Thursday 30 May 2019

ضوء على حملات التشكيك





هناك إصرار على تدمير المحور، الذي ترتكز عليه ومن حوله، الثقة بين من شاركوا في ثورة 30 يونيو وحرصوا على بقاء رمزها عبد الفتاح السيسي في موقع القيادة للفترة التي يحتاجها البلد كي ينطلق واثقًا من أرضية سليمة صلبة غنية إلى آفاق المستقبل وما تطلبه ذلك من تعديلات دستورية.. وبين نظام يونيو بكامل مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأيضا قمة قيادته.. وأعني بالمحور الذي أقصده نزاهة الحكم وشفافيته وإصراره على اجتثاث الفساد- مهما كان موقع الفاسد ومهما كانت درجته- واجتثاث الإهمال والتواكل، كمدخل بالغ الأهمية للقضاء على كل ما استوطن في المجتمع من معوقات للتنمية والبناء والتقدم.

ودون أن أدخل في تفاصيل حالات بعينها، لا لشيء إلا لأن هذا الدخول يعني ضمنا الترويج لما يراد الإصرار عليه، فإن الحملة الممنهجة المضادة تتجه إلى تثبيت شائعات واصطناع معلومات واختلاق وقائع.. ومن ذلك- على سبيل المثال وليس الحصر وبغير ترتيب زمني- تأتي افتراءات أن التغيير في مواقع قيادية رئيسية في أجهزة سيادية وفي القوات المسلحة يكشف عن شروخ وينبئ عن انفراد ونكران.. دون أن يتم الالتفات بالمرة إلى أن هناك قواعد للتغيير مستقرة وثابتة منذ أن أعيد بناء القوات المسلحة عقب هزيمة 1967 ومنذ أن أعيد تنظيم جهاز المخابرات أيضا، والأمر نفسه بالنسبة للرقابة الإدارية، وأن هناك درسا تاريخيا عميقا يؤكد لصاحب القرار أن ضخ الدماء الجديدة وتداول المواقع بين الكفاءات والاعتماد على دور المؤسسة وليس دور الفرد، الذي إن كان له تميز وتفرد فإن مكانه هو المؤسسة بقواعدها وضوابطها.. ولنا أن نتخيل الحملة التي كان يمكن أن تدار فيما لو لم يحدث التغيير ويتم التداول، لأنهم عندئذ كانوا سيتحدثون عن احتكار المواقع وعن شبكات المصالح وتوزيع المغانم إلى آخره.

ومن ذلك أيضا الكلام عن فساد في جهات معينة، والزعم أن هذا الفساد المستفحل في حجمه يستقوي بأسماء مسؤولين كبار في المجال الاقتصادي والمالي والسيادي، ومن خلال ذلك تسعى الحملة الممنهجة المضادة إلى طمس وتدمير ما تم ويتم من جهود جبارة شجاعة جسورة في مطاردة الفساد والمفسدين والفاسدين، حتى طال الأمر من شغلوا مناصب وزارية ومحافظين ومساعدي محافظين وكبار موظفين في أكثر من نطاق.. وبدلا عن الانتظار حتى تعلن أجهزة الرقابة والتحري والضبط ما لديها اعتبروها فرصة لا تفلت للتشكيك في نزاهة وشفافية الحكم ككل، وأن الأمر لا يختلف عن مراحل سابقة كان لا يسقط فيها إلا من لا ظهر له ولا حام!

ثم يأتي الكلام عن أزمات التعليم ومشاكله خاصة وبقية الخدمات عامة، وما إن يتم إنجاز مشروع كبير في شبكات الطرق والجسور أو في المدن والمجتمعات الجديدة أو غيرها إلا ويثار تساؤل يقول: ألم يكن من الأجدى إنفاق ما تم صرفه من أموال في تلك المشروعات على حل مشكلة التربية والتعليم التي أعلن وزيرها أنه لن يستطيع الإكمال من دون توفير مبلغ كذا؟! تساؤل يبدو في مكانه وزمانه لأول وهلة، ولكنه بقليل من التروي والفهم نجده- في أحسن الأحوال- صادرا عن حسن نية وحرص من البعض على ترتيب الأولويات، ولكنه عند أطراف الحملة إياها يعمد إلى خلط الأوراق وإلى إقامة تضاد وتصادم بين أولويات وأسس الانطلاق نحو مستقبل سليم.. وهذا يذكرني بالذين عمدوا- في فترة سابقة من تاريخ مصر- إلى طرح تساؤلات خبيثة مغرضة حول برج القاهرة والسد العالي ومساندة الشعوب التي تسعى للتحرر في الوطن العربي وفي إفريقيا، فرأيناهم وسمعناهم وما زلنا نراهم ونسمعهم يقولون ألم يكن الأجدى هو إنفاق هذه الأموال في مجالات يحتاجها المواطن المصري في خدمات التعليم والصحة والطرق وغيرها؟!

إنهم يتعامون، سواء الذين يصدرون عن حسن نية وحرص على ترتيب الأولويات أو الذين يتحركون لهدم كل شيء- يتعامون– عن أن هناك خططا وضعت لتطوير البنية الأساسية، ومنها الطرق والجسور، لأنها في كل دول العالم- الذي تقدم والذي يسعى للتقدم- أساس لا يمكن الاستغناء عنه أو تأجيله أو تجزئته لإحداث نقلات كيفية في الاستثمار والتصنيع، وحل مشكلة التكدس فيما لا يزيد على ثمانية إلى عشرة بالمائة من مساحة مصر، وهو التكدس الذي انعكس سلبا على التعليم والصحة وغيرهما.. ناهيك عن أنه من دون هذه البنية الأساسية المستقرة على أحدث تقنيات العصر فلن نتمكن من تدبير الموارد لسد احتياجات التعليم وغيره، وهي احتياجات تتزايد طرديا مع ازدياد عدد السكان الرهيب، القادر على تعطيل أي قدرات تنموية.

إن المجالات التي لا تفلتها هذه الحملة متسعة باتساع حجم العمل والإنجاز الوطني الذي يتم في الداخل وفي العلاقات الخارجية، ولن أستطيع في هذه المساحة أن أذكر ما يقال في كل مجال، ولذا أختم بتساؤل لن أمل من تكراره والإصرار عليه، وهو: أين دور النخب الاقتصادية والمالية المصرية، ومعها نخب الفكر والثقافة والمجتمع المدني بوجه عام، من مهمة وطنية رفيعة هي تدبير احتياجات تطوير التعليم في مصر؟! أين هي مطابخ الأفكار العملية التي يمكن أن تتحول لمشاريع تجمع الأموال ابتداء من جنيه واحد إلى مليارات.. يعني من أبسط مواطن إلى أولئك الذين أُتخموا ثراءً من وراء أنشطتهم في مصر، ولن أقول من وراء خطفهم ونهشهم في جسد المحروسة، ليتم تدبير الأحد عشر مليار جنيه التي طلبها المسؤول عن تطوير التعليم لكي تتم المهمة؟!

