Thursday 30 June 2016

الحب أساس التجديد




لم - وربما لن - يلتفت كثير من المشاركين في صخب "دوشة" تجديد ما يسمونه "الخطاب الديني" إلى جوهر المسألة ولب المشكلة، وهو ضمور المكنون الوجداني الروحي لدى القائمين على شؤون التعليم والدعوة، والمنخرطين في جمعيات وأحزاب تزعم لنفسها الاعتماد على المرجعية الشرعية الإسلامية!

إنه ضمور لم يقتصر على ادعاء التمسك بظاهر النصوص خشية الانحراف بتأويلها، وعلى الجفاء للرسول وصحابته وآل بيته بتحريم وتجريم التشفع والتوسل، بل امتد إلى كل ما هو إنساني ضارب الجذور في الحضارة الإنسانية والثقافة المجتمعية ابتداءً من التعامل مع المخالف في العقيدة والمذهب، رغم أنه من المنتمين للدين نفسه، وليس انتهاءً بالفنون والآداب والقيم العليا الإنسانية النابعة من تفاعلات الإنسان مع المكان والزمان عبر الحقب والعصور.. بل إن الأكثر بشاعة هو مخاصمة الذوق الإنساني في المظهر، حيث اللحى الحاخامية غير المهذبة والزي غير المعتنى بهندامه، وإن كان اعتناءً فهو لإظهار الترف الخالي من السمة المصرية الشعبية أو حتى الأزهرية، حيث لغطاء الرأس المعتاد شعبيًا والمعتمد أزهريًا رونقه الخاص، وللغترة المرسلة بغير عقال رونقها ولكن في مجتمعاتها!!

إنه الضمور الذي يجعل من الكلام المستند إلى ما يقولون إنه قياسات واجتهادات مستنبطة من مصادر دينية يجعله أعلى من تلك المصادر، ومعظمه متجه إلى التجريم والتحريم وإهدار الدماء والتفسيق والوصم بالزندقة، مثلما سمعت بأذني ذلك المتكنى بأبي إسحق الحويني، والآخر برهامي وهما يزندقان المسلم الذي يود إخوته المسيحيين ويدافع عن حقهم في الاعتقاد والانتماء.. ومن عجب أنهما لم يلتفتا إلى أن القرآن الكريم عندما خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم خاطبه باسمه، وعندما ذكر المدعو عبدالعزى بن عبدالمطلب ذكره بكنيته أو لقبه "أبي لهب"، وهو ما لقبه إياه أبوه عبدالمطلب لوسامته!! وكذلك يقال أبو جهل لمن اسمه عمرو بن هشام، ولذلك ليست صدفة أن نجد قادة الدواعش ومعهم معظم قادة المتسلفين يفضلون أن يعرّفوا بأبي فلان وليس بأسمائهم الحقيقية!

ما علينا، وأعود إلى جوهر المسألة ولب المشكلة فاستطرد بأننا إذا وضعنا كل الأطروحة الدعوية في سياق تنمية الوجدان الجمعي باتجاه مرتكزات أراها الأساس في مسألة استخلاف الإنسان في الأرض، فإن كثيرًا من ظلام التشدد المتسلف سيتبدد، وأول هذه المرتكزات هو "الحب"، ففي المأثور الذي يراه البعض حديثًا قدسيًا ويضعفه البعض ولا يجزم أحد بأنه موضوع "كنت كنزًا مخفيًا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق كي أعرف"، وبصرف النظر أو بالأصح مع الأخذ في الاعتبار كل ما جاء من تفسيرات وشروحات حول المعنى إلا أن "الحب" أساس لا سبيل لإنكاره.. وفي هذا حدث ولا حرج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيمة الحب في مسيرة الرسالة لدرجة أنه ميز بين أصحابه وأحبابه، واصفا الأخيرين بأنهم من يأتون بعده ولم يروه وآمنوا برسالته، واعتقادي أنه من بوابة الحب تنفتح بوابات التكافل والتراحم والرحمة بخلق الله.. مطلق خلق الله، وبوابات مكارم الأخلاق كلها من كرم وشجاعة ومروءة وشهامة ووفاء وفروسية وسعي للعلم وللمعرفة وبناء للفرد وللأسرة وللمجتمع بناءً سليمًا لا يعرف الكراهية ولا النبذ ولا التمييز بسبب دين أو مذهب أو طائفة أو لون أو عرق أو ثقافة أو جهة إلى آخره!

ولأن محترفي التشدد والإرهاب والتطرف أنانيون لا يرون إلا ذواتهم في كل مرآة رأيناهم غلاظًا أفظاظًا لا تعرف قسمات وجوههم انبساط الفرحة والاستبشار والترحيب بالاختلاف وقبول المختلفين بقدر ما تعرف تقلص التجهم والزعيق الصارخ بالوعيد والويل والثبور وسواد الخواتيم ونفي كل أمل في رحمة من كتب على نفسه الرحمة سبحانه وتعالى عما يصفون!

"الحب"، كان هو البوابة الفسيحة التي تجلت من خلالها أسمى الخصوصيات الإنسانية المتحضرة لمصر المحروسة عندما اختصت دون غيرها من بقاع الكون باستقبال خمس أسر رسولية.. سيدنا إبراهيم وأسرته، وسيدنا يوسف وأبيه يعقوب وأسرته، وسيدنا موسى وأسرته، وسيدنا عيسى والعائلة المقدسة، ثم آل بيت النبي الأطهار عندما وجدوا فيها ملاذًا من عسف الأمويين ومن بعدهم العباسيين!!.. وعندما تميزت مصر المحروسة بمهرجانات الحب، ممثلة في أعيادها وموالد رموزها من العذراء إلى مار جرجس ومار مينا، وبقية الشهداء في العصر الروماني، إلى آل البيت والأقطاب الدسوقي والبدوي والكبار الشاذلي والمرسي وابن عطاء الله والآخرين الذين لا تخلو من شواهدهم بقعة في أرض مصر، ومن حول مشاهدهم يتفانى الناس في حب بعضهم البعض، مؤثرين غيرهم بالطعام والشراب والإنفاق، وقائمين على خدمة الحشود حملاً لأحذيتهم وتنظيفًا لدورات المياه "الميضأة" التي يتوضأون فيها!!

حب الحياة بإعمار الأرض بالعلم مع العبادة وربما قبلها وبعدها "وعلم آدم الأسماء كلها"، فيما الملائكة يقفون عند حد "لا علم لنا إلا ما علمتنا"، وحب الخلق باعتبارهم تجليات الخالق جل وعلا وعلى قاعدة "انظر النقص في نفسك وانظر الكمال في خلق الله"، ولا تتعالى ولا تتكبر حتى ولو كنت سيد الطائعين ومن المقربين، لأن أم المعاصي والكبائر كانت ما ارتكبه إبليس من تعالٍ وتكبر وتمييز بالمقارنة بين المادة التي خلق منها والمادة التي خلق منها آدم فكان مصيره ما كان، رغم أنه كان من المقربين!!

ثم مد الخيط إلى منتهاه إذا كان لمسيرة الحب منتهى، وأظنها بلا منتهى، إذ كلما بلغ منها الراقي مرتبة انتقل إلى ما هو أعلى وأنقى وأطهر وأكثر تجردًا "أحبك حبين" أعلاهما هو "أنك أهل لذاكا"، كما أشارت رابعة العدوية إحدى علامات الرقي الوجداني في مسيرة المحبين!!

