهر من يتبنى مشروع مقاومة الحفاء، وأيام كان متوسط الأعمار لا يتجاوز الأربعين أو الخامسة والأربعين ومن يفلت تحصده أوبئة الكوليرا والملاريا ومن قبلهما الطاعون.. وأيام كانت البلهارسيا والجرب والقراع أمراضًا متوطنة تصيب الملايين وتقتل الألوف وتشوه مئات الألوف!، وبالمناسبة فقد شهد البرلمان المصري في الثلاثينيات نائبًا من كبار ملاك الأرض، يقف خطيبًا في القاعة النيابية ومحتدًا ومنذرًا بأنها نهاية الكون، لأنه شاهد واحدًا من أبناء الفلاحين ذوي الجلاليب الزرقاء المصبوغة بالنيلة يرتدي جوربًا ذا أستك!

وفيما كانت الغالبية تُعاني ما سبق وأكثر منه على صعيد صحة وحياة الإنسان، كانت معاناة أخرى اجتماعية من السادة كبار الملاك الزراعيين والأثرياء من أصحاب العمارات والأموال، الذين حمد لهم الناس انشغالهم بإنجاز دستور 1923 ومن قبله بقضية تشكيل وفد للتفاوض على الاستقلال، ولكن لا دستور 1923، ولا وفد التفاوض، ولا المناقشات مع الخواجات ممثلي الاحتلال البريطاني، منعت الانفجارات الاجتماعية وثورات الفلاحين والغلابة، التي لم تنجح في التغيير، إلا عندما استطاع بعض أبنائهم من الوصول إلى الكلية الحربية، ومنها إلى الجيش، فكان ما كان في يوليو 1952 الذي هو وببساطة تمكن الفلاحين والغلابة من أن يكون لحراكهم وتحركاتهم وانتفاضاتهم درع حامية!

إن الدرس التاريخي يقول، إن السوس الذي ينخر ويحطم جسد أية أمة هو التركيز والانشغال والاشتغال فقط بما يشغل ما يسمى بالنخب السياسية والاقتصادية والثقافية، وإهمال ما يفتك بالجموع البشرية الواسعة من فقر ومرض وجهل، وللتوضيح فقط فإن الجمع بين المهمتين هو الأجدر بالتحقق، شرط أن تكون مهمة حل مشاكل الجموع أو غالبية الناس هي الأولى والأهم!.. وفي السياق نفسه فإن مصر تشهد الآن إلى جانب مقاومة الفيروسات الكبدية والأمراض المتوطنة، ورعاية صحة الأجيال الطالعة- كما أسلفت- جانبًا آخر لا يقل أهمية، وهو التصدي للعشوائيات حول المدن وفيها، والتصدي لإنقاذ وتطوير القرى الأكثر فقرًا، وتم إنجاز عشرات المشاريع لإنشاء أحياء ومدن جديدة، تستوعب من كانوا سكانًا في العشوائيات.

إنني لن أتطرق لما يطلق عليه المشروعات الكبرى في شبكات الطرق والمدن الجديدة ومنطقة قناة السويس وغيرها، وهي تخدم الوطن كله، بما في ذلك فقراؤه بتوفير فرص عمل لأبنائهم، ولكنني في هذه السطور أدعو كل ذي عين مبصرة وذي بصيرة نيرة إلى رؤية ذلك الجانب المهم في مسيرة وطننا، وهو الاهتمام الفعلي المستمر للقضاء على ما يتركز تأثيره السلبي في قطاعات شعبية عريضة طالما عانت من الإهمال.

إننا يمكن أن نصوغ ونطبق دستورًا عشرة على عشرة، ونحقق متطلبات حقوق إنسان كما يقول كتاب تلك المنظمات، ونطلق العنان للرأسماليين وعبدة الربح بلا حدود، ولكن هذا كله وحده لن يصنع وطنًا تستمتع جموعه الواسعة بالكرامة الإنسانية والصحة الوافرة والرزق اليسير، ويجد عَلَمه الوطني جنودًا أصحاء لائقين بدنًا وعقلًا ونفسًا لخدمته والدفاع عن تراب الوطن.

إن المفاضلة بين دستور وحقوق إنسان وحرية اقتصادية وبين حماية الجموع العريضة من غوائل المرض والجهل والفقر، مفاضلة غير واردة وغير منطقية، إذا كان الوطن بلا مرض ولا جهل ولا فقر، ولا يذهب فيه طفل واحد إلى مدرسته بغير إفطار، شاحب الوجه من أثر الطفيليات في بطنه، مرتجف البدن من خفة ملابسه أثناء الشتاء، أما إذا وُجد هذا الطفل فهو صاحب الأولوية المطلقة.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 21 مارس 2019.