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 29 مايو 2019.

بصمة السيسي في بناء الإنسان





تبقى قضية بناء الإنسان– ولن أقول معضلة بنائه– هي الشاغل الأكبر للبشرية عبر العصور، بل لا أبالغ إذا قلت إنها كانت وبقيت محور اهتمام الأديان والشرائع سماوية كانت أم قيل إنها غير سماوية، أي فيها قولان، ولذلك فإن من يظن أنها مهمة سهلة أو أنها محض حملات دعائية أو توعوية فهو غير محق.

ومن العام إلى الخاص سنجد أننا في المحروسة لنا هوية ولنا شخصية.. ولم يتوقف الحديث عقودًا من بعد عقود عن الهوية المصرية والشخصية المصرية، ويعلو الإيقاع كلما كنا في محنة أو في مرحلة تحول أو أيضًا في مرحلة انطلاق، وفي نظري فإن الإنسان المصري إذا كانت هويته وشخصيته في حالة سليمة غير مشوشتين ولا مهزوزتين فإن تعظيم بنائه وصقله وتجلية قدراته لمواجهة كل التحديات، يكون أمرًا واردًا ولن أقول سهلًا.

لقد كان للجغرافيا وللتاريخ الفعل الأول والأساسي في تأسيس وتركيب الهوية المصرية، وكان لهما وللمتغيرات التي تعامل معها الإنسان المصري الفعل الأول والأساسي أيضًا في ترسيخ الشخصية المصرية، وكان تحقيق الأمن والعدل في الوطن من حول النهر هو القاسم المشترك الأعظم بين كل المراحل، التي شهدت نهضة مصرية وتعظيمًا لدور المحروسة في محيطها المباشر، وفي الإقليم كله، وفي العالم القديم، وحتى المرحلة الحديثة والمعاصرة، وإذا تهدد الأمن واختلت موازين العدالة بالمعنى الأوسع والأشمل لكليهما، أي للأمن والعدل، فإن الهوية والشخصية المصرية تتعرضان للخلل، ويبدأ التحلل والاضمحلال لتعلو سطوة القيم والمسلكيات والمواقف السلبية والأنامالية والخلاص الفردي، والإضرار بالوطن، والوقوع في براثن الاختراق الخارجي لتصبح الخيانة وجهة نظر!

ولقد تجلت هذه المعادلة في مصر القديمة، خلال ما سمي بعصور الاضمحلال التي كان أولها بين عامي 2181 – 2055 قبل الميلاد، وثانيها بين عامي 1650 – 1550 قبل الميلاد، وثالثها بين عامي 1069 – 664 قبل الميلاد تقريبًا.

ثم كان أن تعرضت مصر للاحتلال الأجنبي من الفرس والإغريق ثم الرومان، وبعدها جاء الغزو العربي، ثم كان الغزو العثماني، إلى أن جاءت الحملة الفرنسية، وبعدها جاء الاحتلال البريطاني.. وكان القاسم المشترك بين تلك الحقب هو الاختلال الجسيم في معادلة الأمن والعدل، وظهر المتعاونون مع الاحتلال لدرجة أن تاريخنا الحديث عرف من أسموا أنفسهم بأصحاب المصلحة الحقيقية في التعاون مع الاستعمار البريطاني، وكانوا من كبار الملاك الزراعيين!

وإذا قفزنا باتجاه واقعنا الراهن فسنجد ترجمة حقيقية لهذا الذي أذهب إليه، حيث أعلن الرئيس السيسي، وهو رئيس منتخب بإرادة الشعب، أنه سيتجه إلى بناء الإنسان، ولذلك كانت مرحلة التأسيس لهذا البناء بتحقيق الأمن والسعي لتحقيق العدل، وخاضت مصر وتخوض منذ 2013 حربًا حقيقية على جبهات خمس لتحقيق الأمن، لأن التهديدات والعدوان يأتينا من الشرق في سيناء، ومن الغرب من ليبيا، ومن الجنوب بتهريب الأسلحة والإرهابيين وتهدد مياه النيل، ومن الشمال بالهجوم من منظمات ومؤسسات تزعم الوصاية على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم الجبهة الخامسة في العمق، حيث لم يترك الإرهاب والفساد وتجار المخدرات مساحة فيه إلا حاولوا التمركز فيها لتدمير الأمن ومن ثم الإنسان.

ولم تكن المشروعات العملاقة في أكثر من مجال ومعها التصدي لمشاكل متراكمة كالعشوائيات وكالأمراض الوبائية الرهيبة، إلا خطوات تأسيسية لإقرار العدل بوجه عام والعدل الاجتماعي بوجه خاص.

إن مصر منذ 2013 تحاول تمتين مداميك الهوية والشخصية المصرية مدماكًا بعد مدماك ولبنة بجوار لبنة أخرى، ومازلت أذكر وفي الوقت نفسه أعظّم ما تم لاستنهاض الهمة المصرية، عندما تمت مناشدة شعب مصر للمساهمة في مشروع القناة الجديدة وتعمير المنطقة هناك، واستجاب الناس، وتم جمع أكثر من ستين مليار جنيه في زمن قياسي، في الوقت الذي تقاعست فيه ما يسمى بالرأسمالية المصرية عن المهمة، ليلعو صوت الإرادة الجمعية المصرية، وكأنه يقول بالبلدي "رقبتنا سدادة"!

لقد كان استنهاض الهمة والمكاشفة بحجم وعمق التحديات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، هما أول خطوة باتجاه إعادة بناء الإنسان في مصر.. وتسارعت الخطوات بما أُعلن في مجال الصحة العامة وصحة الأجيال الطالعة، وحماية الغارمين والغارمات وتجلية وتعظيم دور المرأة المصرية، والانطلاق في بناء القدرات العسكرية المصرية بحاملات الطائرات، والطائرات الحربية الحديثة، والقواعد العسكرية الوطنية، وتنوع مصادر السلاح، وتوازن ونجاح العلاقات الدولية الخارجية، ورفض الأحلاف، وغير ذلك الكثير، خطوات جادة في بناء الإنسان، سواء بالتركيز على قطاعات معينة لتصبح قاطرات قوية تشد مع غيرها الجسد الاجتماعي كله، أو بإبراز قيم ومعانٍ عالية المضمون، ليبدأ العقل الجمعي بالتعامل معها، فيزداد توقدًا وإشعاعًا.