إن التجديد إذا لم يصل إلى جوهر الأمر ولب المشكلة، بقطع أية صلة بين أولئك الغلاظ الأفظاظ المجردين من المشاعر الإنسانية محترفي الترهيب والوعيد والتهديد، والزاعمين أنهم وحدهم الصيغة الصحيحة للعقيدة والشريعة، وأنهم وحدهم الأصح في العبادات والمعاملات، فإنه تجديد مزيف لن يلبث وأن تنتهي الدوشة من حوله بانصراف من نادى به وهو الرئيس السيسي إلى شؤون أكثر إلحاحًا أو ليأسه من ثمرة مرجوة ممن أظن أنهم كفيلون بتحقيقه.

ثم إن من لزوم ما يلزم الإشارة إلى أن الخطاب الدعوي فرع من أصل هو الخطاب الثقافي الأكثر شمولاً، وفي هذا أعود إلى التذكير بما سبق وطرحته في هذه المساحة ألا هو خلق روح وطنية عامة للنهوض والتحديث تجعل من التجديد سلوكًا مجتمعيًا في كل مجال داخل البيوت وفي الشوارع وفي التجمعات المختلفة.. وفي هذا تكون تجليات التجديد واضحة في احترام إشارة المرور وطريقة التخلص من القمامة، والتعامل مع الغير في الدوائر الرسمية وفي الأسواق وهلم جرا..

ثم إنه وللمرة الألف خطاب دعوي، لأن الخطاب الديني هو الكتب السماوية المنزلة وما عداها فهو اجتهاد البشر في فهمها وتطبيقها، مما يحتمل الخطأ والصواب والإلغاء والإبقاء شأن كل ما هو من صنع الإنسان ومن إبداعه.. والله أعلم.
                          
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 30 يونيو 2016.

Wednesday 29 June 2016

Key question about alternative




I receive gladly many comments over my articles in Almasry alyoum newspaper… tens of comments written on my Facebook page are available for everyone who want to read and analyze the context of our dialogue where many sociological, political and thought perspectives meet.

However, there is a comment I believe is important… and it is indeed… because it imposes a fundamental question I received through my e-mail from my friend, Arab thinker and elite media man Mr. Ghassan Tahboob, the Arab nationalist Palestinian who adores Egypt and always recognizes its gratitude over his generation and many others in more than one field… he is one of those who are still working hard to master and excel in their field… he is also very proud of his cultural and civilized Arab composition and a very loyal friend.

Here is an excerpt of what Mr. Ghassan wrote commenting over last Wednesday’s article… he said: “… again, I ask you to write your diaries since you had the gift of precisely detecting people’s everyday life details, whether sociological or economic, and depicting them in your writings in your own special way.

As to what you said regarding “reconciliation” balloons… you hit the truth in the results you reached… however… what is the possible alternative for muslim brotherhood movement , salafists and all their likes?... what is the alternative that can fill the big intellectual emptiness in the whole Arab world? How can we have this alternative?

I believe you notice that some islamists have started reviewing some of their doctrines… like the case in Ghannouchi in Tunis and before him was the Moroccan Benkirane and after him came muslim brotherhood in Jordan… most probably, those are nothing but some tactics to cope with current time events… but such tactics shall have effects on the long run and will attract many young people... especially, that religion has an established entity in our Arab societies… the West realizes this fact very well… and that what helped them in the West to draw their policies in our region since the end of the Ottoman caliphate… and most probably, it’s one of the secrets lying behind the relation that is never broken between Britain and muslim brotherhood movement… also, it’s one of the reasons why the USA still cares about muslim brotherhood and keeps ties with them…

Unfortunately, the West has found its target in islamists and succeeded in using them… once against the Egyptian nationalism in 1919 revolution… another time against Gamal Abdel Nasser… and third time was in Palestine to weaken the Palestinian Liberation Organization (PLO)… and today, they use the islamists to dismantle every Arab country that includes religious or ethnic diversities…

Don’t you notice that islamists; Sunni and Shiite, are major partners in the devastation of Syria, Iraq, Libya, Yemen and in the Palestinian division… also in Egypt’s problems… and the Lebanese and Bahraini cases as well?...

You definitely know that muslim brotherhood are perfectly pragmatic… compared to them, Machiavelli is nothing but a young student in their school of pragmatism… so, it’s very likely that those “reconciliation” balloons are indicating something is being prepared or negotiated… back to the question… who will fill this big intellectual emptiness in our Arab life..?

Can the Egyptian elite nationals come up with a description that can cope with People’s natural inclination to religion and objective changes we’re going through… can this description tell how to address young generations, incorporate them in the society and provide visions to fill this emptiness so that those young people do not have to reproduce the past…?... I meant the Egyptian elite nationalists specifically because they represent the leading figures in thought and modernization in our Arab world… and let whoever say whatever they want… simply, it’s the truth.

I know you, like me, feel the burdens of our reality… such burdens that may push you into frustration… but here I remind myself… since when wasn’t our Arab reality, starting from the second Abbasid era, free of burdens?... May God help you continue lighting candles in our dark night…”.

Here ends Mr. Ghassan’s comment over last Wednesday’s article which talked about the reconciliation suggested by minister al-Aagati and MP major-general Sa’ad el-Gammal.

First, I’d like to say that what Mr. Ghassan said is the essence of all that can be discussed over any national, Arab-national or regional future away from guardianship of any groups or powers claiming religious reference and ahead of them are muslim brotherhood, salafists and their likes.

So the question is: what is the alternative that can fill the space left by the non-existence of those groups… that space that is not only limited to thought but extends to people’s daily practical life?

In his comment, Mr. Tahboob has pointed to a very important historical moment when he made a connection between the collapse and fall of the Ottoman caliphate and first appearance of muslim brotherhood funded by Britain, or you can say that the British have thought of finding another alternative of religious reference in the region… and so muslim brotherhood group was established in 1928, short time after caliphate disappeared.

This important notice reveals that our present and future is not a pure domestic equation… however, there are other regional and international parties playing roles in this regard… and so, the question again, can we find the alternative that fill that space and in the same time doesn’t make enemies of those parties?

This is connected to another important question I have asked long before… how can we build a strong balanced cohesive Egypt that interacts with its surroundings without provoking other parties to prevent them from hitting the Egyptian experiment like what happened before with Muhammed Ali, Ismail Pasha and Nasser?

I hope we all participate in such dialogue… I have a lot to say about it which I may write in another article in addition to the comments I will receive.

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Almasry alyoum newspaper on June 29, 2016.

To see the original article, go to:


#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #alternative

سؤال جوهري حول البديل




أتلقى ممتنًا تعليقات كثيرة على ما أكتب في "المصري اليوم"، وتحمل صفحة "فيس بوك" عشرات منها، وهي متاحة لمن يود الاطلاع ويريد تحليل مضامين هذا الديالوج، الذي تمتزج فيه سرديات مجتمعية "سوسيولوجية" مع رؤى سياسية وفكرية، غير أن هناك تعليقًا أراه مهمًا، وهو مهم بالفعل، لأنه يطرح سؤالاً محوريًا جاءني على بريدي الخاص من الصديق المفكر العربي والإعلامي المرموق الأستاذ غسان طهبوب ابن فلسطين المصري الهوى القومي الوجدان، والذي لا يني يذكر فضل المحروسة على جيله وأجيال أخرى في أكثر من مجال، وهو ممن لا يزالون قابضين على جمر الإصرار على الإجادة والتميز في العمل "الصنعة"، وجمر الانتماء العربي الحضاري والثقافي، وجمر الوفاء للمودة الإنسانية!