Wednesday 20 March 2019

على هامش مقال د. غنيم





وقعت في "سركي" الكتابة عن التعديلات الدستورية مرتين، واعتبرت أن أولاهما- وكانت بعنوان "دستور يا أسيادنا"- توقيع حضور، وأن الثانية- وكانت بعنوان "الفريسيون والدستور"- توقيع انصراف، بمعنى أنني قلت رأيي ومضيت أو مشيت، وكان الحضور والانصراف كلاما يتصل بقضية مشروعية تعديل الدستور، والتعامل معه كنص وضعي بشري يقبل التأويل والتعديل والإضافة والحذف بل والوقف والإلغاء، وألمحت إلى أن معظم الذين يصرخون بقدسية النص الدستوري هم أنفسهم أو غالبيتهم الذين لم يكفوا عن الصراخ والعويل والمحاججة، مطالبين بنزع قدسية النصوص القرآنية والنبوية، وخاصة ما يتعلق منها بتنظيم الحياة البشرية في نطاق المعاملات، ووسعها البعض لنطاقي العقائد والعبادات، واليوم أستأذن في التوقيع لثالث مرة، ولكن في كشف آخر من كشوف "السركي"، وهو المتصل بفحوى التعديلات، بعد أن قرأت ما كتبه الأستاذ الدكتور محمد غنيم في "المصري اليوم" عدد الثلاثاء 19 فبراير 2019 تحت عنوان "حول التعديلات الدستورية المقترحة"، وفوق ما يمكن قوله حقا وصدقا في تعريف الدكتور غنيم كنموذج للعالم العامل الملتزم الجاد الذي قدم للأمة المصرية صرحا علميا طبيا فريدا في مجال أمراض الكلى والمسالك، فإن الرجل أضاف في وصف نفسه عبارة عميقة المغزى، هي أنه "مواطن يغرد منفردا ولا ينتمي لجماعة أو ائتلاف أو حزب، وانتماؤه الوحيد هو لثورتي 25 يناير و30 يونيو، ويتطلع إلى وطن صاعد واعد ينعم بالاستقرار والتنمية والتعددية وسلمية تداول السلطة".. وكم هو مهم هذا العريف لأقصى حد، وكم أتمنى أن يتكرر بالملايين وجود مواطنين مصريين يكون هذا هو هدفهم: "استقرار.. تنمية.. تعددية.. تداول"!!

إنني أجد نفسي متفقا مع ما أتصور أنه جوهر ما كتبه الأستاذ الدكتور محمد غنيم، أي مع التوازن الذي يؤدي إلى التماسك ومن ثم القوة والانطلاق، وفي ظني أن مصر منذ تخلصت من الحكم العثماني وامتداداته ممثلة في الأسرة العلوية، وآل حكمها لأبنائها المصريين الأقحاح وليس المتمصرين والمفروضين بالسلاح، وهي تحاول التوازن اجتماعيا واقتصاديا ومن ثم سياسيا خلال السنوات من 1952 إلى الآن، وهي مدة يسيرة للغاية إذا ما قورنت بسياق حكم المتمصرين، الذي امتد منذ حوالي القرن السادس قبل الميلاد بالغزو الفارسي حتى 1952.. ولم تكن الصيغ السياسية التي ظهرت منذ هيئة التحرير إلى الحزب الوطني، إلا محاولات لتحقيق شكل من أشكال التوازن بصرف النظر عن نجاحها أو فشلها.

وفي تعليقاته على ما أُعلن من تعديلات دستورية، كان الرجل واضحا في التحذير من فقد التوازن في ممارسة الحياة السياسية وفي العلاقة بين السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكانت المحاولة لتقديم ما قد يصح أن أسميه بالحل الوسط التاريخي لمعضلة المدة الرئاسية، التي أرى أنها في الصياغة القائمة وعلى ضوء ما يجري على أرض الواقع ليست سليمة، وأرى في الوقت نفسه أن محاولات البعض لاتخاذ حتمية تعديلها فرصة لجعلها "سداح مداح"، ليست سليمة بل وكارثية، وقد رأى الدكتور غنيم أن يتم تعديل المادة 140 إلى ما نصه: "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس سنوات ميلادية ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين متتاليتين"، وتنص المادة الانتقالية على: "يجوز تطبيق المادة 140 المعدلة اعتبارا من تاريخ بدء الولاية الأولى للرئيس الحالي"، وقد استندت وجهة نظر الدكتور غنيم في تحديد مدة الرئاسة بخمس سنوات، على أنه عدد السنين نفسه لعضو مجلس البرلمان.. وإذا جاز لي أن أقترح طالما أنها مناقشة مفتوحة، فإنني أرى أن يبقى النص على أنه لا يجوز أن يتولى الشخص الرئاسة لأكثر من مدتين متتاليتين، ولكن تكون المدة ست سنوات وتطبق على الرئيس الحالي اعتبارا من تاريخ بدء ولايته الأولى، أي أن يضاف للرئيس الحالي أربع سنوات بعد انتهاء المدة الحالية.. وكأنه تولى ثلاث مدد وفق الدستور الحالي قبل تعديله.. إنني أظن أن مربط الفرس في كل هذا السياق الممتد منذ بداية العصر الجمهوري، هو الخلاف حول المدى الزمني الذي يلزم لمتخذ القرار، حتى يتمم المشروع الذي أعلن عزمه على تنفيذه وتمكينه من السيطرة الكاملة على زمام الأمور، لتصبح كل سلطات الدولة ومؤسساتها مجندة لذلك الإتمام، وهنا قد يبرز سؤال محدد هو: هل يملك أحد شجاعة الإعلان وبصراحة وفصاحة عن أنه لا مانع من فترة لحكم يماثل حكم فرانكو في إسبانيا للخروج مما نحن فيه، وبعدها يتم تسليم البلد لمعادلة الديمقراطية بالمضمون الليبرالي لها؟!