ولأنها مهمة غير سهلة، ولن تستطيع الدولة وقيادتها وحدهما تحقيقها بشكل أمثل، فإن هناك دورًا مهمًا وحيويًا لقطاعات النخبة المصرية الممتدة في مجالات الفكر والأدب والفن والجامعات والبحث العلمي، ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، ومؤسسات التدين كالمساجد والكنائس.. وأيضًا النقابات والجمعيات العلمية وأيضًا الأفراد من المفكرين والكتاب وغيرهم.. وهو دور مازال غائبًا، أو على الأقل منقوصًا بشكل فادح، والحديث في ذلك وعنه يطول، غير أن الحيل مهدود وألم الفقرات مهول، وكل رمضان وأنتم بخير.

نشرت في مجلة الهلال عدد يونيو 2019.

Tuesday 28 May 2019

التنطع.. والاستنطاع





عندما استقر في وجدان وعقل من عاشوا في القرن الرابع الهجري تقريبا، أن الفقه لم يترك مسألة إلا وتعرض لها وتصدى للفتوى فيها، بما في ذلك المسائل الافتراضية التي تبدو وكأنها مستحيلة الحدوث، أعلن عن إغلاق باب الاجتهاد وتم الاكتفاء بما تراكم من اجتهادات وفتاوى، ومن ثم حدث الركود والتخلف الذي عانت منه المجتمعات المتخذة من الفقه الإسلامي مرجعية لحياتها، ولم يفطن الذين ينتقدون هذا الركود والتخلف أن من أحد أسبابه الجوهرية- وربما كان سببه الرئيسي والجوهري- هو ما سمي بالتنطع الفقهي، ومثاله على سبيل المثال في سياقنا هذا، هو أن الفقهاء افترضوا مسألة تقول لو أن مسلما نوى الصيام وبات وقد علق في حلقه خيط من كنافة فما الحل، لأنه لو ابتلعه فقد أفطر ولو تقيأه فقد أفطر؟.. ثم مثال آخر حول حكم حامل قربة ممتلئة بالفساء هل لو تسرب ما فيها وهو يحملها ينتقض وضوؤه أم لا ينتقض؟!.. وعلى ذلك المنوال امتدت واتسعت مساحة التنطع الفقهي الذي نعيش بعضا ليس يسيرا من ملامحه ومعالمه الآن، ومعه تنطع من نوع آخر أراه مماثلا له في خطورة آثاره على عقل ووجدان المجتمع، إن لم يكن أشد خطورة، وهو ما أسميه التنطع التاريخي، حيث تكاثرت بشكل وبائي حكاية وضع الافتراضات لإعادة مناقشة وقائع وأحداث ومواقف وسياسات جرت وتمت في مراحل سابقة، ومع هذا اللون من التنطع يأتي لون آخر من ألوان الإعاقة المعرفية، قد أسميه الاستنطاع الذي تمارسه أقلام يذكرني أصحابها بحكاية الكومبارس الذي حكمت عليه موهبته المنعدمة وطاقته الذهنية عصامية ثقل الفهم وضحالة المعرفة، أن يبقى مهمشا يدور من حول الكومبارس الأقدم منه ومن حول النجوم، دوران التابع موضع الإشفاق والتندر، ثم تجده يخترع حكايات يظن أنها ترفع من شأنه وتلقي في روع من لم يعرفوه أنه كان مهما، ومنها أنه يتنحنح بخشونة تنم عن خلل في بلعومه وقصبته الهوائية فيسألونه إشفاقا: سلامتك ما أصابك؟ فيرد من فوره: أصلي بالأمس كنت سهران في جلسة ضيقة مع محمود وفريد نراجع الورق، وفجأة طب علينا بدون سابق موعد توفيق وحمدي بدعوى أنهم سيذهبون لفاتن، وأنهم حرصوا على أن نكون معهم، فاضطررت أن أختلق مشكلة ورفعت صوتي لكي يتركونا!!.. ويسأله من يعرفون ضعف قدراته حتى في الكذب: من هم محمود وفريد وتوفيق وحمدي وفاتن؟! فيرد من فوره: المليجي وشوقي والدقن وغيث وحمامة!!.. وعندئذ يكون الضحك والتعليق الإسكندراني هو المتاح!

إن المتنطعين في التعامل مع التاريخ كعلم، لا يدركون أن مد خيط "لو" في الماضي كله، ابتداء من لحظة المشهد الأول لاستخلاف آدم وليس انتهاء بأحداث ثورة يناير مثلا، سيكون حالة فريدة من حالات المسخرة العقلية!! تخيلوا متنطعا يسأل: ماذا لو استمع الله سبحانه وتعالى لرأي الملائكة الذين قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ولم يسلح آدم بالعلم ليستخلفه في الأرض.. وماذا لو لم يستجب الله لرغبة إبليس في أن يكون من المنظرين إلى يوم يبعثون وحيازته القدرة على أن ينفذ لذرية آدم لدرجة أن يسري في دمائهم داخل عروقهم؟!.. طبعا هناك عشرات الإجابات يمكن أن تأتي على الأذهان في حال الموافقة على أنها فرضيات سليمة!

وإذا مضينا في الفرضية مع آدم وحواء وإبليس والحية في الجنة ومع قابيل وهابيل، إلى كل ما في معارفنا من ميتافيزيقا ومن أحداث تاريخية، لنصل فنتساءل مفترضين: ماذا لو قام ثوار يوليو بتصفية عضوية جسدية للطبقة إياها ولم تكتف بتصفية مصالحها؟! وماذا لو كانت ثورة يناير 2011 دموية كاسحة انقضت فيها الجموع على قصور ومعازل وعزب ومزارع ومصالح وأشخاص قيادات الحزب الوطني ورجال الأعمال وغيرهم، لتجتثهم عضويا مثلما فعلت ثورات أخرى عرفتها البشرية من قبل، بل مثلما حدث في العراق عندما تم تدميره وإعدام رئيسه وأركان نظامه وفق فرضية استنطاعية قالت إن العراق يملك أسلحة نووية؟! ولقد سبق وكتبت في هذه المساحة منذ فترة لا أذكر مداها، أن هناك منهجين للسلوك البشري في حالة التعرض للخطف والاغتصاب.. منهج يقول لا تستسلم وقاوم وإن مت في سبيل كرامتك وشرفك، وسيكفيك شرفا ومجدا أن ذويك سيفخرون بك صلبا مقاوما، ومنهج آخر يقول إذا لم يكن هناك بد من أن تغتصب وإلا ستموت فاقبل واستمتع بدلا من أن تقاوم وتموت وما ستكسبه سيعود على ذويك، إذ ليس بالشرف وحده يحيا البشر!!.. وإننا لنجد المنهج الثاني يشيع الآن على يد المتنطعين ليس فقط فيما يتعلق بواقعنا الراهن ومستقبل وطننا، وإنما هم يفرضونه بأثر رجعي على حقبتي الخمسينيات والستينيات المنصرمتين.

