Wednesday 25 May 2016

اليأس السياسي.. ومناشدة لوزير الأوقاف

 
صورة لمسجد الحسين بالقاهرة

أكتب في نقطتين، الأولى ظاهرة تتصل بالعمل السياسي في مصر، والثانية مناشدة أسوقها لفضيلة الدكتور وزير الأوقاف.

في الأولى فإنه لن يكون اكتشافا الزعم بوجود سن يأس سياسي مثلما توجد سن يأس بيولوجي للذكور والإناث من البشر.. ولكل أعراضه!

ويقولون في المراجع البسيطة سهلة التناول مثل "ويكيبيديا" أن الرجال يصلون أحيانا لسن اليأس ومن أعراضها عليهم أن يقل هرمون التستوستيرون وتتراجع كثافة شعر البدن وتضمر العضلات ويحل الاكتئاب وتزداد هشاشة العظام ويستمر الأرق والإرهاق العام، وتظهر مشاكل في التركيز والذاكرة ناهيك عن أمر يعتبره معظمهم الطامة الكبرى وهو العجز الجنسي.

ثم إن الأعراض عند الإناث معروفة لا مجال للتفصيل فيها اللهم إلا الإشارة إلى عدم الرغبة في القيام بأي عمل حتى ولو روتيني.

أما اليأس السياسي الذي أزعم وجوده وأيضا انتشاره لدى كثيرين من الذين يمتهنون ــ من باب المهنة والإهانة معا ــ السياسة، فسأحاول الكتابة عن ملاحظاتي الدالة على وجوده!

من أعراض اليأس السياسي سلوك اللقيط والعقيم معا، حيث يلح أصحاب مسلك اللقيط على أنهم غير مسبوقين ولا مرجعية لهم سوى ما يشبع فيهم رغباتهم وتوجهاتهم ونظرتهم لمن قبلهم من أجيال نظرة إنكار واستنكار ورفض.. أما أصحاب مسلك العقيم فإنك تجدهم في معظمهم يرفضون كل جديد، ويدينون الآخر بكيل الاتهامات له، ابتداء من الكفر والزندقة وصولا إلى الخيانة، ولا يتركون أثرا في أي شأن إيجابي يتصل ببناء الوطن وقوة المجتمع، ولا يخلون من حقد شرير على كل من لديه القدرة على الخلق والبناء والعطاء.

وكثيرا ما تتجلى سمات التوتر والقلق وقلة التركيز على المصابين باليأس السياسي فالقابلية للحوار يقتلها التوتر المستمر الذي يترجمه الصوت العالي والألفاظ الحادة وتفجير أية دائرة أو حلقة حوار بالخروج عن الآداب المرعية، والهرب من الموضوع الأصلي إلى دروب أخرى تسمح لهم بالتشنج والصراخ ومن ثم يتجلى القلق ومعه قلة التركيز، إذ إضافة لما سبق فإنهم يغادرون المسرح دون استئذان كما دخلوه متأخرين دون اعتذار بوجوه شاحبة متجهمة، وألسن حادة كأنها مشقوقة مثل الأفاعي.

ثم نأتي إلى سمة مشاكل الذاكرة وأبرز تجلياتها، هو غياب خبرة التراكم الذي بدونه لا يمكن تحقيق أي تغيير في حياة الإنسان فردا كان أم جماعة، ولعل ما نشاهده من نضوب وجفاف وفقر في الحركة السياسية المعاصرة دليل على مشاكل الذاكرة، فيعاد إنتاج الموضوع والمسلك نفسيهما دون فطنة إلى أنه تكرار مزعج لمن يلحظه، ويغيب أيضا السعي لاستخلاص الدروس المستفادة من مسارات التكوينات السياسية السابقة زمنيا، وأيضا المعاصرة مكانيا، بل وكثيرا ما يكون النكوص المرتد إلى المفاهيم البدائية التي عفى عليها الزمن.

كل ما سبق مما أظنه أعراض لليأس السياسي يصب في السمة الأكثر سلبية، وهي العجز عن تخصيب الأفكار وإثراء الممارسات، فمثلما يظهر العجز الجنسي لدى من وصل لسن اليأس البيولوجي تتجلى أحادية الرؤية ورفض الديالوج ومصادرة الآخر والتشكيك في جدوى أي تقارب بين من هم ليسوا في دائرة اليأس السياسي، أو بالأحرى البائس ــ باء هذه المرة وليست ياء ــ السياسي.