كتب الأستاذ غسان معلقًا على مقال الأربعاء الفائت ومن تعليقه أقتبس: "... أجدد اقتراحي إليك بكتابة مذكراتك / يومياتك، فقد حباك الله قدرة على رصد فريد برؤية خاصة، وتدقيق في تفاصيل حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية بثرائها وقيمها وتفاعلاتها مع بيئتها.. أما ما يتصل بشق المقال المتعلق ببالونات "المصالحة"، فقد أصبت في النتائج التي انتهيت إليها لكن.. ولعنة الله على لكن هذه.. ما هو البديل الممكن لحركة الإخوان المسلمين وأضرابهم من السلفيين ومن لف لفهم؟! من سيبادر إلى ملء الفراغ الفكري الرهيب الذي يلف العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه؟! كيف يمكن لهذا البديل أن يولد؟! أحسب أنك تلاحظ بدايات مراجعات عند الإسلاميين، كما في حالة الغنوشي في تونس، المسبوق بالمغربي بن كيران والمتبوع بإخوان الأردن.. هي على الأرجح - والحديث ما زال للأستاذ طهبوب - مراجعات تكتيكية لمواءمة معطيات المرحلة، لكن سيكون لها آثارها البعيدة وستستقطب اهتمام شبان كثر، خاصة أن مكانة الدين مستقرة في وجدان مجتمعاتنا العربية، وهذا الاستقرار يدركه الغرب بكل مكوناته، وهو ما أسهم في رسم سياساته في المنطقة منذ انتهاء الخلافة العثمانية، وهو على الأرجح أحد أسرار العلاقة التي لم تنقطع بين بريطانيا وحركة الإخوان، وأحد أسباب استمرار الاهتمام الأمريكي بالإخوان والحفاظ على العلاقة معهم.. ومع الأسف فإن الغرب وجد ضالته في الإسلاميين، ونجح في استخدامهم مرة ضد الوطنية المصرية "ثورة 1919"، ومرة أخرى ضد عبد الناصر، وثالثة في فلسطين لإضعاف منظمة التحرير، واليوم لتفتيت كل قطر عربي ينطوي على تنوع ديني وعرقي.. أليس مدهشًا أن الإسلاميين سنة وشيعة شريك أصيل في خراب سوريا والعراق وليبيا واليمن، وفي الانقسام الفلسطيني، وفي مشاكل مصر، وفي الحال اللبنانية والبحرينية؟!.. لا شك أنك تدرك أن الإخوان براجماتيون بامتياز.. بل إن ميكيافيللي تلميذ في البراجماتية مقارنة بهم.. لذلك ليس مستبعدًا أن تكون بالونات "المصالحة" مؤشرًا على شيء ما قيد التداول أو التفاوض وأعود إلى السؤال - والحديث ما زال للأستاذ غسان طهبوب - من سيملأ هذا الفراغ الفكري الضخم في حياتنا العربية..؟! هل ستتمكن نخب الوطنية المصرية من اجتراح وصفة فكرية تستوعب التدين الفطري للناس، وتستوعب المتغيرات الموضوعية، وتحسن مخاطبة الشباب وتعمل على إشراكهم وتقدم رؤى مؤهلة لملء الفراغ، لكي لا يجد أبناؤنا أنفسهم أمام إعادة إنتاج الماضي.. وأقول نخب الوطنية المصرية على وجه التحديد لأنها قطب رحى الفكر والتحديث في عالمنا العربي، ودع عنك كل الأشجار الباسقة اليوم، فهي قد تحجب الغابة ولكن إلى بعض الوقت وليس كل الوقت.."، ويختم الأستاذ طهبوب تعليقه بسؤال آخر مهم: "أعلم أنك مثلي تشعر بأثقال الواقع وهي أثقال قد تستدعي الإحباط لكني أذكر نفسي وأقول متى كان واقعنا العربي منذ العصر العباسي الثاني متحررًا من الأثقال؟! وفقك الله وقدرك على الاستمرار في إضاءة الشمع في هذا الليل البهيم".

انتهى تعليق المفكر العربي غسان طهبوب على مقالي المنشور الأربعاء الفائت، وكان عن المصالحة التي طرحها الوزير العجاتي والنائب اللواء سعد الجمال!

وبداية أقول: إن ما يطرحه الأستاذ غسان هو جوهر كل ما يمكن أن يثار حول مستقبل وطني وقومي أو إقليمي متحرر من وصاية التنظيمات والقوى، التي تزعم مرجعية دينية وفي مقدمتها الإخوان والسلفيون وأضرابهم!

القضية المثارة إذن: ما البديل الذي يملأ الفراغ الناجم عن خلخلة وجود وتأثير تلك الاتجاهات، التي لم تقتصر على الوجود الفكري، وإنما امتدت للواقع العملي اليومي للناس؟! وفي ثنايا طرحه أشار الأستاذ طهبوب إلى لقطة تاريخية مهمة عندما ربط بين انهيار واختفاء الخلافة العثمانية، وظهور الإخوان المسلمين بدعم بريطاني أو بالأصح تفكير البريطانيين في إيجاد بديل للتماسك في المنطقة حول الطرح الديني، ولذا كان إنشاء الإخوان عام 1928 فيما اختفت الخلافة قبل ذلك بزمن وجيز!! وأهمية "اللقطة - الحقيقة"، هي أن أمر حاضرنا ومستقبلنا ليس معادلة محلية محضة، وإنما هناك أطراف أخرى إقليمية ودولية تلعب دورًا في هذا الأمر، وعليه هل يمكن إيجاد بديل يسد الفراغ، وفي الوقت نفسه يحوز قبول تلك الأطراف الإقليمية والدولية أو على الأقل لا يستعديها كي لا تجهضه؟! وذلك مرتبط بسؤال أظنه جوهريًا طالما طرحته من قبل، وهو كيف يمكن أن نبني مصر متماسكة قوية متوازنة، تلعب دورًا مع محيطها بدلاً عن "في محيطها"، دون أن تستفز قرون الاستشعار بالخطر لدى تلك الأطراف فتسارع بضرب التجربة المصرية، كما حدث مع محمد علي وإسماعيل وعبد الناصر؟!

أسئلة أطرحها مع الأستاذ غسان طهبوب، وأرجو أن تتسع دائرة الحوار.. ولا أنكر أن لدي ما أقوله.. وربما أورده في مقال مقبل مع ما سأتلقاه من مشاركات.
                              
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 29 يونيو 2016.

Thursday 23 June 2016

أفعى الكراهية.. ونموذج الإمارات




أواصل ما أجّلته الأسبوع الفائت عن الأفعى السلفية التي يتفرخ من جحرها الإرهابيون بعد أن تتم تهيئتهم ذهنيا وعقديا لممارسة الإرهاب تحت مسمى الجهاد، وهو ما أعلنه المتهمون في مذبحة رجال الشرطة بحلوان.. إذ عقب ما نشرته منذ أسبوعين تلقيت سيلا من التعقيبات المكتوبة على صفحات التواصل الاجتماعي، بعضها يزيد الأمر وضوحا وعمقا وبعضها يتساءل عن موقف النظام من خطورة التكوينات السلفية، والآخر يتساءل مستنكرا تغلغلهم في أوساط عديدة ومجاهرتهم بأفكارهم وممارساتهم المخالفة للدستور والمجرمة بالقانون، ويرون في استمرار ذلك موافقة صريحة من النظام على تلك المخالفة وذلك الإجرام، أو على الأقل صمتا متعمدا حتى لا يقال إن النظام ضد الدين إثر المعركة مع الإخوان!!

