Wednesday 30 November 2016

إضافات في المسألة الدوائية




كان العنوان الرئيسي في الصفحة الأولى من جريدة "الوفد" يوم الأحد 27 نوفمبر، هو: "أزمة الدواء تضرب منظومة الصحة".. ومعه مانشيت فرعي: "المافيا وراء اختفاء أدوية السكر والقلب والصدر والعظام وفقر الدم والمحاليل الطبية"، ومعلوم للكافة أن رئيس حزب الوفد هو الدكتور سيد البدوي أحد كبار رجال صناعة الدواء في مصر، فلذلك يأخذ تحقيق الوفد حول الدواء مصداقية من نوع خاص! الأمر الذي يحفز كاتب هذه السطور على أن يستكمل ما بدأه حول مسألة الدواء في مصر، وحتمية فتح ملفاتها كلها.

وكنت قد تلقيت تعقيبات ومحادثات هاتفية، كان أهمها وأكثرها صراحة ووضوحًا ما شرحه لي أحد كبار رجال صناعة الدواء، ممن لهم باع طويل في صناعة الدواء خلال الستينيات، إذ قال الرجل إنه يؤيد ضرورة وجود هيئة مستقلة تشرف على السياسة الدوائية في مصر، وتكون بمعزل عن السلبيات التي تحاصر "الدواء"، ومن أخطرها نقص خبرة وزراء الصحة الذين يأتون عادة من قطاع الطب، ولذلك سرعان ما يتم تسييس المسألة وتشيع العنتريات مما يضر بصناعة الدواء في مصر، إضافة إلى وجود هيئة منتفعين من استمرار تبعية الدواء للوزارة، حيث تتدفق الأموال المحصلة من الرسوم المفروضة على التسجيل وغير التسجيل لتتحول إلى مكافآت وغيرها.

من بين التعقيبات التي تلقيتها تعقيب من الأستاذ الدكتور محمد رؤوف حامد، الذي اعتمدت على دراسة له فيما كتبته بمقالات سابقة، وأقتبس نظرا للمساحة، بعضا مما كتبه حول ما تلقيته من تعليقات:

"كانت هذه التعليقات، كما ذكرتم، تتجه إلى أنه "كفى مجالس عليا في كل شيء، لأنها أصبحت عنوانًا على عدم الفاعلية وستارًا لمزيد من الترهل والمجاملات".

اسمحوا لي أن أنقل لحضرتكم أنني أتفق تمامًا مع وجهة النظر هذه، وذلك من منظور ما هو سائد، حيث - بالفعل - توجد عشرات المجالس العليا، والتي لو أن أغلبها يضطلع بوظائفه بالهمة المفترضة، لكُنا حاليًا أحسن بكثير في كافة المجالات.

وفي هذا الشأن لي ملاحظتان:

أولاًـ أن المجلس الأعلى للدواء، هو "كيان" تختص مهمته العظمى بإدارة الدفة بشأن تطوير الصناعة الوطنية للدواء ورسم وتطبيق سياسات إتاحة الدواء للمواطنين. وباعتباره كيانًا فهو "منظومة" يمكن أن تحمل اسم المجلس الأعلى للدواء، أو أي اسم آخر مناسب.
الأمر المهم هو أن يكون هذا الكيان هو المنظم والمتابع والمطور لكافة الشؤون الوطنية للدواء، والتي تكون تحت مظلته، كمسؤوليات، وكمهام، وكمنظومات. وذلك سواء كانت هذه المنظومات حكومية، أو استثمارية، أو خاصة، أو قطاع أعمال.. إلخ.