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 20 مارس 2019.

Thursday 14 March 2019

Assassination and character assassination





In a moment I threw away what I was reading and stared not believing what I heard and not imaging that this person was saying with such stubborn insistence… I saw Seif Abdel-Fattah; that face that I saw tens of times in seminars, conferences, lectures, meetings and on TV screens… I do not want to describe his features lest some may say that I talk about people’s faults.

I here impose an exclaiming and denying question in the same time; how a professor of political sciences in the biggest and most important Egyptian university, and also an intellectual, who regarded himself and people too regarded him as one who belongs to that political ideology which came to be called the balanced enlightened Islamic current. He was as well one of those who had the opportunity to be part of the highest-level presidential team ruling Egypt… How can he ask in public with such clear words and confident voice tone to get rid of the Egyptian president?… not feeling ashamed or hesitant while the TV interviewer was asking him one time after another over the same matter for him to reply back every time confirming that we first have to get rid of the president in order to save the country, otherwise, nothing will change!!

For a while, I could not understand what I heard… later, after my astonishment went away, I started to think… I could understand that the circle is now complete and what we used to write about and were desperate to explain that it was right –while others used to accuse us of mixing things in a false way and exaggerating describing us with the worst characteristics– turned out to be actually right. As we used to say and write that what is called the enlightened Islamic political current along with its figures of thinkers, writers, university professors and ex-judges are an inseparable part of the bunch regarding themselves guardians judging people’s religion, and that they do not aim at spreading the elite humanitarian and religious morals, but actually are targeting authority and ruling power, and that such political current have long deceived people. However, when they came to power in a way that we now know who did it and how they did it, everything became clear and they revealed their true face!

Seif Abdel-Fattah –along with some of his male and female colleagues in the faculty of economy and political sciences– were always working at establishing and spreading an idea what later turned out to be a big hoax; this idea says that it is possible that political Islamization may have a modern enlightened face believing in citizenship and democracy. That bunch used to include other people that I do not want to mention some of their names after they hid themselves away from fame lights that used to surround them in the press, TV, radio, seminars and conferences. Then, after muslim brotherhood came to power, such enlightened thought, modernization, citizenship and democracy became worn out slogans that outdated and were no longer used.

Such thing always reminds me of that Umayyad Caliph who used to pray day and night and read Quran in Qa’aba for decades before appointing him a Caliph. However, once he heard that he became a Caliph, he put the Quran aside and talked to it saying: “Now, I’m done with you”. The first feast that Caliph had was for dinner and he got it over the dead bodies of his opponents of his own folks, while some of them were still moving; not yet dead under the feast’s tables with the food served above!

While I was thinking after my astonishment went away, I realized, feeling totally certain, that the fears that long surrounded us and some thought were over, are not over yet. First of these fears is the armed bloody terrorist conspiracy threatening the life of the June, 30 revolution’s leader and currently president of the republic whom I respect and cherish for what he does for the country, despite I know that there are many faults in the current policy. This conspiracy also threatens all those regarded as enemies and opponents by muslim brotherhood, salafists and so-called enlightened Islamic political ideology. As the matter is not about the president alone, but –following the same logic– has to do with targeting all those considered –by Seif Abdel-Fattah with what he is supposed to have of mentality, culture, knowledge and awareness in addition to his likes– as dangerous persons threatening the muslim brotherhood plans.

As we all know, this unjust bunch can easily find what supports their corrupt ideology throughout the historic course of political islamization to give themselves, and those who believe them reasons justifying killing others. Even if such killing was like what Mursi once said in a public speech: “What would happen if we sacrificed a million people for the society to live”!!

We are still facing a real danger that is not yet over. Actually, it may increase in the coming time targeting certain circles and figures, as that bunch, in my opinion, bets that more killing, blood and terrifying people may push many to give up, even if the price is having the unjust muslim brotherhood authoritarianism back to ruling power controlling the destiny of our country.

