Thursday 3 November 2016

الزلط.. والغلط في العلاقات المصرية- السعودية




كل ظواهر الحياة نسبية، وتحتمل التفسير والتأويل بوجوه متعددة، لأن المطلق الوحيد هو وجود الله سبحانه وتعالى، ومن ثم فإن كل ما هو بشري قابل لأن يحمل وجهين أو أكثر، عدا عن أنه قابل للتأييد وللتفنيد في آن واحد! وعلى ذلك فإن علاقات الدول والمجتمعات تحتمل- باعتبارها ظواهر بشرية- كل ما سبق، ومنها علاقات مصر والسعودية، حيث يمكن أن يؤدي تصرف ما إلى تعقيد العلاقة، إذا ما تم فهمه على نحو بعينه، وهو ما يلخصه المثل الشعبي: "حبيبك يمضغ لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط".. ثم يلخصه أيضا بيت الشعر الفصيح:

عين الرضا عن كل عيب كليلة
وعين السخط تبدي المساويا

ولذلك كان سعي الدول عبر مؤسساتها لأن تبقي علاقاتها بغيرها من الدول مبنية على أسس سليمة، وفق القواعد التي أرستها العلوم والخبرات المعنية بالعلاقات الدولية عامة والعلاقات داخل إقليم بعينه خاصة!
ودعونا نكون أكثر وضوحا لنقول إن هناك احتقانا بدرجة ما في علاقات البلدين، وهو وإن لم يفصح بعد عن حجمه ودرجته وأسبابه إلا أن بعض الأعراض تدل عليه، ومنها حكاية الكلام الذي أطلقه أمين منظمة التعاون الإسلامي، وهو سعودي الجنسية، وحكاية تأخر توريد بعض شحنات النفط من شركة أرامكو، ومنها ما جاء على لسان وزير خارجية مصر في حوار أجرته معه الأهرام القاهرية، وقال فيه عن أن اختلاف البلدين في الأزمة السورية سببه رفض مصر للحل العسكري وإصرارها على الحل السياسي، فيما السعودية ضد ذلك، الأمر الذي يعني ضمنا انحياز السعودية للحل العسكري وللإرهاب!

ناهيك عن أمور أفصح عنها مقال كتبه الأستاذ مكرم محمد أحمد في الأهرام منذ فترة قصيرة، وحديث له في إحدى المحطات التليفزيونية!

وفي اعتقادي أن كل ما طرح- وتشتم منه رائحة الاحتقان- كان يمكن تأويله وتفسيره وفهمه بطريقة أخرى أقرب للقبول والتجاوز، بمعنى أنه لو فهم موضوع أرامكو باعتبارها شركة لها إدارة وميزانية وحسابات تحكمها وتتعامل مع عملائها وفق القواعد السارية فيها ثم تأخر عميل من العملاء المتعاملين معها في سداد المبالغ المطلوبة فإنها تتخذ الإجراء المناسب وفق القواعد والضوابط اللازمة، وإلا كان ذلك تجاوزا، والذي حدث هو أن المستورد في مصر تأخر عن سداد ثمن الشحنات.. وعندئذ يكون الفهم بعيدا عن إطار التنابذ السياسي وعن مسألة من يريد أن يركع وطنًا بأكمله!

وهنا وبالمناسبة ولأن ثمة احتقانا، فقد تم على الجانب الآخر فهم حكاية "الركوع لغير الله" على غير وجهها الصحيح، لأنها جاءت على لسان السيد رئيس الجمهورية في معرض تصحيح لعبارة ومعنى أطلقه أحد المتحدثين، إذ قال إن "مصر لن تركع لأحد"، ولأن الرئيس من الذين معروف عنهم التدين فقد صحّح من فوره "نحن لا نركع إلا لله"، أي أنه مصر تركع أحيانا ولكن لله، لأنه ربما اشتم في كلام المتحدث شبهة عزوف عن الخضوع لله سبحانه وتعالى.. يعني الكلام إذا أخذ في سياقه فلن تظهر فيه أي إشارة للمملكة أو لغيرها.. ومع ذلك تدفقت بعض المقالات بأقلام سعودية ترد على الرئيس!

وإذا مضينا في السياق ذاته فقد كان ممكنا للسيد وزير الخارجية، أو للمتحدث باسم الوزارة، أن يبادر بتوضيح العبارة التي ورد فيها اسم المملكة في حوار الوزير مع الأهرام، ليبين أنه ليس مقصودا الربط بين السعودية وبين الإرهابيين في سوريا، وأن سياق حديث الوزير قبل وبعد تلك العبارة يدل على الاحترام المتبادل بين البلدين وعلى النضج السياسي الذي يقبل بوجود خلاف في وجهات النظر حول موضوع بعينه!

أما حكاية إياد مدني والكلام عن الثلاجة وغيرها فلا شك أنه غير مقبول، ولكن المدى يتوقف به عندما يمكن أن نصفه "عدم توفيق وجليطة وتجاوز شخصي.. بل وثقل ظل من واحد يريد بيع المياه في حارة السقائين"! يعني الأخ مدني لم يلتفت إلى أن الأمر يتصل بمصر والمصريين وعليه كان عليه أن يبتعد عن اصطناع خفة الظل وإلقاء الإفيهات وكأن القافية حبكت.. أما أن يصل الأمر إلى أنه كان سيناريو معد سلفا.. أي أن إياد أفندي حرص على أن يخطئ في اسم الرئيس التونسي، ليقول ما قاله بعدها، فهو دليل على قاعدة "الزلط.. والغلط" التي جاءت في المثل الشعبي!

ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الواجب هو أن يستمر الجهد المبذول على الصعيدين الرسمي والنخبوي، إذا جاز الاصطلاح في تحديد حجم ودرجة الاحتقان، وأسبابه وعوامل تأجيجه ثم كيفية تخفيفه وإزالته والعمل على ألا يتكرر.. وعلى الصعيد الرسمي فإن هناك المؤسسات الرسمية في البلدين، ابتداء من مستوى القيادة، أي الرئيس والملك، والوزارات والجهات المتخصصة على المستويات كافة، ولن يستطيع مثلي أن يتحدث نيابة عن هؤلاء، أما على المستوى النخبوي فأعني به عشرات من رجال الأعمال والمثقفين والخبراء وأيضا الصحفيين والفنانين، أولئك الذين إما هم منتظمون في جلسات للمناقشة مثل ما يتم في الصالون الثقافي الذي ينظمه السفير السعودي الأستاذ أحمد قطان، الذي يبذل جهدا خارقا لرأب أي صدوع، وما على غراره من ملتقيات تجمع نخب البلدين لتتمكن العلاقات الشعبية والقوة الناعمة من مساعدة العلاقات الرسمية والقوة السياسية والدبلوماسية!

إن الوضع في المنطقة الآن ولأمد طويل مقبل وفي ظل متغيرات هائلة، لا يحتمل أي شقاقات ولو محدودة بين مصر وأشقائها في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ليس لأن مصر محتاجة، فالجميع في أشد الاحتياج لبعضهم البعض، لأن الاحتياجات متعددة وليست اقتصادية أو مالية فقط، ولكن لأن الجميع في خطر يهدد الوجود العضوي لمجتمعاتنا، أي يطال حياتنا المباشرة وأجيالنا القادمة.
                               

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 3 نوفمبر 2016.

No comments:

Post a Comment