ومن أبرز ما تلقيته من تعقيبات على "الفيس بوك" ما كتبه المفكر الوطني أستاذ طب القلب شارل مجلي ومنه أجتزئ ".... مازلت تنكأ جراحا عفنة انطوت على ما بها من قيح واستمرت ترسل سمومها في جسد بلادنا.. قلت ما كنا نريد قوله منذ أزمنة ولكن منعنا الماء الذي في فينا.. وهل يتكلم الذي في فمه ماء؟!".. المشكلة الأساسية ليست في القدرة على الإصلاح ولكنها في انعدام الرغبة في ذلك، أو قل الرغبة في أن يستمر هذا الوضع العفن.. إن كل الناس يعرفون أن من يفرط ويغالي في إظهار تقواه ــ المصطنعة بالطبع ــ هو أبعد الناس عن هذه التقوى، وأن من يدعو إلى مجامعة الصغيرة إن طاقت الوطء ومفاخذة الصغار ومجامعة المتوفاة لا يعدو أن يكون شخصا يكمن عقله أو نهاه في خصيتيه، كما نعت المتنبي كافور الأخشيدي.. إن الموضوع يضرب بجذوره في عمق التاريخ ولكنه هدأ في عهد أسرة محمد علي وفي الحقبة الناصرية ليزدهر بعد ذلك ويفرخ ويتوغل بقوة في حقبة السادات وعثمان أحمد عثمان وعثمان إسماعيل لا سامحهم الله على جرمهم في حق الوطن، ثم تغاضى عنه حسني مبارك طويلا حتى شعر بالنار تكاد تلامس مقعدته الثقيلة فانتفض أمنيا، فدخل هؤلاء الجحور إلى حين واتجهوا لعقد الصفقات مع الحاكم المخلوع.. إن المشكلة الكبرى أيضا هي استمرارية رجال العهود السابقة بمنهجهم العفن في السيطرة على مقاليد الأمور في الوزارات والحكم المحلي ومؤسسات دينية مترعة بالكره للآخر وللأغيار أيا كان دينهم أو حتى مذهبهم إذا كانوا من الدين نفسه.. وأزعم أن محاولاتنا تحميل المسئولية كلها لمؤسسة الرئاسة هي ظلم لها وتشتيت لجهودها المبذولة نحو محاولة تحريك مصر من موقع شبه الدولة إلى موقعها الطبيعي كدولة محترمة.. والسؤال الآن من أين نبدأ وقد اتسع الخرق على الراتق كما يقولون؟!" ثم يختم الدكتور شارل تعقيبه بقوله: "دعنا نتمسك بالأمل ونعلل أنفسنا بأن أول الغيث قطرة.. ونحاول تعليق الجرس في رقبة كل قط.. بل كل ثعلب مفسد للكروم"!!

انتهى تعقيب الدكتور شارل مجلي الذي أحييه على عربيته السليمة وبلاغته الثرية، وأستأذن أن أكتفي بتعقيبه كعينة لما تلقيته حول موضوع الأفعى السلفية، وأرفع صوتي مجددا ولن أمل من التكرار والتأكيد أن الأمر يتصل بحاضر وطن ومستقبله ضمن محيط مكاني وزماني تعلو فيه الأعاصير والأنواء ولا مجال للمواجهة إلا بمشروع وطني شامل متكامل، يعلي من شأن العقل والعلم والعمل ويضع التراث والعقائد الدينية موضعها السامي الرفيع الذي يليق بأصل وجودها وهو الاستخلاف في الأرض وإعمارها بالعلم والعمل والخطأ وتصحيح الخطأ.

بعد تعقيب الدكتور مجلي أنتقل إلى رسالة جاءتني من صديق وزميل يعمل في حقل الصحافة والإعلام عقودا طويلة، ويعترف وهو غير المصري بفضل مصر الذي لا ينكر على أجيال عربية تكونت علميا ومعرفيا وقوميا في مصر وجامعاتها ومجتمعها، فقد لفت الأستاذ غسان طهبوب نظري إلى خطوة كبرى خطتها دولة الإمارات العربية المتحدة بإصدار قانون لمكافحة التمييز والكراهية ويجرم كافة أشكال ازدراء الأديان والمقدسات وخطابات الكراهية والتكفير.

ومعلوم أن مجتمع الإمارات العربية شأنه شأن عديد من مجتمعات دول الخليج العربية يعرف تنوعا ديموغرافيا هائلا فيه العديد من الجنسيات والأعراق والثقافات والعقائد.. وفيه بالتالي من ينتمون لديانات غير الإسلام واليهودية والمسيحية، وكان أتباع تلك الديانات من هندوسية وبوذية وغيرهما يتعرضون لخطابات تمييز وكراهية من بعض دعاة المنابر، وجاء المرسوم بقانون رقم 2 لسنة 2015 لينهي هذا الوضع، وبالطبع لن أستطيع نقل كل مواد القانون ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى فقرة فيه أو مادة استوقفتني طويلا وتمنيت لو أن ما في مصر من مواد قانونية تتصل بمسألة ازدراء الأديان قد تضمنت ما تضمنه القانون الإماراتي.

فوفقا للمرسوم بقانون الصادر هناك "يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو مركزا أو هيئة أو منظمة أو تنظيما أو جماعة أو فرعا لإحداها أو استخدم لذلك أيا من الوسائل بغرض ازدراء الأديان أو التمييز أو إثارة خطاب الكراهية أو تحبيذ ذلك أو الترويج له، كما يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات كل من انضم إلى أي من الجهات المنصوص عليها أعلاه أو أعانها بأية صورة مع علمه بأغراضها".

وفي فقرة أخرى نص المرسوم بقانون على "المعاقبة بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تجاوز مليوني درهم إذا وقعت بعض الجرائم المنصوص عليها من موظف عام أثناء أو بسبب تأدية عمله أو شخص ذي صفة دينية أو مكلف بها أو وقع الفعل في إحدى دور العبادة كما يعاقب بالسجن المؤقت كل من استغل الدين في رمي أفراد أو جماعات بالكفر سواء بالقول أو بالكتابة أو باستخدام أي من الوسائل وتكون العقوبة الإعدام إذا اقترن الرمي بالكفر تحريضا على القتل فوقعت الجريمة نتيجة لذلك"!!

هكذا يفكر ويشرع الناس الذين يعرفون حجم المخاطر الحقيقية التي تهدد وجود مجتمعهم فلم يميزوا بين الأديان سواء سماوية أو غير سماوية، ووصل الأمر إلى إعدام من يرمي أحدا بالكفر، سواء كان المقصود فردا أو جماعة وأدى ذلك إلى وقوع جريمة القتل.. وعندئذ يساورني سؤال هو: ماذا يكون مصير الذي يجلس متنطعا ليحض على كراهية الزوجة المسيحية المتزوجة من مسلم ويسم المواطنين المصريين غير المسلمين بأنهم كفار؟! أظنكم تعرفونه.
                          
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 23 يونيو 2016.