ومن عجب حتى نفاذ القدرة على التعجب أن من يمارسون هذا اللون من التفكير ويعمدون على إشاعته في مجال الصحافة والإعلام، ليصيبوا الرأي العام بلوثات من التفكير غير العلمي، تراهم يحرصون على الزعم بتطبيق أحدث صيحات المناهج والتطبيقات العلمية في مجال نشاطهم الاقتصادي، وهي مناهج وتطبيقات لا تسمح بإقامة المندبات وإطلاق الصرخات على لبن مسكوب أو على أخطاء وقعت!!

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 28 مايو 2019.

Thursday 23 May 2019

Ramadan break



Ramadan is generous… of such generosity is the ample time to read, and to reread what one has already read before… it happened that due to my study circumstances in the history department, then post-graduate studies, and after this, working in the research centre for the middle east, then getting jailed, then my long travel; first to London, then to the UAE, not to mention that writing became my profession… all this helped me to stick to books all the time, and to reread the resources and reference books until my hand reached, I don’t know how many times, to the book “al-Mawa’az w al-‘atebar bezekr al-Khetat w al-Athar” known as Al-Maqrizi Plans authored by the great Taqi ad-Din Ahmed ibn Ali Al-Maqrizi…

It also happened that I came from my residence place in Tagamo’a to my office, I went through a new excellent road; the one paved between Al-Moshir Axis and the beginning of October bridge in Ramsis street penetrating – I think – what was known as the Red Mountain! Every fair unbiased person should be proud of such road as an achievement itself, also as a part of many roads, bridges, airports, ports and water canals that were once ideas for projects then turned into a living reality we witness to ease our life and save time, fuel, economy and nerves! I believe all those achievements deserve another article that talks of nothing else but them!

I kept thinking for hours about the Red Mountain and al-Mokattam, as the one passing in the very beautiful new road between New Cairo and Abassiya coming from Tagamo’a, will find al-Mokattam hills standing on his left side; above those heights reside what I think is called the earthquake housing units.

I was surprised when I stretched my hand to Al-Maqrizi Plans book; which was among a pile of books that I put aside for I may read them in Ramadan… I found a title called “The Red Mountain” in page 354 of the book published by Madbouli bookstore. Under this title, the great Al-Maqrizi said in his own words and information available at that time: “this mountain overlooks Cairo from the north east. It is known as al-Yahmoum[1]. Al-Qada’ai said that al-Yahameem[2] is the scattered mountains overlooking Cairo from the eastern and middle side. These mountains stretch until they reach some of the roads in the middle of the city. They were called al-Yahameem due their different colors. In Arabic, al-Yahmoum means the dark black.

Ibn Abdel-Hakam said, citing Saied ibn Ubaid, that when he came to Egypt, he found that the Egyptians made a praying area along Sakiet Abi ‘Awn that lies in al-‘Askar. He then said: why have they made their praying area in the cursed mountain, and left the sacred one (al-Mokattam he means)?

Ibn Abdel-Zaher said: The Red Mountain. Al-Qada’ai said that al-Yahmoum is the mountain overlooking Cairo, and I see no other mountain looking over Cairo but this one.

Al-Bakri said: al-Yahmoum. Al-Harbi said: al-Yahmoum is a mountain in Egypt. Abu Qubail said, citing Abdullah ibn Amr: that he asked Ka’ab about al-Mokattam: is it cursed? Ka’ab replied: No, it is not, but it is sacred from al-Qusair to al-Yahmoum.

Al-Bakri also mentioned that: it is a mountain in Egypt before al-Mokattam.

And so we can see that the Red Mountain was cursed by the ancestors while al-Mokattam was sacred. This point needs more elaboration by the great al-Maqrizi in his own words and information available at that time (born about 1364 and died 1442 A.D.). After he mentioned that the whole of Egypt’s land lies between two mountains; and one of them is greater than the other. The greatest is the eastern mountain known as Luka Mountain, and the western; a small mountain – meaning of low height – with some of it not connected, and that Luka Mountain in the east blocks as-Saba winds from coming to Egypt.

After he mentioned this, he came to mention al-Mokattam Mountain. That is sacred in our documented heritage. Here one can find extensive information that cannot prove correct after the scientific, geographic and geological evidences. For example, he said that al-Mokattam Mountain starts from the east in China where the ocean sea lies, and passes through Tatars’ lands, until it reaches Ferghana to al-Yotm Mountains extending to as-Send River… then this river goes with al-Mokattam along its course to Iraq where it joins al-Jodi mountain; the stop of Nouh’s Arc after the flood. Then it continues until it passes with Aleppo, then Homs, then Lebanon, and then extends to the Levant until it ends at the Red Sea from one side and connects from the other side; and here it is called al-Mokattam. Then it goes into branches, and the ends of those branches connect to the end of the west. It is said that it was known as Mokattam ibn Masr ibn Baisar ibn Ham ibn Nouh; peace be upon him.

Al-Maqrizi continues saying that al-Mokattam Mountain passes along the sides of the Nile reaching to Nubia and passes through al-Fayoum connecting to the west to Maqrawa land then it continues westwards to Seglmasa, then to the Ocean Sea in a 5-month walking distance!

After this comes what is even more humorously surprising, as al-Maqrizi cites what Ibrahim ibn Waseef Shah said: (He mentioned the arrival of Misraim ibn Baisar ibn Ham ibn Nouh to the land of Egypt): the companions of Eklimon the priest revealed Egypt’s treasures and sciences, written in al-Barabi calligraphy, and its monuments, minerals of gold, topaz, turquoise to the rest of that. They also described the art of Chemistry to them. And so, Misraim assigned this task to a man of his folks called Mokaitam the sage. This man used to practice Chemistry in the eastern mountain, and so it was named al-Mokattam after him. It was abridged to al-Mokattam Mountain; meaning the mountain of Mokaitam the sage.

Translated into English by: Dalia Elnaggar

This article was published in Al Ahram newspaper on May 23, 2019.

To see the original article, go to:

#ahmad_ahmed_elgammal #al_ahram #Egypt #mokattam


[1] It will be defined later in the article.
[2] Transliteration of the plural form of al-Yahmoum in Arabic

استراحة رمضانية





رمضان كريم.. ومن كرمه سعة الوقت للمطالعة.. ومن المطالعة إعادة قراءة ما سبق وقرأه المرء من قبل.. وقد شاءت ظروف الدراسة في قسم التاريخ، وبعدها الدراسات العليا، ومن بعدها العمل في مركز بحوث الشرق الأوسط، ومن بعده السجن، تلته الترحيلة لبلاد الافرنج، وبعدها الإمارات، ناهيك عن أن المهنة أصبحت الكتابة؛ أن أظل مجاورًا للكتب في الحل والترحال، وأن أعاود القراءة في المصادر والمراجع حتى امتدت يدي مرة لا أعرف عددها لكتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" المعروف بالخطط المقريزية، الذي ألفه شيخنا تقي الدين أحمد بن علي المقريزي.. ولأنني قدمت إلى مكتبي قادمًا من محل إقامتي في التجمع، وأمضي في طريق جديدة بالغة الجمال، تلك التي شقت بين محور المشير وبين مطلع كوبري أكتوبر في امتداد رمسيس، مخترقة- على ما أظن- ما كان يعرف بالجبل الأحمر! طريق يحق لكل منصف غير موتور أن يفخر بها كإنجاز وأيضا كجزء من سلسلة طرق وجسور "كباري" ومطارات وموانئ وممرات مائية، كانت أفكارًا لمشاريع ثم أصبحت واقعًا حيًا نعيشه لييسر علينا حياتنا وينقذ الوقت والوقود والاقتصاد والأعصاب! وأعتقد أن تلك الإنجازات تحتاج كتابة أخرى لا تحفل بأي أمر سواها!