In such context, I do not believe that people will keep getting deceived in this “Taqiyya” which the salafists hide themselves, their ideas and actions behind, as I believe that once they feel there is a glimpse of opportunity that muslim brotherhood may come back to power after shedding floods of blood, they will reveal that they support the Islamic rule and nothing else. I am also sure that they will come up with tens of Fiqhi interpretations providing them with reasons justifying what they did after muslim brotherhood left power.

That was Seif Abdel-Fattah who remained in Egypt in his home with his family after June, 30. I remember that I phoned him once to check on him and had a joke with him saying that I could hear children crying around him and asked if he could still have young babies. He answered that they were his grandchildren. Later, he left Egypt; not jailed or killed. There are also others whom I see on Facebook and have close strong relation with some. I know that they used not to have any political interests. Now, one sees them picking a word or action for the president or any other responsible to make silly jokes thinking themselves staunch opposition figures. Despite the triviality of what they write and which reveals their desire to have more “Likes” from some nuts, I think this is the other side of what Seif Abdel-Fattah said; it is an attempt to assassinate the person himself and assassinate his character.

May God save Egypt and protect its institutions and all those who take the responsibility paying honest and sincere efforts to save our country.

Translated by: Dalia Elnaggar
This article was published in Al Ahram newspaper on March, 14, 2019.

To see the original article, go to:

#Ahmed_Ahmad_elgammal #Egypt #president #Sisi #character_assassination

اغتيال الشخص واغتيال الشخصية




في لمح البصر ألقيت من يدي ما كنت أقرأه وبحلقت مشدوها غير مصدق لما أسمع وغير متخيل أن هذا الشخص يقول هذا الكلام وبإصرار عنيد!.. شفت سيف عبد الفتاح بوجهه الذي طالما طالعته عشرات المرات في الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والاجتماعات وعلى شاشة التلفزيون، ولا أريد أن أصف ملامحه حتى لا يقال إنني أمارس نقيصة الثرثرة في عيوب الناس، وما أريده هو التساؤل الاستفهامي والاستنكاري معا عن كيف يمكن لأستاذ في العلوم السياسية وفي أكبر وأهم جامعة مصرية، ولمثقف مدني، حسب نفسه وحسبه الناس على ما اصطلحت تسميته بتيار الإسلام المستنير الوسطي، ولواحد ممن دنت لهم ثمرة المشاركة في حكم مصر من أعلى مستوى، أي في الزمرة الرئاسية.. كيف يمكن أن يطالب علنا وبالفم المليان وبالنبرة الواثقة بأن يتم التخلص من شخص الرئيس المصري.. ولا يهتز له ضمير أو يطرف جفن والمذيع يسأله المرة تلو المرة في الأمر ذاته ليعود هو المرة تلو المرة أيضا ليؤكد أنه لابد من التخلص من الرئيس أولا لكي يتم إنقاذ البلاد وبغير التخلص منه فلن يتم شيء!!

لأول وهلة لم أعقل ما سمعت.. وبعد سكرة الاندهاش جاءت فكرة التدبر، لأجد أن الدائرة اكتملت وما كنا نكتب فيه ونستميت في أنه صحيح وكان غيرنا يتهمنا بالخلط والتخليط والمبالغة بل وبكل الأوصاف الرذيلة، تبين أنه صحيح، إذ كنا نقول ونكتب أن ما يسمى بتيار الإسلام المستنير ورموزه من مفكرين وكتاب وأساتذة جامعة ورجال قضاء سابقين هو جزء لا يتجزأ من التركيبة التي تستدعي لنفسها مهمة القوامة على دين الناس والتي لا تسعى لنشر القيم العليا الدينية والإنسانية بقدر ما تسعى للسلطة والتحكم، وأن هذا التيار طالما خدع الخلق، وعندما جاءت السلطة لهم على صينية أضحى معلوما من صنعها ومن جهزها، انكشف المستور ووجدنا منطقا آخر!

كان سيف عبد الفتاح- ومعه بعض زملائه وزميلاته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- يسعون دوما لتأصيل وترويج ما تبين أنه أكذوبة كبرى، وهو أنه من الوارد والممكن أن يكون للتأسلم السياسي وجه مستنير تحديثي مؤمن بالمواطنة وبالديمقراطية.