Wednesday 22 June 2016

نداء للعجاتي.. والجمال




من غير قرف ومن غير زعل.. قرف من إيه وزعل من إيه سوف أوضح ليه؟ وأبدأ كالعادة بهامش ذكريات عندما كان سطح دارنا في ضاحية متطرفة عن قلب مدينة طنطا، يعج بالدواجن التي تضم مع الدجاج- أي الفراخ- كل ما هو داجن؛ أي تم تدجينه يعني استئناسه من طير وحيوان؛ فهذه فصيلة الرومي ديوكا وإناثا، وتلك فصيلة البط "ضكرا" أي ذكرا و"نتاية" أي أنثى، ناهيك عن الفراخ من النوع الهندي الذي كان والدي- رحمة الله عليه- يهوى شراءه من محترفي تربيته لأجل المصارعة، ويذهب الوالد ليشتري الصنف طويل الساقين مفرود العنق زاهي الريش حاد المنقار، وكان الخنجر- أي الظفر الذي يعلو كف الطائر- أكثر حدة من منقاره، وكان لحمه أحمر أقرب إلى لحم "موزة" الضأن أو البتلو! ونطلقه على السطوح للزهو بمنظره وللأكل وليس للمصارعة طبعا، ومعه أنواع اللجهورن ذات الحجم الكبير، ثم تأتي دواجن الحيوان من أرانب الشانشيلا وبعض الجديان والعنزات وأحيانا الخراف.. وكم كان المشهد طريفا ومثيرا ومبهجا عندما تطلع صينية شاي العصاري بالنعناع وسيد الدار يحتل كرسيا، فيما سيدة الدار الوالدة ونحن أو بعضنا معها نلقي بالذرة والقمح المدشوشين، وعيدان البرسيم والذرة الغضة لكل تلك الكائنات ويدور الصراع على الالتقاط والالتهام والتكاثر، وكم من مشاهد شديدة الإضحاك كانت تدور بأبطال لا ينطقون كلاما وإنما أصواتا ولكل حالة صوتها.. بين "مكاكية" و"محاحية" و"كركرة" و"مأمأة" وأخرى لم أعرف لها اسما حتى الآن رغم الخبرة الطويلة نسبيا في ألسنات الحيوان والطير، كصوت الأرنب مثلا، خاصة عند العراك على الإناث.

ثم لا أنسى "غية الحمام" التي كان مؤسسها وراعيها أخي حمدي الذي كان يجيد تقليد صوت أنثى الحمام ليجذب الفرخ "الزغلول" الصغير يتيم الأم ليصعد على صدره ويضع منقاره عند فمه ليأخذ منه خلطة الحب والماء، بعد رحيل أمه!

كان السطوح هو المصدر الاستراتيجي للبروتين، فلا نلجأ لجزار ولا سماك، وكان مشهد "سبت" سلة البيض الأحمر والأبيض الممتلئة لآخرها مشهدا لا ينسى وهي تهبط إلى المطبخ ليتوزع البيض بين فارغ من التلقيح ليؤكل وبين ملقح يحجز ليذهب مع عصام أو معي إلى قرية برما حيث المفارخ المحترفة، ويتسلم القائم على المفرخ البيض ليضع على كل واحدة علامة بحبر ولون مميز يدل على صاحبها، وبعد أقل من أسبوع تكون الزيارة الثانية لنأخذ البيض الذي ظهر أنه لن يستجيب للفقس حتى لا يفسد.. وكان هذا البيض بالذات هو ما تصنع منه "العجة".. والعجة كما تعلمون حضراتكم خلطة من البيض المخفوق مع تشكيلة من البصل والبهارات وخضروات حسب ذوق وحرفنة من يعدها.. أكلة سريعة ورخيصة فيها خلطبيطة قد تجلب حرقان فم المعدة وغازات القولون أحيانا!

ومن غير قرف الذين سيتصورون أن البيض كان على وشك الفساد، ومن غير زعل من سأستكمل السطور بهما فإن البعض- وعلى رأسهم السيد الوزير المسؤول عن البرلمان ومعه رمز بارز من رموز ائتلاف حب مصر- يريان أن المصالحة مع الإخوان واردة ودستورية، ومن المصادفة البحتة أن سيادته اسمه العجاتي! وحسبما أعلم فإن الاسم لا علاقة له بالعجة، وإن كان على صلة بالمطاعم الشهيرة وبالفضة! وهذا ليس تنابزا بالألقاب حاشا لله!

إن الحياة السياسية فيما أظن ليست أكلة عجة يمكن ان يتوارى فيها البيض- شبه الفاسد- مع مكونات أخرى وتتكفل حرارة الطبخ بالباقي، وليست أيضا خناقة في حارة أو غيط أو نادي بلياردو يمكن أن تشتعل وسرعان ما يتقدم الساعون بالخير لأجل المصالحة ومعلهش ووحياة العيش والملح وربما المزة المشتركة وخلاص هذه المرة، وامسحوها في دقني أنا.. وراسك أبوسها.. وهات مشاريب يا ابني وعلى حسابي!

الحياة السياسية علم له أصول كتبت فيها عشرات المراجع، وممارسة تأصلت عبر قرون في مجتمعات دفعت ثمنها وأدركت استحالة البناء على أرض رخوة، واستحالة أن تلدغ الأمة من جحر مرتين، فيما الأستاذ المستشار ومعه سيادة اللواء يريدان للأمة أن تلدغ للمرة التي بلا عدد من الجحر ذاته!

ماذا تعني مصالحة مع من لم تلوث أياديهم بالدماء ولم يمارسوا العنف، وكأن القضية تتصل فقط بأحداث رابعة وما بعدها؟! إذا كان هذا واردا فلنا أن نتخيل ألمانيا وإيطاليا مثلا يسمحان بعودة النازي والفاشي إلى الحياة السياسية، لأن الذي سيعود الآن لم يتورط في ممارسات نازي هتلر وفاشي موسوليني!

وكيف يفوت على رجل قانون كالمستشار العجاتي، ورجل أمن كاللواء سعد الجمال- وهو صديق ولسنا أقرباء- أن الأمر ليس متصلا بتلوث الأيادي بالدماء والعنف وإنما متصل بأصل الفكرة والاعتقاد الأيديولوجي والبنية السياسية والأطر التنظيمية لكل ما ومن هو زاعم أنه مستند لمرجعية دينية، يتساوى في ذلك الإخوان والجهاد والسلفيون ومن على شاكلتهم!

إنني أدعو المستشار العجاتي واللواء الجمال لأن يفصحا للأمة عن "الطبخة" التي قد نكون جميعا آخر من يعلم بـ"الخلطبيطة" التي تعد للإنضاج، وما هي مكوناتها ومحسنات طعمها ولونها وما هي آثارها المرتقبة، خاصة أننا- والضمير هنا يعود على الكاتب ومئات من الكتاب والمفكرين والصحفيين وملايين من المواطنين- خضنا معركة المواجهة مع الإخوان.. بعضنا مثلي خاضها منذ عشرات السنين، وبعضنا خاضها بعد أن أدرك حجم وعمق خطورة هذا التيار الرهيب على الأمة!