المهم أنني ظللت لساعات أفكر في الجبل الأحمر وفي المقطم، لأن المار في الطريق الجديدة بالغة الروعة بين القاهرة الجديدة والعباسية يجد على يساره وهو قادم من التجمع تلال المقطم شاخصة، ومن فوقها مساكن أظنها تحمل اسم مساكن الزلزال. وكانت المفاجأة عندما وضع كتاب الخطط نفسه في متناول يدي ضمن مجموعة "رصة" كتب وضعتها لاحتمال القراءة في رمضان، إذ وجدت عنوانًا في صفحة 354 من الكتاب طبعة مكتبة مدبولي 1997 هو "الجبل الأحمر" وفيه يقول شيخنا المقريزي بلغة ومعلومات عصره: "هذا الجبل مطل على القاهرة من شرقيها الشمالي ويعرف باليحموم، قال القضاعي: اليحاميم هي الجبال المتفرقة المطلة على القاهرة من جانبها الشرقي وجبابها. وتنتهي هذه الجبال إلى بعض طرق الجب، وقيل لها اليحاميم لاختلاف ألوانها، واليحموم في كلام العرب الأسود المظلم.

وقال ابن عبد الحكم، عن سعيد بن عبيد، إنه لما قدم مصر وأهل مصر قد اتخذوا مصلى بحذاء ساقية أبي عون التي في العسكر، فقال: ما لهم وضعوا مصلاهم في الجبل الملعون، وتركوا الجبل المقدس (يعني المقطم)؟

وقال ابن عبد الظاهر: الجبل الأحمر، ذكر القضاعي أن اليحموم هو الجبل المطل على القاهرة، ولا أرى جبلا يطل على القاهرة غيره.

وقال البكري: اليحموم (بفتح أوله وإسكان ثانيه)، قال الحربي: اليحموم جبل بمصر، وروي من طريق أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو: أنه سأل كعبا عن المقطم: أملعون؟ قال: ليس بملعون، ولكنه مقدس من القصير إلى اليحموم.

وذكر البكري أيضا أن عابدا (بالباء الموحدة والدال المهملة، على وزن فاعل) جبل بمصر قبل المقطم".

هكذا كان الجبل الأحمر ملعونا عند القدماء، وكان المقطم مقدسًا، وهذا يحتاج إلى مزيد من شرح شيخنا المقريزي بلغة ومعلومات عصره (ولد حوالي 1364 ميلادية وتوفي 1442 ميلادية)، وبعد أن يذكر أن أرض مصر بأسرها محصورة بين جبلين، وأحدهما أعظم من الآخر، والأعظم هو الجبل الشرقي، المعروف بجبل لوقا، والغربي جبل صغير- أي منخفض- وبعضه غير متصل ببعض، وأن جبل لوقا في الشرق يعوق وصول ريح الصبا إلى مصر، يصل إلى ذكر جبل المقطم، الذي هو مقدس في تراثنا المكتوب، وهنا نجد العجب في فيض المعلومات التي لا يمكن أن تثبت أمام التمحيص العلمي الجغرافي والجيولوجي، لأنه يقرر مثلا أن الجبل المقطم أوله من الشرق من الصين، حيث البحر المحيط، ويمر على بلاد الططر- التتار- حتى يأتي فرغانة إلى جبال اليتم الممتد بها إلى نهر السند.. ثم يمضي مع المقطم في مساره إلى العراق، حيث يتصل بجبل الجودي موقف سفينة نوح عليه السلام في الطوفان، ويستمر حتى يمر بثغور حلب ويتجاوز حمص فيسمى لبنان، ويمتد إلى الشام حتى ينتهي إلى بحر القلزم- الأحمر- من جهة ويتصل من الجهة الأخرى فيسمى المقطم، ثم يتشعب وتتصل أواخر شعبه بنهاية الغرب، ويقال إنه عرف بمقطم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام.

ويستمر المقريزي فيقول إن جبل المقطم يمر على جانبي النيل إلى النوبة ويعبر من فوق الفيوم فيتصل بالغرب إلى أرض مقراوة ويمضي مغربا إلى سجلماسة، ومنها إلى البحر المحيط مسيرة خمسة أشهر! وبعدها يأتي ما هو أكثر طرافة إذ يستند المقريزي إلى ما قاله إبراهيم بن وصيف شاه: (وذكر مجيء مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح إلى أرض مصر): وكشف أصحاب إقليمون الكاهن عن كنوز مصر وعلومهم، التي هي بخط البرابي، وآثارهم والمعادن من الذهب والزبرجد والفيروزج وغير ذلك، ووصفوا لهم عمل الصنعة (يعني الكيمياء)، فجعل مصرايم أمرها إلى رجل من أهل بيته يقال له مقيطام الحكيم، فكان يعمل الكيمياء في الجبل الشرقي، فسمي به المقطم من أجل أن مقيطام الحكيم كان يعمل فيه الكيمياء، واختصر من اسمه وبقى ما يدل عليه فقيل له جبل المقطم، يعني جبل مقيطام الحكيم.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 23 مايو 2019.

Wednesday 22 May 2019

في المسألة "العائضية"!





وجدت نفسي في متاهة من التعريفات عندما حاولت أن أجد تعريفًا محددًا لمصطلحات الذهن والعقل والنفس والدماغ، وتهت بين المعاني الاصطلاحية اللغوية وبين غيرها داخل دهاليز معاجم اللغة العربية وقواميس علم النفس والأحياء، ولم أجد وقتًا للذهاب إلى نسختي الإلكترونية (CD) للموسوعة البريطانية، التي كثيرًا ما كانت هي المنقذ من الشتات.. وأيضا الضلال! ولذلك قررت أن أكتب مباشرة أنني قلت في نفسي وفي ذهني وفي عقلي واستقر في دماغي أن لا داعي للكتابة في موضوع عائض القرني، الداعية السعودي الذي أعلن اعتذاره عن منهجه وأفكاره ومضامينه السابقة، واقتناعه بمنهج وأفكار ومضامين جديدة تمثل صحيح الدين، هي ما يدعو إليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. قلت لا داعي إذ اعتذر الرجل على الملأ، ونقده في هذه الحالة- بعد ذلك الاعتذار وبعد الأطناب في شرح الأسباب على الناحيتين ناحية تركه للقديم الخاطئ واعتناقه للجديد الصحيح- قد يعد اصطيادا خاليا من الفروسية، لأنني أعلم أن ميدان الكتابة له تقاليد، لا تقل سموًا عن تقاليد ميادين القتال بالسلاح، أي الفروسية.