وكانت الشبكة تضم معهم آخرين لا أريد أن أذكر بعض أسمائهم بعد أن تواروا بعيدا عن هالات الضوء، التي طالما أحاطت بهم في الصحافة والإعلام المرئي والمسموع وفي الندوات والمؤتمرات، ثم بعد أن وصل الإخوان للحكم صارت الاستنارة والتحديث والمواطنة والديمقراطية شعارات بالية، تقادمت ومضى عهد استخدامها، الأمر الذي كان دوما يذكرني بذلك الخليفة الأموي الذي ظل عقودا قبل خلافته يصلي ويتنفل ويقرأ القرآن الكريم في الكعبة، وعندما جاءه البشير بانتقال الخلافة إليه وضع المصحف الشريف على الرف وقال مخاطبا إياه: "الآن انتهى عهدك"، وكان أول سماط مده لوجبة العشاء وهو خليفة ممدودا فوق جثث خصومه من قومه، وكان بعضهم مازال "يلعبط" تحت السماط ومن فوقه الطعام!

وفي الفكرة – فاء مفتوحة – التي جاءتني بعد سكرة الاندهاش والبحلقة، أدركت بيقين كامل أن المخاوف التي طالما طوقتنا واعتصرت كياننا وظن البعض أنها انتهت، لم تنته بعد، وفي مقدمتها التآمر الإرهابي الدموي المسلح الذي يهدد حياة قائد ثورة يونيو ورئيس الجمهورية الذي لن أطنب في مسوغات احترامي له وتقديري الذي بلا حدود لما يؤديه لأجل هذا الوطن، رغم إدراكي لثغرات عديدة موجودة في المسار الراهن، ويهدد معه كل من هم مصنفون عند الإخوان والسلفيين وتيار التأسلم المستنير إياه من الأعداء والخصوم، ذلك أن الأمر ليس شخص الرئيس وفقط وإنما وبالمنطق سوف يتجه الاستهداف إلى كل من يعتقد، أمثال سيف عبد الفتاح، وهو من هو، بما يفترض أنه عقل وثقافة وعلم ووعي، أستاذ علوم سياسية، أنهم خطر بأشخاصهم على المشروع الإخواني.

وكما هو معلوم فإن أولئك البغاة يجدون وبسهولة وعبر المسار التاريخي للتأسلم السياسي ما يرتكزون عليه من فقه فاسد الأصول معوج الأركان ليسوغوا لأنفسهم ولمن يصدقونهم قتل الآخرين، حتى لو وصل القتل كما قال مرسي في خطاب علني: "إيه يعني لو ضحينا بمليون شخص مقابل أن المجتمع يبقى كويس ويعيش"!!

نحن مازلنا أمام خطر حقيقي لم ينته بعد، وإنما قد يتصاعد في المرحلة المقبلة ويستهدف دوائر بعينها وشخصيات بذاتها، لأنهم في ظني يراهنون على أن المزيد من القتل والدم وترويع الناس وإرهابهم يمكن أن يدفع كثيرين إلى التسليم ورفع الذراعين والكفين لأعلى حتى لو كان الثمن هو عودة السيطرة والتسلط الإخواني الغاشم على مقاليد الحكم ومصير الوطن.. وفي هذا السياق لا أظن أن "التقية" التي يحيط بها السلفيون أنفسهم وأفكارهم وتحركاتهم يمكن أن يستمر انطلاؤها على أحد، لأنني أعتقد أنهم عند أول منعطف سيشعرون فيه بإمكانية عودة الإخوان تحت شلالات الدم والعنف فسوف يفصحون عن أنهم مع الحكم الإسلامي ولا سواه وسوف يجدون عشرات المبررات الفقهية أيضا لتفسير ما اتخذوه من مسلك بعد زوال حكم الإخوان.

ومن سيف عبد الفتاح الذي بقي في مصر يقيم في منزله ومع أسرته بعد 30 يونيو وأذكر أنني كلمته هاتفيا أطمئن عليه وداعبته بأنني أسمع في الهاتف صراخ أطفال صغار من حوله، وهل مازال ينجب صغارا؟ فأجابني أنهم أحفاده، ثم خرج من مصر ولم يسجن أو يقتل.. منه إلى آخرين أصادفهم على الفيس بوك وأعرف بعضهم معرفة قريبة وثيقة لم يكن من بينها أن لهم اهتمامات سياسية يومية بل وأحيانا لحظية، لأنك تجد الواحد منهم وقد اتخذ من اصطياد كلمة لرئيس الجمهورية أو حركة أو لمسؤول آخر أو اصطياد واقعة بذاتها، سبيلا لكي يكتب ما يظن أنه سيجعله معارضا أشوس وبطلا من أبطال رص الحروف وتنميق العبارات وإطلاق "الإفيهات" التعبانة ثقيلة الظل.. ورغم تفاهة ما يكتبون ووضوح أنه اصطياد واستجلاب لإعجاب المعتوهين، إلا أنه هو الوجه المتمم لما أطلقه سيف عبد الفتاح، لنجد أنفسنا أمام سعي لاغتيال الشخص وسعي لاغتيال الشخصية.

حفظ الله مصر.. وحمى مؤسساتها ومن يتحملون بصدق وإخلاص وتجرد مسؤولية إنقاذ الوطن.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 14 مارس 2019.