إنني أشك أن سيادة المستشار العجاتي كان منخرطا بحال في النشاط السياسي الطلابي أثناء وجوده في الجامعة، فربما كان مشغولا بالمذاكرة والتفوق أملا في النيابة والقضاء، والحمد لله جاءته النيابة والقضاء والوزارة كمان، وأشك أن اللواء الجمال كان له نشاط طلابي سياسي وهو في كلية الشرطة ولا وهو ضابط صغير، لأنه عرف طريق السياسة بعد ترك الخدمة ونزول الانتخابات النيابية، وبالتالي فإنهما كليهما لم يكتويا بنار التطرف الديني أثناء الدراسة، ولا بعدها بحكم المهنة أيضا، فلا عضو الهيئة القضائية ولا الهيئة الشرطية لهما حق العمل بالسياسة!

ثم إنني قد لا أشك في أن كليهما طالعا رسائل حسن البنا وكتب سيد قطب ومراجع الفكر الجهادي، إن كان يسمى فكرا، ولذلك فأنا واثق فيما إذا كانا قد اطلعا على ما سبق واستوعباه فإنهما لا بد أن يراجعا حكاية المصالحة هذه، لأنه ثبت- وعبر تجربة طويلة- أن هناك أنواعا من القناعات الأيديولوجية لا يمكن التعايش معها حتى إن وجدت، وحتى إن سرت عليها قاعدة أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر.. والتجربة التي أعنيها هي تجربة مئات من المفكرين والمثقفين والمهتمين بالعمل العام وبمستقبل الوطن ضمن أطر جمعت القوميين من ناصريين وبعثيين، والماركسيين والليبراليين مع الإخوان ومن سموا بالإسلاميين المستنيرين، ووصل الحوار إلى مناطق واسعة في اهتمامات كل الأطراف، وبمجرد أن اقترب الإخوان من السلطة ثم بمجرد أن جلسوا على كراسيها غلب الطبع التطبع وتحقق المثل القديم: "نهيتك ما انتهيت والطبع فيك غالب.. وديل الكلب ما ينعدل ولو علقت فيه قالب"! إنها تجربة حافلة بتفاصيل أتمنى أن ترصد وتكتب وتحلل وتستخلص منها العبر والدروس!

المصالحة مع حرامي سابق واردة إذا رد المسروقات وأوفى بالمتطلبات القانونية، لأنه لن يعود بوجهه الكالح الموصوم الذي تم تجريسه، وهو يعلم أنه مهما كانت وجاهته وشياكته وكثرة فلوسه فإن الناس كلها تعرف أنه الحرامي الذي ليس لديه مرجعية أخلاقية يستند اليها لتبرير فعله!
أما المصالحة فهي مستحيلة مع من يعتقد اعتقادا جازما أن ما قام به من قتل وتدمير وتخريب وإهلاك للبلاد والعباد إنما كان تقربا لله سبحانه وتعالى وأنه فرض عين على كل من علم مشروعيته، أو على الأقل فرض كفاية يقوم به من لديه العلم والوعي والاستعداد، ومع من يعتقد أن دينه وحده هو الدين الصحيح وما عداه باطل حتى إن أدى الآخرون أركان الدين وأدوا فرائضه ونوافله وعاملوا الناس بخلق حسن!

جناب المستشار وحضرة النائب اللواء أفصحا للأمة عما يتم طبخه، لأننا الذين سندفع الثمن، وربما عادت الوزارة والنيابة إليكما في ظل الإخوان أيضا.
                             
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 22 يونيو 2016.

Thursday 16 June 2016

About cultural discourse




I postpone to the next week what I started tackling regarding what I called the salafist serpent which produces the terrorists whom they call themselves Jihadis, the thing that appeared the most in the confessions of those accused of killing policemen in the massacre that took place in Helwan and who were arrested. Those accused said they started by adopting the salafist ideology and later they changed into what they called the Jihadi ideology.

I will publish some comments I received regarding that issue including some that I think they represent an important addition to what I wrote and also reveal a deep understanding and awareness of the subject. I will also point to the laws applied by the state of the United Arab Emirates regarding discrimination of all kinds and what has to do with accusing others of blasphemy. My friend Mr. Ghassan Tahboob, the journalist and Arab thinker has generously acquainted me of the Emirati law regarding this aspect.

As for today, we talk about the current debate regarding the cultural discourse and renovating it. This discourse which I think is the stem holding all other branch discourses whether Dawaa, political or sociological since culture, in the broad meaning of the word, exceeds literature and arts to all aspects of life. I here say and believe we shall not expect any renovation in the cultural discourse unless we settle the matter concerning those responsible for the cultural aspect here in our country!

It’s logical that we here mean those working in the ministry of culture and its agencies in the first place. However, they are not the only responsible; they represent a part of what we call the cultural domain and so there are other parties that can be added to the ministry along with its agencies to have a complete responsibility and at this point I mean all civil society institutions including political parties, communities, syndicates and clubs. Adding to all this are private gatherings where some people concerned in a specific matter meet to talk about the public interest like cultural saloons which have turned into a social style where elite people of the society seek to join and brag of those whom they host as periodic guests!

Now, someone may say: “you widened the circle, sir and so no one will claim responsibility”. I say what I really care for is comprehensive renaissance in the society; meaning to work hard to achieve what other nations and societies could achieve before through ages and we also tried to achieve in previous eras; I’m calling for the living social forces which proved to be still alive and capable of moving to move again, like what happened in the two revolutions of January 25th, June 30th, in between them and before them; at least since 1972; those living social forces which massed and took to the streets to achieve a deep-rooted comprehensive renaissance in the Egyptian reality from bottom up.

When we ask about those who orchestrate such perceivable comprehensive renaissance and coordinate between the entities I mentioned before, my answer is: definitely, not the ministry of culture which I claim I know a little bit about its head; meaning the minister whom I met and knew and may be knew him very well since he was an editor in a specialized magazine and seeking to move to another one more famous and wide spreading. I also claim I know some about its grassroots; meaning those professionals who can easily combine between intellectuals’ gibberish and nastiness of bureaucrats and profiteers! I wish someone have the courage to open the black box of that ministry in Egypt and who can also detect all its accomplishments, positive points, negative ones, and defaults in order to find the right way to participate in achieving the comprehensive renaissance we seek.

I also believe that the whole matter begins when the whole society and nation is willing to adopt such spirit seeking comprehensive renaissance, so that we can all know that we have one common target which we all seek to achieve despite our diversities, differences and ideologies. For example, in Israel, the society has one clear target; that is “Israel, the strong advanced and excelled state over all its neighboring countries”… everyone there works hard to achieve that goal even if they appeared to be disagreeing and clashing to the extent of hating each other in that society! But when it comes to the state and how strong and developed it is… they all unite in one.

Some of our elite intellectuals have already gathered all their experiences, mental power and knowledge they have with every one of them coming out with a written project depicting the prospected cultural renaissance; meaning they all could diagnose the illness and write prescriptions along with all the details associated and required for the culture well-being. However, it didn’t work out and I think the reason is very simple; no matter how clever and well-updated to the latest in his field the physician is, he will not be able to cure his patient unless the latter is ready for this and is situated in an environment that can help him recover.

In our national history, we had no specific “cultural prescription” that was adopted and followed by Tharwat Okasha for example when he was minister of culture. However, we had that spirit to achieve renaissance that prevailed in all elements and parts of the society when Fawa’aliya[1], technicians and engineers responded to the challenge and worked day and night in the construction of the High Dam. Others also worked in Iron and Steel industry… in Steam Boilers … and so on until we reach the grassroots’ level in public yards and cultural palaces ….

