Thursday 6 November 2014

سؤال لرموز حقبة مبارك

 
لوحة صندوق الكنز للودفيج دويتش
عندما تقدر الأموال الضائعة من الدولة بالطرق الصحراوية وحدها بمائتى مليار جنيه، وعندما يصرح مستشار وهو عضو بلجنة استرداد الأراضى بأن رجال الأعمال اشتروا الفدان بخمسين جنيها وباعوه بثمانية وعشرين مليون جنيه وعندما تعجز الجهات المنوط بها حصر مكاسب تلك الشريحة من وراء الحصول على الكهرباء والغاز والطرق والمياه والأمن، وهى كلها مدعمة من الدولة، إضافة إلى المكاسب الهائلة من وراء شراء أصول القطاع العام بأثمان تم التواطؤ على أن تكون بخسة!

وعندما تجتهد أجهزة الدولة وعلى أعلى مستوى لتحاول استرداد الأموال المهربة إلى سويسرا وبريطانيا وغيرهما، وتذهب لجنة من وراء لجنة لتعود بخفى حنين، فيما الأموال مكدسة هناك بالملايين التى تترجم إلى مليارات حالة تحويلها إلى جنيه مصري!.. عندما يكون ذلك كله قائما وفاقعا وفاقئا لأى عين بجحة فعندئذ يكون السؤال: لماذا الحديث المكرر عن براءة عهد مبارك، ولماذا غض البصر عن بعض أركان ذلك النظام الذين يحشرون أنوفهم فى مسار أحداث الوطن الآن، ولماذا لا يتم إعداد صحائف ادعاء جديدة تضم هذه الأمور، بدلا من تلك التى جاءت ناقصة متهافتة استطاع محامو الجواسيس أن يتصدوا لها وأن تكون البراءة أقرب إليهم من الإدانة؟

ودعونا من ذلك كله، وتعالوا نتساءل عن طبيعة الجهاز العقلى والنفسى الذى يملكه حكام عهد مبارك، ابتداء من الأسرة الحاكمة ونزولا إلى أقطاب الحزب الوطنى والوزراء وكل الذين استفادوا استفادة ضارية متوحشة منه، وكيف أن أدنى درجات اليقظة العقلية والنباهة النفسية تقتضى مساندة النظام القائم الآن الذى أنقذ مصر من براثن الإخوان الذين كان نظام مبارك هو البوابة التى أكدوا بها عودتهم وتمترسهم فى الحياة السياسية والحياة العامة فى مصر، وأول مظاهر تلك المساندة لا يكون بما يسميه الناس طق الحنك وفنجرة البق بكيل المديح للرئيس وما يماثل ذلك المديح من معزوفات نفاق بائس، وإنما تكون المساندة بالأفعال الواضحة ومنها المبادرة إلى رد حقوق الدولة المصرية التى أكلوها «والعة» التى تقدر بالمليارات، كما أسلفنا وفى مجال واحد هو مجال الأراضي!

إن لنا أن نتصور حجم وعمق رد الفعل الإيجابى إذا صحا الناس على أخبار تقول إن مبارك وأسرته قد بدأوا بأنفسهم، وأنهم ردوا كل مليم مشكوك فيه، ومعه تبرعوا بنسب محترمة مما لديهم حبا فى الوطن الذى وإن أطاح شعبه بهم نتيجة أخطائهم وخطاياهم، إلا أنه الشعب الذى حمى مصر من أن يغتالها الجهل والظلام والتعصب والخيانة!، وأن مبارك يناشد كل من كانوا محسوبين عليه من رجال أعمال ووزراء ومسئولين أن يفعلوا مثلما فعل هو وأسرته، حتى تقف مصر على قدميها وحتى تتمكن فى هذه المرحلة من الاستجابة العالية لتحدى الإرهاب وتحدى العنف الاقتصادى وبقية التحديات التى تمسك بخناق مصر!

وربما يقول قائل إنهم إذا فعلوا ذلك فإنه يعد اعترافا مباشرا بفسادهم وسرقتهم، ومن الذى يضمن لهم أن ذلك التصرف لن يكون القرينة القاطعة التى يدانون بها أمام القضاء؟! والإجابة بسيطة وهى أنه حتى بفرض إذا حدثت إدانات فإن إلغاءها من السلطة صاحبة الصلاحية فى ذلك يصبح سهلا ميسرا، لأن الرأى العام سيكون مهيأ ومتعاطفا مع الذين بادروا برد ما أخذوه أو جادوا للوطن بكثير مما لم يأخذوه!!

لقد حاول الرئيس السيسى أن يخاطب وجدان تلك الشريحة لتعطى وطنها بعضا يسيرا مما أخذوا عنوة أو تحايلا من الوطن ولكنها لم تستجب، بينما استجاب غالبية المصريين لنداء المساهمة فى مشروع قناة السويس، وكان المشهد المبهج الذى شاهدناه، وربما لم تستجب تلك الشريحة لأنها دون وجدان ودون مشاعر ولها إله واحد هو الربح لا شريك لهم فيه، بينما الغالبية لديها وجدان وتعبد الله الواحد الذى أمر عباده بالعطاء والفداء والشهادة فى سبيله دفاعا عن مصائر الأوطان.

ثم إن مصر كلها مشغولة الآن بحربها ضد الإرهاب وتبذل الدم والأرواح والعرق والمال، ومشغولة بالدرجة نفسها بالتنمية فى ظل وضع اقتصادى غنى عن التوضيح، والناس ضحت ومستعدة للاستمرار فى التضحية بقبول رفع أسعار المحروقات والأسمدة وغيرهما، ولابد أن يكون ما يشغل هؤلاء الناس هو لماذا لا يتحمل الكبار من أصحاب رءوس الأموال تضحيات مثلما يتحمل بقية الشعب، وإذا لم يقبلوا التضحية فلماذا لا يردون ما اغتصبوه وإذا لم يردوه فلماذا التأخر فى حسابهم والقصاص منهم؟

إن الحكومة الحالية ومعها القيادة السياسية تبقيان فى وضع بالغ الدقة إذا لم يجد الوجدان الشعبى ما يشفى غليله من الذين نهبوا واستولوا وعربدوا فى الفساد، ثم لما جاء وقت البذل للوطن تأخروا وماطلوا وهددوا وبعضهم لوح بالورقة الخارجية ليحكم طوق الحصار من حول القيادة الحالية، حيث يسعى من يسمون بناشطى حقوق الإنسان والديمقراطية إلى استعداء الخارج باستمرار، لأنهم ينفذون أجندته، وبقى أن يسعى بعض الرأسماليين المسعى نفسه، لأنهم يمثلون الفكر الليبرالى بحكم أنهم رأسماليون!!
                                          

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 6 نوفمبر 2014

No comments:

Post a Comment