مناشدة لوزير الأوقاف
أعلم حجم وعمق الجهد الذي يبذله الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في محاولة تجديد الخطاب الدعوي الذي يأخذ مسمى أراه غير مناسب، إذ يقولون "الخطاب الديني"، وفي ضبط الأداء داخل المساجد والحيلولة دون أن يسيطر عليها أو على بعضها المتفيهقون من المتسلفين وأشباههم، والجهلة ممن يتخذون من المنابر وحلقات الدرس مجالا لاستعراض جهلهم الذي يأخذ أجلى صوره عندما يتحدثون ويفتون في كل شيء، حتى وإن لم يقرأوا عنه سطرا واحدا، ثم جهده الكبير في ضبط الخلل بين الهيكل الوظيفي في الوزارة.

إنني أناشده مراجعة الأوضاع في المساجد الجامعة الكبرى التي يعد بعضها مقاصد لها مكانتها الخاصة في الوجدان المجتمعي كله مسلميه ومسيحييه، وفي المقدمة منها المساجد التي تحمل أسماء آل البيت الكرام وأقطاب التصوف، ذلك أنني عشت مشهدا أراه كاشفا لتردي بعض الأوضاع، عندما اتجهت لصلاة المغرب والعشاء في مسجد مولانا الإمام الحسين مساء الجمعة 20 مايو 2016، وأودعت نعلي المكان المخصص عند المدخل الرئيسي الذي يقف فيه ثلاثة رجال طوال عراض!.. ولأنني أعاني الفقرات وينعكس ذلك على القدرة على الوقوف وقتا طويلا نسبيا، فإنني أذهب من فوري إلى الأماكن المخصصة للصلاة جلوسا، ووجدت دككا خشبية بالقرب من نهاية المسجد أي خلف صفوف المصلين الوقوف، ويا لهول ما يحدث من صوت عال وثرثرة وكثافة من المتسولين داخل المشهد الحسيني، ودخول للأطعمة وعبثا حاولت أن أبدي الاستنكار بالنظر والتجهم دون أن أتحدث احتراما للمكان ولمن يحمل اسمه.

وعندما اتجهت للحصول على النعل أتوكأ على عصاي متمنيا ألا يطول الانتظار، خاصة بعد انصراف معظم المصلين وقفت وسلمت الرقم ومعه ما تيسر من مال فتسلمه أحدهم، وانتظرت متألما حتى ناديت الآخر ماذا هناك، ولماذا هذا البطء، فإذا به وبغلظة جافية يرد بعاميته: "وأنت صوتك عالي كده ليه"، فرددت: "لا تؤاخذني صاحب الحاجة أرعن"!

وإذا به يرد: "الحمد لله أنك أرعن.. أنت اللي بتقول على نفسك كده"!.. وبدأ التراشق حتى جاء أمين الشرطة، ثم اتجهت لغرفة شيخ المسجد رجل فاضل بكل المعايير استمع لشكواي ونادى من ينادي الطرف الآخر.. وإذا بجمهرة أقرب إلى العصابة، بلا أدنى توقير لا للمكان ولا للإمام وبدأ الافتراء والصوت العالي، حيث تحولت أرعن إلى "أقرع"!

اكتشفت يا سيادة الوزير أنهم على الأبواب وفي المسجد ذاته أقرب إلى التشكيلات العصابية الإجرامية، فالفلوس تتدفق على لا عمل والوجوه مظلمة مكفهرة لا تنم عن أية صلة روحية بالمكان أو صاحبه، ثم لا مبالاة شاملة عندما لجأت للإمام ولا عندما ذكرت أن الواجب يقتضي رفع الأمر إلى كل مسؤول.

أناشدك دكتور جمعة أن تحفظ لهذه الوجهات وأيضا الواجهات الروحية وهي مقصد الألوف من مصر ومن خارجها وقارها وهيبتها وحرص العاملين بها على التخلق بأخلاق الإسلام الحنيف، وأن يتم التصدي لمن يعتبرونها "سبوبة أكل عيش" وفقط، وليست خدمة تؤدى لمحبي أهل البيت.. إذ تصايح بعضهم في وجهي وعلى مسمع من إمام المسجد: حرام عليكم قطع عيش الناس!!
                         
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 26 مايو 2016.

No comments:

Post a Comment