ثم حدث أن قرأت اعترافًا يتضمن اعتذارًا من شركة "بوينج" الأمريكية لصناعة الطائرات، تقر فيه- ولأول مرة- بوجود أخطاء في برنامج تدريبي للطيارين على جهاز محاكاة للطائرة 737، التي شهدت كارثتين جويتين أسفرتا عن وفاة 346 راكبًا.. وقالت الشركة: إن البرنامج المستخدم في أجهزة محاكاة الطيران لم يكن قادرًا على استنساخ بعض ظروف الطيران، خصوصا تلك التي أدت إلى الحادثتين! وعندها ثار موضوع الأخ قرني في ذهني، وانشغل به عقلي، واشتعل دماغي وحفزتني نفسي على أن أبحث عن مخرج من حكاية "الفروسية" إياها، ووجدت أن الأصل هو أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن كل ذلك يصب في وجوب وحتمية إدانة ومقاومة النسخ المكررة من عائض القرني ومنتشرة بضراوة في ربوع مصر المحروسة، إذ هناك عائض اسمه برهامي وعائض اسمه الحويني وعائض اسمه حسان وعائض اسمه مخيون، وعائضون غيرهم لا تسعفني الظروف على ذكر أسمائهم ولا تساعدني وسائل الاتصال الحديثة على حصرهم!

كان عائض وكان وما زال هؤلاء يقولون إن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وأن من ابتدع بدعة فعليه وزرها ووزر من اتبعها ليوم الدين! وعليه فإذا كان الرجل قد اعتذر وتاب وأناب ونجا بنفسه مما اعتبره خطأ وغلطا وخلطا وخروجا عن صحيح الدين، فأين هو من مئات الألوف وربما الملايين ممن سبق أن غسل دماغهم على يديه، وما زالت أدمغة الألوف تغسل على يد برهامي والحويني ومخيون وحسان وممن على شاكلتهم من ذوي اللحى الحاخامية المنفرة!

إن من الممكن مقاضاة شركة الطيران وإجبارها على دفع تعويضات للضحايا، ولكن ضحايا قرني وبقية العصبة من الذي سيعوضهم؟ بل كم من الجهد يحتاج أمر تصحيح المفاهيم والمضامين والتخلص من أطنان الكتب والشرائط والأسطوانات والفلاشات التي ما زالت تنشر سموم المغالطات التي ليتها كانت في شأن آخر غير شأن العقيدة والعبادات والمعاملات؟!

لقد مات ضحايا خطأ شركة الطيران موتا عضويا وفارقوا الحياة الدنيا، أما ضحايا عائض وبرهامي ومخيون والحويني وحسان ومن على شاكلتهم، فهم كحاملي عدوى مرض نقص المناعة، دون أن يتمكن أحد أو جهة من معرفتهم وضبطهم، فصاروا خطرا حقيقيا– وليس محتملا– يهدد حياة المجتمع كله!

هل من الوارد مقاضاة عائض وأمثاله، وهل من الوارد تقديم مسوغات توبته واعتذاره إلى القضاء والجهات الرسمية ضمن دعوى أو مطالبات تتجه لإلغاء وجود أي حزب أو جمعية أو تنظيم أو مدرسة تعتمد الفكر والتوجه الذي تاب عنه القرني؟!

إن هناك من ينشغلون تمامًا وحتى النخاع بمسائل الديموقراطية والحياة النيابية والحقوق المدنية، ومثلهم منشغلون بدرجة أكبر باصطياد أي إنجاز للنظام الحالي والتقاط أي كلمة لتوجيه كل أسلحة الانتقاد والتهجم والتهوين، وكم أتمنى أن أجد من ينشغلون بما أظنه صميم المشكلة المعضلة التي نواجهها، وهي كيفية بناء الإنسان في مصر، وهو بناء يستدعي نسف ما استقر في وجدان الألوف من مغالطات المتسلفين الأشقياء الذين أصبحت غاية الدين عندهم حف الشوارب وإطالة اللحى.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 22 مايو 2019.

Thursday 16 May 2019

Foundation base and brick courses in building humans




In certain times, questions increase and debates erupt over the issues of identity.. character and a third issue related; that is building humans. I was invited more than once in many places by different entities to participate in discussions over the identity.. character and building the human. I found out that we need to “define the terms” like Fiqh people say; as there is a misunderstanding between identity and character… also, there is an unfair separation between them both and the process of building the human.


I recently discovered –that was a few days ago –that some, due to ignorance and inattention, speak about identity in social occasions as if they are chewing a gum. And if you tried to correct them, they keep reiterating the same meaningless words. It happened that we were in a Ramadan social gathering attended by some Arab brothers of different nationalities, when an Egyptian employee working in a branch of one of the Arab banks went on saying that Egypt crisis started by July, 1952 revolution and that before that time –as per his own words– we had an identity, however, later, we had no identity. This person, unconsciously, was insulting his Arab hosts. When I asked him about the definition of identity and the criteria proving the veracity of what he said, he uttered no word!

Such questions asking about the identity “Who are we?!” and the character “What are our characteristics?!” erupt in times of defeat and difficulties. One can hear such question frequently in times of change, and also in times of developing and facing challenges… as to the times of stability and going on building and achieving success in responding to challenges, such question resides back in mind, until there is a reason to push it to the front!

Tracking the history of such question throughout our modern and contemporary history proves my point. Moreover, January 25, 2011 revolution and what followed it prove that this question erupted, and answers for it were many and diverse that they stirred conflict among opinions. It is also still discussed and debated in most of the seminars and gatherings held, especially in what is called “cultural saloons”.

It was already announced that the coming presidential term will focus on building the human, whom we can imagine as a construction with foundation base, brick courses, mortar, painting, façade and decors. In such case, the foundation base is the components of identity, while brick courses along with mortar are the relation among those components including historic, ethnic and geographic ones.

As to the character; meaning the characteristics, this is the painting, façade and decors that appear to the eye and mind. Thus, I do believe that the first step in doing a true building of the human –away from propaganda and pointless objection– is to focus on strengthening the foundation base and do whatever needed to bolster it, also to restore the brick courses and fill the gaps among such courses; those gaps resulting from mortar erosion. Otherwise, any painting or décor will fall no matter how shiny or neat it is, also regardless of how much money was spent on it, as it only needs a little groundwater saturated in salts and impurities to climb over the foundation and brick courses to smear the painting and demolish the décor.