Wednesday 13 March 2019

The question deserving an answer



I wrote two consecutive articles during the last two weeks in Al Ahram newspaper about the issue of amending the constitution. It looks like Mr. Newton does not read but Almasry alyoum newspaper, or he reads the other ones but considers what is not published in Almasry alyoum as nothing!

From this specific point to our life in general, I would like to say that one of our public life’ evils –in specific regarding the political and cultural aspects– is the ego, to a degree that may reach denying the other party and what may accompany such thing of claiming to own the truth and pushing the other party to abandon his opinion to believe in or adopt what that egoistic party wants, otherwise, this other party would be described as intellectually-retarded, superficial and what he writes is useless!

In the same context, I would like to mention that what was said that some point their weapons and rush to write if someone talked about or tackled a certain époque or character while they do not bother to follow the current events and discuss the serious issues that deserve paying attention to, is an abrupt wording. As the matter started with those who kept attacking a certain époque, with each one of them stabbing based on his own motives and background. Some of them are of political backgrounds that are not different in their contents to the biological backgrounds. Adding to this, there is someone playing the role of Maestro; directing and encouraging them. Moreover, he suggests the point they should target with their stabs. When talking about thought and politics, one may say that for every action, there is an opposite reaction that may exceed the action in its power; that is why talking about history and going far in defending a certain époque in a just way came as a reaction for what Mr. Newton used to be the maestro for!

Anyway, I now beg your pardon to discuss a specific issue; that is how prepared we are as a society –specially the politicians, thinkers, intellectuals and owners of huge interests in this society– to think about scenarios of imminent dangers that surround us on the domestic level and abroad, specially that there are regional powers that have and will never cease to break the Egyptian will and destroy the active Egyptian existence to guarantee their own superiority… not to mention the huge amount of our domestic problems and issues that I doubt any one has paid any effort in listing, describing or even detecting their future course or results.

I believe that the issue of the Egyptian political composition; meaning the form of the regime, core of its philosophy and role of its institutions, including the constitution, all this should be considered in the context that we question, in order to see the controversial relation between our reality, the imminent domestic and foreign threats, also the future ones, and between that political composition that should accommodate responding to those challenges… As to getting busy with consecrating the texts, this is part of an old issue that has to do with both; getting busy with and working on, texts since the Mihna or the ordeal regarding the creation of Quran that erupted thousand years ago and whose repercussions still exist. As I have already written in an article published in another newspaper, those who always called to prove that the divine text is a historic one that can be dealt with like any other text are the same people fighting staunchly for consecrating the constitution texts and calling for the sanctity of not getting close to it, not even with interpretation, except for what they want!

I still confirm that like it was once said that wherever the nation’s interest is, this is God’s law. It is also possible to say that wherever the country’s interest is, this is the essence of the constitution’s texts.

Regarding our discussion about threats – away from the theory of conspiracy, I believe that studying the current courses and future orientations of the regional powers in our region comes in the heart of studying our own future. In clearer words, Israel, Turkey, Saudi Arabia, Iran and Ethiopia have all declared some of their goals for the few coming decades. It is also certain that they have other goals they have not declared in such context, just because such goals depend on other countries like Egypt, where the Egyptian role was and will always be a point of concern for everyone, whether when it is powerful and at its peak, or even when it is weak. What confirms how important the matter is, is what Egypt witnesses currently of signs of economic recovery, foreign relations, and also in fighting terrorism.

I do not exaggerate when I say that the political and media discourse for president Sisi in the Arab-Euro summit that took place recently in Sharm Ash-Sheikh was a sign of that recovery. I know that it is better for Egypt’s relations towards the region and its powers, which I pointed to some of them, is to make a skillful balance so that we do not have a severe hostile rupture of relations among the different courses over the common interests. However, it should be managed in a smooth and agreeable manner in a way guaranteeing that Egypt will finish the recovery process it started and will not go through what it has been through in the nineteenth and twenty centuries; meaning the renaissance projects of Muhammed Ali, Ismail Pasha and Nasser.

Translated by: Dalia Elnaggar

This article was published in Almasry alyoum newspaper on March, 13, 2019.

To see the original article, go to:

#Ahmed_Ahmad_elgammal #Egypt #Sisi #renaissance_project #amending_constitution

التساؤل الأولى بالإجابة





كتبت مقالين متتاليين خلال الأسبوعين الفائتين في الأهرام عن مسألة الدستور وتعديله، ويبدو أن الأستاذ نيوتن لا يقرأ سوى المصري اليوم، أو يقرأ الصحف الأخرى ولكنه يعتبر أن ما لم ينشر في المصري هو والعدم سواء! ومن التخصيص إلى التعميم فإن إحدى آفات حياتنا العامة- خاصة السياسية والثقافية- هي تضخم الأنا لدرجة يتلاشى معها الآخر، وما يصحب ذلك من نزوع إلى الزعم بامتلاك الحقيقة والصواب، وحفز الآخر إلى أن يتخلى عن رؤيته ليتبنى أو يعتنق أو يكون بوقًا لما تريده تلك الأنا! وإلا فهو متخلف وسطحي وما يسطره هو من سقط المتاع!

