Thursday 29 January 2015

الخوف على الأمل

رفاعة رافع الطهطاوي

لدى نقطتان فى سطور اليوم، الأولى سريعة وهى أننى أحاول بعين تلميذ التاريخ أن أرصد باستمرار عوامل تآكل قواعد الأمل، الذى راهنا عليه وسعينا ونزلنا الشوارع من أجله، واشتبكنا مع خصومه، وعلى رأسهم الإخوان، اشتباكات شهدتها هذه الصفحة من الأهرام، واعتبرها البعض جذرية وضارية.. أمل مصر الحديثة المتماسكة المتوازنة القوية المنطلقة للأمام، ولدورها فى دوائر محيطها معتمدة على عمود فقرى قوى هو جيشها الوطني.نعم .. إن كل ظاهرة دنيوية خاضعة لنواميس الكون .. تبزغ وتكبر وتزدهر وتنضج وتذبل، ولكن منها ما يصاب بما يجعله معرضا للذبول بعد البزوغ مباشرة أو بقليل، ومنها ما يزدهر وما إن يبدأ فى النضج حتى يضمحل ويذبل وينتهي!. وفى زمان أصبح بعيداً قياساً على عمر فرد إنسان علمونا أن الظواهر تحتوى عوامل فنائها فى داخلها، وما لم يكن «جهازها المناعي» بلغة هذه الأيام قوياً وقادراً على التعامل مع تلك العوامل فإنها سرعان ما تشيخ أيضا!، ولذلك فإن السؤال هو: هل يمكن أن نلاحظ تآكلا فى قواعد أملنا الوطني، وهل يمكن أن تكون عوامل الفناء قد نشطت مبكرا، ولا توجد أمارات قوية لتصدى الجهاز المناعى لها؟!

أخشى أن أغامر وأجيب بسرعة بنعم، ولكنى تحسبا أنه ربما الخوف المبالغ فيه من سطوة مضامين وعوامل التخلف الثقافى والفكرى والاجتماعى الماسكة بخناق البلد، ومن ضراوة القوى التى تحمل هذه المضامين وتمارسها على أرض الواقع، حتى وصلت لاستخدام العنف المسلح، وهى قوى ذات أجنحة متعددة فيها الإخوان، ومن يحمل جيناتهم المرجعية والمسلكية، وفيها فصائل وإن كانت صغيرة ممن يندرجون تحت لافتة اليسار، وآخرون يندرجون تحت لافتة الرأسمالية والليبرالية، وغيرهم عدميون فوضويون.. هذا على صعيد «التفنيطة» السياسية والأيديولوجية، فإذا أضفنا كائنا ديناصوريا آخر هو الخلل المتمكن من عصب الدولة فى أجهزتها ومؤسساتها الإنتاجية والخدمية من تعليم وصحة وغيرها، وحالة التردى المخيفة فى الأداء لأدركنا أنه ربما يكون خوفا غير مبالغ فيه .. ومن ثم يتبين أن عوامل التآكل والفناء موجودة وفاعلة ولو بمفهوم المخالفة.

ومما يثقل الكاهل أن الأمل الذى أتحدث عنه لم يصل لحد الآن إلى اكتشاف أو اختراع آليات خاصة به، وعلى رأسها أو فى مقدمتها الأداة التى تتماسك بها، ومن حولها القوى التى سعت لهذا الأمل، وساهمت فى معركته ضد التخلف والإرهاب، ومعلوم أنه لابد من بلورة ما وسط السيولة ليتم التماسك. تلك التفاتة سريعة قد تحتاج إلى تفصيل فيما بعد.

أما النقطة الثانية التى أود التعرض لها فهى استكمال لما كتبته فى المقال الفائت حول ابن تيمية، وفتاواه التى لو طبقت علينا لكفرتنا جميعا، لأننى قرأت منذ حوالى أسبوع مقالا لفضيلة الشيخ القوصى يشير فيه إلى تراجع ابن تيمية عن كثير من دعاواه وفتاواه، وصار بذلك التراجع أقرب إلى الوسطية، وكم تمنيت أن يشير فضيلة الشيخ كاتب المقال إلى المصادر والمراجع، التى تحتوى ذلك التراجع عند ابن تيمية لكى تكتمل الصورة عند المهتمين بموضوع مراجعة وتحديث وتثوير الخطاب الدعوي، الذى يطلق عليه الخطاب الديني.

وفى هذا السياق أرى واجبا أن أكتب عن العمل المسرحى البديع والفذ، الذى يتم تقديمه على خشبة المسرح القومى بطولة الفنان على الحجار أخى وصديقي، وإخراج أخى وصديقى الفنان عصام السيد، ويشارك فيه كوكبة من الفنانين المحترمين.. وموضوع العرض هو سيرة رفاعة رافع الطهطاوي، ودوره فى تحديث العقل المصري، ومن ثم الظروف التى نشأ فيها وتعلم وسافر وعمل وعانى وأبدع، وألف وخاض المعارك .. وهذا العمل على هذا النحو يعد مساهمة قوية فى مهمة مراجعة وتحديث وتثوير الخطاب الدعوى التى كان حتميا أن تتم، خاصة بعد اهتمام وإلحاح الرئيس السيسى عليها لصالح وطننا وأجيالنا القادمة.

ولقد لفت صديقى الفنان المخرج عصام السيد نظرى إلى أهمية أن يعقب هذا العرض عن رفاعة الطهطاوى سلسلة من العروض التنويرية، وليكن التالى هو أحمد بن تيمية، ووجدت أن صديقى يتابع ما أكتبه ويكتبه غيرى، وأنه يشير إلى ما كتبه الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى عن مراجعة ابن تيمية لأفكاره المتشددة، ثم وجدت فضيلة الشيخ القوصى يؤكد هذه المعلومة، ومن ثم أعتقد أن ما يذهب إليه الفنان عصام السيد من ضرورة أن يُكتب نص ما عن سيرة ومسيرة ابن تيمية ومحطاته الحياتية والفكرية، والظروف التى أدت لمغالاته وتشدده، والأخرى التى قادت إلى تسامحه ووسطيته، لكى يقدم على خشبة المسرح، وبشكل يمكن للناس بمختلف درجات وعيهم وثقافتهم فهمه واستيعابه.. وإن كنت أشك فى أن المنخرطين فعليا فى المغالاة والتشدد ليسوا على استعداد أصلا لتقبل وجود المسرح بحد ذاته، ولو كانوا قد استمروا فى الحكم لكان مصير مسارح مصر وسينماتها وفنونها وآدابها مجهولا إن لم يكن معدوما.
                                        
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 29 يناير 2015

No comments:

Post a Comment