Such interaction among geography elements “the river.. valley.. delta.. desert.. and sea” and the history-long-accumulated demographic composition elements that varied between ancient migrations coming from southern and northern the Arabian Peninsula and mixing with other African races, and other migrations coming from the west and Tepetsi Plateau, and all that carries cultural and civilized characteristics… in addition to the interaction among all those components and the events witnessed by the relation between “the sea” –meaning those coming from outside our beloved country– and “the river”; meaning the Egyptian people residing along the Nile… such creative interaction enabled Egypt to achieve cohesion, stability, strength and then influencing its surrounding circles, just like the Lotus flower that opens towards its surrounding area.

Due to many reasons, the foundation base and brick courses in building the Egyptian human used to get damaged or break, causing the decors and painting to fall as well. The most prominent of those reasons was to have a conflict that leads to a separation between elements composing the identity and those elements of the character’s features.

There were times when there was a focus on the ancient Egyptian element called “Pharaonic” –which is a wrong coining for the term– and considering it the only element, and the one who prevailed the world, invented the after-life concept and taught humanity… to the end of the description exaggerated by those opposing the rest of composition elements like the Hellenistic, Christian, Islamic Arab, modern and contemporary ones! On the other side, some were focusing on the Christian Coptic component, while there were others focusing on the Arab and Islamic Coptic component, a third party focusing on the necessity to have the western-euro character features connecting back to the Hellenistic or “Greco-Roman” roots! And whenever there is someone with proper understanding seeks to put all these elements in the Egyptian melting-pot to have one beautiful solid alloy, he is being told that this is not true and we have to take sides with this or that point of view… then examples of negative incidences and events are given by those who want to negate any element of those main components.. then they start giving examples for very bad situations that took place in Egypt’s ancient history… and in the invasion coming from the Arab desert carrying bedouinism, desert life, non-civilized lifestyle and shallow culture… and in the Greek and Roman colonization that was an old phase of the modern British and French colonization… etc. and so, at the end, we lose all our roots of whatever kind!

Finally, I would like to say that building the human in our current situation has to do with strengthening the foundation base and brick courses. Otherwise, it is nothing but an outer painting and décor that will collapse at the first rain shower.

Translated into English by: Dalia Elnaggar

This article was published in Al Ahram newspaper on May 16, 2019.

To see the original article, go to:

#ahmed_ahmad_elgammal #Egypt #identity #character

الأساس والمداميك في بناء الإنسان





في فترات بعينها تعلو الأسئلة ويثور النقاش ويتكاثر المفتون حول مسألتي الهوية.. والشخصية، وترتبط بهما مسألة ثالثة هي بناء الإنسان، وقد دعيت أكثر من مرة في أكثر من مكان ومن جهات متعددة للمشاركة في أحاديث الهوية.. والشخصية وبناء الإنسان، واكتشفت أن الأمر يحتاج إلى "تحرير مصطلحات" كما يقول علماء الفقه، لأن ثمة خلطا بين الهوية وبين الشخصية وثمة فصلا تعسفيا بين الاثنين وبين عملية بناء الإنسان.. واكتشفت مؤخرا– من عدة أيام– أن البعض عن جهل وغفلة جعل من مسألة الهوية علكة "لبان" يعلكها في المناسبات الاجتماعية، فإذا حاولت أن ترده عن جهله وتفيقه من غفلته ظل يحرك فكيه بغير مضغ ولا بلع ولا توقف، اللهم صوت فرقعة العلكة "اللبان"، وقد كنا في لقاء اجتماعي رمضاني يحضره بعض الإخوة العرب من جنسيات مختلفة، وإذ بموظف مصري في أحد فروع أحد البنوك العربية يفتي أن أزمة مصر هي ثورة 1952 التي كنا– حسب كلامه– قبلها لدينا هوية.. وبعدها بلا هوية، وفاته أنه- دون أن يدري- يسيء إلى مضيفيه من العرب! ولما سألته عن معنى الهوية وعن علامات صحة ما يحدث عنه بدا وكأنه فقد السمع!

في فترات الانكسار والتعثر يثور سؤال الهوية "من نحن؟!".. وسؤال الشخصية "ما سماتنا؟!"، وتراه يتردد أيضا في فترات التحول، ويعلو كذلك في أوقات الانطلاق ومجابهة التحديات.. أما في فترة الاستقرار والانتظام في الحياة والانخراط في البناء والنجاح في الاستجابة للتحديات فإنه يرتد إلى خلفية الذهن يكمن فيها ساكنا، إلى أن يحدث المثير فيندفع للمقدمة!

إن تتبع مسار السؤال عبر تاريخنا الحديث والمعاصر يثبت ما أذهب إليه، ولعل محطة يناير 2011 وما بعدها تثبت أن السؤال قد ثار وتعددت الإجابات لدرجة التصادم بين التوجهات، وما زال مثارا وموضوعا لمعظم الندوات واللقاءات التي تنعقد خاصة فيما يسمى "الصالونات الثقافية".

ولقد أعلن أن المدة المقبلة في الفترة الرئاسية سيكون محورها هو بناء الإنسان الذي إذا تخيلناه صرحا له أساسات ومداميك وملاط "مونة" وطلاء وواجهة وديكورات، فإن الأساس هو مكونات الهوية والمداميك ومعها الملاط هي العلاقة بين تلك المكونات التي تشمل المعطيات الجغرافية والإثنية والتاريخية، أما الشخصية أي السمات فهي ما تبقى من طلاء وواجهة وديكورات تتعامل معها عين وعقل الرائي، وعليه فإنني أذهب إلى أن أول خطوة في بناء حقيقي للإنسان- بعيدا عن حملات الدعاية ومندبات الاعتراض "عمال على بطال" هي التركيز على تمتين الأساسات وضخ كل ما يؤدي إلى تثبيتها، وإلى ترميم المداميك وسد ما اعتراها من تآكل في "المونة" التي تربطها ببعضها، وبغير ذلك فإن أي طلاء وديكور سوف يسقط مهما كانت درجة لمعانه وتنسيقه، ومهما كان حجم ما أنفق عليه، إذ يكفي قليل من ماء جوفي مشبع بالأملاح والشوائب يزحف صاعدا من الأساسات ومن المداميك ليشوه الطلاء ويهدم الديكور. ولقد كان التفاعل بين ثوابت الجغرافيا "النهر.. والوادي.. والدلتا.. والصحراء.. والبحر" وبين ما استقر عبر الدهور من عناصر التكوين الديموغرافي، التي توزعت بين هجرات سحيقة جاءت من جنوب وشمال شبه الجزيرة العربية واختلطت مع أجناس أخرى إفريقية، وبين هجرات جاءت من الغرب من هضبة التبتسي، وكل ما يحمل معه من سمات حضارية وثقافية، إضافة للتفاعل بين ذلك كله وبين ما كان واستمر يستجد من أحداث شهدتها العلاقة بين "البحر"– أي القادمين من خارج المحروسة– وبين "النهر" أي أهل الأرض المستقرين حول النيل، تفاعلا خلاقا مكن مصر من التماسك والتوازن والقوة ومن ثم التأثير في دوائر محيطها الخارجي، مثلما هي زهرة اللوتس التي تتفتح باتجاه محيطها وبسبب عوامل كثيرة كانت الأساسات والمداميك في بناء الإنسان المصري تتأذى أو تتصدع، فتنهار الديكورات والطلاء، وكان أبرز تلك العوامل هي أن ينشأ صدام وتنازع ومن ثم افتراق بين عناصر تكوين الهوية وملامح الشخصية، وجاءت فترات تم التركيز فيها على العنصر المصري القديم المسمى "فرعونيا"– وهي تسمية مغلوطة– واعتباره دون غيره هو الأساس الوحيد، وهو الذي ساد الدنيا واخترع الآخرة، وأنه علم البشرية إلى آخر المنظومة التي يسهب في تضخيمها من هم معادون لبقية عناصر التكوين الهللينستية والمسيحية والعربية الإسلامية والحديثة والمعاصرة!