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن ما قيل عن أن البعض يشهر أسلحته ويندفع كاتبًا، إذا مس أحد أو اقترب من تاريخ حقبة ما أو شخصية بعينها، بينما لا يكبد نفسه عناء مواكبة الأحداث ومناقشة القضايا الجسام التي تستحق الاهتمام؛ هو قول له تكملة، وهي أن الأمر برمته بدأه حملة السكاكين على حقبة بعينها، وكل واحد يطعن مندفعًا بخلفية تخصه، وبعض الخلفيات السياسية لا تختلف في محتواها عن الخلفيات البيولوجية، وهناك مايسترو لأولئك الحملة يوجههم ويحفزهم، بل ويقترح عليهم الزاوية التي يجب أن يوجهوا الضربة إليها.

ولأن لكل فعل رد فعل يضاده في الاتجاه وقد يفوقه قوة في حالات الفكر والسياسة، فإن الانشغال بالتاريخ والإيغال في إنصاف حقبة ما؛ جاء ردا على ما كان الأستاذ نيوتن هو المايسترو فيه!

ما علينا، وأستأذن للانتقال إلى الحديث في شأن محدد، وهو التساؤل عن مدى استعدادنا كمجتمع- خاصة ساسته ومفكريه ومثقفيه وأصحاب المصالح الضخمة فيه- للتفكير في سيناريوهات المخاطر المحدقة بنا في الداخل ومن الخارج، خاصة أن هناك قوى إقليمية لم ولن تتوقف عن ضمان كسر الإرادة المصرية وتقويض الوجود المصري الفاعل؛ لضمان تفوقها هي.. إضافة إلى الحجم المهول المخيف من نقائصنا وبلاوينا الداخلية، التي أشك أن أحدًا قد بذل جهدًا في حصرها وتصنيفها وتحديد ملامحها ورصد مسارها وتوقع مآلاتها.

إنني أعتقد أن قضية البنية السياسية المصرية، أي شكل نظام الحكم ومضمون فلسفته ودور مؤسساته، وبما في ذلك مسألة الدستور؛ يجب أن توضع في السياق الذي هو التساؤل المطروح، لنرى العلاقة الجدلية بين واقعنا والمخاطر الداخلية والخارجية المحدقة والمستقبلية وبين تلك البنية السياسية التي يجب أن تكون مصممة للاستجابة لتلك التحديات.. أما الانشغال بالنصوص وقدسيتها وحرمتها فهو جزء من انشغال واشتغال– معًا– قديمين بالنصوص منذ أزمة خلق القرآن، التي ثارت قبل ألف سنة وما زالت تداعياتها مستمرة، وكما سبق وكتبت في مقال نشر بصحيفة أخرى فإن الذين طالما تصدوا لإثبات أن النص السماوي نص تاريخي يجوز التعامل معه كأي نص آخر، هم أنفسهم الذين يصرخون بقدسية النص الدستوري وحرمة أي اقتراب منه ولو بتفسيره وتأويله على غير هواهم! وما زلت أؤكد أنه مثلما قيل إنه حيثما تكون مصلحة الأمة فثم شرع الله، فإن الوارد أيضا القول إنه حيثما تكون مصلحة الوطن فثم مضمون النص الدستوري.

وفي الحديث عن المخاطر، وبعيدًا عن هوس المؤامرة، فإن دراسة واقع مسار وتوجهات مستقبل القوى الإقليمية في منطقتنا يعد من صميم دراسة احتمالات مستقبلنا، ولكي أكون واضحًا أكثر فإن إسرائيل وتركيا والسعودية وإيران وإثيوبيا لديها ما هو معلن حول مستهدفاتها خلال عدة عقود مقبلة، ومن المؤكد أيضًا أن لديها ما ليس معلنًا في هذا الإطار، لا لشيء إلا لأنه يتعلق بمصائر دول أخرى كمصر، حيث كان ويبقى الدور المصري هاجسًا للجميع، سواء في حالة عنفوانه وتعاظمه، أو حالة ضعفه وانحساره، ولعل ما يؤكد أهمية الأمر هو ما تشهده مصر الآن من علامات للتعافي الاقتصادي وفي العلاقات الخارجية، وأيضا في مواجهة الإرهاب، ولا أتجاوز إذا قلت إن الخطاب السياسي والإعلامي للرئيس السيسي في القمة العربية– الأوروبية التي انعقدت مؤخرًا في شرم الشيخ كان أحد ملامح ذلك التعافي.