That spirit that made Salah Jahin write songs dreaming of marble statues overlooking small canals of the River Nile… with Kamal et-Tawil, Muhammed el-Mogi, Ali Ismail, Abdel-Halim Hafez composing and singing… whatever you think of what happened and whether it led to the catastrophic defeat in 1967 or whether this war was waged to put an end to such spirit… you can never but agree that the idea of the collective high spirit prevailing in the society was the main point, like what happened earlier after the 1919 revolution. It was not a written prescription that inspired Mahmoud Mukhtar and the rest of the pioneers in novel, poetry, scientific research, and even pushed in the way of renovating ideas whether liberal or Marxist and later the nationalist ideology… it was that spirit that also pushed in the way of discussing what was considered taken for granted heritage phenomena like the Caliphate and others… It was the spirit prevailing in the nation bottom up!

There have been a lot of examples and models that have proved once this renaissance spirit prevails, what I call the renaissance attitude is the first to be achieved… meaning all trivial side disputes disappear and desire to meet and integrate gets stronger… crime disappears… people watch each other’s back… people care about cleaning the streets and squares… people prefer each other in food, drink and smoking too!! It’s what we all have witnessed when this spirit was evident during the revolutions of Jan 25th and June 30th.

The question still persists: who is the one responsible for calling such spirit and how can we transfer and spread this in the whole society?!

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Al Ahram newspaper on June 16, 2016.

To see the original article, go to:

#alahram #ahmed_elgammal #Egypt #culture




[1] Fawa’aliya: (Arabic: الفواعلية) people working in simple construction tasks that needs no skills like smashing down a wall or lifting demolished buildings’ wreckage or rubbish. These people suffer very bad conditions in Egypt as they have no medical or social insurance. They have no syndicate to represent them or advocate their rights.

فاصل عن الخطاب الثقافي




أؤجل للأسبوع المقبل استكمال ما بدأته حول ما أسميه الأفعى السلفية التي تفرخ العناصر الإرهابية التي تسمي نفسها جهادية، وهو ما ظهر جليا في اعترافات المتهمين الذين قبض عليهم في جريمة مذبحة رجال الشرطة بحلوان، حيث قال المتهمون إنهم بدأوا بالانضمام للفكر السلفي ومنه إلى ما أسموه الفكر الجهادي، وما سأستكمله هو نشر بعض التعليقات التي وردتني حول القضية، وفيها تعليقات أراها إضافة مهمة لما كتبته، وتكشف عن وعي وإدراك عميقين بأبعاد الموضوع، كما أنني سأشير إشارة وافية إلى ما تطبقه دولة الإمارات العربية المتحدة من قوانين تتصل بمسألة التمييز بكل أشكاله ومضامينه، وأيضا بما يتصل بتكفير الآخرين، وقد تفضل الصديق الأستاذ غسان طهبوب الصحفي والمفكر العربي مشكورا بإطلاعي على القانون الإماراتي في هذا الصدد، وما أود أن أتحدث فيه اليوم هو الجدل المثار حول الخطاب الثقافي وتجديده وهو الخطاب الذي أرى أنه الأصل المتفرع عنه بقية الخطابات من دعوية وسياسية واجتماعية، لأن الثقافة بمعناها الواسع، تتجاوز الآداب والفنون إلى كل مناحي الحياة، ولا أظن أن تجديدا يحدث في الخطاب الثقافي ما لم نناقش المدى الذي نطبق فيه عبارة "فاقد الشيء لا يعطيه" على القائمين على الشأن الثقافي في هذا الوطن!

ومن الطبيعي أن يتجه النظر إلى وزارة الثقافة وهيئاتها بمجرد أن نقول "القائمين على الشأن الثقافي" وهذا صحيح، غير أن صحته لا تنفي أنه جزئي لا يستوفي المقصود بالشأن الثقافي، ومن هنا فإن جهات أخرى تضاف إلى الوزارة وهيئاتها ليكتمل الحديث عن المسؤولية ومن هذه الجهات كل تكوينات ما يسمى بالمجتمع المدني من أحزاب وجمعيات ونقابات ونواد، وأيضا التجمعات الخاصة التي يلتقي فيها أشخاص يجمعهم رابط ما للحديث في الشأن العام، مثل الصالونات التي أضحت نمطا ـ ولا أقول "مودة"ـ اجتماعيا يسعى للانخراط فيه وجهاء المجتمع ويتباهون بمن يستضيفونهم بشكل دوري!، وهنا قد يقول قائل: "لقد وسعتها وإذا اتسع النطاق تاهت المسؤولية"، وأقول إن القضية عندي هي قضية النهوض الشامل في المجتمع، أي السعي لتحقيق ما سبق وأن حققته أمم ومجتمعات أخرى عبر الزمن، وحاولنا نحن تحقيقه في حقب معينة، بحيث تتحرك القوى الاجتماعية الحية التي أثبتت أنها موجودة وقادرة على الحركة، مثلما جرى في يناير وفي يونيو وما بينهما، بل وما قبلهما على الأقل منذ 1972 باتجاه نهضة مجتمعية شاملة متجذرة في الوجود المصري من "ساسه لراسه" كما يقولون، أي من أساسه لرأسه.

عندئذ نسأل عمّن الذي يقود هذه "الأوركسترا" النهضوية الشاملة، وينسق بين الجهات التي ذكرتها، والإجابة عندي وبالقطع، ليست وزارة الثقافة التي أزعم أنني أعلم شيئا عنها من رأسها، أي السيد الوزير الذي التقيته وعرفته وربما عجنته وخبزته منذ كان محررا في مجلة نوعية يسعى للانتقال إلى أخرى أكثر شهرة وانتشارا، إلى "ساسها"، أي دهاليزها التي يتحكم فيها محترفون يجيدون وبسهولة تامة الجمع بين رطانة المثقفين وبين عفانة البيروقراطيين والمستفيدين!، وأتمنى لو تحلى أحد ما بالشجاعة الكافية لفتح ملفات وزارة الثقافة في مصر ورصد ما فيها من إنجازات وإيجابيات، وأيضا ما بها من عوار وتقصير وسلبيات، وصولا لرسم سبل المساهمة في ذلك النهوض الشامل.

إنني أذهب إلى أن الأمر يبدأ من تهيئة الأمة لتشيع فيها روح السعي للنهوض الشامل، فنعرف أن لنا هدفا محددا واضحا نسعى كلنا بتنوعاتنا واختلافاتنا والتقاءاتنا لتحقيقه.. وعلى سبيل المثال فإن مجتمع الدولة العبرية "إسرائيل"، يعرف أن هدفه الواضح هو "إسرائيل القوية المتقدمة المتفوقة على كل جيرانها مجتمعين".. والكل يسعى لذلك حتى إن بدا الاختلاف والصدام لدرجة الكراهية بين بعض مكونات ذلك المجتمع!، فالكل هناك يصبح في واحد عندما يتصل الأمر بالدولة وقوتها وتقدمها.