وفي المقابل كان هناك من يركز على المكون القبطي المسيحي، يقابله من يركز على المكون القبطي الإسلامي والعربي، ومن لا يزال يركز على حتمية أن تكون سمات الشخصية متوسطية غربية اتصالا بالجذور الهللينستية أو "الجريكورومانية"!.. وكلما حاول من يسعى للفهم الصحيح أن يضع كل هذه العناصر في بوتقة الانصهار المصري لتضحى سبيكة واحدة متينة وجميلة قيل إنه تلفيق ولا بد من الانحياز لهذا أو ذاك، ثم يبدأ التقاط أحداث ووقائع سلبية يستند إليها من يريد أن يحذف أي مكون من تلك المكونات الأساسية.. وتظهر "القطط الفطسانة" في تاريخ مصر القديم.. وفي الغزو القادم من الصحراء العربية يحمل البداوة والتصحر وانعدام التحضر وضحالة الثقافة، وفي الاستعمار الإغريقي والروماني الذي كان حلقة قديمة من الاستعمار الحديث الفرنسي والبريطاني وهلم جرا لنكتشف في النهاية أننا بلا جذور من أي نوع!

خلاصة القول إن بناء الإنسان في مرحلتنا هذه يرتبط بتمتين الأساس والمداميك، وبغير ذلك يبقى كل طلاء وأي ديكور محض قشرة تسقط من أول زخة مطر.

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 16 مايو 2019.

Wednesday 15 May 2019

To the fish head of “We” company





If it wasn’t that I know that the courts and gentlemen judges, also the assisting entities including employees, all having more than enough of duties to do, I would have sued “We” company asking for prosecuting the head responsible in it along with all who follow him… first thing is choosing a foreign word for a company whose money, salaries, rewards and benefits given to its head and the rest of employees come from people speaking Arabic; language of Quran, state, literature, culture and arts… I have no idea why not calling it “Nahnu[1]”?!

Second thing, this company is the only one monopolizing the landline telephone; meaning that you cannot object or complain as you have no other option to choose.

Thirdly, when you dial 111 to make a complaint or ask for a service, a series of instruction start until you come to the point of pressing on the digit 0 to talk to a person in the company, then he answers asking about your name, phone number along with the governorate code; although that you have already entered the code and number, and of course, he can see it in front of him… then, he asks you about your name and address, afterwards, he inquires about your issue, and so you start narrating the story. In my case, the issue is that I have a landline number and have subscribed in the international line service. I also use a fax over it due to my work and communications with whom who live abroad…

Most probably, there is someone who mess with this service… and so, I have to call once… and many times… to listen to helpless employees with monotone and breathless voice who have nothing to do, then I take the complaint reference number, then they tell me that a technician will come to inspect… and that the service will be back in 48 hours, not including Fridays and Saturdays, or I hear the statement saying “Bear with me… I will transfer you to the one in charge”, then line goes dead, and so, I have to call again and again.

This is an example for a big company supposedly possessing the most advanced tools in its specialization; that is communications and information services, and receiving money for its services, however, it is an empty entity with no one feeling responsible towards his work, nor towards the subscribers whose money pays for the salaries of the administration starting from the biggest head to the lowest in rank employee… I can say that this famous proverb saying that “the fish gets rotten from its head” is correct.

It is not much different to entering a famous-brand supermarket where all goods are neatly aligned, then you head to the dairy and meat section for example to find the flies buzzing around you, hitting your face and sticking to it… then you ask to talk to the one in charge –meaning the head manager– when you are told that “he’s doing Asr prayers”. Then, you ask those working there who stare at you with amaze or disgust due to your protest and loud voice asking about their qualifications and if they have another source of income, and if they know that the projects fail due to those corrupt elements who act like weevils infesting the construction of such projects… at that point you receive the answer, in the same breathless monotone voice, saying “What can we do about flies”?!

They used to say that corruption in our country was due to the government employees and public sector, as no one is held accountable, and because the employee is certain that he will take his salary no matter how negligent he is… and because corruption goes more and more wide spread in bureaucracy and public sector facilities…

Now, let us ask: why such thing happens in the private sector; whether in companies offering services; as Vodafone and Orange have what is worse than We… I have a lot to say in such regard as I have two mobile lines for each of those two companies… or in companies with many branches of commercial markets selling provisions and other stuff… also in construction companies to the rest of the list… as we see in newspapers everyday people asking for the highest-rank responsible to interfere for the sake of those robbed when buying Chalets, villas, apartments and pieces of lands!

Where is the origin of this corruption… meaning the main source of puss that we keep pressing until blood comes out of it to get all the puss out, bearing the horrible pain to feel better later?!

Should I write that this is a notification for the responsible in We company that violates the contract and cuts the service that we pay for promptly?! Should I write that this loud scream is for those responsible about the strategy of building the human announced by the president and considered as his plan for the coming phase of his presidency, as such wide-spread phenomenon in the government, public and private sectors mean that we have an endemic disease that hit the heart of our society and that causes it to produce more malignant cells that do not stop destroying all the healthy cells?!

Will the fish head in We company take a look at these lines? And if he did, will he pay attention to them? Or turn his face to the other side saying: “let him write whatever he wants… this will change nothing”?!

Translated into English by Dalia Elnaggar

This article was published in Almasry Alyoum newspaper on May 15, 2019.

To see the original article, go to:

#ahmed_ahmad_elgammal #We_telephone_company #Egypt


[1] Nahnu: transliteration for the Arabic word meaning “we”.