إنني أعلم أن الأجدى في علاقات مصر بالإقليم وقواه التي أشرت إلى بعضها هو السعي بمهارة كي لا يكون التقاطع بين الإدارات المختلفة عدائيًا وحادًا على أرضية المصادرة المتبادلة وإنما يدار بأسلوب غير تصادمي وغير عدائي، بما يكفل لمصر أن تتمم ما بدأته من تعاف، وألا تتعرض لما تعرضت له من قبل في القرنين التاسع عشر والعشرين، أي مشاريع محمد علي وإسماعيل وعبد الناصر.

نشرت في  جريدة المصري اليوم بتاريخ 13 مارس 2019.

Thursday 7 March 2019

Technical talk over the station accident





I know it is repeated talk… I also know that the worst evil in our country these days is the alleged ability of everyone to diagnose what we are going through. Also the audacity of some to prescribe the medication that usually – or always – has this form we used to know in the past, when we were told in our folk stories about that prescription that used to cure headaches and worms in intestines; that liquid that we did not know its composition and whose sellers used to stand at the corners of public squares and Mawaled’’s yards to sell it. However, I will take the risk and write about this topic, for we may come up with something new!

I here mean the accident of the railway station, which came as an answer for a question that for long occupied my mind when I use the train coming from Tanta or Alexandria to Cairo. I used to see the concrete stopping bumps at the end of the railway platform and wonder: to what extent can these bumps withstand the collision of a train? It also never occurred to me to figure out the speed of the train colliding with it, for I have not imagined that a train may enter the station at an 80 km/h speed!

In such context, I publish what my friend Mr. Mounir Ayyad sent to me in a stating message; meaning it may be right or wrong. I cannot confirm its veracity. He himself got it from Mr. Email Attallah; trainer of railway trains’ drivers in New South Wales for more than 20 years: “There is a very very big question mark regarding the catastrophe that took place in Bab el-Hadid in Ramsis square;

1- Any train coming close to a concrete or iron stopping bump should have a speed of 25 km/h at a distance of 500 meters away from the bump; otherwise it will lose the brakes’ air and will stop forcefully.
2- The train’s speed when it comes in friction with the beginning of the 160-meter-and-more-long platform has to decrease to 5 km/h; otherwise the ground bumps will empty it of the air and it will stop immediately in less than 3 seconds.
3- The closer the train to the bump, the less the speed that decreases every 30 meters until it forcefully reaches zero at the bump; otherwise the train will be forcefully stopped not less than 20 to 40 meters away from the bump.
4- Even if the train’s bumps collided with the ground bump, there is a spring that can withstand pressures huge enough to make the stopping action smoother and not harmful.

What happened was an accumulation of terrible failures including:
1- Not having safety systems; if one of those safety systems dropped, the train or carriage is banned from being used in service.
2- There are three safety systems in the old trains; (dead man feature, control governor and main blunger), while there are four in modern ones. Such thing makes this accident almost impossible, and the probability of it happening is not more than zero percent.
3- Even if the driver was asleep, dead or drugged, the train itself will come to stop once the driver’s muscles relax. Therefore, I do not care much about the status of the driver, unless there is a very bitter probability that I will tell later.
4- Even if we assumed that the train itself –including the antenna, electrical and power controls– totally and utterly failed, the ground control network adjacent to the railway bars, including the air compressor, will stop the train anyway once it exceeds the legal speed determined gradually to be 3 to 5 km/h. Also, even if we assumed that the train failed and the railway bars’ control system failed, the signals’ control system cannot fail, as the signal does not allow the train to pass unless the speed was very close to the legal one in case of high speeds over the main routes, and which decreases over the routes connecting the sub-urbans. The same thing applies over the domestic routes. Then the speed reaches 25 km/h in case of getting close to a dead end.

Conclusion:
What happened was a complete circle of failure including the following:
1- The train system itself (consisting of 3 or 4 safety systems).
2- The railway routes’ system (consisting of unlimited number of safety units adjacent to the left or the right of the railway bars) depending on the air compressor position.
3- The signals’ system; as each signal is supplied with a safety unit.

If one system of the mentioned above failed, that means we are facing a catastrophe that can have no explanation but with the following:
(An agreement between the driver to disable all the train’s safety devices with the worker supervising the railway ground connections to make it corrupt, in addition to the approval given by the signals’ box or signals’ computer to break the closed signal, in the same time, spoiling the signal’s safety system. The last one alone needs a pre-agreed upon effort which is very big”.

The stating message ended for the big question to rise.
We shall continue later.

Translated by: Dalia Elnaggar

This article was published in Al Ahram newspaper on March, 7, 2019.

To see the original article, go to:

#ahmad_ahmed_elgammal #Egypt #railway_station_accident