ثانيًا ـ أن نجاح هذا الكيان في إنجاز رسالته يتطلب أولاً وأخيرًا، أن يعمل بطريقة علمية، ومن خلال المنهج المنظومي الذي يعني - في الأساس - ثلاثة أمور:

الأمر الأول: هو أن أوضاع ومستقبليات السياسات والاستراتيجيات والتطبيقات والتقويمات تبنى على أساس أن كافة الكيانات الوطنية أو المحلية "للدواء"، سواء هي داخل الحكومة أو خارجها هي أجزاء من منظومة واحدة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن المنظومة تعرف باعتبارها: أجزاء لها فيما بينها روابط بينية، بحيث إن هذه الأجزاء تبدو كوحدة واحدة، وذلك بفعل تنظيم لعلاقاتها ببعضها.

وأما الأمر الثاني، فهو أن أية منظومة هي جزء بشكل ما من منظومة أكبر منها، وهي - في نفس الوقت - تضم في داخلها منظومات أصغر منها.
هذا الاعتبار ينطبق تلقائيًا على كافة المنظومات الدوائية ككل.

وعن الأمر الثالث، فهو أن لكل منظومة خمس وظائف رئيسية، وذلك مهما ارتفع أو تدنى مستوى المنظومة.

هذه الوظائف الرئيسية أو العامة تندرج كالتالي:

1 ـ الوظيفة الأولى، وتوصف باعتبارها وظيفة "سياسية". إنها تختص بتحديد الهدف الرئيسي والأهداف الجزئية للمنظومة، وهي عملية يمارس فيها الاختيار والتفضيل عبر بدائل.

2 ـ الوظيفة الثانية، ويطلق عليها وظيفة "الاستخبار"، هذه الوظيفة تختص بالتعرف على البدائل الممكنة بالنسبة لأهداف المنظومة، وكذلك استجلاب المعلومات من البيئة المحيطة، حيث تساعد هذه المعلومات في اكتشاف وتوقع الفرص، والعقبات، والتحديات، والتهديدات.
وهكذا لهذه الوظيفة ثقل نوعي خاص في عالم التنافسية.

3 ـ الوظيفة الثالثة، هي وظيفة "التشغيل"، وتتضمن تخصيص الموارد البشرية والمادية ومتابعة العمل وترشيده.

4 ـ الوظيفة الرابعة، وتختص بالتنسيق بين الأجزاء المختلفة للمنظومة أو بين المنظومات الأدنى وبعضها البعض.

5 ـ الوظيفة الخامسة، تختص هذه الوظيفة بمتابعة كل منظومة لوجود وأداء الوظائف الأربع السابقة في المنظومات الأدنى. وبنفس المنوال يكون لكل منظومة صغيرة خمس وظائف تقوم بها تجاه المنظومات الأصغر منها التي تتبعها وهلم جرا.

وهكذا المنظومات تقوى وتتطور أو تضعف وتتحلل، بقدر نجاحها في أداء وظائفها العامة الخمس، سواء هي المنظومة الوطنية للدواء "بصرف النظر عن مسماها كمجلس أعلى أو غيره".

المسألة إذن أن المنظومة كطريقة وكمعيار هي أداة التقدم و"التقييم" لكافة الممارسات والكيانات، سواء على مستوى المجال أو مستوى الدولة ككل. ذلك فضلاً عن أنها أداة للتنبؤ بالمشكلات والتحديات تمامًا كما هي أداة لمواجهة أية مشكلات وأية تحديات.

هذا وغني عن الذكر أن خصوصيات الدواء في مجالات التنافسية والتخطيط والتطوير وإتاحة الدواء لمن يحتاجه والتسويق، إلخ، تجعله "أي الدواء" حساسًا لأي ضعف في السياسات والاستراتيجيات والإدارة.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير.
محمد رؤوف حامد
26 نوفمبر 2016

وفي الختام أدعو كل المهتمين بهذه القضية المحورية والاستراتيجية، لأن نسعى جميعًا لبلورة اقتراحات محددة يساهم فيها مختلف الأطراف، لكي يجد الدواء في مصر سبيله للازدهار.
                             

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 30 نوفمبر 2016.

No comments:

Post a Comment