Tuesday 23 February 2016

إلى سدنة النظام: تعلموا من المشهد الأول



ينسى البعض أو يتناسى مشهد الخلق الأول، الذي أسميه المشهد المؤسس لفلسفة الوجود الإنساني وهم ينسونه ويتناسونه، لأن فيه الحكمة البالغة التي يدفن رأسه في وحل الجهل من لا يتدبرها!

وقبل أن أستطرد أؤكد على حقيقة أنني لست عالم دين، ولا داعية من إياهم الذين يرسلون لحاهم ويعفون شواربهم ويمدون أنوفهم وأيديهم وأرجلهم في شؤون دنيانا وديننا، ولا بأس عندهم أن يفتشوا في ضمائرنا ويشقوا صدورنا، وإذا لم نكن على هواهم فنحن مارقون زنادقة فاسقون، وكل ما عندي هو محاولات لا تتوقف عن الفهم عبر القراءة والتفكر والتدبر ولا شيء أبعد من ذلك، ولا بأس عندي أن أخطئ وأن تقع مني زلات ومعاصٍ.. فهكذا جبلت كواحد من مملكة الإنسان.. نخطئ ونعصي ونتوب، بل ونصيب ونتوب أيضًا، لأن من النعم والطاعات ما قد يستوجب الاستغفار ورجاء العفو والعافية.

في المشهد المؤسس لوجودنا الذي يتعين أن نتدبره بكل عقل وفؤاد يقول رب العزة سبحانه: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" البقرة 30.

هذه هي بداية الحوار، حيث يتساءل الملائكة ويوجهون تساؤلهم لرب العزة سبحانه وتعالى.. وسورة ص آية 74 و75 نجد ذكرا لموقف إبليس وما جاء على لسانه، وهذه هي الآيات وفق الترتيب السابق:
"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين" البقرة 34.
"ولقد خلقناكم ثم صورنكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين" الأعراف 11.
"إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين" الحجر 31.
"قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين" الحجر 32
"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا" الكهف 50.

الأمر الذي يعني مباشرة أنهم سمعوا ثم سألوا وقالوا ما عندهم ثم أطاعوا بعد أن تلقوا الإجابة!.. يعني ليس هناك سمع وطاعة بدون سؤال وفهم!

بعد ذلك يدخل إبليس طرفا في المشهد ويرفض السجود لآدم ويعصي الأمر الإلهي عصيانا مباشرا لا لبس فيه أمام صاحب الأمر والنهي جل جلاله، ولا يكتفي بالعصيان وإنما يضيف إليه الجدل وتسويغ موقفه. وتعالوا نقرأ ما نتعبد به لله سبحانه وتعالى.. أي آيات من القرآن الكريم، ففي سورة البقرة آية 34 وسورة الأعراف آية 11 وسورة الحجر آية 31 و32 وسورة الإسراء آية 61 وسورة الكهف آية 50 وسورة طه آية 116 وسورة الشعراء آية 95 وسورة سبأ آية 20.

ثم يتمادى العاصي المعارض ويرد على سؤال رب العزة سبحانه: "قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" الأعراف 12.
ويقول رب العزة سبحانه: "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين" الأعراف 13.

ويستمر المعارض في جدله وطلباته: "قال انظرني إلى يوم يبعثون" الأعراف 14 ويرد رب العزة: "قال إنك من المنظرين" الأعراف 15.

ويستمر الحوار.. وأكرر الحوار: "قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين. قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين" الأعراف 16- 18.

نعم حوار.. وأمام من؟! وفي حضرة من؟! نعم قال المعارض رأيه، ولم يكتفِ بل أفصح عن برنامجه المستقبلي في غواية خلق الله من البشر، وأفصح عن الطريقة التي سيمارس بها هذه الغواية، وحدد المداخل التي سيدخل منها.. ثم ها نحن أمام حكمة إلهية بالغة، وهي الاستجابة لطلب ذلك المعارض العاصي، بأن يأخذ وقته إلى يوم البعث.. يعني ليست ساعة ولا يوما ولا سنة ولا قرنا.. إنما مسافة زمنية مفتوحة.. فما أعظم وأحكم رب العزة سبحانه وتعالى.

هل بعد ذلك كله يمكن لبشر في موقع الحكم أن يقرر بجرة قلم أن يمحو المعارضة والمعارضين، أو أن يضيق بالحوار والسجال؟! فما بالك إذا كان الحوار في عالمنا البشري منطلقا من أرضية الحرص على الاستقرار وعلى قوة الدولة وعدالة النظام؟!

وتسألني عزيزي القارئ: هل غيرت موقفك من مؤيد مناصر متحمس لعبد الفتاح السيسي منذ لحظة الترشيح الأولى، وضمن المشهد الأول التأسيسي، إلى معارض يتلمس سندا من الكتب المقدسة والمرجعية الدينية وأنت من أنت في معارضتها؟! وأبادر بالإجابة: إنني لم أغير موقفي ولا أستند لمرجعية دينية بدرجة أو بأخرى، وإنما يأتي هذا الذي كتبته كمحاولة لقطع سياق الذين يسترسلون في الإيحاء بأنهم سدنة النظام المخلصين للرئيس الرافضين لأية معارضة بأية درجة له!

ذلك أنهم لا يفهمون أن استمرار الرئيس والنظام وقوتهما وضمان استمرارهما في الإنجاز مرتبط بوجود النقد والمعارضة حتى من داخل مؤيدي الرئيس والنظام، لأن هناك فرقا ضخما بين من يعمل عند الرئيس وعند الحكومة، وبين من يعمل مع الرئيس ومع النظام!

اتركوا البخار يتصاعد ويتحول لطاقة تدير توربينات العقل المصري وإلا لن يتحمل أي تحصين ما قد يحدثه البخار المكتوم من انفجار.

ليس كل ناقد أو معارض خائنا أو مغرضا أو منتظرا لمكسب، ولكم في مشهد الخلق الأول العبرة إن كنتم من أولي الألباب.


 نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 23 فبراير 2016

No comments:

Post a Comment