ولقد سبق وأغلق بعض كبار مثقفينا أبواب مكاتبهم واستجمعوا كل قوتهم وطاقاتهم الذهنية والمعرفية، وخرج كل واحد منهم بمشروع مكتوب للنهوض الثقافي، أي أنه استطاع تشخيص الداء وسعى لكتابة وصفة الدواء ومعها كل التفاصيل التي يجب مراعاتها للتعافي الثقافي.. ومع ذلك لم يفلح الأمر والسبب عندي بسيط جدا، وهو أنه مهما كان الطبيب حكيما نطاسيا مطلعا على كل ما هو أكثر حداثة في مجاله، فإنه لن يستطيع تحقيق شفاء مريضه ما لم يكن الأخير مستعدا وفي بيئة تساعده على تحقيق استعداده للشفاء، وفي مسارنا الوطني لم تكن هناك "وصفة ثقافية" محددة مضى عليها ثروت عكاشة مثلا في وزارة الثقافة، لكن كانت هناك روح النهوض السارية في مفاصل وخلايا المجتمع، حيث الفواعلية والفنيون والمهندسون يستجيبون لتحدي الطبيعة ويسعون ليل نهار لبناء السد العالي، وغيرهم في الحديد والصلب، والمراجل البخارية، وهلم جرا إلى الوحدات المجمعة والساحات الشعبية وقصور الثقافة وغيرها، الأمر الذي جعل جاهين يكتب حالما بتماثيل رخام على الترعة، والطويل والموجي وعلي إسماعيل وعبد الحليم والبقية يلحنون ويغنون.. أيا كان الرأي فيما جرى آنذاك، وهل كانت محصلته هي الهزيمة الفادحة في 1967 أم أنها كانت للقضاء عليه، إلا أن فكرة الروح السارية هي الأساس مثلما تجلت في حلقتها الأولى الأساسية عقب ثورة 1919 فلم تكن وصفة مكتوبة هي التي ألهمت مختار ولا بقية الرواد في الرواية والشعر والبحث العلمي، بل وفي الاندفاع نحو أفكار التجدد بشقيه الليبرالي والماركسي ومن بعدهما القومي، بل الاندفاع نحو مناقشة ما قد ترسخ أنه مسلمات تراثية كالخلافة وغيرها، وإنما كان الأمر روحا سارية في مفاصل الأمة وخلاياها!

إن هناك العديد من النماذج التي أثبتت أن تلك الروح النهضوية عندما تسري فإنها تحقق أول ما تحقق ما أسميه السلوك النهضوي.. يعني تختفي الخلافات الجانبية التافهة.. ويشتد النزوع للالتقاء والتكامل.. وتختفي الجريمة الجنائية.. ويسهر الناس على أمن بعضهم البعض، ويعنون بتنظيف الشوارع والميادين ويؤثرون غيرهم على أنفسهم في المطعم والمشرب وأيضا التدخين!!، وهذا ما تجلى في موجات سريان الروح إياها خلال ثورتي يناير ويونيو! ويبقى السؤال قائما: من الذي يحمل على عاتقه استحضار روح النهوض وكيف يمكن أن تسري في الجسد الاجتماعي؟!
                               

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 16 يونيو 2016

Wednesday 15 June 2016

Healthy nostalgia




It seems like last week’s article has triggered nostalgia at tens of readers who honored me with their comments… in addition to hundreds others who pointed that they read the article.

First, I’d like to say that I know how little I am compared to the intellect and experience of some who honored me with their comments… I also know that contributing to the dialogue is mostly because the idea being discussed is important to those commenting and really touches a nerve in their human composition…

So here we ask: why have many intellectuals and other public interest involved people become more passionate about what is written in sociology, cultural and civilized aspects and human interactions including memories than what is written in politics?

The answer can definitely have many interpretations… first of them is that some have a psychological or psycho-sociological explanation as they consider the matter an escape from the burdened bitter reality and its nearly-blocked horizons… and so they consider it a symptom for an illness that hits societies in weakness or transformation eras… and so those societies possess a state of unhealthy nostalgia for past times.

There are other answers including one I personally believe is right; the matter is connected to what may look like organic diseases when body is in need of “Stem cells”… and also like in historical cases when society is in need of recalling its high spirit and strong will by recalling points of power in its history…

In our case, “Stem cells” are moments in our history that represent the civilized existence which we accumulated through thousands of years and which we used to refer to in all our history phases in the form of cultural and social traditions… those traditions that represent our identity… and that’s why we take care and yearn to those practices and traditions, simply because we have a great interest in the interactions of our Egyptian sociological existence through ages.

Many cannot resist their nostalgia to wander in the alleys and streets of Coptic and Islamic Cairo with mosques, cafes and markets lying here and there… those places where you see buildings belonging to past eras dating back to the time when the Egyptians first believed in Christianity during the Roman empire and later in Islam during Islamic Fath, Umayyad dynasty, Abbasid dynasty... etc...

There is also another kind of nostalgia… that one when you feel you want to wander in the same places which you knew very well and played in during your childhood or early youth… for example, I find myself interested in both kinds of nostalgia as I go walking from my office in Kasr en-Nil St. to Al-Azbakiya square and watch Ibrahim Pasha statue and read what is written on its base… then I recall the story of late journalist as-Sa’adani about “abo Esba’a” or “the one with the finger”…

The story starts when this area surrounding the statue was neglected… and so whenever it gets dark, pimps used to gather at night under the feet of the statue to practice their profession… and here came the name – as Ibrahim Pasha lefts his arm up and points with his finger to the West – “the one with the finger” denoting an bad figurative meaning… then I go directly to al-Attaba al-Khadra… then to Bab el-Khalq… Darb Sa’ada… and then to Gohar as-Sekelli or al-Azhar st. and then I stand a lot before the mosque of Sharaf ed-Din and his brother where I used to serve for long time in Mawaled of Imam al-Hussain bare-footed wearing Galabiya… I used to serve beans and meat porridge for Dervishes and visitors… I also used to handle ordering shoes at the entrance of the mosque…

Moreover, I used to take part in Hadra and reach the epic when I feel myself flying while the singer is crying and chanting: “Oh you my lord… fill my heart with light”… or when chanting the famous poem of Ibn el-Fared: “you are my prayers and rituals… you are my great interest…”… until he says: “in death, there is life… and in life, there is death”… then I go to al-Mo’aez st., by delving through the covered ally leading to Bait al-Qadi, to see the mausoleum of Imam al-Hussain.

On the other side; meaning the second kind of nostalgia, whenever I go to Tanta and my home village “Ganag”, I go directly to the alleys surrounding Sa’ad ed-Din st… those allies are very long and narrow that they are shadowed all day long… I remember when I used to walk in those allies and not the main street lest I might have been caught smoking while I was still a young boy… there, I have memories that have and will never be erased from my memory and which I have written about many times.

Such kind of nostalgia is healthy… it’s when you become aware of your national belonging and identity… when your Stem cells regenerate making your national immune system stronger in order to be able to stand against all the vicious present-time-Tatar attacks on our present and future… those attacks storming us under the false pretext that “our nation will have no good in its present time until it follows its past”!!

That’s how they confiscate our history, civilization and culture… but we have to stand firm against those attacks… first, by cherishing our glorious past and essence of our Egyptian cultural and civilized composition which have a distinct attribute… away from chauvinism… also, away from the unbias that makes treason a point of view.

Last week’s article has stirred debate over a range of subjects… over the art of writing… the Egyptian personality… characteristics of normal balanced family composition… traditions, habits and behaviors… over alienation in terms of psychology, sociology and culture… and that’s why I find myself in the dilemma of continuing to regenerate our sociological memory Stem cells on the expense of paying attention to our daily life problems… so please, help me.

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Almasry alyoum newspaper on June 15, 2016.

To see the original article, go to:


#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #national_identity #history #Egypt #nostalgia